د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعمى بطريق مظلم ! ,..الحلقة 29
اخذ "صابر" علماً بوصول التأشيرة لدخول أرض كل العرب (ليبيا), والتي تغيرأسمها بعد ثورة الفاتح من سبتمبرالعظيمة,... في 01/9/1969 , بقيادة أبو منيار معمرالقذافي ورفاقه الى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الأشتراكية العظمى !
أستغرق وصول (الفيزة) أكثر من عشرة أشهر,وهو الذي خدم الشعب الليبي اكثر من 16 عاماً,...متذرعين بقوانين لا يتقبلها المنطق ولا العقل,... فهم يرحبون بالوافد الجديد,.. ويعرقلون عودة من خدمهم لسنوات عديدة,...لأنه أستقال !, ولكن ما العمل بالنسبة لـ "صابر",أنه لا يملك غير الأذعان للواقع, وهكذا ما أن وضعت (الفيزة) على جواز سفره, حتى حجزعلى أقرب طائرة متوجهة للجماهيرية العظمى (ليبيا)، ووصل مطار طرابلس في الثاني من أبريل 2002،.. وتوجه إلى فندق ليبيا بالاص,..أي (قصر ليبيا) الذي سكنه عند أول وصوله الى ليبيا في الفاتح من سبتمبر 1970 ,..وبعد أن أخذ قسطاً من الراحة, هبط الى (الصالون) آملا العثورعلى بعض المعارف,.. ثم راح يفتش في دليل التلفونات عن بعض أرقام هواتف الأصدقاء,... وأتصل صباحاً برئيس لجنة التعيين الذي رشحه في عمان للعمل في ليبيا،وأعلمه أن تعيينه تم في (جامعة السابع من أبريل بمدينة الزاوية )، ولم يمانع "صابر" فكل الجامعات الليبية بالنسبة له سواسية، فهو يريد أن يقضي على الضجر الذي يعيش بكنفه منذ أكثر من أربعة سنين وحيداً تحت مطرقة النكبات والمطبات !
بعد مقابلة "صابر" للمسؤولين في (جامعة الزاوية) رفضوا تعيينه على أساس أن السنة الدراسية قد انتهت,.. وطلبوا منه الحضور في بداية العام الدراسي القادم !,..ومن المؤلم أن رئس قسم الكيمياء في تلك الجامعة كان أحد طلبته في السبعينيات ,... فأسودت الدنيا بعين "صابر", مـستغرباً من جحود ذلك الأستاذ, ولم يستوعب تلك الأهانة ,.. ونظر له وقال :
الله غالب!, وهي تعني شتيمة منمقة في اللهجة الليبية!, ثم غادر الجامعة وأتجه لفندق الزاوية, لأجل أخذ (عـفـشـه) والعودة إلى طرابلس,... وهناك وجد صديق ولده العراقي (وميض), فأضاء له الظلام الذي هيمن عليه حيث أخبره بأن:
ولده قد وصل ماليزيا,.. وقد حصل على الفيزة الأمريكية وهو الآن في طريقه الى أمريكا,وقد أهتز"صابر" لذلك الخبر, ونهض وأمطره بوابلا من القبل, ودعا له بالخير ووعده بهدية,...وكلفه بشراء (ذبيحة) وتوزيع لحمها على أصدقاء ابنه بمناسبة وصوله أمريكا!
***
عاد "صابر" إلى طرابلس وتقابل مع (رئيس اللجنة) التي تعاقدت معه في الأردن ,وأوضح له نتائج مقابلته في جامعة السابع من أبريل في (الزاوية),وسلمه جوابهم، واستغرب (الرئيس), من تصرفهم غيراللائق، وأقترح على "صابر" الذهاب إلى مدينة أخرى أوالعمل في "معهد" في ضواحي طرابلس, ألا أن "صابر" لم يوافق على المقترح,.. وأعلمه بعدم رغبته في العمل, ويفضل العودة إلى الأردن!
طلب رئيس اللجنة (تلميذه سابقاً) من "صابر" التريث لبضعة أيام، فأذعن"صابر" للأمر, وهو في حيرة لاختيارأي الأمرين؟، فكلاهما امر من الآخر، فالعودة ستكلفه المال الكثير, والعمل في مدينة أخرى فيها بهذله واذلال لشخصه بعد خدمته (16 سنة) في جامعة الفاتح !
***
وفي أحد الأيام كان "صابر" في جلسة ودية في (بهو قسم الكيمياء), مع بعض الزملاء القدامى في جامعة الفاتح, واقترح احدهم تزكيتة للعمل بكلية الهندسة ، ولم يعترض"صابر"ووافق ً,... وصدرت المراسلات الروتينية ببطء شديد وأخيراً, وبعد مضي أكثرمن شهرعلى وصوله صدرأمرمباشرته "بشعبة الكيماء بكلية الهندسة "وكلف بتدريس (مقررالعملي الوحيد لطلبة السنة الأولى),. وهو الذي درس طلبة الماجستير والدبلوم والسنوات المتقدمة في قسم الكيمياء بكلية العلوم(الكلية الأم), يعود بعد 16عاما,... ليقوم مقام أي (معيد)!"فالمعيد" طالببدرجة بكالوريوس , ومرشح لأكمال دراسته لنيل(الدكتوراه),بينما الدكتور"صابر" تدرج في السلم العلمي منذ نيله الدكتوراه سنة 1966 الى أن وصل لدرجة أستاذ, بعد أن نشره عدة كتب وأبحاث علمية بمجلات عالمية,..وبقرار من لجنة في الجامعة !
***
ما أن شعر"صابر" بالأستقرار,حتى بدأ يزاول نشاطه الأدبي والرياضي, وباشرعمله (بـشعبة الكيمياء بكلية الهندسة), وبدأ بالتعارف مع العديد من أعضاء هيئة التدريس, وانسجم بشكل جيد مع معظم العاملين في القسم.
وعلى أية حال ,... منذ مباشرة "صابر" في الكلية, بدأ بإجراءات التعيين للحصول على (ألأقامة الليبية) من أجل الحصول على التأشيرة,...أي " الفيزة التونسية", لكي يقدم أوراق الهجرة الى أمريكا,... لعدم وجود سفارة وقد أنهكته تلك العملية,بسبب التعقيد في طريقة منح الفيزة التونسية الى العراقيين آنذاك !
ومرت الأيام, ولم يستطع"صابر"السفر إلى تونس حيث رفضت السفارة التونسية, وأشترطت حصوله على (الإقامة الليبية),...فأضطر بذل "صابر" جهوداً مريرة ووساطات لا حصر لها ,ولم يجد أي بصيص من الأمل حتى قارب النصف الأول من "العطلة الصيفية " على الانتهاء, ومازال يجري للحصول على (الإقامة الليبية) مردداً " أمة العرب أوطان!!".
وفي نهاية شهر تموز (يوليو), وضعت الإقامة (الليبية)على جوازه وصورها وذهب على الفورالى السفارة التونسية وقدمها للمسؤول,.. وما أن حصل على الفيزة التونسية حتى توجه للحجزعلى اقرب رحلة جوية الى توس العاصمة !
توجه "صابر"في العشرين من شهرآب (أغسطس), 2002 الى تونس العاصمة على متن طائرة الخطوط الجوية الليبية,... و ما ان حطت الطائرة على ارض مطار قرطاج الدولي, حتى شعـر بفرحة عارمة لم يستطع التكهن بأسبابها,.. فوجوده في تونس تعني اموراً عديدة, منها القدرة لوصوله في اليوم التالي الى السفارة الأمريكية لمعرفة اسباب تعثر حصوله على سـمة الدخول (الفيزة), الى امريكا,..حيث سبق وان قدم للقنصل الأمريكي الوثائق المطلوبة منذ ما ينيف على السنتين , وكلما كان يتصل بالقنصلية تلفونياً من ليبيا ,... لمعرفة النتيجة يقولون له (نوت يًت), اي مازال !,...
أما نشوته الثانية, عندما وطات قدماه تونس, فهي عديدة ولا تحتاج للشرح ان كان للقارئ فكرة عن الحياة الأجتماعية في تونس العاصمة , حيث انها قطعة من باريس ,اضافة الى طبيعة الشعب التونسي المحب للتسكع والفرفشه في الشوارع, وبالخصوص في الشارع الرئيس الموسوم بشـارع ابو رقيبة, عندما يأتي المساء,.. حيث يحتشـد الناس من مختلف الأعمار من الجنسين,... وخصوصاً الصبايا وهُنً في ابهى واجمل الأزياء المكللة بهالة من الأشعاع غير المرئي الصادرمن عيونهن البراقة ووجوهـن الجميلة ذات البسـمة المغرية التي تنسـيك آلام الهوى, وراح يجتر ذكريات حياته في طرابلس,عندما وصلهاسنة 1970.
***
اتصل "صابر" بمولى العائلة المالكة للدارالتي سكنها سابقاً في صيف سنة 1999, وجاء الرد من ابنتهم الصغرى ,...ورحبت به وتبعتها امها, واصروا جميعاً على دعوته لتناول العشاء معهم ,.. فدبت فيه مشاعر السرور, وراح يحمد ربه على وجود من يرحب به ويتمنى اللقاء معه,.. وهكذا توجه "صابر" مُسرعاً لزيارة تلك العائلة, وكان لقاءاً حاراً مُفعماً بمشاعر يصعب وصفها, كصعوبة وصف الأعمى لجمال الوردة الحمراء!
نام "صابر" تلك الليلة نوماً عميقاً,.. واستيقظ مبكراً , وما ان انهى واجبات الصباح حتى اتصل تلفونياً بزميله الدكتورالتونسي بقسم الكيمياء في كلية العلوم في صفاقس / جامعة الجنوب,..حيث سـبق وأن تعرف عليه في العطلة الصيفية لعام 1999, ...فأستفسرمنه عن امكانية تعيينه بمعيتهم في قسم الكيمياء,...ورجاه ان يكلم عميد الكلية بهذا الخصوص, فعسى ان يوافق على تعيينه, حتى لنهاية هذه السنة الدراسية واذا بالزميل الدكتور التونسي يقول:
أنا تـوً عميد كلية العلوم في صفاقس , واحنه نبغيك تجي معانه!
لا أسـتطيع وصف مشـاعـر "صابر" في تلك اللحظة, حيث راح يستنشق الهواء بعشرة اضعاف الكمية المعتادة وراح يرقص طرباً !
***
يتبع في الحلقة 30 / لنتعرف على حياة "صابر" في صفاقس,... مع محبتي لكم,... ولكل قراء الكاردينيا الغراء.
للراغبين الأطلاع على الحلقة/ 28
http://www.algardenia.com/maqalat/14794-2015-02-03-07-45-26.html
708 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع