رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ الحلقة السابعة
ملامح الإستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق
عام
1. مما لاشك فيه إن أهم أسباب وصول الحزب الديمقراطي الأميركي إلى البيت الأبيض وتشكيل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس أوباما يعود للفشل الذر يع لإستراتيجية الإدارة الأميركية السابقة (للجمهوريين) برئاسة الرئيس السابق (جورج .و.بوش) فمنذ قرار غزوه للعراق في ربيع عام 2003 ومرورا بست سنوات عجاف تلته عاش فيها شعب العراق أسوأ وضع كارثي في تاريخهم الحديث نال سوء الأوضاع فيه دولة العراق بكافة مؤسساتها ،حتى أصبح العراق وفق المعايير الدولية ثاني أفشل دولة في العالم من مجموع 180 دولة منتمية لمنظمة الأمم المتحدة، وتمزق المجتمع العراقي وسط فوضى سياسية وأمنية عاصفة، أودت بمرتكزات الأمن الوطني العراقي كافة، فأصبح العراقيون في معظمهم في عين تلك العاصفة، فكانت خسائرهم البشرية والمعنوية والمادية لا تحصى من هول أتساعها، وفي الوقت نفسه تصدعت الولايات المتحدة الأميركية سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا،وبات مكوثها في القمة الدولية موضع شك كبير، وعليه أصبحت القضية العراقية أحدى أهم التحديات التي تواجهها الإدارة الجديدة منذ وصولها إلى السلطة في بداية العام الحالي 2009، فسعت بكل ما أوتيت من قوة من أجل إيجاد إستراتيجية عملية في مواجهة الوضع العراقي الصعب والمعقد جدا ،تتمحور على المسلك الأمثل لإنهاء الحرب في العراق، التي كانت خيارا سيئا للإدارة السابقة حسب وصف الرئيس الجديد أوباما في خطاب القاهرة الشهير مؤخرا في 4/6/2009، وهذه الإستراتيجية الجديدة قد رسمت خارطة الطريق لها لجنة بيكر – هاملتون منذ سنتان تقريبا، والتي تمثل الجزء المهم من العقل المفكر لمؤسسات الأمن القومي الأميركي الذي تعطل تحت الضغط المعنوية لأحداث 11/9/2001.
قيود وتحديات إستراتيجية الخروج من العراق
2. أجمع الكثير من المفكرين والمحللين الإستراتيجيين الأمريكان على أنه ليس من السهل على الإدارة الأميركية الجديدة التخلص من الإرث السيئ للإدارة السابقة، حين تجد نفسها مضطرة للتعامل مع قضايا لم تكن مسئولة عنها بالتأكيد، لكنها انتقلت إليها آليا، لمساسها بمرتكزات الأمن القومي الأميركي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط وأهمها ضمان مصادر الطاقة والأمن الإسرائيلي وأمن الحلفاء المعتدلين في المنطقة، في حين تشكل كل من إيران وتنظيم القاعدة أخطر التهديدات على تلك المصالح القومية الأميركية . ناهيك عن تأثير روح العداء المتزايد للسياسات الأميركية في العراق والعالمين العربي والإسلامي ، ويمكن تلخيص تلك القيود والتحديات بما يأتي:-
أ. الحيلولة دون اتخاذ قرارات جديدة تؤسس على قرارات الإدارة السابقة فتنقض الحجج السياسية التي كانت وراء نجاح الإدارة الجديدة للديمقراطيين.
ب. صعوبة ضمان نجاح المشروع السياسي والإستراتيجي الأميركي في العراق، وصعوبة استعادة التوازن الإستراتيجي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ج. تعذر أصلاح النظام السياسي الجديد في العراق (المشكلة السياسية في العراق هي أم المشاكل ) والقضاء على الفساد الإداري الذي حقق أرقاما خيالية أساءت للسلطة الأميركية في العراق كثيرا، ثم صعوبة إعادة التوازن السياسي من خلال مشروع مصالحة حقيقي وعملي، يؤمن تلقائيا عودة الكفاءات العراقية المهمة للمساهمة في إعادة بناء مؤسسات الدولة.
د. صعوبة أصلاح المؤسسات الأمنية والدفاعية في العراق بوضعها الحالي حيث بنيت على أسس خاطئة،واتصفت كقوات غير مهنية و طائفية وعرقية، مخترقة بقوة من قبل بعض المؤسسات الأمنية والعقائدية الإيرانية، ولذلك فهي غير قادرة على المحافظة على الأمن العراقي بدرجة معقولة.
هـ . ضرورة إنهاء النفوذ الإيراني الكبير في العراق على كل المستويات،وإنجاح إستراتيجية احتواء إيران، لتقليص نفوذها الذي يشكل تهديدا متصاعدا للمنطقة العربية برمتها، لضمان عدم هزيمة الولايات المتحدة أمام قوة إقليمية طموحة جدا بقياسات العالم الثالث، أي (إيران) .
و. عدم تمكين تنظيم القاعدة والجهاديين الادعاء بهزيمة دولتين عظيمتين هما الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية على التوالي، وذلك بتطوير أساليب محاربة الإرهاب لضمان القضاء عليه خلال أسرع وقت ممكن .
ز. تقليل النفقات العامة للتواجد الأميركي في العراق، وتنقية وتفعيل مشاريع إعادة الأعمار المستنزفة بالفساد الإداري والمالي في العراق.
الأهداف الرئيسية للإستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق.
3. بصورة عامة هناك ثبات في الأهداف الرئيسية الأميركية في العراق، لضمان المصالح القومية الأميركية التي يصعب تجاوزها، غير أن المهارة ستكمن في طرائق تحقيق تلك الأهداف، وهذا كان واضحا خلال النظرة المتأنية لخطاب الرئيس أوباما في القاهرة مطلع هذا الشهر، ويمكن تحديد تلك الأهداف بما يأتي:-
أ.إنجاح المشروع السياسي والإستراتيجي الأميركي في العراق، بالتعويل على الحلول السياسية والدبلوماسية وبأقل جهد عسكري ممكن .
ب. أصلاح النظام السياسي وتقليص الصراع السياسي في العراق، من خلال تنشيط مشروع مصالحة حقيقي ،ينهي الاصطفاف العنصري والطائفي.
ج . إنهاء الحرب الرسمية في العراق، وسحب القسم البشري الأكبر من القوات الأميركية من العراق، يرافق ذلك تطوير الكفاءات الأمنية والدفاعية العراقية، للتركيز على الهدف الإستراتيجي الخطير بالقضاء على تنظيم القاعدة في موطنه وكل مصادر التهديد الأخرى.
د. تقليص النفوذ الإيراني في العراق، من خلال توسيع الدعم العربي للعراق.
الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأميركية في العراق.
4. يمكن أجمال الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأميركية بما يأتي :-
أ. المحافظة على ما منجز في آليات النظام الديمقراطي الفتي في العراق ثم تطويره قدر المستطاع وتهيئة الظروف السياسية العملية لإعادة التوازن للعملية السياسية في العراق، وأجراء ما يمكن لتعديل قواعد العملية السياسية من خلال تعديل الدستور، وتشجيع المبادرات المؤدية لتوسيع المشاركة السياسية من الأطراف الرافضة للعملية السياسية .
ب.العمل على أصلاح المؤسسات الأمنية والدفاعية، وجعلها أكثر مهنية وانتزاع الصفة الطائفية عنها، مع إبقاء قوات الضربة الأميركية في العراق التي في معظمها من القوات الجوية وقوات النخبة لأمد بعيد، وتوسيع الجهد الإستخباري، والإشراف على أدارة العمليات الأمنية والعسكرية، واتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ قرار انسحاب القسم الأكبر من القوات الأميركية من العراق في موعد أقصاه بداية عام 2012.
ج. وضع آليات للتوصل إلى أتفاق شامل حول استقرار العراق والمنطقة بمشاركة أوربية فعالة، وتشمل كافة الدول المجاورة للعراق خاصة التفاوض المباشر مع كل من إيران وسوريا.
د. إصلاح النظام الاقتصادي في العراق وخاصة في المجال النفطي .
هـ . مواجهة الأزمات الإنسانية العراقية، والسعي لتشكيل مجموعة عمل دولية للمساعدة في معالجة هذه الأزمات وفي مقدمتها إعادة المهجرين في الداخل ومن الخارج.
و.الحيلولة دون توسيع الخلافات السياسية والإدارية بين الأحزاب السياسية الكردية والقيادات المركزية، وتأجيل المشكلات الخطيرة للمستقبل كمشكلة كركوك وبالتعاون مع الأمم المتحدة.
الأهداف المكتسبة للإستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق
5. في حالة تحقيق الأهداف الرئيسية والثانوية يمكن تحقيق عدد من الأهداف المكتسبة وأهمها:-
أ. تحسين السمعة الأميركية في العراق والمنطقة .
ب. ضمان جعل العراق كسوق اقتصادي أميركي كبير، يعوض الكثير من الخسائر الاقتصادية الأميركية للمرحلة السابقة .
ج. ضمان صادرات النفط العراقي وفق آليات تتفق والسياسة النفطية الأميركية، من ناحيتي الإنتاج والتسعيرة .
د. بروز بيئة لمشروع سياسي وطني عراقي جديد يتجاوز الصراعات الدينية المذهبية والعنصرية قدر الإمكان، وبدونه يتعذر دفع العملية السياسية بسمتها الديمقراطية نحو الأمام، وبما يضمن نجاح المشروع السياسي الأميركي في العراق والمنطقة.
هـ. توفر الفرص المعقولة لإصلاح النظام الإداري والاقتصادي في العراق بشكل عام ،من خلال إعادة هيكلة المؤسسات العامة للدولة، وتحديثها نحو مستوى الحكومة الالكترونية للحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي، والسعي لتنفيذ مشاريع إعادة الأعمار المعطلة بالفساد العام.
و. توفير الفرص لإصلاح نظام التعليم ،ومنح واسع للزمالات الدراسية في الجامعات والمعاهد الأميركية والأوربية بعيدا عن المحاصصة العنصرية والطائفية، لتطوير الثقافة العراقية وفق معايير منسجمة مع الثقافة الأميركية والغربية وبأقل ما يمكن من التقاطع.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 8 نيسان 2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السادسة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14140-2014-12-20-19-11-08.html
913 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع