في الذكرى المئوية لتأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق

           

الحياة/محمد م. الأرناؤوط *:مع صدور هذه المقالة، وبالتحديد في 30 تموز (يوليو)، تمرّ الذكرى المئوية على الجلسة الأولى لـ "المجمع العلمي العربي" في مقرّه بالمدرسة العادلية، وهو بذلك كان أولى المجامع العربية التي تزايدت مع مرور الوقت خلال القرن العشرين وصولاً إلى مجمع الشارقة الأخير.

وفي الحقيقة يعتبر "المجمع العلمي العربي" ثمرة من ثمرات الحكومة العربية بدمشق التي تأسّست في 5 تشرين الأول (اوكتوبر) 1918، والتي لا نزال نحتفل بمئويتها حتى 24 تموز (يوليو) 2020، حين تمرّ الذكرى المئوية لموقعة ميسلون التي أعقبها تقدّم القوات الفرنسية إلى دمشق وسقوط "الحكومة العربية" التي كان اسمها يتجاوز الواقع التاريخي والجغرافي والسياسي.

في هذا السياق كان من الملفت للنظر في المؤتمر السادس للدراسات التاريخية الذي عُقد بيروت في نهاية نيسان (أبريل) الماضي، وخُصّص بكامله لمئوية الحكومة العربية بدمشق، غياب أية ورقة عن المؤسّسات الثقافية التي ارتبطت بهذه الحكومة (ومنها المجمع العلمي العربي) وغياب أصحاب الشأن من دمشق حيث لم يأت أحد للمشاركة في هذه المئوية التي حملت اسم "الحكومة العربية في دمشق".

كانت "الحكومة العربية في دمشق" تسابق الزمن في طموحاتها لتأسيس أول دولة عربية مستقلة بعد 400 سنة من الحكم العثماني، ولذلك نجد أن التعريب (تعريب التدريس والقوانين والمصطلحات الخ) يسيطر عليها على الرغم من أن صلاحيتها كانت محدودة في ظل وجود قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) التي كانت تنتظر الفرصة المناسبة (التي تأخرت حتى مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920) للتخلص منها وتقاسم البلاد حسب تفاهمات سايكس- بيكو المعدّلة.

في هذا السياق كان من أوائل الدوائر (الدواوين والشعب الخ) التي تأسست في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918 "شعبة الترجمة والتأليف" التي كانت جزءاً من ديوان المعارف، التي عُهد إليها بأمور العناية باللغة العربية وترجمة القوانين وتأليف النصوص المدرسية ووضع المصطلحات العربية المناسبة لتحلّ محل العثمانية الخ.

ونظراً إلى تزايد الضغط عليها مع التحول بالتدريس الجامعي (الطب والحقوق) من العثمانية إلى العربية فقد تمّ في 8 حزيران (يونيو) 1919 فصل هذه الشعبة عن ديوان المعارف وتوسيع صلاحيتها مع تغيير اسمها إلى "المجمع العلمي العربي"، الذي أصبح محمد كرد علي أول رئيس له . وهكذا فقد أصبحت صلاحية "المجمع العلمي العربي" تشمل إصلاح اللغة العربية وتنشيط التأليف والإشراف على الآثار والمخطوطات الخ . وضمّ المجمع مع اسمه الجديد شخصيات معروفة من بلاد الشام مثل سعيد الكرمي وعيسى اسكندر معلوف وعبد القادر المغربي وطاهر الجزائري وغيرهم.

ومع تأسيس "المجمع العلمي العربي" تمّ اختيار مبنى المدرسة العادلية (نسبة إلى الملك العادل الذي دُفن فيها) في دمشق القديمة مقراً له، ولكن في انتظار اكتمال ترميمها عقد أعضاء المجمع الجلسات الأولى لهم في دار الحكومة بالمرجة القريبة إلى أن اكتمل ترميم مبنى المدرسة العادلية وعقد أعضاء المجلس أول جلسة لهم في المقر الدائم في 30 تموز (يوليو) 1919. ومع هذا الاستقرار في المكان المناسب للمجمع، الذي بقي فيه حتى 1980، بلور المجمع أهدافه بشكل أوسع وأدق لتشمل "النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية، ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها، وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون من اللغات الأوربية، والعناية بجمع الآثار العربية والمخطوطات القيمة الشرقية وتأسيس دار كتب عامة وإصدار مجلة الخ" .

وفيما يتعلق بما ورد أخيرا فإن كلّ من يعرف دمشق القديمة وتاريخ المجمع يستذكر فضل المجمع في تخصيص المبنى المواجه له (المكتبة الظاهرية) ليكون مقرا لـ"دار الكتب العامة"، حيث وضعت "المكتبة الظاهرية"( كما اشتهرت) تحت إشراف المجمع وأصبح يتولى إدارتها أحد أعضائه (طاهر الجزائري) وإغنائها بالمخطوطات القيّمة حتى أصبحت كعبة للباحثين السوريين والعرب والأجانب .

ومن ناحية أخرى فقد وردت الإشارة إلى المجلة التي أصبحت تحمل اسم "مجلة المجمع العلمي العربي"، والتي صدر العدد الأول منها في كانون الثاني (يناير) 1920 شهرية في البداية ثم كل شهرين (منذ 1931) وأخيراً فصلية منذ 1949. ونظراً لما تحفل به المجلة من دراسات مختلفة لأعضاء المجمع العاملين والمراسلين والباحثين الآخرين فقد أحسن المجمع بتوفير نسخة رقمية على موقعه الالكتروني تتيح للمعنيين الاطلاع على كل أعدادها حتى المجلد 91 الذي يغطي 2018. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عضوية المجمع اقتصرت على عشرين من السوريين المقيمين بينما ترك العدد مفتوحا للأعضاء المراسلين من الدول العربية والأجنبية.

وإلى جانب المجلة فقد اهتمّ المجمع بالإصدارات العلمية، وخاصة كتب التراث المحققة في مختلف المجالات، التي قاربت المئتين حتى الآن. ومن أهم الكتب التي تبنى تحقيقيها وإصدارها المجمع كان "تاريخ دمشق" لابن عساكر الذي لم يكتمل صدوره بعد على الرغم من الجهود التي بذلت في سبيله.

ومن ناحية أخرى، فقد عُرف "المجمع العلمي العربي"، الذي تحول اسمه منذ 1967 إلى "مجمع اللغة العربية بدمشق"، عنايته الخاصة بالمصطلحات التي أصبحت تضغط عليه مع تقدم العلوم والاختراعات. وفي هذا السياق فقد تبنّى المجمع وضع "معجم ألفاظ الحضارة" في ثلاثة لغات (العربية والفرنسية والانكليزية) الذي خصّص له المؤتمر التاسع الذي عُقد في دمشق خلال كانون الأول (ديسمبر) 2010، على حين خفتت بعد ذلك أنشطة المجمع مع انشغال البلاد بالصراع الداخلي والإقليمي.

من تاريخ المجمع يبقى في الذاكرة رؤساؤه الذين تعاقبوا عليه: محمد كرد علي (1919-1953) وخليل مردم بك (1953-1959) ومصطفى الشهابي (1959-1968) وحسني سبح (1968-1986) وشاكر الفحام (1986-2008) وأخيراً الدكتور مروان المحاسني. من هؤلاء من تعلّم على النمط التقليدي (كرد علي ومردم بك) واشتهر لاحقاً في الصحافة والأدب، ومنهم من درس الزراعة والطب ولكن عُرف عنهم اهتمامهم باللغة العربية وتعريب المصطلحات (الشهابي وسبح) وكان منهم من تخصّص في اللغة والأدب ( شاكر الفحام) وشهد المجمع في عهده نقلة كبيرة في أنشطته. ولا يمكن هنا إغفال اسم شكري فيصل (1918-1985) الذي نال الدكتوراة في الآداب من جامعة الملك فؤاد في 1951 وانتخب أمينا للمجمع في 1972 فمنح المجمع حيوية جديدة خاصة في مجال تحقيق المخطوطات وفي تمثيل المجمع في الندوات والمؤتمرات في الخارج. ومن الوفاء هنا بالاعتراف بفضله أستاذا متجليا في محاضراته في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، الذي حبّب إلي اللغة والأدب والبحث، واستمرت الصلة معه خلال عملي في قسم الدراسات الشرقية بيوغسلافيا السابقة.

* عضو مراسل مجمع اللغة العربية بدمشق

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع