د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعمى بطريق مظلم / الحلقة الثامنة والعشرون
وبعد عـدة ايام اتصل بواب العمارة التي يسكنها "صابر" وأخـبره بوجود رزمة وضعها شخص ما وغادر المكان على الفور!,..وما أن نزل ابن "صابر" لم يتمكن من اللحاق به, واسـتلم الرزمة من البواب ووجد فيها جوازات سـفرهما, ولكنها من دون إقامة!,
فحمدوا الله على عودة الجوازات لهم, واتصل"صابر" به في نفس الفندق الذي تـمت فيه المقابلة معه يوم أمـس,.. ولم يعثروا عليه, فقد غادر الفندق إلى جهة مجهولة ولا أحد يعرف عنوانه,.. وهكذا ذهبت الجهود وألمال سُـدى , والسبب هو الثقة العمياء بشخص غير معروف, فقد تبين أنه نصاب محترف من الطراز الأول!
***
أرسل "صابر" لزميل له في (مدينة كونتان) في ماليزيا، رسالة شرح له فيها كل ما حدث له مع (المستركمال), ..وبعد أيام اتصل, الصديق بـ"صابر" تلفونياً وأعطاه أسـم مهندس عراقي, سيساعدهم في الترجمة في السفارة الأمريكية،...فأتصل "صابر" به واتفقا على موعد في القنصلية الأمريكية,... وتم اللقاء مع المسؤولين, وعندما تحدث االمهندس و"صابر" تبين أنه أبن زميل "صابر" أيام الدراسة في موسكو,..في الستينيات !
***
اتصل المهندس " بسمسار " ماليزي للمساعدة على إجراءات الإقامة، فطلب 3500 "رنكت"، أي حوالي ألف دولار أمريكي لكي يمدد الإقامة لأسبوعين آخرين!.. وتم كل شيء ، وبعد أيام أوشكت المدة على نهايتها , ولا بد من تمديد الإقامة لفترة اخرى!
وهكذا بدأ "صابر" يبحث وراء أي حل ,... وزارعدة سفارات للحصول على سمة الدخول (الفيزة), الى اي بلد مجاورالى ماليزيا, مثل سفارة تايلندا وسنغافورة، وبعد محاولات, وفق بالحصول على تأشيرة إلى "كمبوديا"، بشرط موافقة السفارة العراقية في ماليزيا,... وفي اليوم التالي وفق لعمل ما طلب من الوثائق اللازمة للفيزة !
***
في يوم 12/10/2001, الساعة (2.30 صباحاً),.. شعر"صابر" "بدوخة",... ونهض ولم يستطع فتح الضوء وسقط ارضاً,..ثم حاول الزحف ولم يستطع التحرك البته و شـعر بعد فترة طويلة مُلقى على الأرض, وقد تبلل جسمه "بالعرق" ،..فحاول مـرة اخرى الأستعانة بأبنه, النائم بغرفته المجاورة ,وبجهود مضنية تمكن من الوصول,.. فطرق الباب وقال لأبنه: ألحقني..., أنني منهك لا أستطيع التحرك!
عرف الأبن ما عناه الوالد، حيث هبط عنده "السكر" و الضغط ، وأنه على معرفة بعلاجه،... وهكذا بدأت الإسعافات الأولية، إلا أن الشيء الجديد والملفت للنظر,..هوالقيئ ألأسود !
وبعد ساعة من تناول العلاج ,عادت حاله "صابر" إلى طبيعتها، وطلب من ولده أن يذهب للنوم، ولم يسمح لولده باستدعاء الطبيب!
***
وفي صباح اليوم التالي نهض"صابر" متعبا ومُصفرالوجه, ولكنه تمكن من الخروج مع ولده للتسوق, ثم اتصل زميلهم الدكتورفي كلية طب كونتان, (أحدى المدن الكبيرة في ماليزيا),وأعلمهم بالتوجه الى العاصمة كولالمبور ,..برفقة عائلته, فأقترح عليهم "صابر" بالسكن في شقته,...و تمت الموافقة على تلبية الدعوة,... وهكذا جهزت لهم غرفة النوم,.. وطبخت المأكولات للعشاءاً الفاخرة للضيوف .
وفي المسـاء وصل المدعون,وبعد استراحة قصيرة ، خرج الجميع الى أحد الفنادق الراقية في كوالا لامبور لحضورالحفل المقام لزميلهم المهندس العراقي وخطيبته الصينية بمناسبة (ليلة الحنة)، ... ألا أن "صابر" بقى وحده في الشقة, وكانت صحته غير طبيعية!، وبعد أن عاد الضيف ،.. شرح "صابر"ما حدث له ليلة أمـس,وقال الدكتور : " يجب عمل تحليل فمن المحتمل وجود نزيف في المعدة.
وفي اليوم التالي كان موعد حفلة زواج المهندس "المترجم" في فندق فخم، وظل "صابر" ,متردداً بين البقاء داخل الشقة أو الخروج إلى الحفلة، وقد فضل المشاركة لسببين، الأول لرد الجميل للمهندس الذي ساعدهم ، والثاني الخوف من البقاء بمفرده,... فهو منهك ومن المحتمل أن تعود صحته إلى التدهور.
***
بعد أنتهاء السـهرة ,عاد الضيوف إلى شقة "صابر", وناموا تلك الليلة مُبكراً,... و في الصباح لاحظت زوجة الطبيب الأصفرارعلى وجه "صابر",.. وطلبت من زوجها أن يأخذه إلى المستشفى، وهكذا وافق "صابر"على المقترح!,... وخرجوا جميعاً إلى مستشفى جامعة "ماليزيا" إلا أن طبيب الإسعاف,.. حالما رأى "صابر" أمر بوضعه على نقالة إسعاف,.. وإدخاله عيادة الطوارئ للتأكد من النزيف في المعدة ، وبعد فحوصات الضغط والقلب,... تقررإدخاله جناحا لأختصاص, والمبيت تلك الليلة في المستشفى, على ان تجرى له عند الصباح عملية "سكوب",أي فحص المعدة بالمنظار !
بات "صابر" تلك الليلة في المستشفى والممرضات وطلبة كلية الطب مع أستاذهم يحيطون به ،... ولم تسـتـقـر حالته إلا عند الساعة العاشرة مساءً،... حيث حضرالدكتورالمشرف, وطمأن "صابر"على تحسن صحته .
وفي صباح اليوم التالي نقل "صابر" إلى عيادة الفحص بالمجهر، وتم الاختبار وقد تبين عدم وجود نزيف ، وإنما تسمم بنوع معين من البكتريا نتيجة أكله قبل يوم سـمك ملوث في أحد المطاعم!...، وهكذا وافق الطبيب الأخصائي على عودته إلى البيت, وكتب له الدواء,.. وسمح له بالسفر الى (كمبوديا) من اجل تمديد الأقامة وفقاً للقوانين !
***
غادر "صابر" وابنه مطار كوالالامبور نهاراً ووصلا العاصمة "فينون ينه"، بعد ساعتين وذهلوا لما شاهدوه في تلك العاصمة, فهي في منتهى التخلف بالمقارنة حتى مع عواصم العالم الثالث ,..والمهم أخذوا تاكسي بسبعة دولارات إلى فندق مشهور أسمه "هوليدي أنْ"، قرب السفارة البريطانية، والفندق جيد وفخم إلا أن المنطقة المحيطة به في منتهى القذارة، والناس في ثياب رثة والبضائع تعرض بشكل بدائي، وبعد أن استقـرا تلك الليلة تحسنت صحة "صابر".
وبعد ثلاثة أيام توجه "صابر"وولده إلى مطار كمبوديا, وتعرضا لبعض المضايقات من شرطة المطار، ولم ينفعل حتى لا تتعرض صحته لأنتكاسة أخرى ،وهكذا تمت الرحلة بكل أمان, ووصلا إلى (كوالالامبور) عاصمة ماليزيا بـسلام .
***
وبعد أن تعقدت الإجراءات لمنح التأشيرة الأمريكية قرر"صابر" وولده العودة إلى الأردن , بعد ان أخذا موافقة القنصلية الأمريكية وتأكيدها على أن المعاملة تسيروفـق الإجراءات الرسمية , وسوف ينظر لمعاملات الفيزة بعد رأس السنة الجديدة 2002 ، وإضافة إلى ذلك فإن "صابر" مازال يشعر بسـوء صحته، وليس لديه أية رغبة للأكل، فقد كان يكتفي بأكل قطعة من السمك المشوي وشوربة فقط.
***
وقبل مغادرة ماليزيا , واجه "صابر" السيدة قنصله الولايات المتحدة الأمريكية وسلمها رسالة تحوي شكره واعتذاره عما حدث مع تلك الموظفة الصينية, وتفهمت السـيدة القنصلة تفهمت وضع "صابر"وطلبت منه أن يأمرولده المقيم في أمريكا والذي على وشك الحصول على المواطنة الأمريكية، بالاتصال بها لكي تعلمه طريقة دعوته إلى أمريكا.
***
وفي اليوم العاشر من شهر نوفمبر 2002، غـادر"صابر وجماعته ماليزيا إلى عمان ، وبعد طيران دام أكثرمن تسع ساعات عن طريق أبو ظبي,... ووصلوا صباحاً إلى مطارعالية بعمان، إلا أن شرطة الجوازات كادت أن تعرقل دخولهم بسبب جواز السفرالأمريكي الذي تحمله زوجة ولده,.. و ضبط "صابر" أعصابه خوفاً من العراقيل ,ثم بان الفرج وتوجه الجميع لشـقة مؤثثة وسط عمان !
***
وفي نهاية شهر شباط "فبراير" استلم ابن صابر بواسطة البريد الإلكتروني دعـوة مـن القنصلية الأمريكية في كوالالمبور، وهكذا في الرابع من مارس اشترى "صابر" تذاكرالسـفـرلولده وزوجته, وحـدد يوم المغادرة في الرابع والعشرين من الشهر نفسه!
***
ومرت الأيام مسرعة, فقد وصلت الى عمان لجنة للتعاقد مع اساتذة لجامعات الجماهيرية العظمى,.. ولذا قدم "صابر" وثائق سيرة الحياة إلى اللجنة الخاصة التي وصلت من ليبيا الى عمان وقد كان رئيسها دكتور من جامعة الفاتح, كان أحد طلبتة, وتم كل شيء بسهولة وراح الدكتور"صابر", يعد نفسه للهجرة الثالثة إلى ليبيا والعمل فيها لحين جلاء الموقف عندما يصل ولده إلى أمريكا برفقة زوجته الأمريكية!
في منتصف سبتمبر(ايلول), خان موعد مغادرة الأبن وزوجته الى ماليزيا, وفي يوم السـفـر ودع صابر ابنه وزوجته , وكان يوماً عصيباً, فلأول مرة شعـر"صابر" بفراغ قاتل,... فهو الآن وحيداً لا عمل له ولا أصدقاء من حوله لتخفيف المحنة التي يعيشها،.. إلا أن صبره وسعة صدره سـيطرا على عـواطفه,... وبدأ يراجع القنصلية الليبية لمعرفة وصول التأشيرة وطال الانتظارودب اليأس وضاقت,
ثم فرجت,... كما جاء في قصيدة أبا حنيفة (رض):
ضاقت ولما أستحكمت حلقاتها = فرجت وكنت أضنها لن تفرج!
يتبع في الحلقة 29
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14710-2015-01-29-11-19-13.html
807 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع