ذوالنون ايوب ... هكذا عرفته! يوم اختبأ ذنون المطارد في دار من يطارده!!

              

ذو النون ايوب... هكذا عرفته! يوم اختبأ ذنون المطارد في دار من يطارده!!

    

   

      

في يوم من أيام عام 1985 كنت جالسا في صالة فندق الشيراتون في بغداد، وأنا أتطلع في وجوه من هم بقربي وحولي، من الجالسين، حيث لفت نظري رجل يجلس لوحده، وخطر بذهني انني سبق وأن التقيت بهذا الرجل في مكان اخر.. ومنذ زمن طويل.. كان الرجل قد تجاوز الثمانين من العمر حسب تقديري، فأخذت استرجع ذاكرتي البعيدة، حتى توضحت لي الصورة، وإذا هذا الرجل هو والد صديقي أمل، إنه ذنون أيوب الذي كانت داره مقابل دارنا في محلة الحيدرخانة ببغداد عام 1945.

تذكرت أن هذا الرجل كان قيادياً في الحزب الشيوعي العراقي السري في تلك الفترة حين كان المرحوم والدي (معاون الشرطة محيي الدين عبدالرحمن) معاون شعبة التحقيقات الجنائية (التي صارت فيما بعد الأمن العامة)، وكان رئيس الوزراء في تلك الفترة المرحوم نوري السعيد، قد توصل الى قرار عنيف بوجوب تشديد الخناق على قياديي الحزب الشيوعي والقبض عليهم وزجهم في المعتقلات وكان ذو النون أيوب من بينهم.
وقد أصدر وزير الداخلية آنذاك أمراً إلى مدير شرطة التحقيقات الجنائية CID بتنفيذ أوامر رئيس الوزراء فوقع إختيار المدير علي والدي المرحوم (محيي الدين عبدالرحمن) للقيام بهذه المهمة والتفرغ لها، فقام والدي بتعيين مخبر سري قرب بيوت اعضاء قيادات الحزب الشيوعي، حيث ان اغلبهم لاذوا للفرار والاختفاء تجنبا للقبض عليهم وزجهم بالمعتقلات.
وذات يوم يبدو ان ذوالنون ايوب الهارب حاول التسلل الى داره في محلة الحيدرخانة فرصده المخبر السري في لحظة دخوله للدار، فاسرع باخبار المعاون محيي الدين عبدالرحمن الذي سرعان ماارسل مفرزة من الشرطة للقبض عليه. ولكن ذنون ايوب كان حذرا فارسل ولده (امل) الى ناصية الشارع لمراقبة الوضع، وما ان شاهد قدوم مفرزة الشرطة من بعيد حتى سارع الى الدار ليخبر والده بوصول مفرزة الشرطة، وانهم في طريقهم الى الدار. فاسرع ذنون بالخروج من الدار وطرق باب دارنا، وحينما فتحت له الباب قال لي: (مرحبا عمو، هل عرفتني؟).. قلت: (نعم إنك والد صديقي أمل).. قال: (إذن اسمح لي أن أدخل لاستخدام الهاتف لأمر ضروري) .. فسمحت له، وهكذا دخل إلى دارنا في الوقت الذي وصلت مفرزة الشرطة الى باب داره.
وبعد قيامهم بالتفتيش داخل الدار لم يعثروا عليه، فانصرفوا واخبروا والدي بانهم لم يتمكنوا من القبض عليه. وحينما اطمأن ذنون من ذهاب الشرطة شكرني وخرج من دارنا وهو يبتسم.
وحين عاد والدي الى الدار بعد انتهاء الدوام الرسمي، وجلسنا سوية على مائدة الغداء قال لنا: (هل سمعتم بوصول ذنون أيوب إلى داره؟)، فقلت له: (نعم، وقد طرق باب دارنا وانا فتحت له وسمحت له بدخول الدار لاستخدام الهاتف، وعند ذهاب الشرطة خرج)... فتأثر والدي، وقال لي: (بماذا سوف أخبر مدير التحقيقات الجنائية؟ هل أقول له أنني خبأته في داري)؟؟؟
وبعد ان فرغت من استذكار هذه الحادثة في ذاكرتي وقد مر عليها نحو (40) عاماً، قلت لنفسي دعني أقابل هذا الرجل لعله يتذكرني!! وحين اقتربت منه تطلع نحوي، فقلت له: (استاذ أبو أمل هل تعرفني؟)، .. صمت برهة.. وهو يتطلع الى وجهي!! ثم قال: (أنا آسف، لم يسبق لي شرف معرفتي بك).. قلت له: (عُد بذاكرتك الى السنين الماضية، أواسط الأربعينات، في محلة الحيدرخانة، حينما دخلت دارنا للتخلص من من مداهمة الشرطة لدارك والقبض عليك)!!!
فجأة، قام هذا الرجل من مكانه..وبعد سماع هذه الرواية، فعانقني.. وقال لي (رحمة الله على والدك محيي الدين عبدالرحمن الذي كان مفخرة للشرطة العراقية، وأنا مدين لك كونك سمحت لي بدخول داركم في تلك الفترة وكان من حسن حظي ان داري مجاور لداركم في محلة الحيدرخانة)..
فسألته: (مالي أراك في فندق الشيراتون)؟.. فأجابني بأنه ترك العراق وهاجر الى النمسا منذ وقت طويل..واقام فيها,, والآن هو حاضر للعراق بدعوة رسمية من وزارة الثقافة والاعلام العراقية..
معلومات عن الاستاذ/ ذو النون أيوب:
ولد ذو النون أيوب في الموصل عام 1908 فهو ابن تاجر موصلي وأكمل فيها دراسته في المدرسة الاسلامية وثانوية الموصل ثم أكمل دراسته الجامعية في دار المعلمين العالية في بغداد وتخرج منها عام 1929 واصبح مدرسا ً للرياضيات والعلوم الطبيعية، وعمل مدرسا ً في المدارس الثانوية أو مديرا ً لها في عدد من مدن العراق. كما صار عميدا لمعهد الفنون الجميلة.
وبفعل ما واجهه من مضايقات، سافر إلي النمسا، ومكث هناك حتي قيام ثورة 14 تموز حيث تم تعيينه ملحقا صحفيا في براغ، ولكنه ما لبث ان غادر المنصب وسكن فيينا ــ فردوسه الخاص.
كان ذوالنون أيوب كاتبا ً مقروءا ً متميزا بفعل طبيعة مايكتبه.. وله العديد من الكتب والروايات والقصص.
توفي عام 1988 ودفن في بغداد يرحمه الله.

    

صورة تاريخية جميلة للقاص والروائي الرائد الاستاذ ذو النون ايوب (الاول من اليمين ) وزوجته الجيكية كوجكا والصحفي الاستاذ هاتف الثلج

      

المرحوم مدير الشرطة محيي الدين عبدالرحمن معاون شرطة السراي ومعاون شرطة التحقيقات الجنائية

            

معاون مركز شرطة السراي السيد محي الدين عبدالرحمن والد كل من عدنان محيي الدين والمرحوم طارق محيي الدين ويقف الى جانبه عمه عبد الرحمن الصورة تعود الى عام ١٩٢٨ وهي من اهداء الاخ عميد الشرطة المتقاعد عدنان محيي الدين حفظه الله واطال في عمره مع جزيل الشكر والتقدير

           

   المرحوم ذو النون ايوب مع ابنته عائدة عام 1975

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع