رحلتي ( السفاري) الى أدغال كينيا والهروب من الفيلة بالقفز فوق التماسيح

       

رحلتي ( السفاري) الى أدغال كينيا والهروب من الفيلة بالقفز فوق التماسيح 

     

                 المعماري أيوب عيسى أوغنا

              خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
                    مسقط / سلطنة عمان

كريستوفر شقيق زوجتي الأنكليزية , كان ضابطا في الجيش البريطاني متقاعد/ ومسرح من الخدمة نتيجة حادث أنفجار الدبابة التي كان يقودها في حرب السويس ( العدوان الثلاثي على مصر) سنة 1956 , وكان يعمل مديرا لأحدى كبار شركات الرئيس جومو كينياتا في نيروبي / كينيا , و قام بدعوتي سنة 1971 , مع شقيقه جون الذي كان ضابطا في الشرطة البريطانية , وعلى الفور ونظرا لكوني لا أزال طالبا في جامعة لندن للحصول على شهادة الماجستير , تبرع مشكورا لتحمل جميع المصاريف و تذكرة السفر , ومن يمكن بعقله السوي أن يرفض هكذا عرض سخي ومثير !!.. 

   

وتم أستقبالنا في المطار في نيروبي العاصمة في وسط كينيا , ونقلنا الى الفيلا التي كان يسكنها , وبعد فترة أستراحة رافقنا الى عدد من البارات و التي يرتادها البريطانيين ومنها فندق نيو ستانلي المشهور في المساء حيث كان مغني الراب المشهور يقيم حفلا غنائيا , وكانت أمسية رائعة , تخللتها فترات من الرقص على

   

المسرح و كنت الوحيد بين نسيبي كريس وجون أحظي ببعض الأعجاب من الجنس اللطيف , وربما شبهي الذي كان يلازمني في كل مكان في بريطانيا بالمغني أنجلبيرت همبردينك قد وصل الى كينيا أيضا , ولم أتردد بقبول المديح والثناء ولكن من حسن الحظ لم يطلب أحد على توقيع الأوتوجراف , ولكن على الأقل حصلت على موعد في اليوم الثاني للسباحة في المسبح الخاص بالفندق , بشرط أن يرافقني جون أيضا لكي يشاركني وعدم بوح أسراري لشقيقته والتي ربما كانت تتوقعه . وكان جون بطبيعته وربما كضابط شرطة ملتزما ومحافظا في شخصيته , فتركني أتدبر أمري مع الفتاتين وأستلقى منشرحا على أحد المقاعد ليستمتع بالشمس ويحصل على سنتان على بشرته البيضاء . وكنت في عجلة من أمري للذهاب الى المحمية الطبيعية المشهورة بالقرب من نيروبي للحيوانات ( كينيا ناشيونال بارك) , ولم أتمتع بقضاء الوقت بشرب الكحول في البارات التي كانت كما يبدو الهواية المفضلة لهؤلاء الأكس باتس , ونظرا لأن جون سبق وأن قام بزيارة كينيا عدة مرات , وافق على أصحابي بالسيارة التي وفرها لنا كريس خلال الزيارة , وهكذا تركنا هؤلاء لشرابهم ولهوهم وأتجهنا الى المحمية التي كانت قريبة من المدينة , ونظرا لأن جون تناول عدد من باينتات البيرة , ترك لي السياقة وأنا بطبيعتي أشرب بأعتدال , وبدأت معالم تلك الغابات والأحراش تكشف العديد من أنواع تلك الحيوانات و الطيور وفي مقدمتها القرود والزرافات بأعناقها الطويلة , والتي كانت

       

تسمح لنا بلأقتراب منها بدون أن تبدي أية عدوانية , وأيضا العديد من حمير الزيبرا ولكن دون أن نواجه أية حيوانات مفترسة , تتطلب منا الحيطة والحذر سواء بلأقتراب منها ولو داخل السيارة , وكانت أنواع من الحيوانات وخاصة الغزلان ترعى بالقرب من البحيرة الشاسعة و وبعد فترة ونحن نتخطى الأحراش و النباتات بالسيارة دون الأهتمام بلأضرار نتيجة الأصطدام بها و السير فوقها لأن جومو كينياتا سوف لايعير أية أهمية لأستبدالها بأخرى لموظيفه , وكان جون طول الوقت يحثني على عدم المجازفة والتوغل داخل تلك الأدغال وتجنب المخاطر الناجمة من تلك السياقة المتهورة . ومن بعيد رأيت فرقة كبيرة من الفيلة , وصممت الأقتراب منها قدر الأمكان وجون بدأ يصرخ بأعلى صوته من خطورة الأقتراب منها , وكان محقا في ذلك , عندما بدأت الفيلة الكبيرة من أخذ وضعية المجابهة برفع خراطيمها وأصدار أصوات

   

مرعبة و هي ترفرف آذانها الواسعة في الهواء و البدأ بالهجوم , فما كان علي على الفور الأستدارة و الضغط على دواسة البنزين للهروب من أمامها , ولم أكن أتصور سرعة تلك الفيلة بحيث أصبحت تجري وراء السيارة و جون بدأ بلأحتماء بين مقاعد السيارة بجسمه الضخم , ويحتسب في أي لحظة أنكماش سقفية السيارة عليه تحت أقدامها , وحدث شيئا ليس في الحسبان عندما غاصت عجلات السيارة في الوحل وتوقفت , و طلبت من جون الخروج و الهرب بأسرع ما يمكن لأنه ربما السيارة هي ما يقصده الفيلة , وخرجنا كل بأتجاه معاكس لتشتيت أنتباه الفيلة , و تاركين السيارة وراؤنا , و في تلك المحاولة فقدت أثر جون وأنا خائف على مصيره لبطأ حركته , ولكنني لم أكن في أحسن حال منه , عندما شعرت وأنا أركض بأن الأرضية المغطاة بلأحراش و تحت أقدامي بدأت تتحرك , وعلى الفور رأيت نفسي أقفز من ظهر تمساح عملاق الى آخر وكأنني أرقص معها وأنا أحاول أن أتفادى رؤوسها و تلك العيون المرعبة دون التفكير بتلك الأسنان البارزة فوق الفكين و أيضا تجنب ذيولها الطويلة وكأنني في حلم رهيب وليس واقع , وبأعجوبة قفزتي الأخيرة كانت على سطح ثابت صلب وعرفت بأنني تخطيت التماسيح وأنني أركض على الأرض بعيدا عنها بسرعة فائقة لم تتمكن من اللحاق بي كما حدث مع الفيلة التي تبدو أيضا أنني كنت هدفها وليس السيارة , وأحمد الله على الجينات لسرعة الركض التي ورثناها ( أنا وأبنائي) من المرحوم جدي , والذي تمكن من الهرب من الجندرمة العثمانية مرتين لتفادي حرب السفر بوللك , ولم يتمكنوا من اللحاق به على ظهر الحصان , و ربما شاهدتم فيلم جيمس بوند ( ليف اند ليت داي / عش وأترك الموت) حين تمكن الممثل روجر موور للهرب من محمية للتماسيح بالقفز والركض فوقها , وكما حدث لي تماما .

   

بعد فترة توقفت وأنا ألهث وأتنفس الصعداء لكوني حيا بكامل أعضاء جسمي , وبدأت أصرخ بأسم جون بأعلى صوتي وأنا لست خائف على مصيره , ومن بعيد رأيت الفيلة تتراجع , و تبدو السيارة من بعيد بهيكلها بين الأحراش , وركضت بأتجاهها وأنا لا أخاف من أي شيء بعد تلك الأحداث المرعبة وكأنني عصي على هول تلك الأخطار ولكن عدا الخوف من الثعابين فهي كانت ولاتزال منظرها ولو من بعيد يدخل الرهبة في نفسي , ولكن ربما رأيت البعض منها بعيدا على أغصان الأشجار , وليست على الأرض , وكلما أقتربت كلما بدت السيارة وكأنها متماسكة بكافة أجزائها وهذا يؤكد الفيلة كانت تقصدني شخصيا !!.. وليس هذا فقط وأنما كان جون لايزال في داخلها ينتظرني بفارغ الصبر بعد زوال خطر الفيلة , وبعد جهد جهيد تمكنا من دفع السيارة بكافة قوانا , خارج الوحل , وقرر جون تولي السياقة بنفسه وقبلت الفكرة لأنني كنت لا أزال أشعر وكأنني في غيبوبة وفي عالم خيالي بعيدا عن الواقع لهول الأحداث التي مرت بي خاصة في الرقص فوق ظهور التماسيح , وربما سبق وأن شاهدتم فيلم هوليوود شهير للممثل كيفن كوستنر :- الرقص مع الذئاب , وأؤكد لكم بأن مشاهد ما جرى لي مع التماسيح لو قدر لأحد تمثيلها في فيلم سينمائي لكانت قد

    

حازت على الأوسكاربدون منازع . ورجعنا ونحن نشعر بأننا ولدنا من جديد . وأحدثت هذه الحادثة ضجة بين أصدقاء كريستوفر وتوسعت الحلقة بين الآخرين بحيث أصبحت كما يقال بلأنكليزية ( ذي توك أوف ذي تاون) , ولاأدري أذا تم نشرها في الصحف كما حدث لي سابقا ( ذكرتها في مقالة :- اليوم الذي كنت فيه هارون الرشيد) . وهنا لا أدعي بحدث السبق ( الصحفي) لأن مغامرتي حدثت قبل أنتاج و عرض تلك الأفلام المذكورة أعلاه وربما نقلوا عنها , فمن يدري؟؟!..
وفي اليوم التالي قررنا الذهاب الى مدينة مومباسا السياحية المشهورة في العالم , وفي الطريق توقفنا لرؤية طيور الفلامينجو في بحيرة ناجورو المشهورة أيضا و رؤية ملايين الطيور بلونها الأحمرالفاتح ( الوردي) بحيث تبدو البحيرة مصبوغة بنفس اللون , وعند سماع أي صوت تبدأ بالتحليق في الهواء صفا بعد آخر وتملأ السماء وتبدو وكأنها
Naguru Lake, Pink Flamingo

    

ملبدة بالغيوم , وتعود بعد فترة للأقلاع فوق سطح البحيرة صفا بعد آخر ربما في نفس مواقعها السابقة وتعتبر من عجائب الدنيا , وأتذكر أيضا وجود هذا النوع من الفلامينجو في صلالة في المنطقة الجنوبية من عمان سنة 1973 , بأعداد كبيرة على البرك المائية القريبة من البحر , ولكن أعدادها بدأ يقل نتيجة التوسع العمراني في المدينة وقرب السكان منها .
وفي مومباسا تمتعنا بالطبيعة الخلابة كجزيرة ساحلية أستوائية المطلة على المحيط الهندي والمشهورة بسواحلها الرملية البيضاء و أشجار الفافاي و جوز الهند الطويلة السيقان و المائلة على السواحل و المياه الزرقاء للبحر , وتعتبر كمركز سياحي هام في كينيا , ويقصده ملايين السواح سنويا .

    

وبعد أن مكثنا عدة أيام في الأستراحة والسباحة وركوب البحر في الزوارق الخشبية الشراعية التي تسمى الداو) والتي تتواجد بكثرة في الخليج العربي , ولفت نظري فريق سينمائي يقوم بتصوير عرض أزياء مع فتاة شقراء بشعر قصير , جميلة جدا بملابس البحر مع نمر ( شيتاه) وبغيرها من الأزياء الأفريقية وتقوم بتغيير ملابسها بمرأى و نظرعدد من السواح المتجمهرين حولهم , وسأذكرها في نهاية المقالة . وبعد تلك الزيارة ذهبنا الى شمال كينيا لمنطقة تسكنها قبائل المساو ( مساو مارا) والتي تشبه قبائل الزولو في جنوب أفريقيا , وتعيش في بيوت ( أكواخ) طينية دائرية وسقوف من جذوع النباتات و الحشائش التي تعتبر أفريقية أصيلة في المجمعات السكنية لتلك القرى النائية في الغابات الأستوائية . وتشتهر بالصيد . الرجال برماحهم ودروعهم الجلدية الملونة بتصاميم أحمر وأبيض وبملابسهم التقليدية وألوان ملابسهم الزاهية و خاصة النساء والفتيات بقلادات ملونة من الخزف والتي يعرضونها للبيع , مع مصنوعات جلدية يقوم السواح بشراؤها منهم .

    

وتشتهر هذه المنطقة أيضا بمحمية طبيعية للحيوانات المختلفة ( مساي مارا ناشيونال بارك) , وقررنا المشاركة في سفاري آخر ولكن مع فريق محترف وبحماية من حراس مسلحين وبسيارات الجيب , وخاصة وأننا لم نشاهد مختلف الحيوانات المفترسة كالنمور و الأسود وحيوانات وحيدة القرن وغيرها .

    

وفي نهاية الرحلة الماراثونية في أنحاء كينيا , والتي أستغرقت 10 أيام و أنقضت بسرعة , وكان علينا الرجوع الى لندن والتهيأ لتقديم أطروحتي لنيل شهادة الماجستير , والتي كانت عن العراق والظروف المناخية الحارة وتأثيرها على أنواع العمارة وطرق البناء , وليس أفريقيا , ولنرجع الآن الى موضوع عارضة الأزياء الجميلة , التي من جميل الصدف أن تكون جالسة بالمقعد في جانبي في الصف الأول من الطائرة مع جون بجانبي , ومن حسن الحظ كون المقاعد الأمامية ذات فسحة تسمح بالحركة و تمديد الأرجل , وفرحت بتذكيرها بما جرى في مومباسا , وبعد التعرف على قصة حياتها بأنها من هولندا وعمرها 21 سنة , وتحاول أثبات نفسها في عالم عارضات الأزياء في لندن . وعندما حل الليل وأنطفأت الأضواء , غرق جون في نوم عميق , والحمد لله على ذلك لأنه لم يعرف ما حدث من أمور بجانبه , وكما جاء في فيلم الممثل الكوميدي المشهور , عادل أمام :- الشاهد ماشافش حاجة !!..


المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان

   


ملاحظة :-
اعلاه نسخة من صفحة جريدة ( تايمز أوف عمان) 1990 , وهي شارحة لنفسها ولها علاقة بالموضوع .

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع