الذهب والعاصفة الخوري الياس الموصلي الكلداني أول رحالة شرقي إلى العالم الجديد. الجزء الثاني والأخير

          

الذهب والعاصفة الخوري الياس الموصلي الكلداني أول رحالة شرقي إلى العالم الجديد.الجزء الثاني والأخير

   

قراءة في كتاب رحلة الياس الموصلي الى أمريكا الجنوبية، التي تعتبر اول رحلة شرقية الى العالم الجديد (1668 ـ 1683). نتابع في الجزء الثاني والأخير عن رحلة الخوري والمغامرات المثيرة والمخاطر التي وقع فيها، إنها شبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة، وحكايات شهريار وشهرزاد، يصف الخوري الياس العجائب والغرائب في هذه الرحلة الطويلة، فالرحلة وسيلة الإنسان لكسب المعرفة، والتعرف على البيئة والإنسان الذي يعيش فيها منذ أقدم العصور، ولاتزال الرحلة من أنجح وسائل الإنسان في الحصول على المعرفة، ولهذا السبب حظيت الرحلة باهتمام القدماء والمحدثين على حد سواء، كما احتفى العلماء بما قدمته الرحلة من إسهامات ساعدت على اكتشاف مختلف البيئات، والتعرف على نشاط الإنسان في رحابها، ومن ثم تسابق العلماء والباحثون على تقديم الأوصاف الجليلة، التي أسبغوها بكرم شديد على الرحلة. 

الرّحلة سياحة حافلة بالمفاجآت والقصص والحكايات، وهناك جوانب عديدة فيها تستحق التأمّل إذ أن المعلومات التي تتضمّنها غزيرة ومتنوّعة وقد يتقبّلها العقل أو تنأى عن التصديق، ولكنها لا تخلو من طرافة. ولا يترك رحالنا صغيرة ولا كبيرة إلا ويوفيها حقّها من الوصف، حيث نقل لنا مختلف التقاليد والأوضاع، والحيوان والطيور والجوارح والعمران والبنايات، والمعادن وكيفية استخراجها والمواشي والزواحف وعمليات القرصنة، فضلاً عن الطقس والمبادلات التجارية والمقايضة وتجارة العبيد وعادات الدفن والزّواج، والزلازل، وغيرها من الأخبار المثيرة.
يؤكد الخوري أن العناية الالهية كانت معه، والعذراء مريم حمايته ونجته من عدة مواقف صعبة في البحر والبر وهنا نذكر جزء بسيط من رحلته على سبيل المثال، عندما يصف المناخ يقول: (ثمّ صعدنا إلى جبل ولا زالت الرياح والبرد شديدا، فابتدأت تتغيّر أمزجتنا وتقيّأنا بسبب اننا خرجنا من أرض شديدة السخونة، وجزنا عاجلا إلى أرض باردة، ويتابع حديثه ما كان لهم في هذه المدينة مواشي، سوى واحد يشبه الجمل بقدر الحمار وحدبته في صدره يحملون عليه ويأكلون لحمَه، ولكنه لا يسافر بعيداً فلمّا يتعب ينام، ويزبد ويتفل على أصحابه).
ويتابع وصفه لبعض الجزر والمدن يقول: وصلنا إلى جزيرة تسمى مرغريتا، (ذكروا لنا عن الجزيرة أنها من مدة عشرين سنة كان الغطاسون في البحر، يخرجون صدف اللؤلؤ البليغ في الكبير والشريف باللون، فذات يوم بينما كانوا يستخرجونه، نذروا على انفسهم أن أول شيء يخرجونه في ذاك النهار من اللؤلؤ، يدفعونه إلى كنيسة مريم العذراء، فلما نظروا أنهم اخرجوا لؤلؤ كبير غالي الثمين ندموا بذاتهم، وقالوا أن غدا يكون على اسم مريم العذراء، وأيضا غطسوا وأخرجوا اللؤلؤ فوجدوه اجود واحسن من الأول، فطمعوا كذلك وقالوا نهار الغد نفي بوعدنا إلى العذراء، حتى اليوم الرابع انحدر الغطاسون كعادتهم ليخرجوا اللؤلؤ فما وجدوا شيئا ابدا والى يومنا هذا ما بقوا يجدون لؤلؤ في ذلك البحر).
وعن قلعة ماتشو بيتشو (Machu Picchu) في بيرو يقول: (وجدنا أجناساً من الحيوانات منها أيّل وبقر وحشية، وجنس حيوان آخر يسمّى بيكونيا (Vicugna) وهو قويّ وأنيس لمّا يرى أناسا أم دواباً مجتازين، ينحدر من الجبل ليتفرّج عليهم ولحمه لا يأكله غير الهنود، وفي بطنه يوجد حجر البازهر (الترياق) (Bezoar) بين كليتيه فيخرجونه ويبيعونه بثمنٍ غالٍ لأنه نافع للسّموم).
ويقول: (سافرنا إلى بلدة تسمى بورتو بلو (Portobello) في هذه البلدة نوع من الدبيب إذا تغافل عنها الانسان تدخل في جسمه، ومن بعد أربعة أو خمسة أيام تكبر وتصير قدر حمصة ويخرجونا بإبرة دون ان يفقعوها ويضعونها على جمرة نار تنفجر مثل الفرقعة، وإذا لم يخرجونها أو يفقعوها داخل الجسم فيتورم الجسم ويموت الانسان المصاب بها)، (وفي هذا البلد يوجد خفاش الليل، كبير يجيء إلى الانسان وهو نائم ويبدأ مص دمه وستفرغه، وبجناحي يهوى على ذلك الانسان ليطيب له النوم، ولايزال يمص الدم ويتقيأ الدم إلى ان يفيق الانسان نصف غثيان من كثرة الدم الذي خرج منه).
ثم يتابع حديثه: (قاسينا في هذه البلدة من الحر والمطر اربعين يوماً، والتجار يبيعون بضائعهم، فلما ادخلوا خزينة الملك إلى هذه البلدة، ارسلني الجنرال حتى اتفرج عليها، فرأت شيئا لا يحصى من الفضة والذهب، بعد ذلك احببت الذهاب إلى مدينة تسمى صانتافة (Santa Fe) يستخرجون حجر الزمرد، لكن الجنرال نصحني ومنعني من ذلك لوجود حيات مسمومة تقتل الناس والمسافة بعيدة والذهاب اليها بواسطة النهر).
بعدها وصلت إلى البيرو بمرافقة بعض التجار، استكريت ثلاثة بغال بتسعين قرشا، وأما الحاكم فلن يسمح لي الذهاب وحدي إلى الجبال، (بسبب وجود فيها نوع من الحشيش يشبه الخيزران الرفيع، فلما يمر عليه رجل ابيض عابر الطريق يرتفع من الأرض مثل العمود ويمس الانسان، ولا يشفى منها المصاب بهذه اللمسة إلى الموت، ولكنة لا يمس الهنود العبيد ولا يضرهم، فلما سمعت هذا الكلام من الحاكم، قلت له لا اصدق، إن لم أرى بعيني، فقام وارسل معي خادمه، وهو احمر حتى يريني ذلك الحشيش، جاء الخادم إلى جانب فرسي واختفى، رأيت الحشيش وهو بعيد عشرة اذرع عن الدرب، إلا وارتفع وأمتد أن يجيء يلدغني فخرج الأحمر، وصاح دونك يا كلب، فلما صاح عليه وقع على الأرض وأنا شاهدت بعيني. )
(وأيضا في هذا الجبل رأيت اغصانا معدلة من غير ورق، ففي كل غصن ثلاث جوزات مثل القطن، فإذا انفتح جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء، بجناحيها ومنقارها الاحمر وعيونها السوداء، فهذه يسمونها زهرة الروح القدس، وكثير من الحكام ارادوا أن يحضروها ويزرعوها في إسبانيا لكنهم لم يقدروا ).
وصلنا إلى ميناء يسمى سانتا ايلينا (أي القديسة هيلانة) (مقاطعة سانتا إيلينا هي مقاطعة في الإكوادور في المنطقة الساحلية)، بقينا على الأرض خمسة أيام ومن خوف شر البحر قصدنا أن نمشي في البر وصار لنا تعب عظيم لبعد الدرب، حينئذ أخبروني ان في هذا الميناء رجل من الهنود عمره مائة وخمسون سنة، فقصدت أن اروح أزوره فنظرته صحيح الجسم عتيق الايام، فأبتدئ يحكي لنا الأيام السالفة وذكر لنا أن بالقرب من الميناء على بعد فرسخ واحد يوجد مغارة وهناك مدفونون أناس من الجبابرة، وكان والده قد أخبره (أن الهنود يظنون أن المراكب حيتان، وقلاع المراكب يظنونها جناح الحيتان، لأنهم لم يروا مركبا من قبل، ولما كان ينظرون إلى الخيل وراكبيها كانوا يظنون انهم قطعة واحدة).
صار لي رغبة بالذهاب إلى تلك المغارة، بعد ما سمعت عن الذي جرى للجبابرة، (اخذت معي اثني عشر نفرا من الهنود مع سلاحهم قاصدين تلك المغارة، فعند وصلنا اليها أشعلنا الشمع الذي كان معنا، خوفا من أن نضيع داخل المغارة، وكل عشرة خطوات اوقفنا رجلا في يده الضوء، وأنا اتقدمهم وبيدي سيف مسلول، وصلت إلى موضع العظام، فنظرتها ثخينة وأما الجماجم فكانت كبيرة جدا، فقمت وقلعت من أحد الجماجم ضرسا يزن مائة مثقال لثقله، وأيضا تأملت في عظام الساق وقست أحدها فكان خمسة اشبار، وعمل أحد المصورين قياسا وتخمينا لهذا الجسم، فوجد ارتفاعه خمسة وعشرين شبرا، ثم خرجنا من المغارة متعجبين واخذت الضرس المذكور معي)
وعن بلدة غواياكيل(Guayaquil) يقول: توجد بساتين فيها جنس أشجار تشبه التوت تحمل ثمرة تسمّى كاكاو ويعملون منها الشكولاتة، وهذا الثمر تراه مثل البطيخ متعلقاً وملتصقاً على جسم الشجرة فلما يبلغ ويصفرّ يأخذونه ويقطّعونه وفي داخله يخرج الثمر وهو حبوب أخشن من الفستق، ثمّ ييبّسونه حتى ينشف، وبعد ذلك يلقونه فتراه كالقهوة في اللون والطعم والرائحة، لكنه كثير الدّهن ومن دسامته يصير مثل العجين. وعن قصب السكّر يقول: وفي كيتو (عاصمة الإكوادور حالياً)، يوجد جنس قصب ارتفاعه أربعون ذراعاً يجعلونه الصّواري أعني غطاء لسقف البيوت والبعض منه ممتلئ ماء أبيض وحلو وأنا شربتُ منه.
سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان الأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف قرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون الإسبان كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).
في الختام تعتبر رحلة الموصلي الكلداني، أوّل رحّالة أو سائحٍ كلداني، وأوّلَ سيّاحة شرقية حافلة بالأخبار والمعلومات، التي سجّلها لنا هذا الرحال، ويصف لنا تلك الدّيار البعيدة والأصقاع النائية. ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين.
لمتابعة الجزء الاول:
https://www.algardenia.com/2015-09-17-21-42-52/35001-2018-04-13-14-50-06.html

1-معرفة البازهر اعتقدوا بوجود قوة يتمتع بها أي ترياق شامل لمكافحة السموم. وكان يعتقد أن شرب كأس تحتوي على البازهر تقوم بتحييد أي سم وضع عليه. كلمة "بازهر" يأتي من pâdzahr الكلمة الفارسية (پادزهر)، الأمر الذي يعني حرفيا "الحماية من السم".

2-نستغرب هذا الوصف فقد طالعنا رحلات معاصريه فلم نرى اثباتا لما ادعى صاحبنا انه رآها مرأى العين، وقد يكون هناك خزعبلات أراد بها الحاكم أن يمنح سائحنا من السفر
3-لعلها الزهرة المسماة (Polygata) مع المبالغة بالوصف
4-ذكر السائحون في بلاد البيرو عظام الجبابرة (قد ذكر الهنود أن قوما من الجبابرة كاموا يسكنون ارضاهم فنزل شاب من السماء وابادهم، وقد لجاء الة المغاور والكهوف، وماتوا فيها حرقا، وذكر اخرين أنهم قاسوا سنا فكان عرضها ثلاثة أصابع وطولها أربع أصابع وهذا يثبت كلام سائحنا الخوري الياس، لكنها عظام بعض الحيوانات وليس عظام بشرية

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع