التكفير والتهجير

                                        

                       جابر رسول الجابري


بالرغم من ان السياحة والسفر هما وسيلتان من وسائل الترفيه والترويح عن النفس وبالرغم من ان لكل منهما فوائد جمة ومردود ايجابي لتطوير حياة الفرد والمجتمع وبالرغم من وجود قصص وابيات شعر تبين وتصف للناس فوائد السفر والسياحة في البلدان منها مثلا ( سافر ففي الاسفار خمس فوائد -- تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد )

الا ان السفر الاجباري في ارض الله ( تهجير الناس من سكناهم ) بسبب الظلم والاضطهاد أو بسبب تطهير الانتماء الطائفي او العرقي ما هو الا الجانب العرضي السيء لمعنى السياحة ونتائجه الوخيمة والمردود السلبي على البنية التركيبية للمجتمع ومكوناته و ديمومته , حيث ان التهجير يعتبر وسيلة من وسائل تخريب وتفكيك وتغيير صفة المجتمع ناهيك عن تدمير القدرات الذاتية والكفاءات والتماسك الاجتماعي وروح المشاركة في العادات والتقاليد والاخلاق الانسانية الايجابية لتظهر بديلا عنها صفات مضادة كقلة في القدرات والكفاءات وازدياد الكره والحقد وعدم المشاركة والتمازج في المجتمع وكذلك تحطيم حياة الفرد وتفكيك الترابط الاسري ,  وسواء كانت عمليات التهجير تتم من قبل السلطة الحاكمة أو احزابها ومجاميعها الارهابية ( كما يحدث في بغداد )  ام كانت تتم بواسطة منظمات ارهابية مناوئة ( كداعش والقاعدة ) ماهو الا ارهاب وظلم ضد الانسانية بل وضد الدين الذي تصطبغ به الاطراف القائمة على عمليات التهجير, كما وان التهجير هو سلوك توأم للقتل  المتعمد وسفك دماء الناس فهو لا يختلف عن اي عمل ارهابي آخرضد الانسانية وضد السلام والامان الاجتماعي , أما الاسباب والدوافع للقيام بعمليات التهجير فغالبا ما تكون هي نفس الاسباب والدوافع التي تؤدي الى سفك دماء الناس الابرياء سواء كان بداعي الانتقام من تجمعات او كان بدافع رغبة التسلط على الآخرين لتغيير انتمائاتهم الفكرية اوالدينية او العرقية , ان تهجير الناس من ديارها ماهو الا عمل اجرامي قبيح ومستنكر , ولهذا هو منبوذ سواء من الروح الانسانية أو الاديان جميعا , وقد اشار الله الى تحريم التهجير في كتابه الحكيم وحدد بوضوح ان القتل والتهجير عملان وسلوكان منافيان لارادة الله ( واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون ..... البقرة 84) وهو خطاب ورسالة تحذير موجهة للمسلمين تحديدا لنكثهم العهد والميثاق فيما مضى , واليوم يتكرر المشهد كما تارة اخرى بلجوء اتباع الدين ومرجعياته الى قتل النفس البشرية وتهجير الناس من ديارها باسم الدين بل باتت تلك المرجعيات هي الاشد اضطهادا لمعاني الانسانية والسلام والدين السمح وبطشت بالناس ظلما وعدوانا بدلا من العدل والاحسان والامر بالمعروف , كما واصبحت اليوم المرجعيات الدينية عبئا وبؤراً للفساد والاضطهاد في المجتمع الاسلامي بدلا من الاصلاح وتقويم سلوكيات الشر فلجأت الى القتل والتهجير كوسيلة من وسائل الترهيب لارغام الناس علىتقديم الطاعة والولاء لهم ويكأن الله لم يقل ( لا اكراه في الدين .... البقرة 256 ) ومخاطبا رسوله  ( ص ) ( انا انزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلَّ فانما يضلُّ عليها وما انت عليهم بوكيل ... سورة الزمر 41 ) فاذا كان الرسول المكلف بالرسالة هو غير ملزم بهداية الناس قسرا فكيف بانسان غير مكلف الا على نفسه وجرى عليه ماجرى على غيره من بني البشر لاداء الفروض والعبادات وشعب الايمان والاحسان والجزاء والحساب ,

المرجعيات الدينية هي جهات دعوية عاهدت الله على ان تصلح سلوكها الانساني لتكن بمثابة قدوة يتمثل بها الاخرين في طاعة الله وحب الناس والخير ونشر المحبة وروح التسامح والتواضع وترك مغانم الدنيا ولذاتها وترك الاثر الصالح , كل تلك السلوكيات هي عبادات للنفس المؤمنة تؤجر عليه عند الحساب , الواقع المؤلم ان المرجعيات الدينية نأت بنفسها عن اداء تلك العبادات فقد فوضت نفسها لتكن بديلا عن الخالق الكريم فوضعت نفسها في هالة سراب وعروش زجاجية ثم رمقت الخلق بنظرة استعلاء واعتزلت عن الظهور وعن خدمتهم ايمانا واعتقادا منا بأنهم اقل شانا وهي الارفع درجة من الناس عند الله وبالرغم من ان التاريخ لم يذكر لنا قط بان احدا من رسلالله او انبياءه اعتزل او ترفع عن خدمة الناس والتودد والتواضع لهم والحضور والمشاركة معهم في شؤونهم بل حتى رسول الله (ص ) كان جل وقته يقضيه في خدمة الناس ورعايتهم ومشاركتهم في كل امر من امورهم , وهنا سيتبادر الى الاذهان سؤال .... لم اذن هذا السلوك المنافي للايمان وما هي دوافعه ؟ والجواب ببساطة انها نزعات النفس الانسانية الميالة الى النزوع للشيطان من خلال الانصياع والاستماع لاطرائه واغوائه ليظن رجل الدين بأنه مقدس وانه يمثل الله في الارض وان له خصوصية .

من البديهي ان النفس الانسانية تحمل صفتان تختلفان في نسبة وجودهما في الانسان الا وهما الشر والخير , كما وان النفس الانسانية تميل لنزعةالخير في مسارها فانها تميل لنزعة الشر ايضا فلا عاصم لنفس الانسان من خطاياها الا بتكليف من الله مباشرة من اجل تنفيذ امر هو مقدره ولهذا تتم متابعة المكلف متابعة متواصلة ومستمرة من الملائكة لتقويم سلوك نفسالمكلف من اي انحراف يحدث في مسارها باتجاه الشر والعصيان وهو ما يسمى بالعصمة , ان الفرق بين النفس المؤمنة والنفس الكافره هو نزوع نفس المؤمن وجنوحها الى الخير والمحبة والسلام و املا في النجاة من غضب الله اما النفس الكافرة فانها تميل وتجنح الى تلبية رغباتها ونزعاتها الشيطانية والاعتداء على الناس , وان الانسان هو مخلوق تتارجح نفسه بين الكفر تارة والايمان تارة اخرى فان جنحت نفس المؤمن للكفر سهوا او عمداً آب مستغفرا ربه طمعا برحمة الله , ولذلك خاطب الله الانسان بقوله عز وجل ( يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم  .... الانفطار 82)  ثم تستمر السورة في التاكيد وتوضيح الصورة الحقيقة لسلوك الانسان الذي يظن انه باتجاه سراط الدين فيقول ( كلا بل تكذبون بالدين ) اي هو جواب مباشر للنفس البشرية عامة وبأنها  فاسدة الظن بل انها على المسار المعاكس تماما وكذلك ضل من اتبع ونهج منهج الظن المضلل لمرجعية الدين الضالة المنغمسة في نهج الكفر والتكفير , ونعود لاصل الموضوع لنجد ان التهجير وسيلة من وسائل الارهاب حتى لو ان القائم بأمرها هي مرجعيات الدين التي ظاهرها ثوب الاسلام وباطنها فكر الطاغوت الشيطاني , وقد ازدادت في السنوات الاخيرة نزعات الشيطان التهجيرية باسم الدين او الطائفة او العرق او القبلية وهي كلها أعمال ارهابية وآفة خطرة  على الانسانية ولابد للحضارة الانسانية ان تقف بالضد منها وتقتص  من ممارسيها سواء كانوا أزلاماً لدولة او لنظام حكم او لمنظمات إرهابية  .

المملكة المتحدة - بيرمنجهام - الحادي والعشرين من أيلول 2014

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع