رحلة البحث عن الحرية في مدن الموت

              

                 رحلة البحث عن الحرية في مدن الموت

     

      

عرف الشعر على مدى الأزمان بوصفه صوغا جماليا يرتقي إلى مستوى الإبداع والوعي النقدي، من حيث أن الشعر يعبر عن واقع الحياة والإنسان والوجود معاً، ولا مناص من استجابة النفس الإنسانية لذلك الفعل المعبر عن موقف المرء من وجوده  في الكون وغايته. وهدى محمد حمزة واحدة من الشاعرات العراقيات آلائي ينظرن إلى الخطاب الفكري من جوانب عديدة. وجدير بالذكر الإشارة لكفاحها في بداية مشوارها ضد النظام الشمولي الدكتاتوري، والانحياز المطلق إلى الطبقات الدنيا المسحوقة وعوالم الحرية والشعر، كتعبير ينم عن وعي وموقف ثابتين ضد كل إشكال العنت والجبروت، فرؤيتها حافظت على ما يدور في رأسها بنوع من التحدي ولكن بعيداً عن انغلاق الذات، بل هي أقرب ما تكون إلى الآخرين في تطلعاتها الإنسانية والجمالية، ولعل هذا الحوار يسلط الضوء على طبيعة تجربتها الإبداعية، وإشغالاتها الشعرية المتنوعة التي قيمت من خلال المدونة النقدية. وهكذا بدأنا معها .
* كيف تقرأين تجليات الواقع في مدوناتك الشعرية ؟
- الواقع الذي نعيشه زاخر بالمرارة والتردي؛ لذلك يؤثر على مفاصل الحياة ويؤدي بها الى الشلل التام، فمن الكساد الاقتصادي والتضخم المالي والفساد المالي والإداري الذي شل حركة البلد بكافة جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر بدورها على الجانب المعيشي للمواطن العراقي وتقض مضجعه إضافة الى الإرهاب الذي مزق المكون العراقي بأكمله وأثرعلى البنية التحتية والحضارة والآثار. وللتأكيد كانت لي وقفات ونصوص كثيرة، فقد كتبت عن الوطن ومكوناته الاثنية، المسيحيين واليزيديين والصابئة، وباقي المكونات عن تهجيرهم ومعاناتهم عكستها بشكل نصوص شعرية، كما كتبت عن معاناة الفرد العراقي، الأم الثكلى وعن الشباب الذي رابط في ساحة التحرير من أجل التغيير، وعن الوضع الثقافي المتدني والجهل الذي اخذ يكتسح مساحة كبيرة من الشعب، كما كتبت عن الشهداء والسجناء، عن الأمومة والمرأة، عن الطفولة والأيتام  والأرامل، وفي مجالات شتى جسدت فيها معاناة العراقيين الحقيقية، فضلا عن مقالاتي الأسبوعية التي أتناول فيها ظواهر خطيرة في المجتمع. وليس لنا إلا ان نكتب لكي نحاول إصلاح مايمكن إصلاحه لان القلم أمضى من السيف في التصدي لكل أنواع القهر الذي يعاني منه أبناء الشعب الواحد.

          

* من هو المعلم الأول لتجربتك الشعرية، وكيف كانت ؟
- عشت في كنف عائلة تجمع العلوم بكل أنوعها الأدبية والثقافية والدينية والسياسية والعلمية، و نشأت وترعرعت بين أعمدة الكتب الكثيرة التي كانت تحتويها مكتبة أخي الفارهة، أخي الذي كان هو معلمي وأستاذي الأول الشهيد قاسم محمد حمزة شهيد الكلمة الحرة، وقد حملني مسؤولية الكلمة والكتابة حينما غادر على حين غفلة حيث اغتالته أيادي العصابات الصدامية، إذ كان تدريسيا للغة العربية ومترجما وناقدا فذا ومسؤول المكتب الصحفي للفرات الأوسط، فعلى يديه كانت بدايتي تعلمت الخوض في عالم القراءة الجميل عالم الثقافة والوعي حيث التجلي في فضاءات المعرفة، فمن الرواية العربية الى روائع الفكر العالمي والشعر والفلسفة والاقتصاد الى الكتب ذات الثراء الفكري والسياسي وكل ما يطرح من جديد في الساحة الأدبية، كانت تلك المكتبة هي عالمي ومؤنسي الوحيد ومتعتي وحياتي، كتب لايمكن ان يستغني عنها أي قارئ فيها من عيون الأدب والفكر العربي  والعالمي، ومنها تكون لدي الوعي السياسي والفكري على السواء، منذ تلك الفترة المبكرة من السبعينات، حينما كنت طالبة قرأت الشعر الانكليزي وخاصة شكسبير واليوت  ورامبو والشاعر الأمريكي وايتمان وغيرهم، فضلا عن قراءتي للأدب الروسي، تولستوي ومكسيم غوركي وغوغول  ودستوفسكي  وحمزاتوف، بالإضافة إلى نجيب محفوظ  وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وطه حسين. وشدني الشعر الجاهلي والمعلقات وطوق الحمامة الذي كنت أضعه عند سريري هو ونهج البلاغة الذي لم أفارقه قط. والكثير من روائع الأدب والفكر، ولايفوتني ان اذكر إني توقفت كثيرا عند الأدب الثوري الفلسطيني خاصة سميح القاسم ومحمود درويش، وقد كنت مغرمة جدا ومولعة بالقراءة، وقد ولدت ليّ المطالعة نوع من الانبهار الذي أصابني وأنا أتصفح لساعات طويلة، حتى الكتب التي تبحث في أصل الكون والحضارة منها على سبيل المثال دون الحصر: أصل الأنواع لداروين وسقوط الحضارة لكولن ولسن وقصة الحضارة  لديورانت. وهناك أسماء عديدة لايسعني الوقت لذكرها كل ذلك شكل لديّ هذا الوعي المبكر لسبر أغوار عالم الشعر والكتابة والخوض فيها بمحبة وصدق. لذا فقد بدأت النشر في منتصف السبعينات وكانت بدايتي مع مجلة الطليعة الادبية بقصيدة أتغزل فيها بالنجوم بعنوان " إنشودة الليل " ومنها كانت البداية وبعدها انقطعت عن النشر خوفا من مطاردة النظام السابق لتسخير قلمي وبقيت اخفي كتاباتي لحين مابعد العام 2003 عندما نشرت أول ديوان لي بعنوان " حوارات الصمت " في العام 2010 وديوان " كوميديا الإله باخوس " في العام 2012 وديوان " نارسيس " في  العام 2013 و" تفاحة حواء " في العام 2014. ولدي ثلاثة دواوين تحت الطبع هي : " التميمة " و " الاوديسيات " و " ملائكة قسام "، فضلا عن عديد من البحوث والدراسات عن المجتمع والمرأة، وقضايا الديمقراطية والمجتمع العراقي، والإسلام والمرأة، وغيرها الكثير، وقد نشرت في الصحف والمجلات المحلية والعربية. كما أصدرت مجلة ثقافية بعنوان " شمس الحرية " وبتمويل ذاتي ولكن لم تستمر بسبب الضائقة المالية وقضايا النشر.
* كيف تقرأين المدونة النقدية التي ساءلت تجربتك الشعرية ؟
- عملية النقد بحد ذاتها عملية صحية ولا أخشاها، لا بل على العكس يسعدني دائما ان اسمع رؤية النقاد تجاه أشعاري ودواويني وقد كانت هناك عدة قراءات ودراسات نقدية من قبل نقاد عراقيون وعرب معرفون، وقد أشادوا بلغتي الشعرية والثراء اللغوي التي تحتويه والمادة الغنية بعذوبة الألفاظ وسلامة السبك ووحدة الموضوع في النص الشعري ما يضيف تجربة غنية بمحتواها الى الطيف الشعري، وقد نشرت في العديد من الصحف المحلية : الحقيقة وطريق الشعب والبيئة والزمان وغيرها.
*المناخ الاجتماعي المحيط بالشاعرة هل يشكل قيدا على البوح بما هو مسكوت عنه ؟  
 - نحن نعيش اليوم في علاقات لطور متأخر جدا، حيث الحياة تتشابك فيها العلاقات العشائرية والعادات والموروث الاجتماعي البالي ما يؤثر علينا سلبا ويؤدي الى وجود قيود لاتسمح لنا بالبوح عن المسكوت عنه، وهو ما يكون خلف الكواليس لكني أتناوله بشكل آخر أحيانا أشير إليه بشكل مباشر وأحيانا برمزية، مثلا العنف ضد النساء كتبت عنه قصائد شتى أحيانا تبدأ غزلية، وعن تحرر المرأة بعنوان " انا حرة " وبقدر الإمكان أحاول ان أتطرق لأشياء لها مساس بالمشهد السياسي والاجتماعي والثقافي لمنع التصدع الذي يصيبه ويشل حركته لأننا حاضرون في كل المشاهد الثقافية والفكرية والتي تشكل مسؤولية كبيرة.
* ما التحديات التي تواجه المرأة الشاعرة ؟
- طبعا المرأة الشاعرة بإحساسها المرهف ترى الأشياء ليس كما يراها الباقون، بالتأكيد لذا فأن هذا الهاجس من سلبيات وايجابيات المجتمع ككل تتعامل معه الشاعرة وفق ماتتطلبه الحاجة من حزم أو مواقف جريئة تساعدها على ان تواجه التحديات، والتحديات كثيرة جدا ولا حصر لها فعلى الصعيد الثقافي وحسب تصوري ان الشيء الرئيسي الذي يواجه الشاعرة هو التعامل مع دور النشر حيث التكاليف والأسعار الباهظة والتي يجب ان يساهم فيها اتحاد الأدباء والكتّاب خدمة منه لرفد الثقافة والمعرفة، ولكن هذا مع الأسف لم يحدث وأغلبية الشاعرات يعانين من ذلك، إضافة الى إنها لم تأخذ مكانتها الحقيقية في الاتحاد فأغلب الشاعرات مهمشات وليس لديهن أي حضور في الساحة الادبية، واليوم أصبح الشارع الثقافي كأنك في مراثون وسباق وجري لا تعرف لم وما السبب، الجميع يريد ان يثبت شاعريته ولكن توفير الفرص هو من يحدد ذلك لان التقييم السائد ليس بتقييم الكفاءة بل تستند الى جوانب أخرى. وهناك تحديات أخرى كون الشاعرة كأي امرأة تعيش في مجتمع تملؤه العصبية والعلاقات العشائرية وتتعامل مع ازدواجية الرجل والحقوق المسلوبة والعنف الأسري والمجتمعي الذي تتعرض له باستمرار فهي جزء من كل أكيد تتحمل ماتتحمله المرأة بشكل عام.


          

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

559 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع