هافانا تتغير ببطء بعد مرور خمسة قرون على تأسيسها

          

العاصمة الكوبية مدينة يلفها السحر ويكتنفها الغموض وهي من أوائل الحواضر التي أسسها المستعمرون الإسبان في العالم الجديد.

العرب/هافانا - تحتفل العاصمة الكوبية هافانا بالقرن الخامس على تأسيسها، دون ناطحات سحاب أو مراكز تجارية أو سلاسل ماركات عالمية، بل مازال يغلب على المدينة الطابع الهادئ والمنازل المشيدة على الطراز المعماري الكولونيالي، على الرغم من بروز فنادق جديدة مؤخرا إلى جوار منازل متهالكة بسبب درجة الملوحة العالية بتأثير الرطوبة لقرب المدينة من البحر أو بسبب تخلي السكان عن هذه المنازل. ويشكل هذا التوازن الغريب حالة خاصة تجعل المدينة كما لو كانت متوقفة في الزمن عند بوابة عصر العولمة ولا تريد عبورها.

يقول المؤرخ الكوبي اويسبيو ليال، المتخصص في تاريخ هافانا “العاصمة الكوبية ليست مجرد مدينة تمر بها مرورا عابرا، بل هي مدينة يلفها السحر ويكتنفها الغموض، وبالتالي لا يسع أحد أن يشعر بها مثلها مثل أي مدينة أخرى مر عليها”.

ويشار إلى أن هافانا انضمت إلى قائمة اليونسكو لتراث الإنسانية عام 1982 تقديرا للقيمة الهامة لمعمار منطقة وسط المدينة التاريخية التي تعود للعصر الكولونيالي.

وتعتبر هافانا من أوائل الحواضر التي أسسها المستعمرون الإسبان في العالم الجديد، بعد أقل من ثلاثة عقود من اكتشاف كولمبس للأميركتين عام 1492، حيث تأسست في السادس عشر من نوفمبر 1519.

وتعيش في الوقت الراهن مرحلة تحول انتقالي، تتضح بجلاء في تجاور المنازل الكولونيالية العريقة بحالتها المتردية لأسباب عديدة مع الفنادق ذات الخمس نجوم التي بدأت تبزغ في كل مكان.

      

تقول إلبيرا سانتانا وهي معلمة متقاعدة تعيش في هافانا منذ خمسين عاما “لم أولد في هافانا، بل جئت من بلدة صغيرة شرقي البلاد، ولكن هذه المدينة أصبحت مدينتي، لأنني أشعر بها كذلك في كل مرة أتطلع فيها كل صباح إلى البحر من نافذة منزلي”.

  

مدينة ساحرة
تعيش سانتانا مع خمس عائلات أخرى في الشقة القديمة لإحدى شركات الإعلانات التي رحلت إلى ميامي في عام 1959 والتي قدمتها الدولة للمعلمين الشباب الذين ساهموا في محو الأمية في المناطق الجبلية.

وأنشأوا على مساحة 100 متر مربع العديد من المنازل. وتم تقسيم السقوف العالية لعمل طابقين في نفس الغرفة عن طريق الهياكل المعدنية والخشبية التي تشتهر في كوبا باسم “حفلات الشواء”.

ويطلق على هذا المسكن الجماعي اسم “سولارس”، يتجاور في هذا المنزل الجماعي الفقر والثراء، نظرا لقيام بعض السكان بتأجير غرف في مسكنهم للسياح مقابل 50 يورو (55 دولارا) في الليلة.

وعلى نفس السلم، يبدأ الترف وشظف العيش في التعايش بين نوعية جديدة من الناس لم ينشأوا في حالة عدم التفاوت الطبقي والاجتماعي.

وتوقفت العمارة عن التطور مع مجيء المناضلين الثوريين من جيل فيدال كاسترو وتشي جيفارا، الذين انحصرت أولوياتهم في تطوير المناطق الريفية التي كانت معاقبة بالتجاهل من قبل السلطات السابقة.

ولهذا دون تحولات حضرية، تتمتع المدينة اليوم بشخصية توافقية حيث يمكن أن ترى عبر شوارعها مباني فاخرة مهيبة من طراز “آرت ديكو” و”آرت نوفو” وأعمدة ذات أقواس من الفن العربي المصهور في الأندلس المعروف باسم الموديخار أو “المدجن الجديد” إلى جوار مباني “بلوكات” أو كتل خراسانية متكدسة رمادية من تأثير العمارة الشيوعية السوفييتية.

أما أشهر معالم المدينة، فيعتبر الممشى البحري أو كورنيش هافانا كما يطلق عليه شعبيا، ويعتبر من الجولات السياحية الإجبارية التي لا يجب أن يفوتها أي سائح يزور هافانا.

    


ويعتبر من أكثر الفضاءات ديمقراطية بالمدينة، نظرا إلى أنه حتى الآن مازال العديد من سكان هافانا أو “الهافانيروس” يترددون على الكورنيش ليجلسوا ويتسامروا ويحكوا قصصا تتناول تفاصيل حياتهم اليومية بينما يحتسون المشروبات ويستمعون إلى الموسيقى الكاريبية الشهيرة بصوت مرتفع، وخلال الفترات الصباحية، تتناثر حفنة من الصيادين على الشاطئ يبحثون عن رزقهم القليل.

وعلى الرغم من ظهور الحانات والمطاعم والمتاجر ومصففي الشعر في خضم إصلاحات راؤول كاسترو ونتيجة لمرحلة ذوبان الجليد بين هافانا وواشنطن، خاصة في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مازالت المدينة تعاني من مشكلات تتعلق بالنقل العام وشبكة المياه ونقص المرافق الحضرية والإسكان.

يقول كاميلو اليزوندو، متحدثا عن كفاحه اليومي لكسب عيشه في مبنى مكون من 15 طابقا من طراز المعمار السوفييتي بالقرب من ميدان الثورة التاريخي ‘بلازا دي لا ريبولوسيون’ “يتوافر الماء هنا بشكل متواتر، ولكن عندما تصل، فإن المشكلة تصبح توافر الكهرباء لرفعها إلى الخزان”.

يطرح المشهد البانورامي صورة متناقضة بين هافانا الحديثة والعالمية للسياحة والتي تتعايش فيها أيضا شوارع سيئة الرصف وحيث تمر أيام دون أن تأتي شاحنة جمع القمامة المتراكمة.

ومع ذلك لا تعاني هافانا من مشكلات حواضر لاتينية أخرى تتعلق بأمن المواطن وبؤر البؤس والفقر المرافقة دائما للسكان الفقراء بالأحياء العشوائية ومدن الصفيح.

ويقول الكاتب الكوبي بدرو خوان غوتيريث “نحن بصدد تحسين التغييرات بسرعة كبيرة”، في حين ينظر بقلق كيف “توجد بالفعل مبان يشتري فيها شخص ما جميع الشقق ويحولها إلى ‘بنسيونات'”.

وضمن قلة من الكتاب، رسم غوتيريث صورة متكاملة لقاع المدينة تعكس إيقاع الحياة اليومية لسكانها من خلال روايته الشهيرة “ثلاثية هافانا القذرة”، يتناول فيها مشاهد عنف وفقر ممتزجة مع مشكلات الجنس والإفراط في تناول الكحوليات.

وفي هدوء ووداعة يجلس روبرتو جوميس كل يوم على الكورنيش، يلقي بخيط صنارته في الماء لعله يفوز بسمكة. يقول “قد تكون لدينا الآلاف من المشكلات، لكننا ننعم هنا بحياة هادئة مستقرة”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع