طارق الهاشمي : التصعيد الأميركي الإيراني هدفه ضرب انتفاضة الشعب العراقي

                     

حاوره عبد الحميد قطب-الجزيرة نت:أكد طارق الهاشمي النائب للرئيس العراقي الأسبق أن التصعيد الجاري بين الولايات المتحدة وإيران يهدف إلى صرف الأنظار عن الحراك الشعبي وإضعافه، لافتا إلى أن واشنطن سمحت لإيران بالعبث بأوضاع العراق الأمنية والسياسية والثقافية، ومع ذلك فإن صراعهما ليس عدميا أو صفريا كما حصل مع نظام صدام حسين.

وشدد الهاشمي في حوار مع الجزيرة نت، على أن وحدة العراق مستهدفة وباتت على المحك، مطالبا المجتمع الدولي بإسقاط سلطة الأحزاب "الفاسدة".

واستنكر تجاهل مجلس النواب ممثلي بقية المكونات من العرب السنة والأكراد قبل إصدار قرار يطالب القوات الأميركية بالخروج من العراق، مشيرا إلى أن التغيير الحقيقي في العراق لم يحدث حتى الآن. وفي ما يلي نص الحوار:
تشهد الساحة العراقية تصعيدا متبادلا بين الولايات المتحدة وإيران.. ما أسباب هذا التصعيد؟

ببساطة تغيّرت المصالح، وبناء عليه تغيرت المواقف وتحول التفاهم والتخادم إلى تصادم. الخلاف بشأن الاتفاق النووي من جهة، والضغط على إيران كي تستجيب وتجلس للتفاوض بشروط جديدة من جهة أخرى، تطلّب التضييق عليها في مجالها الأمني الحيوي الذي تتمدد فيه بدول الجوار، طالما لم تؤد العقوبات الاقتصادية غرضها، ولهذا متى ما رضخت إيران ووافقت على التفاوض على اتفاقية نووية جديدة فإن الأمور ستعود إلى سابق عهدها.

في اعتقادي، ما وتّر العلاقات أكثر هو تجاوز إيران ما هو مسموح لها به، وعلى وجه الخصوص استخدام الأراضي العراقية للعدوان على المصالح الأميركية وحلفائها في الخليج العربي وتهديد إسرائيل. فمسموح لإيران أن تمد نفوذها في العراق وتعبث بأوضاعه الأمنية والسياسية والثقافية وتنهب من خيراته، لكن غير مسموح لها أن تتحول إلى دولة تصبح في عرف الولايات المتحدة دولة مارقة.

لكن ما دلالات التصعيد في هذا التوقيت، خاصة وأن البعض يعتبر أن الهدف منه قطع الطريق على انتفاضة الشباب العراقي؟

ميدانيا، العراق وسوريا تحولا إلى مسرح عمليات واحد، حيث بدأ القصف الجوي الإسرائيلي في سوريا على معسكرات ومرافق تحت سيطرة الحرس الثوري والمليشيات التابعة له، وانتقل للعراق بقصف العديد من المعسكرات في الأسابيع الماضية، سواء منها ما هو داخل العراق أو على الحدود مع سوريا. وتصاعد القصف حتى بلغ ذروته في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في هجوم بطائرة مسيرة في بغداد، وما تلا ذلك من رد إيراني باهت.

القول بأن التصعيد يستهدف الحراك الشعبي في العراق فيه صحة، لكن الاتهام ينبغي أن يوجه لإيران، التي هي -في تصوري- محرجة للغاية ليس فقط لموقف الجماهير المنتفضة التي أعلنت عن موقفها من النفوذ الإيراني بصراحة وجرأة، بل بإحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، إضافة لدعوات مقاطعة المنتجات الإيرانية وغير ذلك. فمن الواضح أن التصعيد كان مقصودا لصرف الأنظار عن الحراك وإضعافه بتأليب الشارع الشيعي عليه ومحاولة استهدافه وتشويه صورته ومقاصده.

وصفتم ما يجري بـ"الحرب الكلامية" واستبعدتم الدخول في حرب مفتوحة.. ما المؤشرات التي استندتم إليها للوصول إلى هذا الاستنتاج؟

في الواقع.. الصراع بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني ليس عدميا أو صفريا كما حصل مع نظام صدام حسين، إنما هو محدود ومحصور بغايات معينة، لهذا يجري تكييف الصراع في إطار "الفعل ورد الفعل" بما ينسجم مع محدودية الصراع. وبناءً عليه لا حاجة للحرب المفتوحة لأنها تتجاوز متطلبات الصراع، والطرفان يتفهمان ذلك ويلتزمان به، وبدل قعقعة السلاح يجري تصعيد الخطاب السياسي للتهديد والابتزاز ليس إلا.

على وقع هذا التصعيد.. ما مستقبل العراق؟ وما السيناريوهات المطروحة؟

سؤال مهم للغاية، أين العراق من هذا الصراع الذي لا ناقة له فيه ولا جمل؟ فالعراق هو المتضرر الأول منه بعد أن تحوّل فعلياً إلى مسرح لتسوية النزاع في نمط جديد من الحروب بالوكالة. وباعتباري سياسيا لا ينبغي أن أحصر اهتمامي بهذا الصراع فحسب وأتجاهل حقائق هامة أخرى تجري على الأرض، وأقصد بها الحراك الشعبي واسع النطاق وموقف أحزاب السلطة وأذرعها المليشياوية المسلحة، فمع سطوة فصائل اللادولة وضعف مؤسسات الدولة، إلى جانب تمسك الأحزاب الفاسدة بالسلطة وقمعها الوحشي والدموي للناشطين في الحراك، لا يسعني إلا أن أعبر عن مشاعر القلق حول مستقبل العراق لأني أرى الوطن على مفترق طرق ووحدة العراق مستهدفة.

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحراك الشعبي.. هل حقق أهدافه بإجبار الحكومة على الاستقالة؟

مبررات الحراك الشعبي هي تفاصيل المشهد المؤسف والمحزن الذي بات عليه العراق في مختلف مجالات الحياة. فبتصنيف الأمم المتحدة العراق دولة فاشلة!! رغم أن العراق يمتلك خصائص فريدة من شأنها لو توفرت له قيادة مخلصة ومؤهلة أن يكون في مصاف الدول المتقدمة، لكن تحديات تتعلق بمعيشة المواطن اليومية، كفقدان الشعور بالأمن وانحسار فرص العمل والحرمان من لقمة العيش الكريم وحبة الدواء ومقعد التعليم المناسب، وغياب الحريات والحقوق التي كفلها الدستور، وشعور المواطن بالتبعية المذلة لإيران، إضافة إلى تفشي الفساد وفوضى حمل السلاح، كل ذلك أشعل فتيل الانتفاضة الأخيرة، وهي بالمناسبة ليست الأولى، فقد انطلقت أولى الانتفاضات يوم 25 فبراير/شباط 2011 أعقبها حراك شعبي في المحافظات السنية عام 2013 وآخرها كان انتفاضة تشرين.

نعم اضطرت الحكومة للاستقالة لكنها لا تزال قائمة خلافا للدستور، وتم تعديل قانون الانتخابات جزئيا كما تم تغيير أمناء المفوضية المستقلة للانتخابات. كل ذلك جرى استجابة لمطالب الحراك، لكن التغيير الحقيقي لم يجر حتى الآن، وأعني بذلك تشكيل حكومة مؤقتة من المستقلين تشرف على مراجعة وتعديل قانون الانتخابات تمهيدا لانتخابات مبكرة، يجري بعدها انتخاب حكومة قادرة على محاكمة من تلطخت أيديهم بقتل المتظاهرين وتقديم الفاسدين للعدالة وتعديل الدستور.

هناك أصوات ترفض الحراك الشعبي وتعتبره مهددا للسلم المجتمعي ويفتح الباب أمام استمرار المخاطر المهددة لأمن العراق كالإرهاب والفوضى وغيرهما.. كيف ترون هذا الادعاء؟

ومتى كان العراق متعافيا من العنف والإرهاب وهشاشة الأمن الفردي والمجتمعي، أو من الظلم والتمييز والفساد ونهب المال العام، أو من التخلف والفشل؟ أضف إلى ذلك التبعية وتضييع العراق! أليست هذه هي المظاهر السلبية التي طبعت الوضع في البلاد في ظل هيمنة الأحزاب الفاسدة؟ أليس من التهويل والتدليس التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على انتفاضة انطلقت من رحم معاناة حقيقية لم يمض من عمرها سوى أشهر؟ لقد أدركت أحزاب السلطة الفاسدة مخاطر نجاح الانتفاضة على مستقبلها، لذلك تتشبث بكل الوسائل الخبيثة والدنيئة، من بينها القتل العمد والإعدام خارج سلطة القانون والخطف والإخفاء القسري، إضافة إلى الاستعانة بالبروباغندا السوداء في التشهير بمرامي الانتفاضة النبيلة والتخويف منها.

كيف ترون دعوات خروج القوات الأميركية من العراق التي انطلقت بعد مقتل قاسم سليماني وتبناها مجلس النواب بل أصدر قرارا بذلك؟

هي دعوة من جانب واحد، وكان ينبغي أن تشمل جميع الجيوش الغازية، الظاهرة منها والباطنة، إلى جانب التصدي لجميع وسائل وأدوات النفوذ. إن نفوذ إيران في وطني هو الأخطر وهو متعدد الأشكال والألوان، بل لا أبالغ إذا قلت إن قاسم سليماني كان الحاكم الفعلي للعراق. فالعبث الإيراني طال كل شيء في وطني ولم يترك مجالا أو مرفقا.

من جهة أخرى، أتساءل كيف يتسنى لمجلس النواب أن يجازف بإصدار مثل هذا القرار الخطير في غياب التوافق الوطني عليه؟! لماذا تم تجاهل ممثلي بقية المكونات من العرب السنة والأكراد؟ هل قصد السياسيون الشيعة أن يوصلوا رسالة إلى الشعب العراقي مفادها أن العراق سقط في قبضتنا ونحن من الآن فصاعدا نحتكر الحكم ولا حاجة لنا للشركاء؟ لقد أسس هؤلاء سابقة تاريخية خطيرة جدا سيكون لها ما بعدها.

طالبتم المجتمع الدولي بالانخراط في دعم التغيير، ما الذي يمكن أن يقدمه للعراق؟

المجتمع الدولي باستطاعته تقديم الكثير، مثل التعجيل بإسقاط سلطة الأحزاب الفاسدة والتمكين للتغيير المنتظر. وإنه من المحزن أن يتفرج المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، على سقوط ما يزيد على 600 شهيد و23 ألف جريح -من بينهم ستة آلاف معاق ومئات المخطوفين والمغيبين قسريا- على الرغم من سلمية التظاهر والاحتجاج. ومع ذلك تلوذ هذه الدول بالصمت إلا من بيانات تطلقها على استحياء. أين هذه الدول من القانون الدولي الإنساني؟

نحن لا نريد منهم حشد الجيوش كما فعلوا لإسقاط النظام السابق، بل نريد منهم أن يكشفوا ملفات الفساد والإرهاب المحلي والدولي التي تورط بها كبار السياسيين الفاسدين، ونريد منهم إدانة القتل المنهجي وإرسال لجنة تقصي حقائق للتحقيق في هذه الجرائم، ونريد من مفوضية حقوق الإنسان فتح مكتب دائم لها في بغداد لرصد التجاوزات وما أكثرها، كما نريد صندوقا لتعويض عوائل الشهداء وإسعاف الجرحى بالعلاج خارج البلاد، والاهتمام بالحراك من خلال توجيه دعوة لممثليه لمقابلة الأمين العام للأمم المتحدة.. فأنا أعتقد أن الحراك بأمسّ الحاجة لهذا وغيره كثير.

ما الذي يمكن أن تقدمه دول الجوار للعراق؟

بإمكانها تقديم الكثير، لكنها تتردد خوفا من الاتهام بالتدخل، ونحن لا نرغب في تدخلها أيضا. لكن مع ذلك للدول طرقها الخاصة في التواصل مع الحراك وتشجيع السلطة على الاستجابة لمطالب المحتجين والتوقف الحازم عن قتلهم أو استخدام العنف المفرط ضدهم، إلى جانب تشجيع المنظمات الإغاثية كي تنشط بقوة في هذا الظرف بالذات. فمن مصلحة دول الجوار تفادي العنف وإبقاء الأوضاع تحت السيطرة، لأن البديل كالفوضى والاحتراب الأهلي سيمتد إليها ويلقي بتبعاته الكارثية على الجميع.

هل أسهم التدخل الإيراني ببعض دول المنطقة في تفاقم أزماتها؟

لم يتمكن النفوذ الإيراني من دولة إلا أضعفها وقوّض أركان استقرارها وأمنها وشلّ اقتصادها وفرق أهلها وهجّر سكانها. نفوذ إيران مدان وهو مرفوض، والشواهد كثيرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن.. العراقيون لا يريدون أحدا أن يتدخل في شؤونهم كائنا من كان، لا إيران ولا أميركا ولا غيرهما.. نريد أن نكون أحرارا في عراقنا وهذا من حقنا.

وهذه دعوة نبيلة لإيران بأن تتخلى عن نهجها وتتوقف عن تصدير الخراب والفوضى والإرهاب وتنصرف بدل ذلك لهمومها الداخلية وتسعى لتحسين معيشة المواطن الإيراني، فلسنا أعداء للشعب الإيراني إطلاقا، بل نحن أصدقاء بحكم الجيرة ونتطلع إلى علاقات ندية متكافئة مبنية على تبادل المصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

باعتبارك نائبا سابقا لرئيس الجمهورية.. هل لديكم رؤية محددة لخروج العراق من مأزقه؟

الحل في استعادة الوطن من قبضة أحزاب فاسدة وتحريره من التبعية، وتكريس الدولة المدنية والعمل بالهوية الوطنية بدل الهويات الفرعية، وهذا لن يتحقق إلا بإجبار الأحزاب الفاسدة على التخلي عن السلطة بعد أن مر العراق بمخاض عسير ومسلسل من التجارب الفاشلة والمؤلمة والباهظة الثمن على مدى 17 سنةً. حان الوقت لنقول كفى، ليتقدم طاقم شبابي مؤهل لحكم العراق، ويتولى بنفسه تحقيق التغيير المنتظر. ولا شك في أن هذا يحتاج لتفاصيل وخارطة طريق يجري التوافق عليها.

هناك من يحمّلك بعض المسؤولية عما يجري لأنك تقلدت منصبا مرموقا في الدولة خلال سنوات ما بعد 2006.. ما ردكم على ذلك؟

أشكرك على هذا السؤال، وفي الحقيقة هو سؤال لطالما وصلني بهذا المعنى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. وأنا أسأل هل عانى سياسي عراقي قدر معاناتي؟ وهل استهدف سياسي غيري قدر ما استهدفت؟ لقد تم اغتيال إخوتي الثلاثة خلال ستة أشهر من عام 2006 من جانب فرق القتل الطائفية التابعة للأحزاب الفاسدة، وكانت الرسائل التي تصلني بعد كل حادثة اغتيال "اترك العملية السياسية وغادر العراق".

لماذا أنا دون غيري من السياسيين الهاشميين مطارد ومحكوم علي بالإعدام وصودرت كل ممتلكاتي في العراق دون وجه حق وبناء على وشايات كاذبة، وحرمت حتى اللحظة من فرصة التقاضي العادل رغم تبرئتي من جانب الإنتربول؟

هل كان من المتوقع استهداف الهاشمي لو كان على نهج غيره؟ الجواب لا.. والدليل على ذلك الطاقم السياسي الذي حكم منذ عام 2004 لا يزال بالسلطة حتى الآن. إن العلاقات المتوترة جدا وعلى مدى سنوات مع نوري المالكي الذي يتهمه الحراك بأنه الأكثر فسادا وعراب التدخل الإيراني هو السبب في استهدافي وما جرى لي. فالمالكي هو من استهدف الهاشمي بعد الدرس التاريخي الذي لقنته إياه أمام المسؤولين في الاجتماع المغلق يوم 23 فبراير/شباط 2011 والذي دعا إليه من أجل الترخيص له في التعامل مع الحراك آنذاك بالحديد والنار، وكان خطابي الداعم للحراك والمحذر للمالكي سببًا مباشرا للتعجيل باستهدافي.

في أرشيفي كنت الوحيد الذي كشف المستور عن فضيحة سجون المالكي، ولدي آلاف المواقف الداعية للعدل والنزاهة واحترام حقوق الإنسان ومنع الظلم والتمييز. أما رفضي للنفوذ الإيراني فهو مشهود للجميع والكل يتذكر رفضي استقبال هاشمي رافسنجاني خلال زيارته بغداد عام 2009، والبيان الذي أعلنت فيه عدم ترحيبي به، كما أن تفاصيل مقابلتي قاسم سليماني في طهران منشورة على موقعي وانتزعت منه خلالها الاعتراف التاريخي بتدخل إيران الصارخ بالملف العراقي. أما تأييدي للدولة المدنية وحكم القانون فيعكسه مشروعي "العقد الوطني"، وهو منشور على مواقع الإنترنت.

لقد كانت سيرتي ثورة على الواقع المر، وهي لا تختلف عن ثورة الجياع والمحرومين والمضطهدين. ومع ذلك أرغب أن يبقى الحراك شابا، وسأبقى أدعمه وأسانده دون قيد أو شرط، ومن خلالكم أدعو كل الشرفاء ألا يقصروا في ذلك دعما وتأييدا.. وما النصر إلا من عند الله.

المصدر : الجزيرة

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

769 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع