رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح18
وجهة نظر ..
(تشكيل أية حكومة بدون العراقية ستكون ناقصة الأهلية)
لقد ظلت النخبة العراقية المثقفة من كافة أطياف الشعب العراقي ومن مختلف الاختصاصات القيادية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية تنتظر طيلة الشهور المنصرمة على أزمة تشكيل الحكومة التي تدخل التحالف الكردستاني لما عرف عنه من النأي بنفسه عن الصراعات الطائفية طيلة السنوات الماضية، على خلفية تصريحات قيادات التحالف في الأشهر الماضية، بعد تفسير منطوق المادة (76/أولاً) من الدستور التي نصت على "أولاً: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية" مؤكدين حق القائمة العراقية على تشكيل مجلس الوزراء، منطلقين من أن تفسير المحكمة الاتحادية مثل خروجاً على القاعدة الفقهية المعروفة "لا اجتهاد في معرض النص" خاصة وأن نص المادة (76/أولا) من الدستور واضحاً تماماً لا يتحمل التأويل، وإن تفسير المحكمة الاتحادية قد تجاوز حق التفسير إلى حق التشريع لأنه أضاف نصوصاً لم يتضمنها النص المذكور، ثم جاء تأكيد السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان "إن تشكيل أية حكومة بدون العراقية ستكون ناقصة الأهلية" وذلك التأكيد الذي مثل تصريحات مسؤولة، وتنطوي على رؤية وطنية شمولية للواقع العراقي عامة وأزمة تشكيل الحكومة خاصة، كما أنها تنطوي على ما عُرف عن السيد مسعود البارزاني بأنه قيادي من طراز خاص يتسم منهجه بالصدقية العالية، ويتسامى عن المجاملات على حساب المواقف الجادة التي تستدعيها الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق خلال تاريخه المعاصر، مقدرين بُعد نظره، وعدد آخر من القيادات الكردية أمثال محمود عثمان وسامي شورش والآخرين، لما يحتاجه العراق من تضافر جهود كافة العراقيين لتصويب مسار العملية السياسية التي اكتنفتها أخطاء بليغة خاصة في السنوات الأربع لحكومة نوري المالكي لعل أبرزها وأخطرها على الجميع التفرد التام بالسلطة، للحد الذي وصفته عدد من القيادات الكردية، بأنه يتجه نحو الدكتاتورية في قيادة البلاد خاصة بانحراف مكتب رئيس مجلس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة ووزارة الدفاع بعناصر من حزب الدعوة حصريا، فضلاً عن مصادرة صلاحيات وزيري الدفاع والداخلية ورئيس أركان الجيش وقيادات الفرق والألوية والأفواج، وإدارة هذه المؤسسات من مكتبه مباشرة لصالح الاستئثار بالسلطة وتجميعها بيديه وأعوانه، وإطلاق يد قيادة مكافحة الإرهاب والأمن الوطني غير الدستوريتين في تنفيذ أوامره خروجاً على النصوص الدستورية والقانونية النافذة .. وذلك التفرد بالسلطة الذي أثار حفيظة ونقد كافة قيادات الكيانات السياسية الأخرى بما فيهم حلفاءه بالتحالف الوطني العراقي، قاد إلى استقالة 17 وزيرا من الحكومة وتهديد رئيس أركان الجيش وتسعة من القيادة العامة بالاستقالة بسبب سلب صلاحياتهم والمصادرة على قراراتهم والتعمية على ما يجري في مكتب القائد العام في كل ما يتعلق بشؤون تلك القوات من تعيينات وتنقلات وترقيات ومنح رتب للميلشيات خروجا على الضوابط القانونية...
لقد تواترت طروحات السياسيين والمثقفين من العراقيين على أن قيادات التحالف الكردستاني بما يمتلكونه من حصافة في الرأي، وقدرة في التأثير على الكيانات السياسية الأخرى من خلال إيمانها العميق استحالة إدارة شؤون البلاد من قبل طائفة أو قومية أو حزب واحد، وتجربة السنوات السبع المنصرمة شاهد أكيد على ذلك، وإن مصادرة حقوق الآخرين تحت أية أعذار مرفوضة تماماً، وإن سياسات الإقصاء والإبعاد والتهميش لا يمكـن أن توفـر للبلاد الأمن والاستقرار الذي يستحيل بدونه تحقيـق أية خطوات علـى صعيد التنمية والبنـاء والإعمار، وسيظـل العراق ساحـة مفتوحة للصراعات المسلحة مهما كانت عمليات القمع شديدة ... إذن لابد من مساهمـة الجميع في قيادة دفة البـلاد، من هنا تتأكد مقولة السيد مسعود البارزاني مـن أن تشكيـل أية حكومـة بـدون العراقيـة ستكون ناقصة الأهلية، مقولـة حكيمة وبعيدة النظر لضمان مستقبل واعد للعراق، الأمر الذي يعقـد عليه الخيرون من أبنـاء العراق آمـالاً عريضة بأن يتدخل التحالف الكردستاني بثقله المعهود لإعادة التوازن فـي تشكيل الحكومة منطلقين من ورقة المطالب الكردية المتمثلة بالآتي:
1-تشكيل حكومة شراكة وطنية وفقا للاستحقاق الانتخابي الدستوري.
2-تقسيم السلطات من خلال تفعيل المادة (85) من الدستور التي تنص على "يضع مجلس الوزراء نظاماً داخلياً لتنظيم سير العمل به" وبدلالة المادتين (76 و86) من الدستور، من خلال تشريع مجلس النواب قانوناً بدلاً من نظام، يحدد فيه آليات وسلطات رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ونوابهما والوزراء والأمانة العامة والاستشاريين وتقنين الهيكل التنظيمي لها جميعا منعاً للتعيينات المبالغ فيها والتي استنزفت الخزينة وصارت مرتعاً للمحسوبية والمنسوبية والحزبية، وكسب الولاءات الشخصية على حساب الصالح العام، دون مراعاة لمعايير التوصيف الوظيفي أو تحديد معدلات الأداء اليومي النوعي الذي يجب أن يستغرق الدوام الرسمي، ويحقق إنجازاً فعلياً للمهمات التي تستلزمها طبيعة العمل المنوء به، فضلاً عن تضمين القانون مبدأ قانوني عالمي "طاعة القانون أولى من طاعة الرئيس" لضمان عدم تنفيذ أوامر المافوق التي لا يتوافر فيها الشروط الشكلية والموضوعية للأوامر الرئاسية أو القيادية.
3-إعادة هيكلية القوات المسلحة، من خلال تفعيل المادة (9/أولاً /أ) من الدستور التي نصت على "تكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء" مما يستدعي إجراء مسح دقيق لكافة وحدات الجيش والأجهزة الأمنية ووزارة الدولة لشؤون الأمن الوطني وقيادة مكافحة الإرهاب والألوية الخاصة وجهاز المخابرات، من القيادة إلى القاعدة لتفعيل النص الدستوري، ومنع استئثار مكون واحد أو حزب واحد على قيادات وعناصر هذه الأجهزة لما تمتلكه من قوة مادية تمكنها من قهر إرادة بقية المكونات، وهو ما وجد صداه في عديد من الاعتقادات والتصفيات الجسدية والتحكم بالسلطة بالقوة ... فضلاً عن تأكيد النص الدستوري صراحة على أن لا تكون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية "أداة لقمع الشعب" وأن لا تضم بين عناصرها ميلشيات حزبيــة (م 9/أولا /ب) من الدستور، وأن تعمل وفقا لمبادئ حقوق الإنسان وتخضع لرقابة مجلس النواب من خلال تفعيل نص المادة (84/أولا) من الدستور التي نصت على "ينظم بقانون عمل الأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات الوطني، وتحدد واجباتها وصلاحياتها ..." الأمر الذي يستدعي تطبيق المعايير المهنية وتوصيف الوظائف على منتسبي تلك الأجهزة لتسريح من لا تتوافر فيه تلك الشروط والمعايير ونقل الآخرين إلى خارج تلك الأجهزة ....
4-التوزيع العادل للثروات: تفعيل أحكام النص الدستوري (112) بقيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، ورسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار، على أن توزع الواردات بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع منح حصة إضافية للأقاليم والمحافظات وفقا لمستوى تخلفها، استناداً إلى قرار لجنة مختصة من خبراء الاجتماع والاقتصاد والعمران تعرض فيه الأسبقيات اللازمة لمشاريع التنمية والإعمار في الأقاليم والمحافظات بما يكفل التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، واستثمار النفط والغاز المستخرج من الحقول المكتشفة بالتنسيق والتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات على أن ينظم ذلك بقانون...
5-إصلاح مجلس القضاء الأعلى: لخطورة دور السلطة القضائية على مسار العملية السياسية في العراق والتي أثبتت السنوات المنصرمة تسيسه وتبعيته الطائفية إلى الحكومة، واستئثار رئيس مجلس القضاء رغم تجاوز عمره (75) عاما برئاسة مجلس القضاء الأعلى ورئاسة المحكمة الاتحادية ورئاسة محكمة التمييز واحتكار تلك المناصب بيديه، وعدم إصدار قانون المحكمة الاتحادية ليبقى منفرداً بقراراتها، وعدم تفعيل قانون العفو العام رقم 19 لسنة 2008 الذي تسبب بعدم حسم ملفات آلاف المعتقلين بدون عرضهم على القضاء، ومجاراة رغبات الحكومة بانتداب قضاة للأجهزة الأمنية والعسكرية لاستصدار قرارات تحري وقبض واعتقال على المواطنين لزجهم في المعتقلات دون تهمة حقيقية، وتجاوز السقوف الزمنية لحسم القضايا عدة سنوات، ووجود معتقلات خارج سلطات وزارة العدل، وعدم قيام الادعاء العام والإشراف العدلي بوظائفها بالتدقيق عن مصير المعتقلين والموقوفين بدون مذكرات توقيف ... كل ذلك يجعل الحاجة ماسة وشديدة لإصلاح هذه المؤسسة الخطيرة، بتدقيق ولاءات القائمين عليها بما يضمن صدقية حياديتهم ونزاهتهم ونبذهم للحزبية والطائفية وتفعيل النص الدستوري (م 88) القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان في 28/9/2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة
http://www.algardenia.com/maqalat/15486-2015-03-14-09-13-07.html
962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع