انتكاسة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ونصر جزئي لغريمه الديمقراطي

السليمانية تشعر بالتهميش لعدم وضع قضية مطارها على أجندة زيارة أردوغان إلى العراق.

الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي بدا للحظة خاضعا لضغوط شديدة من قبل القوى الشيعية المتحكمة في مقاليد الدولة الاتحادية العراقية، وبصدد خسارة جزء من مكانته لمصلحة غريمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بدأ يستجمع قواه ويعيد ترسيخ قدميه من خلال تقديم نفسه شريكا موثوقا ومحاورا ذا كفاءة لقوى دولية وإقليمية مؤثّرة.

العرب/السليمانية (العراق) - انطوى عدم تمكّن قيادات حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني من وضع قضيّة إغلاق الأجواء التركية أمام الرحلات الجوية باتجاه مطار السليمانية ضمن أجندة الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، على انتكاسة سياسية للحزب وانتصار بالنقاط لغريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أظهرته الزيارة في مظهر الطرف المهم ضمن شبكة العلاقات الإقليمية للعراق وصاحب الرأي والكلمة في قضايا التعاون مع بلدان الإقليم.

وعمّق مشاعرَ الانتصار لدى قيادات الحزب الديمقراطي شمولُ أردوغان بزيارته كلاّ من العاصمة العراقية بغداد وأربيل معقل الحزب الذي طوّر خلال السنوات الأخيرة علاقات متينة مع أنقرة، سياسية واقتصادية وأمنية، على العكس تماما من غريمه ومنافسه حزب الاتّحاد الوطني المتهّم رسميا من قبل الحكومة التركية باحتضان “الإرهاب” ودعمه من خلال احتفاظ قيادته بعلاقات وثيقة مع شخصيات وحركات كردية تصنفها أنقرة “إرهابية” على غرار قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

والتقى الرئيس التركي في أربيل برئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، بينما لم يحضر اللقاء من قيادات حزب الاتحاد الوطني سوى قوباد طالباني بصفته نائبا لرئيس حكومة الإقليم.

وجاءت زيارة أردوغان إلى أربيل في توقيت مهمّ للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني الذين اشتكوا خلال الفترة الأخيرة من الضغوط المسلطة على حزبهم وعلى السلطة التي يقودها في الإقليم من قبل أحزاب وفصائل شيعية قائدة للسلطات الاتّحادية العراقية يعتبرونها منحازة لحزب الاتّحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد مني مؤخّرا بهزيمة جزئية عندما أصدرت المحكمة الاتّحادية العراقية قرارات بشأن انتخابات إقليم كردستان العراق ورواتب موظّفي الإقليم بالضدّ من منظوره إلى الموضوعين، وطبقا لمنظور غريمه حزب الاتّحاد الوطني الذي كان قد وقف أصلا وراء إصدار تلك القرارات برفع دعوى طالب فيها بإلغاء المقاعد المخصصة للأقليات في برلمان الإقليم وتقسيم الأخير انتخابيا إلى عدّة دوائر بدلا من الدائرة الواحدة المعتمدة سابقا، وهو ما تمّ بالفعل.

ودفعت تلك القرارات قيادات الحزب الديمقراطي إلى إعلان مقاطعة حزبها للانتخابات القادمة وطالبت لاحقا بإرجاء موعدها لمنح الفرصة لإمكانية التراجع عن القرارات القضائية بشأنها، لكنّ حزب الاتحاد الوطني الذي بدا في موقع قوّة في ما يتعلّق بهذه القضية بفعل استناده إلى قرارات أعلى سلطة قضائية في العراق رفض سيناريو الإرجاء بشكل قطعي وتمسّك بإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدّد بالعاشر من شهر يونيو القادم.

وأظهرت أنقرة خلال السنوات الأخيرة استعدادا كبيرا للتعامل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني كشريك في عدّة ملفات على رأسها الملف الأمني وتحديدا الحرب التي تخوضها القوات التركية منذ عقود ضدّ حزب العمّال الكردستاني وتدور بشكل رئيسي في مناطق بشمال العراق.

وعلى طرفي نقيض من ذلك تنظر تركيا بقيادة أردوغان إلى حزب الاتّحاد الوطني كحليف لأعدائها ومتواطئ ضدّ أمنها، وسبق أن مرّت من مجرّد الاتّهام إلى اتخاذ خطوات عملية ضدّ معقل الحزب في محافظة السليمانية حين قصفت بالطيران المسيّر مطار عربت بالمحافظة في سبتمبر الماضي بذريعة أنّه يؤوي مقاتلين من حزب العمّال الكردستاني.

لكن الإجراء الأشد الذي اتخذته تركيا ضدّ السليمانية تمثّل في إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من المحافظة وإليها “بسبب تصاعد نشاط عناصر حزب العمال هناك”، بحسب ما أعلنته الخارجية التركية في وقت سابق. وتسبب ذلك في خسائر مادية للمحافظة إذ عرقل نشاطها التجاري مع الخارج وأبطأ حركة السفر جوّا بينها وبين العديد من الوجهات.

ورأت قيادات حزب الاتّحاد الوطني في زيارة الرئيس التركي إلى العراق فرصة لإثارة موضوع المطار ولإقناع أنقرة بالعدول عن قرارها، معوّلة على علاقاتها الوثيقة مع قيادات في الإطار التنسيقي الشيعي ذات النفوذ الكبير داخل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وقُبيل الزيارة كشف هريم كمال آغا رئيس كتلة الاتحاد الوطني في مجلس النواب العراقي عن توجيه الاتّحاد طلبا رسميا للسوداني بجعل قضية المطار على أجندة محادثاته مع أردوغان، قائلا “خلال اجتماعنا مع رئيس الوزراء الاتحادي طالبنا في كتاب رسمي إثارة مسألة الحظر على مطار السليمانية الدولي خلال المباحثات مع الرئيس التركي، لحلها”.

وقال غياث سورجي القيادي في حزب الاتّحاد من جهته إنّ السليمانية محافظة عراقية تخضع للقوانين الاتحادية، وليس فيها أيّ تواجد لجماعات إرهابية أو خارجة عن القانون، وأيّ تجمع أو دخول لأشخاص سواء برا أو جوا يتم بعلم الحكومة الاتحادية. وأضاف قوله “الحكومة العراقية ومن خلال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مطالبة بإبعاد التهمة التي تُتهم بها السليمانية من قبل تركيا وذلك من خلال الحوارات مع الرئيس التركي”.

كما اعتبر أنّ “السليمانية تدفع ضريبة تحريض يمارس من جهات كردية ومعلومات مغلوطة”، وذلك في إشارة ضمنية إلى الحزب الديمقراطي الذي بلغت علاقته بحزب الاتّحاد درجة كبيرة من السّوء.

وتأكّد اهتمام حزب الاتحاد الشديد بالموضوع من خلال تعليق القيادي في الحزب قوباد طالباني على لقائه بأردوغان في أربيل، حيث قال عبر صفحته في فيسبوك “شاركت في اجتماع رئاسة وحكومة إقليم كردستان مع الرئيس التركي والوفد المرافق له.. وخلال الاجتماع طلبت من الرئيس أردوغان إعادة النظر بقرار إغلاق الأجواء التركية أمام مطار السليمانية”.

ويبدو أنّ تلك كانت المرّة الوحيدة التي أثير فيها موضوع المطار بشكل مقتضب وعابر خلال زيارة أردوغان إلى العراق، والتي طغت عليها موضوعات أخرى شديدة الأهمية للجانبين العراقي والتركي على حدّ سواء في مقدّمها ملف المياه ومشروع طريق التنمية الذي يربط بسكة حديد وطريق سيارة متعدّدة المسارات بين الخليج العربي والبحر المتوسّط عبر الأراضي العراقية والتركية، والتعاون الأمني وما يتصل بالحرب ضدّ حزب العمال الكردستاني.

وعلّق الحزب الديمقراطي الكردستاني بنبرة انتصارية على عدم نجاح غريمه الاتّحاد الوطني في تثبيت موضوع مطار السليمانية على أجندة زيارة أردوغان إلى العراق. وأشار وفا محمد كريم العضو البارز بالحزب إلى عدم مناقشة قضية الموقف التركي من السليمانية في مباحثات الرئيس التركي في بغداد.

ولمّح كريم إلى تبني حزبه للرواية التركية بشأن القضية، قائلا “الحظر المفروض على مطار السليمانية، جاء بعد تقرير من المخابرات التركية أكد وجود نشاطات لحزب العمال الكردستاني والفصائل المقربة منه في المطار”، ومضيفا في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أن “تركيا لديها شروط يجب على الاتحاد الوطني الكردستاني تلبيتها كمقدمة لرفع الحظر المفروض عليها وإعادة التعاون مع ثاني محافظات كردستان العراق”.

وعكس كلام المسؤول الحزبي درجة كبيرة من التوافق بين أربيل وأنقرة بشأن ملف حزب العمّال الكردستاني، في وقت تتحدّث فيه مصادر عراقية عن تطوير الجانبين لتعاون فعاّل استخباراتي وأمني وعسكري بين الأجهزة التركية وقوات البيشمركة والأسايش التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في الحرب ضدّ مقاتلي حزب العمال المتمركزين في عدد من مناطق إقليم كردستان العراق.

وعبّر أردوغان عن رضاه بشأن مباحثاته في أربيل وتحدّث عن عقده “اجتماعات مثمرة” مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، مرحّبا بتعاون الأطراف العراقية مع بلاده في المجال الأمني ومثنيا على إعلان بغداد حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا. كما أكّد عزم تركيا على “إنهاء الإرهاب بطريقة أو بأخرى” متوعّدا بـ”عدم إفساح المجال أبدا للذين يعملون مع التنظيمات الإرهابية ويستخدمونها كأدوات”.

ورفع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، السلاح ضد الدولة التركية في عام 1984. وقد قُتل في الحرب بين مقاتليه والجيش التركي أكثر من أربعين ألف شخص. وكان الصراع يدور منذ فترة طويلة بشكل رئيسي في المناطق الريفية بجنوب شرق تركيا لكنه يركز الآن بشكل أكبر على المناطق الجبلية بمنطقة كردستان العراق.

وقال أردوغان بحسب نص التصريحات التي نشرها مكتبه “نأمل أن يتخذ جيراننا الموقف اللاّزم ضد التهديدات الموجهة إلينا من أراضيهم، وأن نواصل هذه المعركة معا”، مضيفا “القضاء على هذا التهديد يصب أيضا في مصلحة العراق وأعتقد أن العراقيين يدركون هذه الحقيقة وسيبدون الآن رغبة لحل القضية”، وموضّحا أنه ناقش أيضا موضوع الحرب ضد حزب العمال الكردستاني خلال محادثاته في أربيل.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1037 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع