"نفتقد الدكتور علي الوردي، ابرز واشهر مفكري العراق في علم التأريخ والاجتماع، ولهذا يتوجب قرأءة ما كتبه"

          

"نفتقد الدكتور علي الوردي، ابرز واشهر مفكري العراق في علم التأريخ والاجتماع، ولهذا يتوجب قرأءة ما كتبه"

     

   

لا يصبح النسان مثقفاً او مفكراً بين يوم وليلة، ولكن الثقافة والفكر هي نتاج قراءات معمقة ودراسات مثمرة وناقدة على المدى الطويل، وخلال هذه الفترة يتشكل العقل وتنتج الفكرة الفريدة وتتبلور الرؤية، فلا يمكن لأمة أن تكون من غير مفكرين وفلاسفة يقرؤون الحاضر ويستشرفون المستقبل، وما خلت أمتنا من المفكرين والفلاسفة على مر العصور والأزمان.

المفكر وهو شخص يحمل العديد من الافكار والنظريات ذات المعرفة الواقعة، وينهمك في انتاج ونشر الافكار والابتكارات، ويمتلك خبرة فنية وثقافية بارزة تمنحه وزن ومكان مرموق في الخطاب العام ويكون صامد امام الانتقادات والصدامات الاجتماعية، فالمفكرون هم عصب الأمة والمحرك الأول لنهضتها، والتفكير من أعظم المباديء التي تستخدم الذكاء والتفكير النقدي، اما بطريقة مهنية او بصفة شخصية. المفكرون الحقيقيون قلة و كل مفكر مثقف، و لكن ليس كل مثقف مفكراً، تماماً كما أن كل مثقف متعلم و لكن ليس كل متعلم مثقفاً، ما الذي يعرفه العالم عن الحكمة و المعرفة والخبرة والحدس والفهم العميق؟.

يأخذ الفكر صوراً عدة فتجد افكاراً في صورة ادبية ينتج المفكر فيها شعراً او نثراً اوافكاراً في صورة سياسية ينتج الفكر السياسي الذي يتألف من مجموعة ضخمة من الأنماط والمقاربات. وسعى المفكرون السياسيون إلى تفسير عمل المؤسسات، وتقديم النصح إلى الحكام، وعرّفوا القيم والمبادئ، وانتقدوا العالم الذي وجدوا أنفسهم فيه. ركّزوا بصورة محددة على المؤسسات الحكومية منها، وهيئات وضع القوانين، وممارسة السلطة القسرية، وعلى نحو أوسع على شخصية المجتمع والناس. في هذا العمل نطلع على مبادئ ونظريات المفكرين السياسيين البارزين الذين صاغوا بطريقة أو بأخرى الهندسة الفكرية لمفاهيمنا الحديثة عن السياسة، ومكانها في الحياة الاجتماعية منذ سقراط إلى الوقت الراهن، كما ان الفيلسوف مفكر والمؤرخ مفكر والخطيب مفكر والعالم مفكر.
هناك نوعان من الفلاسفة والمفكرين الذين يمكن تمييزهم عن أساتذة الفلسفة الأكاديميين. أولا، أصحاب المشروعات الفلسفية. ثانيا، أصحاب المواقف الفلسفية، في الحالة الأولى هناك بناء فلسفي نسقي واضح تدور حوله مجموعة من المؤلفات. وفي الثانية هناك مجموعة من المؤلفات لا تشكل نسقا متكاملا، ويمكن أن تأخذ أشكالا أدبية مختلفة، ولكنها في النهاية تعبر عن موقف فلسفي ضمني واحد.
اليكم مجموعةً من أشهر و أعظم الفلاسفة والمفكرين على مر التاريخ محبي الحكمة وأعظمهم، منهم من افاد البشرية بعلمهم. ومنهم من يجب التنويه بأن الفلاسفة في كثيرٍ من الأحيان، لم يكتفوا بدور المفكر بل أخذوا دور العالِم الذي يحاول الوصول إلى استنتاجات عن طريق التجارب:

         

جون لوك ابيقور، زينو الرواقي، ابن سينا، توماس اكويناس، كونفوشيوس، رينيه ديكارت، بولس الطرسوسي، افلاطون، ارسطو،الفارابي، القديس اوغسطينوس، الكندي، يوحنا الدمشقي، القديس توما الاكويني، الغزالي، ابن طفيل الاندلسي، ابن باجة، ان خلدون، فرانسيس بايكون، كانت، هيكل، شدينهار، ابن نفيس، نيوتن، كيير كجارد، ديبوي، ابن العربي محي، آنشتاين، ابن رشد، طاغور، فرويد..

      

وفي العصر الحديث برزفيها مفكرون وفلاسفة، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر،
وفي العصر الحديث برز فيها مفكرون وفلاسفة، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، فقد برز في عالمنا العربي مجموعة من المفكرين الذين كان لهم دور ودور كبير في التفكيك والتنوير ومازالت كتبهم تدرس وتبحث وحاضرة في المشهد الفلسفي والفكري، ومن المؤسف حقا ان الكثير منا يفتقر الى المعلومات عن المفكرين في هذا العصر نظراً لأن اهتماماتهم الثقافية لا تلتفت الى السيرالشخصية والفكرية لهؤلاء العظماء على اعتقاد ان قراءة هذه السير غير مجدي، وهو امر خاطيء،الحرصنا على إلقاء الضوء علىى مفكرعراقي، الذي سوف يفيدك ان تقرأ له، لتستطيع استيعاب كم الأفكار العميقة المتسلسلة والتي تحتاج قراءة متأنية للفهم، كما انها تبين العلاقة العميقة، التي تربط الإنتاج الفكري والثقافي، والواقع الذي كان يعيشه في محيطه الثقافي والاجتماعي ونوعا ما السياسي، المتعمق في الدراسة التحليلية للشخصية القومية وجعل الشخصية العراقية على مر العصور محور اهتماماته ودراساته، كذلك هتمامه بسؤال الهوية العربية، وهو أهم سؤال يجب أن نطرحه في هذا العالم الذي أصبحنا نعيش فيه، حيث الباب مفتوحاً على مصراعيه بين الشرق و الغرب، انه الاستاذ الدكتور علي الوردي.

         

علي حسين عبد الجليل الوردي. ولد في بغداد، حي الكاظمية في عام 1913 من عائلة متوسطة المستوى المعيشي، حيث عمل ابوه عطارا في الكاظمية، وقد شارك الوردي اباه في عمله هذا حينما ترك الدراسة التقليدية (الكتاتيب) التي كان قد التحق بها كعادة معظم ابناء جيل تلك المرحلة ولقلة المدارس النظامية. وقد كان العراق وقتها جزءا من السلطنة العثمانية. وبعد انهيار حكم السلطنة في العراق بعد دخول القوات البريطانية اليه إبان الحرب العالمية الاولى (1914-1918)، فقد عاد الوردي الى الدراسة، حيث دخل مدرسة نظامية وهجر دراسة الكتاتيب. ويجد الوردي في انهيار حكم الدولة العثمانية في العراق والمنطقة أفقا وفتحا جديدا أدخل معه الكثير من مدخلات الحضارة الى العراق ومنها انتشار هذا النوع من التعليم الحديث، والذي لولاه لكان الوردي عطارا مثل ابيه كما ذكر ذلك في أكثر من مناسبة، (آل أبي الورد)هو لقب عائلته وغَيْرهُ إلى الوردي بناءً على نصيحة أستاذه العلامة مصطفى جواد، وبعد أن أطلق د.علي الوردي الاسم الجديد على نفسه بقي البعض من عائلته على لقبها القديم، والبعض الآخر أطلق على نفسه الوردي. غير زيه التقليدي عام 1932 وأصبح افندي، وبعد اتمامه الدراسة الثانوية حصل على المرتبة الثالثة على العراق، فأرسل لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على البكلوريوس فيالتجارة والاقتصاد في الجامعة الامريكية. وحينما عاد درس في الإعدادية المركزية وثانوية التجارة في بغداد قبل أن يذهب في بعثة دراسية إلى جامعة أوستن الأميركية ويمارس البحث الاستقرائي والاستقصائي. حيث نال شهادة الماجستير في عام 1947 في علم الاجتماع، ثم في عام 1950 حصل الوردي على شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة بتقدير امتياز عن أطروحته الموسومة بـ«التحليل الاجتماعي لنظرية ابن خلدون»، قال له رئيس الجامعة عند تقديم الشهادة له: (أيها الدكتور الوردي ستكون الاول في مستقبل علم الاجتماع)، ونال تكريم حاكم الولاية شخصيا بعد ان تفوق بامتياز. وحينما عاد بهذه الشهادة العليا درس مادة «علم النفس الاجتماعي». ثم تدرج الوردي حتى نال لقب الأستاذية، وأسندت إليه رئاسة قسم الاجتماع عام 1963، منحته جامعة بغداد لقب (استاذ متمرس) عام 1970، تقاعد عن التدريس في عام 1972، وهو في اوج عطائه العلمي، وتفرغ للتاليف والقاء المحاضرات في بعض المؤسسات العلمية ومنها معهد البحوث والدراسات العربية الذي كان مقره في بغداد، وبدأت شهرته تتسع وتتخذ منحى عربيا وعالميا بعد أن كتب الكثير عن شخصية الفرد العراقي، وطبيعة المجتمع العراقي، توفي العلامة الدكتور علي حسين الوردي في ( 13 تموز 1995 ) بعد صراع مع مرض لسرطان، ولم يتمكن الأطباء من معالجته لأفتقار المستشفيات العراقية آنذاك إلى الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، سافر الى الأردن ليتلقى العلاج في مدينة الحسين الطبية و ثم عاد الى العراق ليقضي نحبه فيه، وقد اقيم له تشييع محتشم غاب عنه المسؤولون ودفن في مقبرة براثا التاريخية في كرخ بغداد بالقرب من مرقدي الدكتور جواد علي والدكتور طه باقر وعلي جواد الطاهر، صرّح علي الوردي في مقابلة قبل وفاته بفترة قصيرة أنه ألف عدة كتب وطلب من ورثته نشرها بعد موته، ورغم مرور أكثر من عشرين سنة لم نر أي كتاب من تلك الكتب التي بقيت بحوزة الورثة، بعد احتلال العراق عام 2003 كتب الراحل العلامة الدكتور كامل مصطفى الشيبي مقالة قال فيها: أن الوردي مات مرتين، تطرق فيها الى العملية النكراء الذي قام بها جلال الدين الصغير حيث استحوذ على جامع براثا في كرخ بغداد و انشائه قاعات وابنية في المقبرة الملاصقة للجامع, وقد اكلت هذه الأبنية قبور ثلة من كبار علماء العراق، ومن ضمنهم قبر الوردي.

      

مفكر ومؤرخ وعالم اجتماع قدير، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته، كما عرف بتبنيه للنظريات الاجتماعية الحديثة في وقته، لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي، وكان له منهجًا مهمًا في دراسة الشخصية القومية، أي شخصية سكان دولة أو وطن محدد ، والنفسية العربية و عامل البداوة وقيمه وأثرها في تكوين الشخصية العربية، وكذلك استخدم تلك النظريات بغرض تحليل بعض الأحداث التاريخية، كما فعل في كتاب وعاظ السلاطين وهو من رواد العلمانية في العراق، مفكر يعمل عقله في ما يدرس ويحلل بناءً على الواقع الذي يرى وليس على أساس غيبيات ومثاليات فلسفية.
فالمسائل والقضايا التي تطرّق إليها، وفيها بحث وتمعّن وفكّر بعمق، لا تزال نابضة بالحياة. وما أظنّ أنّ النّظم السياسيّة منها والملكيّة، والعلاقات الاجتماعيّة، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، ومكانة النخب المثقّفة في المجتمع، وغيرها من القضايا، يمكن أن تفهم راهنا دون العودة إلى أطروحات ابن خلدون في "مقدّمته” الشّهيرة".

                

في كتابه الأول "وعاظ السلاطين"، استنتج أن الشخصية العراقية مزدوجة المعايير والقيم. فهي من ناحية تنادي بقيم الصحراء من غلبة وانتصار وفخر بالقبيلة والعشيرة والأصل والمحتد، ومن ناحية تتوق إلى التمدن والحضارة وحب للاستقرار والمدنية. وقد لخص هذه الفكرة بمقولة دالة مفادها "أن الشخص العراقي يعشق مثل روميو ويتزوج مثل الملا عليوي"!.
كان لابن خلدون القسط الأوفى في أطروحته للدكتوراه من جامعة تكساس في عام 1950، بخلاف الكثير من مفكري عصره الذين تأثروا بالفكر الماركسي، اهتم بدراسة الشخصية العراقية في عدد من كتبه، ونحن لا ننكر أن هناك مفكرين سعى إلى الاستفادة من فكر ابن خلدون، ومن وحي “مقدّمته”، الا ان الاستاذ الوردي قدّم العديد من الأطروحات الهامة عرض من خلالها قراءات لواقعنا المعاصر. كما أنه سعى أن يستخرج منها ما يمكن أن يمدّه بوسائل جديدة في البحث والتحليل، كما انه استفاد من طروحات ابن خلدون كثيرا واعتبره منظر حقيقي ودارس متمعن للمجتمع العربي في تلك الفترة.

       

الشخصيات التي تأثر بها الوردي قبل التخصص وهم العالم اللغوي مصطفى جواد وهبة الدين الشهرستاني والسيد محسن الأمين العاملي، والملك فيصل الأول، وسلامة موسى. أما الشخصيات التي تأثر بها في الدراسات الاجتماعية فهي ابن خلدون وويليام سمنر وأرنولد توينبي ودايل كارينجي ووليم أوغبرن. وفي مجال الدراسات الاجتماعية السياسية فيمكن الإشارة إلى مكيافيللي وجون ستيوارت مل، كما تمركزت منهجية الوردي وآليات بحثه، على ثلاث شخصيات وهي تالكوت بارسونز، أميل دوركايم وكارل مانهايم.

    

كتب الكثير من المقالات والدراسات والكتب، ترك الوردي ثمانية عشر كتاباً منها "منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته" الذي سلط الضوء على نظرية ابن خلدون الاجتماعية وتحليل الأسس التي تقوم عليها و"وعّاظ السلاطين"، و"شخصية الفرد العراقي"، و"مهزلة العقل البشري"، و"أسطورة الأدب الرفيع"،و"هكذا قتلوا قرة العين"، و"قصة الاشراف وابن سعود"، و"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"، ثمانية اجزاء، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، خوارق اللاشعور: بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث ، الأحلام بين العقيدة والعلم، كتب الوردي سيرة حياته في كتاب "سينما بغداد"، لكن هذه المخطوطة ضاعت في ظروف غامضة، اكثر من 150 بحثا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد، ترجمت بعض اعماله الى عدد من اللغات منها الانكليزية والفارسية والتركية والالمانية.
في ما يخص صراع البداوة والحضارة، فيعتبرالاستاذ الوردي أن المجتمع العراقي حصيلة له. هو يرى أن أي مجتمع في النهاية هو حصيلة الظروف التي مر بها. العراق الذي شهد أقدم الحضارات في تاريخ البشر، يقع على حافة صحراء تعج بالقبائل البدوية. وقد اعتادت هذه القبائل أن تتسلّل إلى العراق كلما انحطّت الحضارة فيه، لكي تفرض قيمها البدوية عليه، مؤكدا فيها أهمية فهم المجتمع وممارساته وعلاقاته ومدى تقدمه عن طريق الصراع والتفاعل بين الحضارة والبداوة، فهو مفكر يعمل عقله في ما يدرس ويحلل بناءً على الواقع الذي يرى وليس على أساس غيبيات ومثاليات فلسفية.

                    

كتب الدكتور علي الوردي "مهزلة العقل البشري" فيه فصولاً متفرقة في أوقات شتى وذلك بعد صدور كتابه "وعّاظ السلاطين" وهذه الفصول ليست في موضوع واحد، وقد أؤلف بينها أنها كتبت تحت تأثير الضجة التي قامت حول كتابه المذكور، وقد ترضي قوماً، وتغضب آخرين. ينطلق الدكتور الوردي في مقالاته من مبدأ يقول بأن المفاهيم الجديدة التي يؤمن بها المنطق الحديث هو مفهوم الحركة والتطور، فكل شيء في هذا الكون يتطور من حال إلى حال، ولا رادّ لتطوره، وهو يقول بأنه أصبح من الواجب على الواعظين أن يدرسوا نواميس هذا التطور قبل أن يمطروا الناس بوابل مواعظهم الرنانة. وهو بالتالي لا يري بكتابه هذا تمجيد الحضارة الغربية أو أن يدعو إليها، إنما قصده القول: أنه لا بد مما ليس منه بد، فالمفاهيم الحديثة التي تأتي بها الحضارة الغربية آتية لا ريب فيها، ويقول بأنه آن الأوان فهم الحقيقة قبل فوات الأوان، إذ أن العالم الإسلامي يمد القوم بمرحلة انتقال قاسية، يعاني منها آلاماً تشبه آلام المخاض، فمنذ نصف قرن تقريباً كان العالم يعيش في القرون الوسطى، ثم جاءت الحضارة الجديدة فجأة فأخذت تجرف أمامها معظم المألوف، لذا ففي كل بيت من بيوت المسلمين عراكاً وجدالاً بين الجيل القديم والجيل الجديد، ذلك ينظر في الحياة بمنظار القرن العاشر، وهذا يريد أن ينظر إليها بمنظار القرن العشرين ويضيف قائلاً بأنه كان ينتظر من المفكرين من رجال الدين وغيرهم، أن يساعدوا قومهم من أزمة المخاض هذه، لكنهم كانوا على العكس من ذلك يحاولون أن يقفوا في طريق الإصلاح، على ضوء ذلك يمكن القول بأن الكتابة هو محاولة لسن قراءة جديدة في مجتمع إسلامي يعيش، كما يرى الباحث، بعقلية الماضين عصر التطور الذي يتطلب رؤيا ومفاهيم دينية تتماشى وذلك الواقع المُعاش.
لم يثير كاتب أو مفكر عراقي مثلما اثاره علي الوردي من افكار نقدية جريئة، فكانت موجة من ردود الفعل المضادة والمستنكرة، وكان من البديهي ان يتعرض للنقد والتجريح والهجوم، حيث واجهت افكاره واراءه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة، شارك فيها قوميون ويساريون وإسلاميون وليبراليون، كان لكل منهم أسبابه وحججه واعتراضاته ، وبخاصة كتابه " وعاظ السلاطين" و"مهزلة العقل البشري"، الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الافلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وان الوعاظ انفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما اكد بانه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه، واتهمهم بالوقوف إلى جانب الحكام وتجاهل مصالح الأمة على حساب مصالحهم الضيقة متخاذلين عن واجبهم الديني، قد نادى الاستاذ الوردي بالديمقراطية سبيلا لحياة حديثة، وقدم من مشاهداته ما يدعم رأيه، مؤكدا عدم حاجتنا لنفيها عبرالمجتمع والدين؛ لأننا بحاجة لديانة لا كهانة،.
إن الدين عند الوردي يقوم بوظيفة اجتماعية كبرى حينما يكافح من أجل العدالة وتحقيق المساواة، وهو في الوقت نفسه يحقق نوعا ً من أنواع التوازن الاجتماعي لاسيما حينما يفتح الباب أمام الصراع بين الفئات المغلوبة والفئات الغالبة، لأنه بذلك يُحرك الحياة وهذا الصراع هو الذي يمنحنا الأمل بتحقيق عالم متوازن، لهذا يعتقد الوردي بأن "الدين لا يقوم إلَا بالكفاح والتسامح الاجتماعي، وهذا الكفاح والتدافع هو طريق تحقيق العدل الاجتماعي الذي هو غاية الدين وهدفه، وهذا ما يبرر النزعة الثورية للدين، لذلك نجد الوردي يواشج بين تعريف نتشه للدين بأنه " ثورة العبيد" وتعريف ماركس بأن الدين أفيون الشعوب، فيقول الوردي" أن الدين ثورة وأفيون في آن واحد فهو عند المترفين والأنبياء ثورة وكل يبدأ على يد نبي ثورة ثم يستحوذ عليه المترفون بعد ذلك ويحولونه الى أفيون وهذا ما جعل علَامتنا يعتقد بأن الثورة تفسد إذا نجحت.
ينظرالاستاذ الوردي الى الإسلام بوصفه دين العدل والمساواة، ودين الضعفاء والمغلوبين بل جاء من أجل نشر الفضيلة بين الأُمم، وهو ثورة كبرى على صعيد القيم الإنسانية، فهو بمثابة قلب لقيم الجزيرة العربية التي كانت تعيش على الغلبة والقتل، لذلك يرى الوردي أن الإسلام " بدأ في أول أمره نظاماً ديمقراطياً، لا سيما مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فالمسلمون الاولون كانوا يكافحون الظلم والترف والتعالي. وقد إستطاع النبي أن ينتقل بهذا المجتمع من حال الفرقة والتشرذم الى حال الوحدة والعدل.
مما يلفت النظر أن الوردي تنبه لآثار الطائفية أو الإنتماء الطائفي على المجتمع منذ بواكير كتاباته، فقد عدَ الطائفية نمطاً معينا من العصبية، لأنها تقوم على أساس من الإنتماء الاجتماعي أكثر مما تقوم على أساس من الدين والحرص على سلامة تعاليمه، لذلك نجد الوردي ينتقد بشكل مستمر كل من ينتمي الى جهة ما انتماء ايديولوجياً أو عصبياً، لأنه هذا النوع من الإنتماء إنما هو أحد أهم أسباب التدهور الرئيسة للأُمم، وهو نفسه السبب الحقيقي للصراع الإسلامي الإسلامي.

                             


من كتب عنه:
حميد المطبعي، "علي الوردي يدافع عن نفسه". (كتاب)، سليم علي الوردي، علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية، (كتاب)، سعد البزاز، "علي الوردي – في الطبيعة البشرية"، (كتاب)، قيس النوري"فكر علي الوردي السوسيولوجي" مجلة البحرين الثقافية، سلام الشماع أصدر لحد الآن اربعة كتب أحدهما طبع للمرة الثالثة، وهذه الكتب هي :

من وحي الثمانين الذي صدرت طبعته الأولى بعد سنة من وفاة الوردي، أي في العام 1996، والثاني هو "الدكتور علي الوردي.. مجالسه ومعاركه الفكرية"، والثالث هو "الازدواجية المسقطة" الذي كان مشتركاً بينه وبين الدكتور حسين سرمك الباحث والناقد العراقي المعروف، والرابعة "الرسائل المتبادلة، علي الوردي بين تكساس وبغداد، 1946-1950"، كتب الاعلامي المعروف الاستاذ حميد سعيد بعد اطلاعه على الكتاب الذي يجمع رسائل الدكتور علي الوردي المتبادلة مع قريبه الأستاذ خليل إبراهيم الورد الموظف في مديرية معارف بغداد، ووالده حسين الوردي في جريدة العرب"وإذا كان الوردي قد ركز في مشروعه المعرفي على دراسة شخصية الفرد العراقي، قبلنا ما توصل إليه بهذا الشأن أو لم نقبله، فقد خرجت بعد قراءة هذا الكتاب، بفكرة، إن هذه الرسائل يمكن من خلالها قراءة حقيقة شخصية الوردي، أو لنقل شخصيته الحقيقية، لذا أتمنى قيام أحد الباحثين المختصين، بهذه القراءة. حميد الهاشمي، "علي الوردي رائد الدعوة لعلم الاجتماع العربي"، بحث منشور في مجلة شؤون اجتماعية الاماراتية، سلامة موسى، عبد الرزاق محي الدين، سيار الجميل، ومئات الصحف والموسوعات والكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه.
الدكتور علي الوردي لاينتمي لاي ايدلوجيا سياسية غير الايدلوجيا السياسية التي يمكن ان نطلق عليها الوردية فحسب هو اقرب الى التيار الليبرالي بمعناه الامريكي.
لم ينل الاستاذ الوردي ما يستحقه من اهتمام عراقي رسمي، على رغم أن الجميع يعترف بفضله على المثقفين والصحافيين والباحثين، عراقيين ومهتمين بالعراق، عبر كتبه وآرائه التنويرية، ومما يؤسف له ان كتبه وابحاثه قد سحبت من المكتبات في نهاية الثمانينات على اساس ان منهج الوردي وتحليلاته عن المجتمع العراقي، حيث اعتبر كل سلوك وعقلية هذا المجتمع متأتية من روح البداوة المتأصلة فيه على النقيض من توجهات الدولة حول طبيعة المجتمع العراقي والعربي!.
بعض من اقتباسات الدكتور علي الوردي فيها من الحكم والاستشراق:
"والزعيم لا يعتمد في زعامته على مواهبه فقط. إنما يعتمد أيضا، كما قلنا، على تقدير الناس، وتشجيعهم إياه"، من كتاب وعاظ السلاطين.
"فالقير إذا غمز لامرأة في الطريق أقاموا الدنيا عليه وأقعدوها، أما إذا اشترى الغني مئات الجواري وأشبعهن غمزا ولمزا كان ذلك حلالا طيبا"، من كتاب وعاظ السلاطين.
"فلو غيرنا ظروف الناس لتغيرت أخلاقهم طبعا. فلو رفعنا عن كاهل الناس عبء الفاقة والمشقة، وجعلناهم يشعرون بأن مصالحهم مطابقة لمصالح المجتمع، لصاروا مواطنين صالحين وتركوا الإفساد والإجرام."، من كتاب وعاظ السلاطين.
"يحاول الوعاظ أن يصلحوا أخلاق الناس بالكلام والنصيحة المجردة، وما دروا أن الأخلاق هي نتيجة للظروف النفسية والأخلاقية.
"أن الخليفة يعبد الله وينهب عباد الله، وأن احتراف مهنة الوعظ تنسب إلى كل من فشل في الحصول على مهنة!. "، من كتاب وعاظ السلاطين
"إذا تكاتف السيف والقلم على امرفلابد أن يتم ذلك الأمر عاجلاً أو أجلاً"، من كتاب وعاظ السلاطين.
"الحضارة التي يقتنع أفرادها جميعا بما هم فيه ويقولون: "القناعة كنز لا يفنى" لا يمكن ان نطلق عليها اسم "الحضارة". انها تصبح عند ذلك مجتمعا راكدا لا حركة فيه"، من كتاب مهزلة العقل البشري.
"إن أي إنسان لاينمو عقله إلا في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له. ومن الظلم أن نطالب إنساناً عاش بين البدائيين مثلاً أن ينتج لنا فلسفة معقدة كفلسفة برجسون أو رياضيات عالية مثل رياضيات أينشتاين"، من كتاب مهزلة العقل البشري.
"كان الرجل في الزمان القديم بطلآ يحمل السيف. وكانت المرأة ضعيفة محتاجة الى الرجل في أمر معاشها، فهي مضطرة أن تخدمه وأن تغريه وأن تدلك أعطافه لكي تحصل على ماتريد.
أما اليوم فقد بطل فعل السيف، وذهب زمن العظلات المفتولة و الانف الشامخ، أذ حل محله زمن الذكاء والدأب وبراعة اليد واللسان. وبهذا خرجت المرأة تنافس الرجل في عمله، وشعرت بأنها قادرة على منافسته، فلا سيف هناك ولا مصارعة."
"وأذا أراد الرجل أستغلالها من جديد أستطاعت أن تكيل له الصاع صاعين.فهي تستطيع أن تعمل كما يعمل وأن تدرس كما يدرس وأن تتحذلق كمل يتحذلق، وهي فوق كل ذلك تملك من سلاح العيون والنهود ما يجعله راكعآ بين يديها ينشد قصائد الحب والغرام."، من كتاب مهزلة العقل البشري.
"إن زمان السلاطين قد ولى وحل محله زمان الشعوب. وقد آن الأوان لكي نحدث انقلابا في أسلوب تفكيرنا. فليس من الجدير بنا، ونحن نعيش في القرن العشرين، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا في القرون المظلمة. إن الزمان الجديد يقدم لنا إنذارا. وعلينا أن نصغي إلى إنذاره قبل فوات الأوان. إنه زاحف علينا بهديره الذي يصم الآذان. وليس من المجدي أن نكون إزاءه كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب حين تشاهد الصياد. فهي لا تراه وتحسب أنه لا يراها أيضا".، من كتاب مهزلة العقل البشري.
"يُحكى أن أحد الفلاسفة سُئل عند موته : ماذا تعلمت ؟ فأجاب : إن خير ماتعلمته في حياتي هو أني لا أعلم شيئا.."، من كتاب خوارق اللاشعور.
"ان العبقري النادر هو الذي يجمع بين العقل والجنون، وبين السعي والكسل، وبين الإرادة واللامبالاة ونود الآن أن نقول إضافة إلى ذلك : أنه يتصف بالتفكير الفطري والمدني معاً. وربما صح القول: بأن العبقرية هي اجتماع النقائض في شخصية واحدة.
إن الذي يكون عاقلا في كل حين هو، كالذي يكون مجنونا دائماً، لاينتج من الخير إلا قليلاً.
والنشيط الحريص الذي يتقن كل عمل يقوم به لا يمتاز عن الكسول أحياناً إلا بما يجني من تعب الحياة ونكدها.
وصاحب التفكير العلمي قد لا يفوز من الحياة اكثر مما يفوز به صاحب التفكير الفطري ، فهو يربح جانباً منها ويخسر جانباً."، من كتاب خوارق اللاشعور.
"اننا بحاجة إلي طراز من المتعلمين يدركون بأنه لا فضل لهم فيما نالوا من نجاح أو علم أو أدب ، وأنهم مخاليض وصنائع أنتجتهم العوامل الاجتماعية والنفسية التي أحاطت بهم من غير أن يكون لهم يد فيها".
"على أن ننظر إلى جوهر الإنسان لا إلى مظهره، وهو يصف الشخصية الإنسانية بأنها مثل الجليد العائم الذي نرى عشره ولا نرى التسعة أعشار الغاطسة منه في الماء، كما يعد الوردي العقل البشري متحيزا بطبيعته بسبب العوامل اللاشعورية التي تقوده، وهي الإيحاء الاجتماعي والمصلحة الخاصة والعاطفة. وهو يصف العقل الباطن بأنه منجم من الذهب وكومة من الأقذار".، من كتاب خوارق اللاشعور.
"أن العلماء والفقهاء لا يصلحون لإدارة الدولة لأنهم مثاليون بشكل مبالغ فيه وبعيدون عن الواقعية التي يجب أن يتحلى بها الحاكم مراعاة للمصالح الآنية والوقائع المباشرة". ويؤكد الوردي أن ابن خلدون "ابتدع علم العمران وقام بدراسة المجتمعات وطبائع البشر بطريقة لم يألفها مجتمعه من قبل".، من كتاب منطق ابن خلدون.
ما ينقل عن احدى الجلسات في بداية التسعينات بسؤال موجه له: هل ندمت على شيء في حياتك؟
فأجابه بدون مقدمات: بلى .. عندما ناهضت الحكم الملكي الذي كان ديمقراطيا وعادلا .. وأضاف : تصور لم يظهر اسمي في قوائم الطلبة المقبولين في البعثة الحكومية .. طرقت باب رئيس مجلس النواب عبد العزيز القصاب(الراوي) ولم أكن أعرفه من قبل أو أره .. قلت له : أنا (كظماوي) وابي عطار ، وليس لي واسطة .. لم يظهر اسمي ضمن طلاب البعثة وأجد نفسي مغبونا .. فورا ، ترك رئيس مجلس النواب مكتبه ، وأمسك بيدي ، وذهب بي الى مبنى وزارة المعارف قرب القشلة .. وما أن دخلنا على وزير المعارف ، حتى بادره القصاب ، بالقول : هذا علي (كظماوي) وابن عطار .. لم يقبل بالبعثة وهو يستحقها .. ليش ، يا معالي الوزير .. فورا طلب الوزير أوراق المقبولين وبينها أوراقي وتفحصها ليكتشف عدالة استحقاقي .. فاضاف اسمي بيده مع اسماء المقبولين للبعثة .. وبعد أيام سافرت إلى ولاية تكساس الأميركية مقبولا في جامعتها !.
المجالس التي كان يحضرها الاستاذ الوردي:
لم يكن يسمح لأحد بزيارته أو الدخول إلى بيته في الاعظمية الذي اشتراه من الاستاذ نور الدين محمود احد رؤساء العراق في العهد الملكي. الوحيد الذي زاره ودخل غرفة نومه، هو الاعلامي والصحفي الاستاذ سلام الشماع، وقد وصف غرفة النوم:

كان فيها سرير ومكتبة ضخمة، لكنه كان يزور بيوت الناس ويحضر المجالس، ومن النادر أن يتأخر عن مواعيد تلك المجالس وكان ملتزماً بتوقيتاتها. مثلاً يوم الاثنين في مجلس الفقيه عيسى الخاقاني، والثلاثاء في مجلس عبد الرزاق محي الدين الذي دخل معه في المناقشات الشهيرة حول الشعر الجاهلي والتي نشرها في كتابه (أسطورة الأدب الرفيع) الخميس في (مكتبة الجوادين) عند السيّد جواد ابن السيّد (هبة الدين الشهرستاني) أول وزير معارف في العراق ومكانها هو الصحن الكاظمي. ثم في مجلس (الشعرباف)، أما في أول جمعة من كل شهر ففي مجلس (خالد العزي)، وهناك المجالس اليومية إذ يحضر مجلساً في الروضة الكاظمية في غرفة سادن الروضة، الشـيخ فاضل الشيبي، كان في المجالس يرفض خلع حذائه كالآخرين، ويرفض عادة مصافحة الجميع من قبل أي زائر جديد. وذات مرّة دخل شخص أحد المجالس ولم يكتف بالمصافحة فقط، بل كان يقبّل كل من يصافحه.. فصاح الوردي ساخراً: وفوكاهه يبوّس.
يقول الاعلامي والصحفي اللامع الاستاذ سلام الشماع عن احدى طرائف الاستاذ الوردي :

دعي الوردي ذات مرّة لإلقاء محاضرة في محافظة ديالى. وبعد المحاضرة التئم شمل المدعوين لتناول الطعام في أحد المطاعم الصيفية وكان من بين المدعوين عدد من النساء.. فانطلق الوردي في حديثه الممتع والشيق والفكه الذي أثار اهتمام السيدات ومتعتهن فكنّ يطالبنه بالمزيد.. ويبدو أن اهتمام السيّدات أثار غيرة وحفيظة أحد الأساتذة الحاضرين الذي بدأ يقاطع الوردي باستخفاف. هنا توقف الوردي قليلاً عن الكلام وقال للحاضرين:

يا جماعة.. لدي حكاية قديمة طريفة.. في إحدى المرات أخذ أحد القرويين حماراً لديه إلى السوق وكان الجميع يتصورون أنّه قد جاء بالحمار ليبيعه فجاء أحدهم وسأله: هذا الحمار للبيع؟ فأجابه القروي: لا.. هذا الحمار يرفس!! جاء آخر وسأله السؤال نفسه فأجابه: لا.. هذا يعض.. وكلما سأله أحدهم عن سعر الحمار عدّد له صفاته السيئة.

فسألوه: إذا لم تكن تريد بيعه فلماذا جئت به إلى السوق؟ فقال القروي:

جئت لأريكم بأي حمار سيء ابتلتني الحياة؟

وأشار إلى الشخص الذي كان يقاطعه. فصمت الجميع وساد الجلسة التوتر.

ومرة كانت لديه محاضرة في اتحاد المؤرخين العرب ببغداد.. كان يتحدث وكانت "دكتورة" معروفة تتحدث مع شخص يجلس بجوارها، فقطع الوردي المحاضرة وقال: لهذا الشخص.. أخي.. قابل إجه عرسك ويّه عرسي؟؟.

         

كتب المؤرخ الدكتور سيار الجميل عن حالة بين الباشا نوري السعيد والدكتور علي الوردي قائلاً: حدّثني الرجل رحمه الله، قال انه كان يذهب بصحبة أحد معارفه إبان الخمسينيات ليستمع إلى مناقشات مجلس النواب العراقي، ثم ينشر في اليوم الثاني غسيله بإحدى الجرائد وفي مقالاته تلك سخرية وتهكم كان يتابعها الباشا نوري السعيد.. وفي احد الأيام لمحه الباشا جالسا في المجلس فجاء إليه ضاحكا قائلا:

دكتور وردي إذا أسويك وزير تبطل نشر ها الغسيل؟

رد عليه قال: أجبته: يا باشا إما أكون كاتبا تحبه الناس أو أكون وزيرا تكرهه الناس! دعني من ها الشغلة .

أجابه نوري باشا: هو آني اگدر ما اقرا غسيلك!.
لقد رسخ الاستاذ الوردي صورة نمطية لمكونات المجتمع العراقي"البدوي-الريفي-المدني"هذه الصورة النمطية اعتمد عليها من المقولات الشعبوية المتداوبة بين ابناء هذه المكونات، وهنا كان يجب ان يتجاوز الترسيخ الشعبوي باتجاه البحث عن افاق وحلول ينهي هذه الصورة التي اسهم فيها كل من الصفويين وحكم الاتراك والاستعمار البريطاني وحتى الحكومات العراقية في انتاجها واعادة انتاجها، كما لم يقدم يقّدم أي حلول لمستقبل المجتمع العراقي.
من هنا لو كان الاستاذ علي الوردي موجوداً، لشهد ما يراه العراقيون الان من صراع بين الافكار التي تحارب المشروع الثقافي الوطني وانتشار البدع والممارسات المحنطة لقوى الجهل والمتخلفون ودعاة سلاطين اليوم ودعاة الفتن وادعياء الحقيقة المطلقة، مما ادى الى انهيار الشخصية العراقية ومن الممكن ان تفقد هويتها الوطنية.
شهدت الفترة الماضية نشاطاً في الحركة الأدبية، و إقبالاً ملحوظاً من القرّاء على كتب الأدب من روايات و أشعار، وخصصت الكثير من الاحتفاليات و الجوائز مثل جائزة البوكر العربية التي بدأت عام 2007 لهذا النوع من الإنتاج الأدبي، و لكن في المقابل لم يحدث مثل هذا الاهتمام بالفكر العربي، حيث شهدت الكتب الفكرية إهمالاً ملحوظاً لم يواكب نشاط الأدب الروائي الحالي، بالرغم من حرص الكثيرين من المفكرين العرب على الكتابة الفكرية بأسلوب أدبي ممتع و مؤثر.
يعتبر على الوردي الاب الروحي لعلم الإجتماع في العراق وهو من القلائل الذين كتبوا عن هذا المجتمع ونذروا له حياتهم،ولحد الآن لم يخلفه أحد، ولهذا فإن تراث المفكّر علي الوردي يحتاج إلى دراسات عميقة؛ كي نستطيع إعطاء هذا العالم حقه، فهو مفكّر استثنائيّ يعزّ وجود أمثاله، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

458 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع