استقالة
ويواصل السيد هادي خماس الحديث عن اسباب خلاف الكتلة القومية مع الرئيس عبد السلام عارف .. وفي حلقة امس كان الحديث يتصل بأزمة الاستخبارات العسكرية:
لما كانت مديرية الاستخبارات أحدى مديريات دائرة الأركان العامة ومرتبطة بمعاون رئيس أركان الجيش العقيد الركن محمد مجيد ، فقد تدخل في الموضوع شارحاً النقص الذي تعانيه مديريات هيئة الأركان العامة وكيف أنه لم يحاول سد النقص أيماناً منه بإكمال نواقص الوحدات العاملة في الشمال. وأكد أن مديرياته تعاني نقصاً 50% من الضباط وهذا يعرقل اضطلاع هذه المديريات ومديرية الاستخبارات بالذات بواجبها على الوجه الصحيح فأصر الرئيس على النقل.
وأصبح الموقف واضحاً أن الرئيس عبد السلام عارف راغب في أن يثير أزمة.. إذن لماذا علي أن أسكت وأتحمل وضعاً يتنافى ومسؤولياتي الكبيرة ويحملني فشل المديرية في القيام بواجباتها على الوجه الأكمل؟ وطلبت من السيد الرئيس إعفائي من منصب مدير الاستخبارات لأني لا استطيع العمل بمثل هذا النقص الكبير وأن فشل المديرية في واجباتها ينعكس على المصالح الوطنية وعليّ شخصياً. لقد تضامن معي العقيد الركن محمد مجيد معاون رئيس أركان الجيش وطلب إعفاءه من منصبه معللاً ذلك بأنه يتعذر عليه الاستمرار في واجباته وهو يرى أهم مديرية في الجيش العراقي تنهار بهذا الشكل الذي يريده السيد الرئيس.
غضب الرئيس عبد السلام محمد عارف وأجاب بكلام تنقصه اللياقة ويعوزه الأدب قائلاً: "مع السلامة الباب توسع جمل".
ورغم ذلك بقيت والعقيد الركن محمد مجيد حتى نهاية الاجتماع. وبعد نهايته لم نحضر دعوة الغذاء التي أقامها اللواء الركن محسن حسين الحبيب وزير الدفاع وقدمت أنا والعقيد الركن محمد مجيد استقالتينا من منصبينا إلى وزير الدفاع طالبين إحالتنا على التقاعد، وقد حاول كل من طاهر يحيى وعارف عبد الرزاق وصبحي عبد الحميد الاستقالة في حالة قبول استقالة مدير الاستخبارات واستقالة معاون رئيس الأركان. واحتواء للموقف زارني الفريق طاهر يحي ومعه عبد الستار علي حسين وزير العدل يرافقهم سعيد صليبي لإقناعي بالعدول عن الاستقالة وبعد نقاش طويل وضغط شديد طلبوا مني ومن الأخ محمد مجيد الذهاب إلى رئيس الجمهورية ومصارحته في كل الأمور تمهيداً للمصالحة. وتم ذلك ، وفي هذا الاجتماع جرت المصالحة بيننا وبحضور رئيس الوزراء طاهر يحي وعارف عبد الرزاق وسعيد صليبي. أما فاروق فقد نقل إلى الشمال وبقي الضباط الأربعة ومن هنا أقول إن المصالحة كانت مرحلة متمثلاً بقول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافروردها مثل الزجاج كسرها لا يجبر
وأرفق استقالتي إكمالاً للموضوع.
نص استقالة العقيد الركن هادي خماس من مناصبه
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة المشير الركن عبد السلام محمد عارف
1. انبثقت ثورة 18 تشرين الثاني 1963 وساهم الكثيرون من الضباط الغيارى في إنجاحها مدفوعين بدافع وطني قومي لتصحيح الأوضاع الداخلية التي خلفها حزب البعث ومن قبل عهد قاسم الشعوبي وتقويم اعوجاج السياسة الخارجية وتعثّرها وعلى رأسها السياسة العربية والقضاء على الفرقة بين الأشقاء العرب التي أوجدها حكم قاسم والبعث والتي لا يمكن أن تكون ذات – مصلحة وفائدة لأي دولة عربية على انفراد ولا إلى هذه الدول كمجموع. ولقد نشأ معظم شباب العراق يحدوهم الأمل في التآخي ووحدة الاتجاه لهذه الدول إذ أن كافة الدراسات تشير أن لا عزة للعرب إلا بجمع حكوماتهم وتحقيق وحدتهم. وللوصول إلى الهدف المذكور قامت ثورة تشرين وتشكلت الحكومة الحالية وكانت مبعث أمل لكافة العراقيين على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم وقومياتهم إذ اوحت لهم بان الحكم الثوري الجديد سينتهج سياسة جديدة واضحة ترتكز على سيادة القانون لمعالجة الوضع الداخلي وتوثيق العلاقات العربية وإعادة الاستقرار للعراق بعد أن نقده طوال ست سنوات في عهد حكم دكتاتوري آمن بانفراد الرأي وفشل وحكم مرتجل أقامه شباب عابث غير مجرب النزاع من الناس حريتهم ففشل أيضاً. وكانت حكومة تشرين فعلاً بشائر خير للناس عامة متأملين أن السير بهذا النهج سيحقق الكثير من الأهداف التي آمنوا بها وضحوا من اجلها في حياة يسودها الاستقرار في الحقلين الداخلي والخارجي وأن يعم البلاد الخير والرفاه.
2. وفي خلال الاتصالات الشخصية واللقاءات المتعددة أوضحنا أن الحكم لا يكتب له الدوام والاستمرار إلا إذا استند على قاعدة شعبية متفاعلاً معها معبراً عن آمالها وأمانيها وأن ذلك يتطلب ما يلي:-
أ. تأليف مجلس وطني لقيادة الثورة يأخذ على عاتقه تمشية أمور البلاد في مثل هذه الظروف ولحين أعادة الحياة الطبيعية إلى البلد وتسليم السلطة إلى مجلس وطني يتم انتخابه من قبل الشعب وبمطلق حريتهم.
ب. أيجاد تنظيم شعبي يدعى الاتحاد الاشتراكي يؤمن بأهداف الثورة ويسير ضمن أطار الخط العربي العام ويسعى لتوعية الجماهير توعية عربية قومية لتكون أداة فعالة في درء أي خطر يهدد الحكم القائم وليكون بالتالي أساسا لحياة ديمقراطية نيابية وليصبح القاعدة لمنطلق الحكم في المستقبل والمبدأ الذي آمنا به وسعينا من أجله هو أن يضم هذا التنظيم كافة العناصر القومية الصالحة من المواطنين العراقيين على مختلف قومياتهم وليكون واسطة لامتصاص الحزبية وإذابتها ضمن الإطار العام للسياسة العربية للجمهورية العراقية.
ج. جعل الجيش قوة عسكرية يسودها النظام والألفة لحماية الثورة لحين أن يصبح الاتحاد الاشتراكي قوة قادرة لحمايتها ولا يتم ذلك إلا بإبعاده عن العمل السياسي والتنظيم لصالح تكتل لأن ذلك يشكل خطراً يهدد – الكيان القائم بالزوال لأن أي احتكاك بالحكم وانشقاق مسؤولية يؤدي إلى احتكاك وانشقاق رجال الجيش كل وراء كتلته مما يدفع المغامرين إلى قيادة الانقلابات التي لها أسوء الأثر في تأخير البلاد وإرباك اقتصاده ونقده لمكانته الدولية وسمعته السياسية.
ومنتسبوا الجيش الذين عاشوا فترة المحنة وشهدوا المذابح الجماعية وسيق خيرة شبابه إلى السجون وساحات الإعدام في عهد قاسم وما أعقب ذلك في عهد البعثيين أصبحوا يؤمنوا بأن الجيش يجب أن يكون قوة واحدة لا يفرق بين منتسبيه مفرق ويكون سنداً في تحقيق أماني البلد والمبادئ التي أسس من أجلها الجيش وبالتالي يكون القوة الفعالة والحارس الأمين ضد أي اعتداء خارجي غادر وليؤدي مهامه الجسام في معركته القومية الكبرى في فلسطين. وتنفيذاً لذلك يجب أن يعزف الجميع عن التدخل في السياسة ويسعى المسؤولون بجد وإخلاص لرفع مكانته في مجالاته الواسعة في تدريبه... في ضبطه.. في إعداده.. وبذلك تكون قد أرضينا ضميرنا وأدبنا وأجبنا لصالح هذا البلد ولخير أمة العرب.
د. ورغم الحقيقة بوجود تناقضات في الحكم الذي أعقب ثورة تشرين إلا إننا رسمنا إطاراً عاماً وسرنا في نطاقه والتزمنا بعدم الخروج على الحدود الرئيسية التي رسمت له والتي تنحصر في السير في الخط العربي المتحرر المتمثل في الحكم القائم في العربية المتحدة والتعاون معه في كل الإمكانيات وكافة المجالات والى ابعد الحدود والعمل على قيام وحدة بين الجمهوريتين العراقية والعربية المتحدة لتكون نواة لوحدة دستورية كاملة مفتوحة لكافة الأقطار العربية المتحررة وقد ساهمنا في المسؤولية وكان هدفنا الحفاظ على العمل ضمن الإطار العام (دون الالتفات إلى توافه الأمور والقضايا الجانبية) والذي اعتبرناه أساساً لعملنا ضمن الحكم.
ه. إن المبدأ الفهم في استمرار ثورية الحكم وارتباطه الوثيق بالشعب وكسب ثقتهم وذلك بتقديم العمل الصالح المنتج ووضوح أهداف الحكم إذ أن الشعوب كثيراً ما تنسى عندما تهمل أو تقصر الحكومات تجاهها فتراها تتناس كافة ما قدمته هذه الحكومات. فالعراق كشعب يريد، وإذا ما أحجمت الحكومة عن تقديم ذلك تراه يعدّد ويحصي أخطاءها وأن أعمال الحكومة لتنعكس على تصرفات الشعب فان كانت حسنة ولصالحه تراه يؤيدها بعنف وحرارة ويزداد تعلقاً بها ويقل تأييده لها كلما كثرت أخطاؤها وكانت مشاريعها ليست لصالحه مبددة للثروات والأموال.
و. إصلاح الجهاز الحكومي بصورة عامة حيث تفشت الرشوة وانتشر الفساد وعملت الوساطات والشفاعات والمحسوبيات والقرابات على إبعاد الكفاءات والاختصاصات وسلمتها لمن هم ليس أهلاً لها وهذا مبدأ يا سيادة الرئيس آمنا به وسعينا بإلحاح لتنفيذه.
ز. ومن المبادئ التي كانت أساساً لاشتراكنا في المسؤولية والثورة هي العمل على إقامة عدل اجتماعي وذلك بتطبيق الاشتراكية العربية المنبثقة من تاريخنا وواقعنا العربي الإسلامي.
3. ومن خلال المبادئ أعلاه ناشدناكم والحكومة مراراً بتأليف المجلس الوطني لقيادة الثورة مجلس يؤمن بالقيادة الجماعية فكرة وعملاً ليأخذ على عاتقه تسيير الأمور وفق هذه المبادئ وليحفظ سمعة الحكم من الانحراف والوقوف في الخطأ. وقد ماطل المسؤولون في تشكيله قرابة ستة أشهر لأسباب لا يمكن أن تكون مقنعة.. وتم تشكيله بشكله الحالي وقد جردته المادة (13) من قانونه من كل صلاحياته تلك المادة التي ارتضيتها واصريت على وجودها، ونتيجة لذلك ولد وعاش هذا المجلس مريضاً يتعكز وأعطى تأليفه أسوأ انطباع لدى الشعب وأفهمهم بان الحكم يتجه نحو الانفراد بالرأي والدكتاتورية، وقد طلبنا مراراً وبإلحاح تعديل القانون وحذف المادة المذكورة وقد تم ذلك في 14 تموز 1964. ورغم رفعها بقى المجلس معطلا عدا الشكليات لأن أسلوب عمله ومعالجته للأمور كانت تجرى على النحو الذي تريد أن يكون وكان حق الاعتراض لكم دون غيركم وما تريدونه لا يمكن أن يجري عليه اعتراض أو تعديل وأن حدث مثل ذلك فنتيجته التمييع والتسويف ، كما أن أسلوب العمل في المجلس كانت تسبقه اجتماعات فردية وثنائية تتخذ بعدها كثير من القرارات وأن أكثر القوانين أقرت وحملت اسم المجلس دون عرضها عليه بأسلوب منافي للديمقراطية ومخالف للحكم الجماعي ويؤدي بالتالي إلى التعالي في الحكم والانفراد بالرأي.
4. وفي 14 تموز 1964 انبثق الاتحاد الاشتراكي وخرجت الحكومة بقراراتها الجبارة في تقنين الاشتراكية ويضعها موضع التنفيذ لإقامة مجتمع عادل يسوده العدل والرفاه وكم استبشر الناس خيراً بهذه القرارات التي أعدوها مكسباً ثوريا، ورغم سلامة هذه القرارات وأهميتها نراها تعرضت إلى الفشل أو أنها في الطريق إلى ذلك ، وقد ساهم الكثير من المسؤولين في اخفاق هذه القرارات أو بتعبير أدق هاتين التجربتين اللتين اعتبرتا باكورة الأعمال للثورة للمسير نحو الأفضل ، وقد أدى إلى شكوى الناس وتذمرهم وقد يؤدي التذمر إلى التآمر، وقد رفعت كافة الفئات القومية بما فيهم حزب البعث والشيوعيين والبارتين والأحزاب الإسلامية شعار إسقاط الحكم إيماناً منها بأنه انجوف عن المبادئ الثورية الأصلية كل حسب تخطيطه وشعاراته وما دبره ومما يتلق من وراء الحدود.
5. أن الحكم لا يكتب له البقاء إلا إذا اعتمد على قاعدة شعبية قوية تؤيده وتسنده وهذا طبعاً لا يمكن أن تكون في صفوف أعدائه الذين يجب معالجتهم بشكل علمي مدروس لتقليل خطرهم كما لا يمكن له البقاء باعتماده على الانتهازيين، وعليه أن ركيزته القومية واعتماد على القوميين وعليه (أي الحكم) لم صفوفهم والقضاء على فرقتهم ولا يمكن كسب القوميين سواء الذين بدأوا يعادوا السلطة أو الذين معها ((إن وجدوا)) إلا بالقضاء على الفساد وتسليم الحكم بأيدي أناس يثق بهم الشعب ويحترمهم الناس.
6. يتصف الحكم القائم الآن بـالآتي:-
أ. ضعف الوزارة وعدم انسجام أعضائها وتكلم بعضهم على الآخر وفي مجالسهم الخاصة ويتصف الحكم بالقبلية والإقليمية وسيطرة العوائل حيث طفت هذه الاعتبارات على الكفاءة والإخلاص والنزاهة والاختصاص والأمثلة على ذلك ليس لها حصر. إخصائي بالسكر تعطى له مسؤولية إدارة مؤسسة الأدوية ومن بعدها معامل السيكاير ففشل في الاثنين.
ب. ضعف أجهزة الدولة كافة وانعدام المسؤولية وروح المواطنة.
ج. تفشي الرشوة والمحسوبية والوساطة.
د. عدم تطهير أجهزة الدولة والمؤسسة الاقتصادية من العناصر المشبوهة وغير النظيفة.
ه. التسويف والمماطلة في تحقيق الوحدة حيث بقيت مجرد شعارات لا حصر لها ولا أساس ورغم أن الحكم القائم عقد اتفاقية الوحدة في 26 مايس 1964 مع الجمهورية العربية المتحدة ظلت هذه الاتفاقية نصوصاً قائمة لم تظهر إلى حيز الوجود إلى يومنا هذا.
وفي يوم 16 تشرين الأول 1964 شكلت القيادة السياسية الموحدة ورغم أن المفروض فيها تجتمع في كل شهرين مرة واحدة ظلت هذه القيادة ولم تجتمع إلا مرة واحدة وعادت في اجتماعها الأخير ببيان هزيل لا يغني ولا يسمن مخيب للآمال إن كان المفروض في الحكم القائم ومهما كانت الظروف أن يسعى لتهيئة الجو الملائم لإقامة الوحدة التي هي قدر محتوم لا يستطيع منكر جحودها أو مكابر الوقوف في وجهها.
و. بقاء الكثير من القوميين بدون عمل.
ز. سيطرة الانتهازيين والرجعيين على الحكم وتوجيهه وفق مخططات مرسومة ستطوح بمستقبله وأمله.
ح. انعدام التخطيط في كافة المجالات ويسود الارتجال وتتغلب العاطفة على كل الأعمال.
ط. تشجيع التكتلات والسماح لتسرب الحزبية داخل الجيش مما يشكل خطراً على كيان الأمة ومستقبلها مما سأشرحه قريباً.
ي. دكتاتورية الحكم وانفراديته.
ك. لم يستطع الحكم القائم ورغم التعديلات الوزارية التي حصلت الالتزام بالعهود التي قطعها على نفسه أمام الشعب والتي جعلت الحكومة بموقف المتهم فيما بعد.
ل. إتباع سياسة التبذير في أموال الدولة وصرفها في أوجه غير إنتاجية.
م. تساهل الحكومة في مفاوضاتها مع شركات النفط مما سيأتي بحثه.
ن. التشكيك بالمخلصين وعلى الأخص في أجهزة الاستخبارات والأمن وتشكيل استخبارات ثالثة لا تختلف بأي حال عن استخبارات عبد الجبار حمزة التي أوجدها عبد الكريم قاسم وأن هذه الأجهزة رغم سهرها المتواصل وإخلاصها تعرضت لحملة تشكيك وإشاعات مدروسة ومهيأة لم تشهد مثلها حتى في عهد مرعي والرفيعي مما شل عملها واضطرت مدير الأمن العام المقدم الركن رشيد محسن رغم ما عرف عنه من أخلاص وجرأة ونزاهة على تقديم استقالته احتجاجاً على الأوضاع القائمة وعلى التشكيك في مديريته.
7. الموقف العام في البلد
أ. موقف الجيش:
يتأثر الضابط في البيئة التي يعيش فيها ويتحسس بأحاسيسها وتعود الشعب العراقي أن يلجأ للضباط كلما ساء الوضع وانحرف الحكام يشكون له سوء الوضع، ويحثونه على اجتثاث هذا السوء وقد عشنا هذا الواقع في كافة العهود ولمسنا حقيقة عدم إبعاد الجيش عن التدخل في السياسة ما لم تسير الحكومات وفق المبادئ القومية السليمة التي ضحيها الكثير من الضباط من أجلها في أقامة وحدة عربية واشتراكية تؤمن العدالة والمساواة وحكم ديمقراطي سليم آمن بالحكم الجماعي واحترام الرأي وقد يبدأ الضباط فعلا بالتذمر من:-
أولاً: تشجيع المسؤولين على خلق الكتل المختلفة بين الضباط.
ثانياً: تسليم بعض مناصب الجيش الحساسة بأيدي غير كفوءة ومخلصة.
ثالثاً: إجراء تنقلات كثيرة لا مصلحة فيها.
رابعاً: إبعاد الضباط القوميين من الجيش وعدم إعادة القسم منهم.
خامساً: تدخل المسؤولين في شؤون الجيش وعدم أعطاء الحرية لرؤساء، للتصرف في إدارة شؤونه.
ب. الموقف الخارجي:
لم يعش العراق جواً تآمرياً كيومه هذا، فقد عملت كل القوى المعادية للانقضاض عليه، فالاستعمار وحلف السنتو وبعض الدول العربية سعت لإسقاط الحكم القائم وأوعزت إلى عملائها ببث الإشاعات الكاذبة وتهويل الأخطار والعمل على توسيع شقة الخلاف بين المسؤولين وبث الخلاف بينهم ليسهل عليهم ضرب من يبقى منهم وعملت هذه القرى على:-
أولاً: تحريض الأكراد على الاستمرار في القتال وحثهم على عدم حل القضية سلمياً وذلك لإلهاء الجيش العراقي وصرفه عن القيام بمهامه وواجباته خارج الحدود.
ثانياً: بث النعرة الطائفية حيث برزت بشكل واضح ومؤسف هذا العام وكان موقفها عدائياً ولم يضع أي تخطيط علمي لمعالجتها.
ثالثاً: التشكيك بنجاح التجربة الاشتراكية.
رابعاً: التشكيك بإخلاص المسؤولين للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وقد أيقن الكثير بصحة التشكيك هذا لما لمسوه من تسويف ومماطلة وتمييع لقضية مصيرية مهمة هي الوحدة.
إن هذه الأمور تستوجب الحكومة الإسراع بالقضاء عليها وحلها مستنيرة بآراء المسؤولين وذوي الخبرة ورغم كافة التقارير التي قدمت والاقتراحات التي عرضت كان مصيرها الإهمال والأعراض مما زاد في خطرها وكل تنبيه وتحذير لخطورة ذلك كان يقابل باللامبالاة والاستخفاف.
ج. الموقف الداخلي:
أولاً: يزداد خطر الشيوعيين والبعثيين وحزب البارتي وبدأ البعث والشيوعيون يعملون بشكل سافر وواضح كما تحسس الأكراد بضعف الحكم وانقسامه لذلك أخذوا يشددون في مطاليبهم.
ثانياً: سيبقى البعث يهدد ما زال هناك حكم بعثي في سوريا وهم الآن يترقبون الصراع القائم في السلطة وسوء الحكم لاستغلاله وإزاحة الحكم بنفس الطريقة التي أزيحوا بها فجر 18 تشرين الثاني 1963 وهم يعملون علانية دون خوف أو وجل ويهددون بمناسبة وبدونها عن قرب إنهاء الحكم.
ثالثاً: إن استعراض هذا الموقف السيئ أوصلنا إلى نتيجة حتمية مؤلمة بأن الخطر يهدد الثورة وأن الوضع خطير جداً ويتطلب علاجاً جذرياً كما يتطلب الاتفاق التام بين الثوار وزرع الثقة بينهم وعودة الصفاء والتخلص من الأزمات والأخطار وقد بدلنا مساع كبيرة لإعادة الأمور إلى نصابها بمحاولات مخلصة بآت بالخسران المبين ومن المؤلم جداً أن يشخص إنسان الخطر ويعرف أبعاده ولا يجد من يعاونه على درئه.. فالليالي حبالى يلدن كل عجيب.
رابعاً: وكان انعقاد القيادة السياسية أخيراً، وعاد المؤتمرون يحملون منهجاً للعمل السياسي كان هدفاً بناءً لجمع الكلمة والحفاظ على وحدة الحكم والثورة والانصراف للعمل المثمر البناء ومعالجة التكتلات في الجيش ، وبالتالي القضاء على كل ترسبات الماضي البغيض وإنشاء قاعدة شعبية تحمي الثورة وتصونها وبناء جيش متماسك قوي موحد يصون الحدود ويدفع عاديات الزمن، وقد استبشرنا خيراً وأيقنا أن العاصفة مرت بسلام وطلبنا وأكدنا أكثر من مرة ضرورة تنفيذ ذلك وعلى الأخص الحزبية في الجيش ومعالجة التكتلات فيه وفي خاتمة المطاف وعندما طلب السيد وزير الدفاع بحث ذلك نفيتم وجود التكتلات وظهر على ملامحكم عدم الرغبة حتى في أثارة الموضوع.
مفاوضات النفط
8 - وكانت مفاوضات النفط وهذا عجب ، والأعجب ما فيها لم تكن لأعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة سابق علم في الموضوع ، وأن الحكومة شكلت وفداً للتفاوض مع شركات النفط الاحتكارية عدا ما تناقلته وكالات الأنباء ونشرته بعض الصحف حيث طلعت علينا صحيفة الجمهورية البغدادية بتاريخ 22/5/1965 بتصريح لوزير النفط الذي أشار إلى وجود مفاوضات حول الموضوع. وفجأة نوهتم سيادة الرئيس بضرورة الالتقاء باجتماع مع من سميتموهم (عناصر استطلاع) كلفت لترى وجهة نظر شركات النفط لامكان الدخول معهم في تفاوض ، وفعلا تم الاجتماع ، وإذا بنا أمام وفد مفاوض فعلاً أكمل التفاوض وأعد مسودة الاتفاقية وعرض السيد وزير النفط السيد غانم العقيلي، وبتحدٍّ وثقة، محضراً كاملاً للأسس التي تم الاتفاق عليها مما يدل دلالة قاطعة على أن الحكومة انتهجت ((لأسباب اجهلها)) حتى مع أعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة وهو المسؤول الأول في الدولة موقف الكتمان والسرية في قضية مهمة تهم العراق سياسياً واقتصادياً، ولقد جاء في المحضر بعض التنازلات عن المناطق النفطية ، ما يتعارض وقانون رقم 80 لسنة 1961 الذي فتح آفاقاً جديدة ومجالات واسعة للعراق للاستفادة من استثمار النفط في الأراضي التي استولى عليها القانون والتي هي حق شرعي للشعب العراقي ، وأن التصديق على الاتفاقية يا سيادة الرئيس بالشكل الذي عرضت فيه انتحار سياسي وتفريط بحق العراق لا يمكن أن يرضاه مواطن. وأن الأسلوب التي تبنته المفاوضة لدليل قاطع على عدم الاستئناس برأي المسؤولين والاعتماد على جهة معينة مما يتنافى والمصلحة العامة ولا يخدم الحكم القائم في أي حال من الأحوال.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/19602-2015-10-17-18-06-53.html
901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع