رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ الحلقة 13
المصالح الأميركية والإيرانية وأثرها على الأمن العراقي
عام
1. شكِّل الوضع في العراق دائماً تحدياً استراتيجياً لإيران. فحتى عام 2003، كان الاستقرار الإقليمي يعتمد على توازن القوى بين إيران والعراق. عندما احتلت الولايات المتحدة العراق، كانت أمريكا تعتقد أنها ستتمكن من الإطاحة بالنظام العراقي بسرعة وتستبدله بحكومة متماسكة موالية لأمريكا ليعود توازن القوى بين العراق وإيران كما كان الوضع عليه سابقاً. وعندما تبيَّن خطأ ذلك الاعتقاد، أصبح على الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في العراق وتوفير القوة الكفيلة بتحقيق التوازن مع إيران. ومع أن الغزو الأمريكي للعراق حقق هدفا أمريكياً-إيرانياً مشتركاً، وهو الإطاحة بنظام صدام حسين، إلا أن أهداف البلدين اختلفت بعد الغزو. فطهران ترغب بوجود حكومة شيعية موالية لها في بغداد، أما الأمريكيون فيريدون حكومة عراقية تخدم مصالحهم وتقف في وجه التحدي الإيراني من خلال مرتكزات قوية تحفظ الأمن الوطني العراقي، مما خلق هذا الموقف معضلة كبيرة تهدد المصالح القومية في العراق والمنطقة.
عناصر معضلة الأمن الوطني العراقي.
2. في دراسة سابقة والتي تناولنا فيها تحليلا موسعا لمعضلة الأمن الوطني العراقي، إذ حددنا فيها أهم عناصرها الأساسية وهي:-
أ. أخفاق المشروع السياسي الأميركي الجديد في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 في تأسيس نظام سياسي ديمقراطي حر، والذي صمم على أساس توافقية سياسية هشة، وفق معطيات تقدير موقف خاطئة ،قد خلق معضلة سياسية معقدة، ولدت مشكلات أمنية واقتصادية خطيرة جدا، لقد فرضت السلطة الأمريكية في العراق (العملية السياسية) في إطار نظرية (الديمقراطية التوافقية) دون أية خطوات تدريجية ومنطقية للتحول من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي الحر ،لقد قام النظام السياسي العراقي الجديد بمعظم سياسيه غير الناضجين والمفتقرين للثقافة المعاصرة والذين تتحكم بهؤلاء مركبات النقص والنزعات الانتقامية الهمجية من تشوّيه العملية الديمقراطية الفتية في العراق الجديد وتلاعبوا بها من خلال اعتماد عمليات إقصاء نخب الدولة والتكنوقراط بحجة محاربة البعثيين ومن خلال تطبيق مبدأ " الحصص النسبية" التي أثارت انقسامات حول عملية صنع القرارات وتفعيل أنشطة منظومات الدولة مما أدّى إلى فشل القيادات التنفيذية العليا للأطراف المشاركة المتنازعة على الحكم والسلطة المطلقة) في التصدّي للكوارث الإنسانية الشاملة وتحقيق التنمية السياسية وبناء الوطن..
ب. عدم أتفاق أركان النظام السياسي العراقي الجديد على هدف وطني موحد،، مما يعني عدم وجود إستراتيجية سياسية عليا للبلاد ،وهي ضرورية لبناء الإستراتيجيات الرئيسية التي تحتاجها الدولة العراقية كالدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإعلامية .
ج. عدم توفر مفهوم حقيقي للأمن الوطني العراقي ،واختلاف أركان النظام السياسي العراقي في تحديد وتسمية التهديدات الخارجية والداخلية ،مما يعني عدم توفر إستراتيجية أمنية فاعلة في العراق.
د. عدم توفر القدرات العسكرية والأمنية الكافية لتامين متطلبات حماية المصالح الوطنية بالمستوى المطلوب ،نتيجة عوامل عديدة أهمها الأخطاء الجسيمة في بناء المؤسسات الدفاعية والأمنية خارج المعايير والسياقات المهنية وتوغل واسع للنفوذ السياسي للقوى السياسية الرئيسية المتنافسة للهيمنة على تلك المؤسسات وتشكيلاتها المسلحة، بل أصبحت العديد من تلك القوات جزءا من مشكلة الأمن الوطني .
هـ. تشوه كبير أو غياب معظم القيم والمعايير الوطنية والتي تشكل مكونات مهمة من الثقافة العراقية الوطنية، نتيجة هيمنة قوى سياسية مؤد لجة بثقافات خارجية مضرة بمقومات الأمن الوطني العراقي، مما أزالت الكثير من الحدود الفاصلة ما بين المصالح الوطنية والمصالح الخارجية وخاصة المصالح الإيرانية.
و. التهديدات والمخاطر المستمرة الذي يواجهها المواطن العراقي ولأسباب سياسية وطائفية وعرقية، من قبل مصادر تهديد مختلفة أخطرها المصادر الحكومية، كالحرمان من الوظائف والاعتقالات العشوائية وممارسات مخلة بحقوق الإنسان مع ضعف مشخص في القضاء العراقي.
ز. المشاريع الانفصالية التي تتبناها أحزاب سياسية كبيرة في النظام السياسي العراقي الجديد تشكل خطرا جسيما يهدد الوجود الحي للوطن العراقي.
ح. عدم توفر إستراتيجية أمن موحدة أو منسجمة ومنسقة بين العراق ودول الجوار العربي.
ط.عدم توفر التوازن والتنسيق الكاف بين الخطط الأمنية العراقية والأميركية، وفقدان الثقة ما بين الطرفين، وطغيان سمة التحايل والتضليل خلال تنفيذ الخطط المشتركة بينهما، في ظل غياب العلاقة المباشرة للعراق بالإستراتيجية الأمنية الدولية التي تتولاها المنظمات الدولية كالجمعية الوطنية ومجلس الأمن الدولي.
التأثير الإيراني في تعقيد البُعْد السياسي للأمن الوطني العراقي
3. لقد أضحى البعد السياسي للأمن الوطني العراقي نتيجة أخفاق المشروع السياسي الأميركي في العراق أولا، وللتأثير الإيراني المباشر وغير المباشر ثانيا، وعدم توفر القيادات العراقية الكفوءة في هذه المرحلة التاريخية، معقدا جدا على المستويين الداخلي والخارجي وكما أسلفنا فأن المشكلة السياسية قد ولدت الكثير من المشكلات الخطيرة في العراق وأهمها المشكلة الأمنية، لعدم توفر النوايا الصادقة لجميع الفرقاء في الداخل والخارج الذين تحكمهم الأحقاد الغبية في تفكيرهم وسلوكياتهم، ورغم كل الضغط الأميركي لم تكن هناك تسوية حقيقية وفاعلة للصراعات الداخلية ،وعدم وضع إستراتيجيات سياسية تتصف بالحكمة وبعد النظر لتخفيض حدة الخلافات إلى الحد الأدنى للحفاظ على الكيان السياسي الجديد للدولة، مما أهمل موضوع أصلاح الدستور العراقي الذي يفترض أن يكون أولى الأسبقيات في مشروع الإصلاح السياسي وكذلك السعي غير المنطقي في تفعيل هيئة المسائلة والعدالة سيئة الصيت الشبيهة بنظام وعمل (مجلس صيانة الدستور الإيراني)، وذلك لشدة تمسك أحزاب السلطة المهيمنة بمكتسباتها المختلفة.
4. لقد عملت المنظومات الإيرانية المختلفة على تسخير السلطة وتعبئة الموارد الماديّة والبشرية باتجاه ضمان استمرار الاحتراب والنزاعات والصراعات وإضعاف الهوية الوطنية عن طريق استغلال المظالم الاجتماعية المتراكمة ذات العلاقة بالسلطة والتفاعلات الاقتصادية والنسيج الاجتماعي.. كما عملت تلك المنظومات، على جعل عناصر ومكوّنات الإرادة الوطنية مبعثرة ومعوّمة ومتناحرة حول العملية السياسية المفروضة وكيفية توزيع مراكز السلطة والمال والفساد التي لا يملك خيوطها إلا أحزاب السلطة الكبيرة. ومواجهة وتحدي المساعي الأميركية في تحقيق التوازن الميداني على الأرض من خلال مشروع كبير هو(أعادة بناء الدولة العراقية العلمانية المتطورة ،وبناء السيادة الكاملة والحفاظ على وحدة الوطن، واعتماد (عقيدة ثقافيّة) تكون مصدرا أساسيا في تحقيق"التماثل الهيكلي" وتشكيل الهوية الوطنية الجامعة بين شرائح المجتمع المختلفة لكي يتسنّى بناء مجتمع عراقي سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي متوازن.
5.الضغط الإيراني غير المباشر، والذي رافق المصالح الذاتية لبعض أحزاب السلطة العراقية، في عدم السعي في اعتماد المبادئ والأسس الصحيحة في تشكيل الجيش والمنظومات الأمنية والإستخبارايّة ، فالاستقرار السياسي لا يتم دون توفر قوات وطنية محترفة مهنيا ومستقلة سياسيا.وقد رفضت كل المساعي في رفع القيود عن الزعماء السياسيّين المؤمنين بالعملية الديمقراطية وخبراء الدولة السابقين بضمنهم الضباط الجيدين من الجيش السابق. ذات الوقت لم تدرك القيادات الكردية الحالية ضرورة التوصل إلى صيغة تحقيق أمثل لإقليم كردستان في حكم الذاتي قابل للحياة في إطار وحدة الوطن. ولم تدرك أيضا بأن الاستقلال داخل منطقة عدائيّة مغلقة غير مستقرة تجعلها مسرحا لصراعات ومصالح إقليمية ودولية لا تحقق مصالح العراقيين الأكراد .
الأمريكان في مواجهة النفوذ الإيراني لضمان الأمن العراقي
6. كان خلاصة التحليل ألاستخباراتي حول أبعاد لعبة التوازنات الإيرانية -الأمريكية في العراق خلال الدروس المستوعبة من التجربة القاسية للأميركيين في العراق خلال السنوات سبع الماضية قد أفاد بالآتي:-.
أ. إن السياسة الأمريكية في العراق كانت مضطربة في الأساس. فمن ناحية، دفع برنامج اجتثاث البعث الأمريكي بالسُنَّة في العراق إلى صفوف المعارضة والمقاومة. فقد توحَّد البعثيُّون والسنة مع المقاتلين الأجانب في مقاومة الغزو الأمريكي ومحاولات تشكيل حكومة شيعية موالية لإيران. ومن ناحية أخرى، أبدى الأمريكيون العداء تجاه السُنة، وذات الوقت أحسوا بخطورة تشكيل حكومة موالية لإيران على حساب المصالح الأميركية . هذا الاضطراب دفع العراق إلى حرب بين ثلاثة أطراف مختلفة: الأمريكيون، والسُنة، والشيعة، مما أخل بتوازن القوى وجعل الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على الوقوف أمام إيران.
ب. وهكذا تحوَّل ما كان يفترض أن يكون عملية قصيرة المدى إلى حرب طويلة لا تستطيع الولايات المتحدة إخراج نفسها منها. فأمريكا لا تستطيع أن ترحل لأن احتلال العراق حول إيران إلى أقوى دولة في المنطقة، ولذلك سيتمكن الإيرانيون من السيطرة على العراق دون الحاجة لغزوه. ثم إن إيران بوضعها الحالي تشكل تهديدا استراتيجياً هاماً لتوازن القوى في منطقة الخليج. حتى لو تم حل قضية الملف النووي الآن فإن المشكلة الإستراتيجية ستبقى لأن المشكلة الأساسية هي في القوة العسكرية التقليدية وليست النووية.
ج. من المفترض أن الولايات المتحدة ستكمل سحب قواتها المقاتلة في شهر آب القادم 2010، تاركة وراءها قوة ساندة مؤلفة من 50 ألف شخص معظمها قوات نخبة وقوات جوية ضمن (مدينتين عسكريتين كبيرتين في شمالي وغربي بغداد). سبب الانسحاب هو أن هناك حاجة للقوات الأمريكية في أفغانستان، وأن الولايات المتحدة ليس لديها احتياطي استراتيجي لقواتها البرية، وإذا نشأت أية أزمة أخرى في العالم، فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من الرد بقوة. تجنب هذا الوضع المحتمل يتطلب سحب القوات الأمريكية من العراق، لكن التخلي عن منطقة الخليج للجيش والنفوذ الإيراني يمثل أيضاً وضعاً خطيراً للأمريكيين. لذلك على الولايات المتحدة أن توازن بين هذين الواقعين غير المقبولين.
د. الأمل الوحيد لدى الولايات المتحدة للوصول إلى هذا التوازن هو في تحقيق بعض طموحاتها المعلنة في عام 2003. وهذا يعني تشكيل حكومة عراقية قوية تمتلك قوات أمنية وعسكرية كافية لفرض إرادتها في الداخل وردع أي هجوم عسكري إيراني. السؤال المهم هو: هل يستطيع العراقيون تشكيل حكومة موحدة قادرة على اتخاذا القرارات وتمتلك قوة قادرة على ضبط الأمن في الداخل وردع أي هجوم من الخارج؟ وإذا استطاع العراقيون تشكيل الحكومة وامتلكوا القوة الكافية، هل سيتصرفون كما يريد الأمريكيون؟
هـ. لقد بذل الأمريكيون جهوداً كبيرة وأنفقوا أموالاً طائلة لتدريب قوات عسكرية وأمنية عراقية قادرة على السيطرة على العراق. لكن المشكلة ليست في التدريب، بل في الولاء. كان صدام حسين يسيطر على العراق من خلال استخدام المصالح والإرهاب في وقت واحد. وعندما سقط صدام، بدأت الفصائل العراقية المختلفة تتقاتل فيما بينها ومع الولايات المتحدة، ويحاول كل فصيل منها تحقيق أهداف لا تتوافق مع وحدة العراق. لذلك فإن القوات العسكرية والأمنية العراقية الحالية لديها ولاءات مختلفة تعتمد على الطائفة والدين والعرق. وهنا يأتي التساؤل حول من سيضمن وحدة العراق بعد أن تنسحب القوات الأمريكية المقاتلة في الصيف. الإيرانيون بالطبع غير حريصين على حل المشكلة العراقية بتشكيل حكومة تستطيع أن تحد من طموح إيران، ولذلك سيفعلون ما بوسعهم لزعزعة استقرار العراق ودفع البلد لتشكيل حكومة يستطيعون أن يسيطروا عليها.
و. لذلك من المنطقي أن يكون لدى الأمريكيين خطة بديلة. قد تكون هذه الخطة تأجيل الانسحاب، لكن أي إستراتيجية انسحاب يجب أن تتضمن فوائد وتبعات أي تأجيل. المشكلة هي أنه لا توجد ضمانات لحل مشاكل العراق الأساسية خلال عدة شهور أو سنة. وإذا اختار الأمريكيون الانسحاب على افتراض أن إيران لن تجرؤ على مهاجمة العراق بشكل مباشر طالما أن هناك قوات ساندة أمريكية، فإن المشكلة هي أن إيران تستطيع أن تعمل بشكل خفي على زعزعة استقرار العراق، الأمر الذي قد يعرِّض قوات المساندة الأمريكية للخطر. وفي النهاية تريد إيران أن تبرهن للدول الخليجية الأخرى أن الولايات المتحدة ستنسحب من العراق بغض النظر عن النتائج المحتملة لهذا الانسحاب، الأمر الذي قد يقلل ثقتهم بالأمريكيين ويجعلهم يفكرون في التعاون مع إيران.
ز. إن الطريق أمام الولايات المتحدة يعتمد على قناعتها حول إمكانية تشكيل حكومة عراقية متماسكة وقوات أمنية قادرة على التصدي للجماعات المسلحة، وتراءت للأمريكان الفرصة في فوز القائمة العراقية، وقد تحسبوا لردود الأفعال للماسكين بالسلطة والمسندين من إيران، وقد عملوا بحكمة بريطانية وهي العمل من خلف الكواليس لدعم فرصة التغيير، وباعتبار الدكتور أياد علاوي القاطرة التي ستقود عربات التغيير والتي تشمل معظم مكونات المجتمع العراقي. إذا كان الأمريكيون يعتقدون أن هذا أمر ممكن، عليهم أن يكملوا انسحابهم، وإذا كانوا يعتقدون أن الاحتمال ضعيف عليهم أن يؤجلوا الانسحاب ليقنعوا الإيرانيين أنهم ملتزمون تماماً بأمن العراق ويجبروهم على إعادة حساباتهم.
الأهداف الرئيسية للإستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق.
7. بصورة عامة كان هناك ثبات في الأهداف الرئيسية الأميركية في العراق، لضمان المصالح القومية الأميركية التي يصعب تجاوزها، غير أن المهارة ستكمن في طرائق وسبل تحقيق تلك الأهداف، ويمكن تحديد تلك الأهداف بما يأتي:-
أ. إنجاح المشروع السياسي والإستراتيجي الأميركي في العراق، بالتعويل على الحلول السياسية والدبلوماسية وبأقل جهد عسكري ممكن .
ب. أصلاح النظام السياسي وتقليص الصراع السياسي في العراق، من خلال تنشيط مشروع مصالحة حقيقي، ينهي الاصطفاف العنصري والطائفي.
ج. إنهاء الحرب الرسمية في العراق، وسحب القسم البشري الأكبر من القوات الأميركية من العراق، يرافق ذلك تطوير الكفاءات الأمنية والدفاعية العراقية، للتركيز على الهدف الإستراتيجي الخطير بالقضاء على تنظيم القاعدة في موطنه وكل مصادر التهديد الأخرى.
د. تقليص النفوذ الإيراني في العراق، من خلال توسيع الدعم العربي للعراق.
الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأميركية في العراق:
8. يمكن أجمال الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأميركية بما يأتي :-
أ.المحافظة على ما منجز في آليات النظام الديمقراطي الفتي في العراق ثم تطويره قدر المستطاع وتهيئة الظروف السياسية العملية لإعادة التوازن للعملية السياسية في العراق، وأجراء ما يمكن لتعديل قواعد العملية السياسية من خلال تعديل الدستور، وتشجيع المبادرات المؤدية لتوسيع المشاركة السياسية من الأطراف الرافضة للعملية السياسية وخاصة التي مثلت جزءا مهما من المقاومة العراقية السياسية والمسلحة.
ب. العمل على أصلاح المؤسسات الأمنية والدفاعية، وجعلها أكثر مهنية وانتزاع الصفة الطائفية عنها، مع إبقاء قوات الضربة الأميركية في العراق التي في معظمها من القوات الجوية وقوات النخبة لأمد بعيد، وتوسيع الجهد الإستخباري، والإشراف على أدارة العمليات الأمنية والعسكرية ،واتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ قرار انسحاب القسم الأكبر من القوات الأميركية من العراق في موعد أقصاه بداية عام 2012.
ج. وضع آليات للتوصل إلى أتفاق شامل حول استقرار العراق والمنطقة بمشاركة أوربية فعالة، وتشمل كافة الدول المجاورة للعراق خاصة التفاوض المباشر مع كل من إيران وسوريا.
د. أصلاح النظام الاقتصادي في العراق وخاصة في المجال النفطي .
هـ .مواجهة الأزمات الإنسانية العراقية، والسعي لتشكيل مجموعة عمل دولية للمساعدة في معالجة هذه الأزمات وفي مقدمتها إعادة المهجرين في الداخل ومن الخارج.
و. الحيلولة دون توسيع الخلافات السياسية والإدارية بين الأحزاب السياسية الكردية والقيادات المركزية، وتأجيل المشكلات الخطيرة للمستقبل كمشكلة كركوك وبالتعاون مع الأمم المتحدة.
الأهداف المكتسبة للإستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق:
9. في حالة تحقيق الأهداف الرئيسية والثانوية يمكن تحقيق عدد من الأهداف المكتسبة وأهمها:-
أ. تحسين سمعة الولايات المتحدة الأميركية في العراق والمنطقة .
ب. كسب عام لمعظم القوى العراقية الرافضة للمشروع السياسي الأميركي في العراق.
ج ضمان جعل العراق سوقا اقتصاديا أميركيا كبيرا ،يعوض نسبة مهمة من الخسائر الاقتصادية الأميركية للمرحلة السابقة .
د. ضمان صادرات النفط العراقي وفق آليات تتفق والسياسة النفطية الأميركية، من ناحيتي الإنتاج والتسعيرة والتسويق.
هـ. بروز بيئة لمشروع سياسي وطني عراقي جديد يتجاوز الصراعات الدينية المذهبية والعنصرية قدر الإمكان،تساعد على دفع العملية السياسية بسمتها الديمقراطية نحو الأمام ،وبما يضمن نجاح المشروع السياسي الأميركي في العراق والمنطقة.
و. توفر الفرص المعقولة لإصلاح النظام الإداري والاقتصادي في العراق بشكل عام، من خلال إعادة هيكلة المؤسسات العامة للدولة، وتحديثها نحو مستوى الحكومة الالكترونية للحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي، والسعي لتنفيذ مشاريع إعادة الأعمار المعطلة بالفساد العام.
ز. توفير الفرص لإصلاح نظام التعليم ،ومنح واسع للزمالات الدراسية في الجامعات والمعاهد الأميركية والأوربية بعيدا عن المحاصصة العنصرية والطائفية، لتطوير الثقافة العراقية وفق معايير منسجمة مع الثقافة الأميركية والغربية وبأقل ما يمكن من التقاطع.
الأمن الوطني العراقي من وجهة النظر الأميركية الجديدة
10. أن مؤسسات مهمة من منظومة صناعة السياسة الأميركية قد بينت في عدد من النشرات الرسمية الخطوط العريضة لوجهة النظر الأميركية الجديدة للأمن الوطني العراقي ومدى تأثيره على المصالح الأميركية في العراق والمنطقة ، وأهم ما جاء فيها، الآتي:-
أ. أن المصالح الأميركية باتت تتمثل بوحدة العراق وتطوره الاقتصادي والديمقراطي ,وأمن الطاقة والوصول إلى موارد الطاقة في العراق والخليج العربي، واحتواء ثم هزيمة الحركات الجهادية العنيفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، والسلام بين العراق وجيرانه بما في ذلك إيران وتركيا، ثم تطوير مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
ب. العراق أصبح أكثر أمنا واستقرارا ولكن ليس بالمستوى الذي يحقق تنفيذ خطط ومشاريع الأعمار وتطوير الاقتصاد العراقي بالشكل الذي يتبادل المصالح مع دول العالم ومنها دول المنطقة.
ج. أن انسحاب القوات الأميركية دون وجود حكومة وجيش وقوات أمنية رصينة قد يعطي رسائل خاطئة تؤدي إلى اندلاع العنف بين المجموعات العراقية المنخرطة بالعملية السياسية والتي تمتلك مليشيات قوية أو ولاء قوات جيش وأمن لا يستهان بها تكفي لإغراق العراق في أتون حرب أهلية بل وتهديد بقاء الدولة العراقية، ناهيك عن الفصائل المسلحة التي تعمل ضد العملية السياسية في العراق، ومن هذه الفصائل المشتركة قياداتها السياسية في العملية السياسية ، تتمثل بأبناء العراق وجيش المهدي وقوات البيشمركة .
إذ لازال الصدريون يحتفظون ببعض القدرة على تعبئة الشيعة المحرومين في مدينة الصدر وأماكن أخرى وتم أعادة جناحهم المسلح جيش المهدي الذي قد تمت هزيمته من قبل قوات الأمن العراقية ،وفق ثلاث مستويات هي المقاومون والممهدون والمناصرون؟؟.
د. إعادة قيام تمرد سنّي واسع النطاق أمر غير محتمل لكن لا ليس من الحكمة إهمال حالة الإحباط التي ستنالهم في حالة تهميشهم على ضوء عدم قبول نتائج الانتخابات الأخيرة التي ساهم بها السنة بقوة .
هـ . الصراع الكردي – العربي هو الأكثر خطورة، وقد يؤدي إلى انهيار العراق مما يتطلب وضع خطط وآليات عمل تنظم العلاقة ما بين الحكومة المركزية والأكراد، مع ضرورة إفهام القيادات الكردية بعدم المبالغة بالطموحات غبر المشروعة والتركيز على مكتسباتهم في حكم ذاتي فاعل وهي فرصة عظيمة لا ينبغي التفريط بها لدوافع قومية باتت غير ممكنة التطبيق ،سوف لن تكون قوات الأمن العراقية قادرة على هزيمة البيشمركة على الأراضي الكردية لسنوات قادمة،ولا تستطيع قوات الأمن العراقية هزيمة المتطرفين بشكل كامل في المستقبل المنظور. الخطر الأكبر سينشأ عندما يعتقد الأكراد بأن القوة ستكون أفضل من السياسات السلمية لتحقيق أهدافهم،أن ميزان القوة المسلحة سوف لن يتغير بشكل كبير لصالح قوات الأمن العراقية، إلى الحد الذي يؤدي إلى خضوع الأكراد والسنة بشكل تام.
و. حاول رئيس الوزراء نوري المالكي أن يمد نفوذه وسلطته عبر وضع حلفاء يعتمد عليهم في القوات الأمنية، بالإضافة إلى إنشاء أجهزة أمنية موازية وخطوط مباشرة للسلطة عبر مرسوم تنفيذي بدلاً من التشريع من خلال البرلمان، وإنشاء مجالس دعم عشائرية في أرجاء البلاد، وعليه ينبغي على الولايات المتحدة أن تعارض بشدة التوجهات السلطوية وعدم السماح للمالكي البقاء على رأس السلطة أو القبول بحكومة مشابهة لحكومته، فإذا كانت الحكومة العراقية القادمة مشابهة لحكومة المالكي، قد تزداد قدرة القوات الأمنية العراقية بشكل كبير وهذا الأمر بمجمله يعني سيطرة الشيعة وهو ما يعني بالمقابل خضوع السنّة والأكراد لحكم الشيعة، ولكن هذا اليوم بعيد المنال أذا تشكلت حكومة بهيمنة الليبراليين وذات الوقت أن الضغوطات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة القادمة ستحدد حجم ونوع القوات المسلحة.
ز. تواجه الولايات المتحدة حقيقة مهمة مفادها، إن قدرتها على منع صراع واسع النطاق بين اللاعبين السياسيين الرئيسيين قد أصبحت محدودة، وستضمحل مع انخفاض الوجود العسكري الأمريكي، مما ينبغي أحكام عملية سياسية عراقية تؤمن وصول القوى الليبرالية لقيادة الدولة العراقية والدور الأهم للولايات المتحدة لضمان الاستقرار السياسي خلال دعمها لتحسين وتطوير قدرات الأمن العراقية وإعادة تنظيم الجيش العراقي بالاستفادة من الخبرات الأصيلة في الجيش السابق.
الاستنتاجات النهائية للمحللين الأمريكان
11. هذا التحليل يقود إلى الاستنتاجات التالية :
أ. استمرار الإرهاب المتطرف بغض النظر عن الانسحاب الأمريكي فينبغي على الولايات المتحدة استخدام نفوذها الدبلوماسي والعسكري في العراق للحفاظ على الإجماع والتوافق في الآراء لتفادي مثل هكذا ردود أفعال .
ب. بصورة أعم يمثل إبقاء المجموعات الرئيسية في العملية السياسية أمراً أساسياً وحاسماً لضمان سعي تلك المجموعات إلى تحقيق مصالحها بشكل سلمي، وينبغي الحكم على السياسات والأفعال الأمريكية استنادا إلى تأثيرها على هذا الهدف .
ج. إن خطر الصراع الكردي – العربي كبير لدرجة تكفي إلى دفع الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها وٕاستخدامه أينما كان، لحث كل من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على تجنب القتال بين البيشمركة وقوات الأمن العراقية. يشمل ذلك المشاركة الدبلوماسية في تسوية ومعالجة النزاعات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بالإضافة إلى القيام بانسحاب متأني من المناطق التنازع عليها والتخطيط لعلاقات استشارية عسكرية طويلة الأمد فضلاً عن بناء الثقة بين هذه القوى باتفاق جميع الأطراف.
د. تشجيع القيام بالمزيد من التقارب السنّي - الشيعي أمر ينبغي أن يحظى بالأولوية، إذ مثلت النتائج الانتخابية فوز القائمة العراقية فرصة لتحقيق ذلك، وخاصة أن المجتمع السني في الوقت الحاضر ليس عرضة لتأثيرات المتطرفين في الوقت الحاضر وخاصة بعد المشاركة الواسعة للسنة في الانتخابات الأخيرة.
هـ. ينبغي على القوات الأمريكية القيام بوضع منهج مؤلف من ثلاث مهام أساسية لمستقبل التعاون العسكري الأمريكي – العراقي الإعداد والتدريب، التسليح والتطوير، تنسيق المهام المشتركة، وعلى الولايات المتحدة والحكومة العراقية وجميع الجهات الفاعلة الأساسية وضع الأساس لتعاون دفاعي بين الولايات المتحدة والعراق عند اكتمال الانسحاب (عندما يحين الوقت المناسب). مع مثل هذه الجهود، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على المساهمة في تقوية وتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي للعراق بشكل مستمر، حتى لو قامت بسحب قواتها من العراق.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 12 حزيران 2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة
http://www.algardenia.com/maqalat/14877-2015-02-07-22-57-20.html
1133 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع