لمناسبة العيد الثامن والتسعين لتأسيسه خواطر وذكريات من تاريخ الجيش العراقي

  

لمناسبة العيد الثامن والتسعين لتأسيسه خواطر وذكريات من تاريخ الجيش العراقي

   

              

                     بقلم: صفوة فاهم كامل*

     

          

• بدأت فكرة الاحتفال بعيد الجيش العراقي الباسل في عام 1946، عندما أمر رئيس أركان الجيش آنذاك الفريق الأول الركن صالح صائب الجبوري، الاحتفال باليوبيل الفضي للجيش، ومرور ربع قرن على تأسيسه، واتخذت إجراءات وفعاليات كثيرة بهذه المناسبة، شارك فيها السياسيين والأدباء والكتّاب، كما أقامت النوادي العسكرية والقطعات العسكرية في المدن والألوية العراقية احتفالات مماثلة، وبدا واضحاً للجميع مدى التفاعل الإيجابي والمتبادل بين الشعب والجيش، وسمي ذلك اليوم بـ (يوم الجيش). وأُلقيّ خطاب طويل من دار الإذاعة إلى الشعب بهذه المناسبة أيضاً، جاء في مقدمته:

(اليوم من أيام الشعب العراقي الغرّاء، ويجب علينا أن نذكره بحفاوة وإجلال، إذا ما تذكّرنا بأن الجيش للأمة الفتيه الناهضة هو عمادها، ودعامة عزّها، ورمز مجدها، ومرتكز كيانها ...).
ومنذ ذلك اليوم أُعتبر السادس من كانون الثاني من كل عام عيداً للجيش العراقي وعطلة رسمية في كافة أنحاء البلاد.
• لذا فأن عيد الجيش هو العيد الوطني الوحيد في العراق الذي استمر الاحتفال به بلا انقطاع أو ألغاء أو إهمال منذ إقراره رسمياً في ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا، على الرغم من تغيّر الحكام والحكومات والأنظمة الحاكمة فيه، وهذا مؤشّر واضح ورسالة ناصعة بأن الجيش العراقي هو مؤسسة وطنية شاملة، يحق لكل أبناء الوطن من شماله إلى جنوبه الانتساب إليه، ليضم بين صفوفه مختلف شرائح المجتمع من طوائف وأديان وألوان، وأصبح هذا الجيش رمزاً عالياً من رموز الوحدة والسيادة الوطنية العراقية.
• تُعطّل جميع المؤسسات الحكومية الرسمية وشبه الرسمية والمدارس والجامعات في ذلك اليوم، ويَهنئ ويتنعّم المواطن وخاصة طبقة الموظفين وطلاب المدارس والجامعات بهذه العطلة، أما منتسبو الجيش بكافة فئاتهم فلا يبطّلون فيه بل يستمرون بالعمل كأي يوم من أيام السنة ولأسباب بديهية، لكنهم يحتفلون به فيما بينهم داخل أسوار ثكناتهم من تبادل التهاني بين الرئيس والمرؤوسين وبقية الجنود وتقدّم لهم الحلويات والعصائر وتُلقى الخطب الوطنية والاستذكاريه بهذه المناسبة، وتوزع الهدايا على المتميزين منهم ويكرّم عوائل الشهداء.
• الرائد (محي الدين عمر 1882-1952) من صنف الخيّالة، والمولود في بغداد، هو أول ضابط يلتحق ويُسجّل بالجيش العراقي، حيث عيُّن في بداية شهر كانون الثاني عام 1921، بأمر من أول وزير للدفاع الفريق جعفر العسكري.

         


• البوابة الرئيسية الكبيرة لمبنى وزارة الدفاع القديمة في الباب المعظم من مدينة بغداد، هو رمز حصين لهذه المؤسسة، وتحفة معمارية هندسية، أمر بإنشائها عام 1936، الفريق بكر صدقي، رئيس أركان الجيش آنذاك، وهي نسخة طبق الأصل في بنائها وهندستها لبوابة وزارة الدفاع التركية. ومازالت البوابة قائمة إلى اليوم بكامل هيكلها وتفاصيلها، باستثناء الشعار الملكي المنقوش في أعلى البوابة حيث شُنّعَ بعد انقلاب 14 تموز 1958.

          


• تعتبر الكلية العسكرية العراقية والتي تأسست سنة 1924، من الكليات المرموقة في الوطن العربي وأعرقها، وتُكنّى بـ (مصنع الأبطال)، ووصل عدد الدورات التي تخرجت منها لغاية الآن (108) دورة. تلاميذ الدورة (17) الذين تخرجوا فيها سنة 1939، تميّزت باحتوائها على شرائح مختلفة من أطياف الشعب العراقي، ففيها المسلم والمسيحي واليهودي، والعربي والكردي والتركماني، والقومي والشيوعي والعشائري، لكنها من أكثر الدورات إثارةٍ وتمرداً وحظوظاً في مسيرتها عن مثيلاتها من الدورات السابقة وأيضاً اللاحقة، وسمّيت نفوراً بـ (دورة الانقلابات)! بينما أطلقوا هم على أنفسهم تفاخراً بـ (الدورة الذهبية)! والسبب يعود في ذلك لانطلاق واشتراك الكثير من ضباطها في الانقلابات والتمردات التي شهدها العراق في الفترات اللاحقة من تاريخه. كما أن العديد من شخوص هذه الدورة تبوأوا مناصب مدنية عليا في الدولة إضافة إلى المناصب العسكرية الرفيعة، فاثنان منهما اعتلا منصب رئيس الجمهورية، ورئيس وزراء، ووزراء ووكلاء وزارة، وسفراء، ومدراء عامين، ومدير أمن، إضافة إلى أمين العاصمة بغداد.
• خرّجت الكلية العسكرية العراقية أعداد كبيرة من الأشقاء العرب ليصبحوا ضباطاً في جيوش بلدانهم، أبرزهم الرئيس اليماني عبد الله السّلّال (الدورة 16 تخرجت عام 1938). ومن سخريات القدر أن السّلّال، قام بزيارة رسمية للعراق عام 1964، كرئيس لليمن، مُنح فيها شهادة فخرية من كلية الأركان، أما في زيارته الثانية عام 1967، فقد أطيح به في انقلاب عسكري باليمن، وهو في غضون تلك الزيارة! ومن الظريف ذكره أيضاً أن الضابط العراقي العقيد جمال جميل، والمقيم في اليمن قد قام بانقلاب عسكري على حين غرّة ضد حكم ملك اليمن الإمام يحيى بن حميد الدين، عام 1948، وعيُّن على إثرها وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للجيش اليماني، واستمر في منصبه هذا بضعة أشهر حتى عاد الحكم السابق وألقي القبض عليه وحُكم وأُعدم.
• الجيش العراقي هو ثاني جيش وطني تأسس في الوطن العربي بعد الجيش المصري. لكن أتّسم وبعد سنوات من تشكيله، بنزعته الانقلابية ضد نظام حكمه وحكّامه، فكان انقلاب بكر صدقي سنة 1936، أول انقلاب عسكري في العراق والوطن العربي والمنطقة، ثمَّ أعقبها أربعة انقلابات أخرى ناجحة وفي أزمان متباينة. جميع هذه الانقلابات كانت نتائجها دموية شرسة وخسائرها بشرية مؤسفة ومادية فادحة، باستثناء انقلاب 1968، الذي سمّي في حينه بـ (الثورة البيضاء)، إضافة إلى انقلابات وحركات عديدة، إلا إنها باءت جميعها بالإحباط من حيث تخطيطها وتنفيذها أو الوشايات والنميمة ضد منظميها.
• عدد الوزراء الذي حَملوا حقيبة وزارة الدفاع منذ تشكيل الدول العراقية وإلى الأن (32) وزيراً، أولهم الفريق جعفر باشا العسكري–الذي يعتبر الأب المؤسس لهذا المؤسسة-وأخرهم الوزير عرفان الحيالي. بعض من هؤلاء كان رئيساً للوزراء واحتفظ لنفسه بمنصب وزير الدفاع أيضاً.
• خمسة من مجموع أحد عشر زعيماً حكموا العراق خلال تاريخه الحديث، هم من خريجي الكلية العسكرية العراقية، وهم على التوالي: الملك غازي والزعيم عبد الكريم قاسم والمشير الركن عبد السلام عارف والفريق عبد الرحمن عارف والمهيب احمد حسن البكر.

        

• أطول وزير دفاع مكثَ في منصبة بصورة متوالية هو الفريق الأول الركن عدنان خير الله، حيث ثَبَتَ فيه لفترة ناهزت 11 سنة، من عام 1978 لغاية عام 1989. وأول عسكري تخطى الرتب العسكرية وترفّع خارج السياقات النظامية المتبعة، هو الرئيس عبد السلام عارف (1963-1966)، فقد كان عارف، حتى 8 شباط 1963، عقيد ركن متقاعد، وبعد انقلاب 14 رمضان بأيام أغدق على نفسه رتبة مشير ركن (مهيب ركن)، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن استمرت هذه التجاوزات والقفز على الرتب ورَكب المناصب، بشكل مريب ومستهجن.
• جُلَّ الوزراء الذين حملوا حقيبة هذه الوزارة كانوا من العسكريين المحترفين باستثناء إثنين هما: حسين كامل، وعمّهُ علي حسن المجيد، فقد تسلّقا هذا المنصب نتيجة المحسوبية العائلية السائدة آنذاك والمناطقية المفرطة. كما أنَّ ثلاث منهم كانوا مدنيون، ولا شأن لهم بالجيش ولا أي دراية في قيادته، هم: علي علاوي وحازم الشعلان ونوري المالكي، وهؤلاء الثلاثة جاؤا بعد احتلال العراق عام 2003.
• وزيران استوزرا لهذه الوزارة لم يكن في حينها أي وجود للجيش النظامي للدولة أو لم يكن قد تشكّل بعد، هما: جعفر العسكري وعلي علاوي. ومن الجدير ذكره أنه في عام 2003، بقي العراق ولأول مرة في تاريخه المعاصر، بدون جيش نظامي يحمي كيانه. حدثَ ذلك بعد أن حلّه الحاكم المدني الأمريكي سيء الصيت بول بريمر، واستمر قراره لغاية عام 2004، حيث بوشر بتشكيل جيش جديد للعراق.
• الجيش العراقي هو الجيش الوحيد من جيوش الدول العربية شارك مع دول المواجهة (لبنان، سورية، الأردن، مصر) في كل الحروب العربية ضد الدولة العبريّة في فلسطين، فقد شارك في حروب عام 1948، وعام 1967، وعام 1973، وقبل ذلك ساهم في القتال ضد الإنكليز والعصابات الصهيونية في فلسطين قبل عام 1948، من قبل ضباط ومتطوعين عراقيين، كما قام العراق بمفرده باستخدام قوّته الصاروخية في ضرب إسرائيل من أراضيه بواقع 39 صاروخاً عام 1991.
• عام 1988، هو عام الذروة في أعداد أفراد الجيش ووصل إلى أوج قدراته وخبراته العسكرية، فقد ناهز عددهم في حينها المليون مقاتل ينتسبون إلى تسعة فيالق، سبعة منها نظامية، إضافة إلى الفيلق الأول الخاص وفيلق الحرس الجمهوري، أما عدد الفرق المشكّلة فوصلت إلى أكثر من (70) فرقة كاملة العدد والعدّة وجاهزة للدخول في أي معركة.

       

• الجيش العراقي يمتلك ثلاث مقابر لشهدائه خارج حدود الوطن، فمقبرة في مدينة نابلس، وأخرى في مدينة جنين، الفلسطينيتين حيث تضم الأولى رفاة (194) شهيداً والثانية أكثر من (50) شهيداً، جميعهم استشهدوا خلال حرب عام 1948، أكثر من نصفهم مجهولي الهوية، ومقبرة أخرى في محافظة المفرق الأردنية التي تضم تحت ثراها (36) شهيداً سقطوا خلال عام النكسة عام 1967. وبذلك يكون عدد الشهداء الذين روت دماءهم أرض فلسطين خلال حرب عام 1948، وما بعدها (250) شهيداً، عشرة ضباط والباقي من ضباط الصف والمراتب والجنود، ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا يطلق على الشهيد وصف تاريخي ومعنوي بأنه (سارية علَمْ العراق) وأُطلق في فترة ما أيضا شعار (الشهداء أكرم منّا جميعاً)، إضافة إلى شعارات أخرى.
• لَقبْ (أبو خليل) هو وصف شعبي يطلق على الجندي العراقي وأُلصق به تودّداً أينما حل، وجاءت التسمية نسبة إلى مدينة (الخليل) الفلسطينية التي تحوي مقامات الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وزوجاتهم، وجاء هذا اللقب بعد أن دافع الجنود العراقيين عن هذه المدينة ببسالة بمفردهم دون سواهم من الجيوش العربية التي تراجعت وانسحبت من بقية المدن الفلسطينية، أبان حرب عام 1948، واستمر هذا اللقب والوصف الظريف استحباباً به حتى اليوم.

    

• الفريق الأول الركن عبد الجبار خليل شنشل هو أندى ضابط عراقي خدم في الجيش بصورة مثابرة ودون انقطاع، بل ربّما الأعظم في تاريخ جيوش العالم، فقد بلغت سني خدمته الفعلية ستة عقود ونصف، بدأت عام 1938، وانتهت عام 2003، وشارك شنشل في كل حروب الجيش العراقي، وهو أرفع ضابط عراقي يتوفى ويدفن خارج بلده، حيث ولِد في مدينة الموصل عام 1920، وتوفاه الله في عمان عام 2014، ودفن مع زملاءه في مقبرة شهداء الجيش العراقي في محافظة المفرق، وهو الحاصل على وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الثانية بإرادة ملكية سامية من الملك الحسين بن طلال عام 1959، ويعود له الفضل والمساهمة في تأسيس كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية. كما أن رئيس الجمهورية العراقية الأسبق الفريق عبد الرحمن عارف، هو الآخر دفن في هذه المقبرة. وقبل هؤلاء جميعاً فأن الفريق الركن ياسين باشا الهاشمي، رئيس وزراء العراق، هو أقدم ضباط عراقي قُبرَ خارج بلده في عام 1937، بجوار ضريح الناصر صلاح الدين الأيوبي وتحت مآذن الجامع الأموي في دمشق.
• من جميل الصدف أن يتزامن عيد الجيش العراقي بعد أيام قليلة من احتفالات العالم بعيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عليه السلام ورأس السنة الميلادية الجديدة. وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) كانت تمنح للعسكري بصورة عامة إجازة منتظمة حسب استحقاقه الدوري بغض النظر عن مصادفتها لعيد الفطر المبارك أو عيد الأضحى المبارك أو أي عطلة رسمية أخرى من عدمها، أمّا العسكري المسيحي، ففي عيده الديني السنوي يمنح إجازة خاصة لمدة يومين أو ثلاثة يتمتع بها مع عائلته بغض النظر عن إجازته الدورية الطبيعية ومهما كانت الظروف في ذلك الوقت، باستثناء حالات الإنذار القصوى وقت اندلاع المعارك الضروس، ففيها تتوقف جميع الإجازات الاعتيادية والاستحقاقات ولكافة الأفراد. هذه الحالة هي من باب تعاطف أمري الوحدات مع أفراد القوات المسلحة من إخوانهم المسيحين وليس أمراً حتمياً واجب التنفيذ، ولا أحد يمتعض من ذلك أو ينظر نظرة ازدراء. والتوجه نفسه ينطبق أيضاً على العسكريين من المكوّن الأيزيدي والصابئي، وهذه من الميّزات الحسنة والبارّة في سلوكيات ضباط الجيش العراقي وفي أحلك الظروف، ولا أحد يمتعض منها.
• على مدى سنوات متفرقة من عمره، تجري في 6 كانون الثاني وكالمعتاد استعراض عسكري كبير لقطعات من الجيش العراقي في ساحة معدّة لذلك في العاصمة بغداد، كان يحضره الأمير عبد الاله، الوصي على العرش ومن بعده الملك فيصل الثاني، ومن ثم رؤساء الجمهورية المتعاقبين بوصفهم (القائد العام للقوات المسلحة). وأكبر استعراض شهده الجيش العراقي في تاريخه من حيث العدد والعدّة وحسن التنظيم كان عام 1990، أثار انتباه الأعداء قبل الأصدقاء، حيث جرى ذلك الاستعراض لأول مرة في ساحة الاحتفالات الكبرى ببغداد، المشيّدة حديثاً لمثل هكذا مناسبات، شاركت فيها تشكيلات كبيرة من القوات البرية والجوية والبحرية، ومن صنوف الجيش كافة، المقاتلة والمساندة. وبلغ عدد الأفراد المستعرضين بحدود 35 ألف مقاتل، أما عدد الأليات المشاركة فقد ناهزت 1300، بين عجلة ودبابة ومعدّة اختصاصية، واستعرضت لأول مرة، صواريخ (Scud) البالستية بعيدة المدى والمطوّرة عراقياً باسم (الحسين والعباس)، وطائرتي الاستطلاع الجوي (عدنان1 وعدنان2) ومعدات عسكرية حديثة ومتقدمة، مصنّعة في معامل التصنيع العسكري. وفي حينها قرّت بعض الدوائر الغربية والمؤسسات العسكرية المختصّة إن العراق بات يمتلك خامس أو رابع أقوى جيش في العالم.

            

• نصب الجندي المجهول، هو قبر تُشيّده الدولة لتخليد الجنود الذين يسقطون في المعركة ولا يتم التعرّف على هوياتهم، وأول صرح شُيّد للجندي المجهول في العالم كان عام 1858، في الدنمارك بعد حرب (سكيلسفيغ) ضد ألمانية، لكن كتقليد شائع أُتبع من أغلب الدول فكان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، نظراً للعد الهائل من الجنود الذي سقطوا خلال المعارك ولم تعرف أسمائهم، فدفنوا حيث ما قوتلوا. والعراق حذا حذو تلك الدول وشيّد صرحاً لذلك في بداية ستينيات القرن الماضي، فتمَّ بناء نصب الجندي المجهول في الساحة التي سُميت باسمة آنذاك، بمنطقة العلوية وصممه المعماري رفعة الجادرجي، لكن في منتصف السبعينيات قررت الحكومة العراقية تشييد نصب جديد أكبر حجماً وأكثر إجلالاً، بما يلائم ويوازي تضحيات الجندي العراق في المعارك التي خاضها خلال تاريخه الطويل ودفاعه المستميت عن تراب الوطن. وبعد اختيار التصميم الفائز الذي صمّمه النحات خالد الرحال، بوشر العمل فيه أواخر السبعينيات وأفتتح عام 1983، وتزامن افتتاحه مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وضراوة المعارك فيها.
• ومن نافلة القول، أن نصب الجندي العراقي المجهول من النصب القليلة في العالم التي يضم تحت بلاطه رفاة جندي جلّي مجهول الهوية لا يعرفه إلا الله، أُستشهد خلال إحدى المعارك مع العدو الإيراني وقتئذ، وقد وري الثرى بمراسيم عسكرية مهيبة وموسيقى جنائزية في حينها، تقدّمهم القائد العام للقوات المسلحة، وكبار المسؤولين في الدولة العراقية. كما أن مصمم النصب الفنان خالد الرحال، هو الأخر دُفن فيه بعد وفاته، تحت أحد أقبيته التي تحمل الرقم (7) حسب طلبه وصيته الخاصة. ومن البديهي ولعدم الازدواجية في تشييد نفس النصب في مدينة واحدة فقد أزيل النصب السابق قبل انتهاء إنجاز النصب الجديد واُستبدل اسم الساحة التي كان فيها إلى أسم متآلف بالمعنى، هو (ساحة الفردوس).
• المجلة البريطانية العسكرية المتخصصة Jane’s منحت الجيش العراقي لقب أفضل جيش في العالم لعام 2017، - ربّما لنواحي معنوية أو إعلامية- بسبب الانتصارات الكبيرة التي حققها في أقل من سنة ضد اقوى التنظيمات الإرهابية في العالم؛ تنظيم داعش، في حين إن القيادة العسكرية في أمريكا قدّرت عشر سنوات للقضاء على هذا التنظيم.
• شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، مجّدَ الجيش العراقي عام 1958، بقصيدة رائعة، منها هذه البيات:

جيش العراق ولم أزل بك مؤمناً
وبأنك الأمل المرجي والمنـى

وبأن حُلمك لن يطولَ به المدى
وبأن عزمك لن يُحيق به الونى

جيش العراقِ إليك ألف تحيةٍ
تستاف كالزهرِ الندي وتجتنـى


هذه الأبيات الشعرية الفصيحة والمعبّرة للقصيدة، كان من المؤمّل أن تؤديها المطربة أم كلثوم بألحان الموسيقار المصري رياض السنباطي، في وصلة غنائية تقدمها ضمن برامج معرض دمشق الدولي، نهاية سنة 1958، إلا أن الخلاف السياسي بين العراق ومصر آنذاك، وتوتر العلاقات سريعاً بين الزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس المصري جمال عبد الناصر، منعت أم كلثوم من أدائها في تلك المناسبة، وقيل في حينها أيضاً إن أسباب فنية حالت دون إنشاد القصيدة! ولا نعرف لحد الآن أين حلَّ مصير لحن هذه الأنشودة الوطنية بحق الجيش العراقي الباسل؟

            *******************

* للزيادة في دقّة بعض المعلومات والأرقام الواردة، فقد استأنست من أساتذتي وزملائي في السلاح، الفريق الركن محمد عبد القادر الداغستاني، والعميد الركن صبحي ناظم توفيق، والعميد الركن رياض عبد المجيد العبوسي، ومصادر أخرى. فلهم مني جزيل الشكر والامتنان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع