بغداد و"PKK".. "اتفاق سري" ينهي أزمة عصفت بعلاقة غامضة

      

بغداد - الخليج أونلاين (خاص):ظهور تنظيم الدولة على الساحة عام 2014، وتسبُّبه في تغيير عديد من موازين القوى والتحالفات بالشرق الأوسط، كشفا فصولاً كانت في طي الكتمان من التحالفات والاتفاقات التي استُخدمت في المواجهة بين الدول والجماعات بالشرق الأوسط.

فبعد سيطرته على مساحات واسعة بالعراق، توقف التنظيم عن الزحف باتجاه العاصمة بغداد، منحازاً عن مدينة سامراء، الواقعة شمالي بغداد، والتي تضم مزارات شيعية مهمة، وتوجَّه نحو إقليم كردستان، وتوسَّع في زحفه شمال غربي محافظة نينوى، ليكتسح مدينة سنجار في أغسطس 2014، ويرتكب فيها مجزرة بحق الأقلية الإيزيدية، ويجيّش العالمَ ضده نصرةً للطائفة التي لم يسمع بها إلا قليل من الناس قبل ذلك الحين.

الأكراد الذين يَعتبرون الإيزيديين مكوناً أساسياً لقوميتهم، وظَّفوا القضية لمصلحتهم، وبدعم دولي منقطع النظير تمكنت قوات البيشمركة الكردية، في ديسمبر من العام ذاته، من استعادة مركز القضاء.

المثير للريبة هو دخول حزب العمال الكردستاني "PKK"، الذي يمثل أكراد تركيا، وتصنفه أنقرة "منظمة إرهابية"، طرفاً في القضية، ليتحول إلى لاعب أساسي فيها، مهمِّشاً دور إقليم كردستان، خاصة بعد انحساره سياسياً وعسكرياً عقب استفتاء الانفصال الفاشل (سبتمبر 2017).

مواجهة تكشف علاقة مريبة
الانتصار الذي أعلنه العراق على تنظيم "الدولة" عام 2017 يعني بسط سلطة الدولة على ربوع البلاد بالكامل، وهذا يشمل قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى على الحدود السورية-العراقية.

قوة من حزب العمال الكردستاني تسيطر على سنجار، تعرضت لحاجز عسكري عراقي يوم 18 مارس الماضي، وقُتل خلال تلك المواجهة جنديان وجُرح ستة آخرون، حيث أعلن ​الجيش العراقي​ في بيان، أن قوة من عناصر ​حزب العمال ​اعتدت على حاجز أمني تابع لقيادة عمليات ​نينوى​، ودعست جندياً، فنشب إثر ذلك اشتباك بين الجانبين.

وأوضح البيان أن "الاشتباكات اندلعت عند مطالبة أحد الجنود باستحصال الموافقات الأمنية، للسماح لعناصر حزب العمال باجتياز الحاجز".

ونظراً إلى خطورة الوضع وانتهاك سيادة البلاد من طرف خارجي وقتل جنود عراقيين، وصل وفد عسكري عراقي رفيع إلى البلدة يوم 20 مارس الماضي، يترأسه رئيس أركان الجيش الفريق الركن عثمان الغانمي، ويضم أيضاً قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير يارالله، وقائد القوات البرية اللواء الركن ضياء دنبوس. وبعد اجتماعه بالقادة العسكريين، طالب الوفد حزب العمال بتسليم قتلة الجنود والانسحاب من الأراضي العراقية، وأعطى لذلك مهلة زمنية انتهت يوم 23 مارس، مع عدم ظهور أي بوادر تدل على التزام حزب العمال المهلة.

وفي حين كان الترقب سيد الموقف بعد تهديد الجيش باقتحام المنطقة عسكرياً، وطرد مقاتلي الحزب منها، ساد هدوء مريب عكَس حالةً من الغموض؛ فالحزب لم ينفذ المطلوب منه، ولا الجيش تحرك لاستعادة السيادة، والثأر لجنوده.

مصدر مطلع في حكومة نينوى المحلية كشف لـ"الخليج أونلاين" سر هذا الهدوء، مشيراً إلى دخول إيران على خط الوساطة لاحتواء الأزمة.

وقال المصدر طالباً عدم ذكر اسمه: إن "فريقاً أمنياً إيرانياً وصل إلى العراق في الأيام الماضية، وأجرى اتصالات مكثفة مع جانبي النزاع، حيث التقى قيادات عليا في حزب العمال، الذي أكد للوفد رفضه تسليم عناصره الذين قتلوا الجنود".

وكشف أن "الوفد الإيراني قال لـ(العمال) إن الخيارات أمام الحزب ضيقة، وإن عليه دفع ثمن قتل الجنود العراقيين، وبخلاف ذلك سيكون الحل العسكري هو الخيار الأخير".

المصدر أشار إلى أن "الإيرانيين توصلوا إلى حلٍّ يقضي بإيكال محاسبة القتلة إلى الحزب مقابل انسحابه من سنجار باتجاه مدينة السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحليف التقليدي لإيران في المنطقة".

وتحدث المصدر عن "اتصالات أجراها الوفد الإيراني مع قيادات الاتحاد الوطني، للسماح بعودة عناصر حزب العمال إلى السليمانية، وقد توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بعودة غير مسلحة، ووجود غير معلن، لعدم إثارة حفيظة تركيا".

شوكة في الخاصرة التركية
تشير التقديرات الصحفية إلى أن ألفاً من مقاتلي حزب العمال جاؤوا من جبال قنديل؛ حيث معقله التقليدي بالمثلث العراقي التركي الإيراني إلى سنجار، مستغلين فوضى مواجهة تنظيم "الدولة"، ومشكِّلين قاعدة خلفية تحولت إلى شوكة في خاصرة تركيا، بتغاضٍ من الحكومة العراقية ودعم من إيران، لتكون ورقة تفاوض مع أنقرة في أي مساومات آنية أو مستقبلية بالمنطقة، بحسب عبد الناصر الحمداني، الكاتب والباحث المختص بالشأن الإيراني في مركز دراسات منظمة "كُتاب بلا حدودٍ الشرق الأوسط".

الحمداني قال لـ"الخليج أونلاين": إن "ما يدل على صحة ما ذهبتُ إليه هو خفوت صوت المطالبين بسيادة العراق وحرمة أراضيه أمام الوجود العسكري للقوات الأجنبية، مثلما حصل مع الضجة التي أُثيرت بخصوص الوجود التركي في قاعدة بعشيقة، على الرغم من أنه تم بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، بل إن رئيس لجنة تقصِّي الحقائق بخصوص الوضع في نينوى النائب عن الموصل أسامة النجيفي، كشف أن البرلمان تجاهَل توصيات اللجنة بشأن وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار، ولم يصوّت على إخراج تلك القوات من العراق".

وأضاف: إن "الجانب الأمريكي الذي له نفوذ على القرار العراقي له يد في وجود (العمال الكردستاني) في سنجار، بل إن المعلومات التي لدينا تؤكد أن الحزب تلقى دعماً أمريكياً لبناء قواعد مؤقتة له بالمنطقة في إطار دعم واشنطن القوى الكردية المناهضة لتركيا".

يشار إلى أن تركيا أعربت للجانب العراقي، في أكثر من مناسبة، عن عدم رضاها عن وجود حزب العمال الكردستاني بسنجار، وقد وجهت أنقرة ضربات جوية عديدة منذ عام 2015 إلى مواقع الحزب، أدت إلى مقتل عديد من مقاتليه.

وتخشى تركيا من أن تتحول منطقة سنجار إلى قاعدة خلفية لحزب العمال الكردستاني، لكونها ترتبط من الجهة الغربية بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في أقصى الشمال الشرقي السوري، ويخشى الأتراك من أن تُستخدم في تهريب السلاح إلى جبال قنديل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

558 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع