البحث عن الهوية التي أحرقتها كثرة الحروب

 

       

        البحث عن الهوية التي أحرقتها كثرة الحروب

          

    


   

 خالد الوادي  قاص وروائي ورسام وإعلامي متميز، ساهم مساهمة فعالة في أثراء المشهد الثقافي العراقي، خلال سنوات ما بعد 2003 وحتى اليوم عبر كتاباته السردية، فضلاً عن البرامج الثقافية والفكرية التي يعدها ويقدمها من على الشاشة الفضية.

حيث أصدر ثلاث مجاميع قصصية هي على التوالي : " مذكرات طفل "عام 2004،" فاكهة مجففة "عام 2009،" أنت أجمل امرأة في العالم" عام 2009،

                

بالإضافة إلى رائعته السردية الموسومة ب "كاشان". ولايزال مستمرا في عطائه. له تحت الطبع مجموعة قصصية " أناشيد الخسارة "، ورواية قيد الانجاز "منفى الزرازير". تمتاز أعماله الأدبية بمعالجة مكونات وهموم الإنسان الفرد الباحث عن فضاء الحرية، والمنعزل عن اهتمامات السلطة واشتغالتها العبثية. وجلّ نصوصه السردية عادة ما تكون نهايتها مفتوحة على مساحات واسعة زمنيا، مما تعطي دلالة لإبعاد حجم الخراب الذي تعيشه على أرض الواقع المعاش، يقدمها عبر شخوصه المتخمة بالآلام وأوجاع السنوات العجاف التي ما انفكت تسربل حياتهم في بحثهم الدائم عن الهوية التي أحرقتها كثرة الحروب. هذا وقد جمعني وإياه حديث عفوي يتسم بالموضوعية والرصانة عن هموم الرواية واشتغالته السردية.

* تتميز رواية " كاشان " بدقة الوصف، حتى كأننا نتصور أنك رسام قبل ان تكون كاتبا، هل ثمة علاقة عضوية بين الرسم والكتابة ؟ 
- بالحقيقة أنا بدأت رساما، وما زلت أمارس الرسم لكن بنطاق ضيق، إما بالنسبة لدقة الوصف فهذا أمرغاية بالأهمية بالنسبة لعالم السرد، الوصف يعزز مخيلة القارئ ويحيله الى عوالم العمل السردي ويمسك به ولا يتركه دون الانتهاء من قراءة آخر سطر، الوصف يثير الدهشة ويحفز التفكير العميق، التفكير بما وراء الاحداث، وصدمة النهاية التي أختارها دائما عائمة تتناسب مع الزمن المتجدد باستمرار، وأعتقد أنني أهتم كثيرا باللقطة الدرامية المكتوبة، هكذا أمنحها مصطلحا يعزز من مكانة الكلمات، ويحيلها الى كل القراء ان كانوا استثنائيين أو غير ذلك..الرواية باعتقادي مشروع لا يجوز الاستعجال بانجازه، ولا يجوز الإطالة غير المبررة في عدد الفصول. 

* كيف تم انتقاء شخوص" كاشان "، وكيف جاءت ردود فعل النقاد والقراء على الخصوص ؟ 

- في أغلب الروايات العراقية والعربية تجد البطل دائما على صواب، هو المثقف الكبير، والمشخص لأخطاء الآخرين، وأيضا هو القادر على أيجاد الحلول للازمات التي تشوب هذه الأعمال، وبالحقيقة حاولت في رواية كاشان، أن أعيد بدايات نشأة البيئات الجديدة في المدن الكبرى كمدينة بغداد مثلا، وأن أعمل على البناء الاجتماعي الجديد الذي نشأ دون إرادة أحد، حتى ان الصدفة لعبت دورا كبيرا في صناعة ضواحي جديدة أخذت حيزا من أطراف تلك المدن ومازالت، اذن نحن بصدد مشكلة حقيقة صنعتها الظروف السياسية والاقتصادية التي أنتجت بيئة اجتماعية حائرة بصراع دائم لإثبات الذات، وأبطال رواية كاشان عاشوا صراعا مريرا تمحور حول منطقة لم تتعدى حدود إثبات الذات، أنها الإشكالية الكبرى الآخذة بالصعود ليس في العراق فحسب، بل هي مشكلة بلدان العالم الثالث أجمع. أما ما يتعلق بموقف النقاد من الرواية وأقولها بصدق ان القليل منهم أدرك مغزى الرواية واستطاع فك شفراتها، على العكس من موقف القراء هؤلاء الذين أثنوا على العمل وأعدوه من الأعمال الروائية المهمة التي صدرت ما بعد 2003، والسبب وراء ذلك تلك الحيوية التصاعدية التي ميزت العمل والكوميديا السوداء الممزوجة بكثير من الحزن، والتناغم بين ظروف أبطال الرواية وظرف القارئ الغير بعيد عن الاحداث التي وقعت في الرواية.
* في روايتك " كاشان " تبدو أنك تكتب عن أحداث تجاوزها الزمن ومحسومة بعض الشيء ؟
- لا اعتقد ان الزمن تجاوز أحداث الرواية، والسبب يعود الى تكرار الاحداث المنتجة لبيئة تشبه تلك الموجودة في الرواية.. فكم سعدون موجود الآن، وكم بسعاد أيضا، أحيانا ننعت الزمن، وحقيقة الأمر ان الزمن لا علاقة له بما ينتج، لان الزمن يسير بنسق مستقيم، إما الانسان المحكوم بالظرف ونتائج الاحداث، فهو رهينة للمخاضات السياسية التي تنعكس على الواقع الاقتصادي المنتج دائما لوضع اجتماعي متغير، فالننظر الى ما أفرزه الاحتلال الأمريكي للعراق والإبعاد المترتبة على الفعل الاجتماعي الجديد والسائد الآن، كم تجمع سكاني نشأ بعد تلك الاحداث ؟ وما هي عواقب تلك الفوضى الانفجارية القادمة من بعيد..اذن نحن إمام إشكالية مجتمعية ما انفكت تتكرر دون علاج، وكاشان هي مجموعة أوراق، او حفنة كلمات تحتاج الى تفكيك..هي فرشة من الأزمات تنتظر الحلول. 
* كيف ترى واقع الرواية العراقية ومستقبلها في ظل الوضع الراهن ؟
- لا بد من الإشارة الى حقيقة الخيبة المهيمنة على النفسية العراقية في ظل تداعيات المشهد السياسي المستفز، مشهد متناحر وواضح المعالم وينذر بخطر عظيم، والكاتب أبن بيئته كما يقال، فهو في صميم الاحداث، حتى ان قراءته لها أعمق كثيرا من القراءات الأخرى، لأنه وببساطة يمتلك قدرا هائلا من الحساسية المتأصلة والناضجة على الدوام، وأمام هذا تتعرض الصناعة الروائية في العراق الى عوامل غاية بالخطورة، أولها الإهمال الواضح من مؤسسات الدولة المختصة للمشاريع الروائية، وأيضا جدوى الكتابة في مجتمع عازف عن القراءة، وكذلك عناء الكاتب بمنجزه، فهو وحيد من بداية مشروعه الروائي الى لحظة ولادة الرواية، لا أدوات لديه ولا يمتلك المال اللازم لانجاز ما بجعبته من أفكار، ونعتقد هنا ان الكتابة هم إنساني تحتاج الى ظروف ملائمة تحيطها لتتمكن من الظهور، وكل هذه العوامل غير متوفرة ما جعلت من المبدع العراقي منزويا ويشعر بالخيبة.
* نلاحظ عند القصاصين الشباب النزوع نحو التجريب والفنتازيا وذلك في سباق محموم نحو التحول والتجديد عبر مقولة الحداثة وما بعد الحداثة، فما تعليقك ؟  
- الحداثة وما بعدها مفهومان شملا الحياة بشكلها العام، بدءا من سلوك الانسان الى حيث العولمة السائرة بشكل جنوني والمتغيرات التي رافقتها والتي أثرت على كل شيء تقريبا.. وكان للأدب حصته بهذا التغيير، فبعد الكلاسيكية والواقعية السحرية والاشتراكية وغيرها من انساق السرد، جاء التجريب كنتاج لمرحلة ما بعد الحداثة أو الحداثة المتأخرة والتي تعرف أحيانا برسملة العالم بعمق، أي هيمنة الرأسمالية وتغلغلها في الحياة بشكل عميق، وهذا ما جعل من السرد يتجاوز منطقة القلق المحلي، وتحول الى نص مفتوح يناغم الانسان أينما حل، واعتقد ان الإشكالية المحلية هي أولى بالتركيز، ولزوم التركيز على الهم الإنساني المرهون بالمحيط ، وإلا كيف لنا ان ننظر الى منجز ماركيز الذي لم يغادر محيطه، واستطاع ان يتجاوز كل الحدود وينطلق نحو العالمية..
* كثرت في الفترة الأخيرة الأعمال الأدبية التي حاولت ان تغلي الحدود بين الأجناس الأدبية المتعارف عليها، كيف تفسر ذلك ؟   
- أنها ضريبة تعاقب الأجيال، وتجدد الفكر، وهو أمر سبقتنا به أوربا وجاء نتيجة للتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية، وهو نتاج القلق الإنساني، ذلك المحفز للإنتاج المعرفي والفكري واعتقد انه لأمر طبيعي جدا يتعلق بالقناعات المتشكلة حديثا، خلقتها بيئة متحركة  تبحث عن هوية ضائعة ربما سنجدها لكن ليس الآن.

*أيهما اقدر من وجهة  نظرك على بناء قاعدة أوسع للتعامل مع المبدع والقارئ الرواية أم القصة القصيرة أم الشعر ؟               
- إننا في زمن السرد، زمن الرواية الفكرية المملؤة بالانزياحات التجديدية، التي تتناغم وطموحات البعض رغم خجلها من التابو والخطوط الحمراء بعض الشيء، وأجد الرواية العراقية توغل بشكل عميق في وجدان القارئ، رغم حداثة تجربتها، لانها تمتلك المقومات الصادمة والمفاجئة لتوقعات القارئ.. وأيضا تثبت الرواية ان الكتاب الورقي ما زال صامدا أمام هجمة الملفات التي تقرأ على شاشة الحاسوب، أنها تساهم في إنعاش سوق الكتاب رغم الركود الواضح وتعزز مكانة تلك المقولة الأزلية ( وخير جليس في الزمان كتاب).
* مارست كتابة القصة القصيرة والرواية والمقالة، ومن ثم الإعلام المرئي، أين تجد نفسك بين هذه الفنون الصعبة ؟

- لأبدأ معك من الإعلام الذي وجدته مكملا لما لدي من حس ثقافي معرفي، فمنذ بدايات عملي في الإعلام لم أقدم على إعداد أو تقديم البرامج السياسية إطلاقا، وجاءتني الكثير من الفرص المغرية بهذا الخصوص، لكني رفضت والسبب ان منطقتي هي الثقافة ولا يمكنني مغادرتها، لذلك تراني ومنذ البداية اعمل على إعداد وتقديم البرامج الثقافية، حتى أني أول من نظم مسابقة للقصة القصيرة والشعر على مدار ثلاثة أعوام، وبرزت من خلال نتائجها أسماء أدبية لها بصمتها الآن في المشهد الأدبي العراقي، اذن الإعلام والسرد بالنسبة لي وجهان لعملة واحدة لأنني لم أغادر منطقة الثقافة لحد الآن وظلت برامجي ثقافية فكرية بعيدة عن السياسة ومهاتراتها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع