زوجة وطبان التكريتي إلهام خير الله طلفاح تعترف : حسين كامل سحر ساجدة واستولى على قلب صدام..
الحلقة الأولى
خسرَ المسؤولون العراقيون السلطة. فروا وتبددوا، خوفاً من القوات التي ازاحتهم وخوفاً من العراقيين أنفسهم. انشغل العالم بمصير هؤلاء وأماكن تخفيهم. نسي الوجه الآخر. العائلات التي شردت وتفرق شملها وأحدق بها الذل بعد سنوات طويلة من القوة والمجد. نساء خائفات يخشين على أنفسهن وأطفال بعيون زائغة يقول الواحد منهم: "عمو رايد أريد أشوف بابا". الصبي عدنان 12عاما غيّر اسمه الى احمد وتعلم فن انكار نسبه او صلته بوالده وزير الداخلية السابق وطبان ابراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. اصطحبته معي في السيارة الى احدى القرى المجاورة وفي الطريق اقترح علي ان نواصل سيرنا الى مطار بغداد، سألته، لماذا؟ فأجاب: "رايد أزور والدي المحتجز لدى القوات الاميركية". في العراق، الآن، عشرات الاطفال من أقران عدنان وطبان الحسن الذين كانوا ينعمون بالقصور والخدم والسيارات وصاروا بين عشية وضحاها يتنقلون بين خيام البدو الرحل في صحراء العراق الشاسعة، تلك الصحراء التي تحولت بفعل الاحتلال الى منتجع قسري للعراقيين. السيدة إلهام خيرالله طلفاح، الشقيقة الصغرى لزوجة صدام ساجدة وزوجة وطبان الحسن الأخ غير الشقيق لصدام، اقتنعت، بعد محاولات عدة، بكسر هذا الحاجز وقررت ان تتحدث مشترطة ان تراجع معنا كل ما قالته وكان لها ذلك، على رغم صعوبة التردد على مقر اقامتها وخطورته، وهي تبدل مقر اقامتها اكثر من مرة في اليوم الواحد، ليس خوفاً من قوات الاحتلال ولكن من غضب العراقيين في ظل الفوضى التي خلفها سقوط النظام في بغداد. واكثر ما تخشاه احتمال تعرض بناتها الشابات لما لا تحمد عقباه. تعرف إلهام الكثير، فقبل زواجها من وطبان تزوجت هيثم نجل الرئيس الراحل أحمد حسن البكر. وها هي تروي: والدي خيرالله طلفاح وأخي عدنان خيرالله. العائلة مكونة من خمس أخوات وخمسة أخوة. أكبر الذكور عدنان وأكبر النساء السيدة ساجدة زوجة الرئيس صدام وانا الرابعة في الترتيب.
شخصية عدنان خير الله
عدنان شخصية يندر وجودها، ولد سنة 1940. متواضع وبسيط... لم تغره السلطة ولم يطمع في اي منصب... وحسبما اسمع، فإن الرئيسين احمد حسن البكر وصدام حسين قررا ان يتولى وزارة الدفاع. واحتاجا الى فترة لإقناعه بتسلم هذه الحقيبة، وكان قبل ذلك تزوج من السيدة هيفاء ابنة البكر. كان عدنان قبل تسلمه حقيبة الدفاع يعمل آمراً لكتيبة دبابات ابو غريب جنوب غربي بغداد، كان مرتاحاً في عمله، وهو عسكري محترف تخرج من الكلية العسكرية مقتدياً بوالدي الذي كان عسكرياً وحمل في صدره رصاص الانكليز. عمل عدنان خلال تدرجه في السلك العسكري في معظم محافظات العراق. وخلال تنقله اسس علاقات وصداقات مع جميع ابناء الشعب العراقي على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، وكان من النوع الذي لا يفرق بين الناس لأسباب مذهبية او عرقية او غيرها من الفوارق الاخرى. كما كان حريصاً على علاقاته بالآخرين في الوقت الذي كان يلتزم العادات والتقاليد..
الحلقة الثانية
عرفَ الناس عدنان قبل ثورة 1968، وكان محبوباً بين اهالي البصرة والسليمانية وسائر المحافظات التي عمل فيها. كان وفياً لجميع من عرف، حافظ على اصدقائه منذ الصغر. واذكر منهم الذين استمروا على الاتصال به الى ان توفاه الله، وهم نجم وسمير ونعيم، وهم من مدن عراقية مختلفة. لم تتغير علاقته بأصدقائه عندما أصبح وزيراً بل استمرت على وتيرتها، وكان يلتقيهم بشكل مستمر ومنتظم ويزورهم في بيوتهم. وكان بينهم المسلم والمسيحي، السني والشيعي، العربي والكردي، العشائري والحضري، العسكري والمدني. كانوا خليطاً رائعاً لا يمكن ان يجتمع الا حول عدنان الانسان وليس حول عدنان الوزير المسؤول. كان عدنان يحدثني كم كان يتعذب عندما يتلقى اوامر الاعدامات من صدام. وبحكم كوننا إخوة وأصدقاء كان يفتح صدره ويصارحني بأشياء كثيرة، منها: الاحكام التعسفية التي يصدرها صدام ضد العسكريين بناء على قناعات وتقديرات شخصية او بناء على توصيات مسؤولين مقربين منه.
وكان عدنان يطلب مني مساعدته على التفكير بطريقة يقنع بها صدام بتغيير أحكام الاعدام. عدنان انسان طيب مؤمن دمث الخلق، حلو المعشر، في غاية البساطة والتواضع مع كل من يلتقيه. قلبه مفعم بحب الخير للآخرين لا يحتمل تنفيذ أوامر الاعدام لمجرد ان جندياً فر من الجبهة او ان جندياً تقاعس عن أداء الخدمة. كان يحاول جاهداً استصدار عفو عن العسكريين الهاربين من الخدمة. وكان يقول: إن اسعد ايام حياته عندما يحصل على امر ينقذ أحد الجنود من الاعدام.
والدليل على ذلك سجل الزيارات عند ضريح عدنان، فقد امتلأ بأسماء من حكم عليهم بالاعدام وتمكن، بحول الله وقوته، من استصدار امر بالعفو عنهم، والناس الذين يتوافدون لزيارة ضريحه يأتون تعبيراً عن وفائهم لهذا الانسان. وهو ما دفعهم الى تسجيل عبارات حميمة في السجل، واكثرهم كان يكتب ان بقاءه على قيد الحياة الى الآن كان بفضل الله ثم بفضل عدنان خير الله.
العلاقة بصدام حسين؟
علاقة صدام حسين وعدنان خيرالله، حسبما كنا نرى ونسمع، كانت علاقة أخوة حقيقية. حدثني، رحمه الله، انه عندما كان صغيراً كان بحلول العطلة الصيفية يترك بغداد ويسافر الى "العوجا" حيث مسكن عمته والدة الرئيس صدام. وعلى رغم قساوة الحياة الريفية على شخص مديني مثل عدنان كان يمضي غالبية ايام الصيف في قرية العوجا حيث بيوت الطين والحياة الريفية الصعبة... لكن سرعان ما كان ينصهر معهم. ربما كان عدنان يشعر بالوحدة لعدم وجود أخ... لكنه كان يرتبط بعلاقة صداقة حقيقية مع صدام حسين. كان عدنان يقول لي، انه كان يحس بوحشة في الايام الاولى من اقامته في العوجا، لان ابناء عمومته لا يتقبلون سلوكه الحضري. ومن جانبه كان من الصعب عليه ان يتقبل حياة القرية اذ ان وسيلة الترفيه الوحيدة هناك ممارسة السباحة في النهر والعمل في الزراعة نهارا. ولدى عدنان اكبر ارشيف صور لصدام حسين والعائلة. فقد تعوّد عدنان منذ ان كان في الرابعة عشرة ان يحمل معه الكاميرا... كما ان لديه مجموعة كبيرة من الصور عن المناطق التي خدم فيها وهي تحكي قصة تطور المدن والاقضية العراقية..
يـتـبـع
المصدر: جريدة المشرق
689 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع