في بغداد.. ليالي "الجادرية" تكسر "الجندرية"

     

المدى- ريبورتاج/ علي الكرملي:يعد حي الجادرية في بغداد من أزهى أحياء العاصمة وأرقاها. الحي الكائن في جنوبي العاصمة العراقية لا تعرف لياليه الركود ولا الخمول يوماً، فحركة الحياة الليلية (التي تفتقر لها معظم الأحياء البغدادية) مستمرة فيه دون أدنى توقف.

قُطعَة حَلوى 

رغم إنها من سكنة حي العامرية (أحد الأحياء الراقية) في كرخ بغداد، إلا أنها تذهب نحو الجادرية كل مساء، وحينما تعود منه تنشر عبر حسابها ما حظيت به من لقطات ومشاهد علقت في ذهنها، كي لا تنساها بمرور الزمن؛ "فالتوثيق أجمل تدوينة للماضي التليد"، تقول جونا باسم، (شابّة جامعية في إعلام بغداد).
"للجادرية طابع خاص يميزها عن قريناتها، إنها قُطعَةُ حَلوى، لا يُكَل ولا يُمَل من تلذُّذِها" تتحدث باسم لـ (المدى)، وتقول: كل ليلة أتطعّم بجزء من أجزاء تلك الحلوى، مرّة في مولاتها، مطاعمها ومقاهيها، ولياليَ أُخرى في ناديها، كورنيشها، ومنتدياتها، بالإضافة إلى شارع جسرها وحدائقها.
تخرج جل الأماسي مع عائلتها وأقربائها، وفي أحايين كثيرة تلتقي بأصدقائها وصديقاتها وتقضي معهم الليالي بفرح ومرح؛ فعائلتها منفتحة وليست منغلقة بحدّة كبيرة، كما أنها وعائلتها يرفضان الجندرية، "كل ليالينا من الجنسين، ولا نحبّذ فكرة الجندرية إطلاقا" توضّح باسم.

جسرُها وجانبيه للفقراء الأغنياء
عمله الذي يتطلّب منه معرفة جل الأحياء والأزقة ومعالم المدن وخباياها يجعل منه أشبه بمرشد سياحي، هكذا استهل حديثه مع (المدى) سلام محمد "سائق تكسي".
"في الليل تزدهر فرص عملنا أكثر من النهار" يقول سلام، ويرجّح أن للطقس الأثر الأكبر في ذلك؛ فحرارة الشمس اللاهبة نهاراً، تمنع الناس من التجول بشكل كبير، بِخاصة غير الموظفين ومن ليس لديهم أيّ أعمال تُذكر، لذلك فهم يفضّلون الخروج في الليل، حيث إعتدال الطقس، وقلَّة الزخم في الشوارع، يبيّن محمد.
محمد يسترسل في كلامه، إن أغلب الزبائن التي تستأجِرُه ليلاً تطلب منه التوجه إلى الجادرية، ويراها بكثرة فائضة في فصل الصيف، معلِّلاً تلك الحالة إلى عذوبة نسمات الهواء التي تحظى بها المنطقة من سواها.
"إن المنطقة أضحت من بين أكثر الأماكن تنفساً للكثير من العوائل، كما ويرتادها الشباب ذكوراً وأُناث، وتلك هي خاصّيّتها؛ فهي ليست ذكورية ولا أنثوية؛ بل تجمع الجنسين" يقول محمد.
"جسر الجادرية وجانبيه (رصافة وكرخ) للفقراء والأغنياء؛ فشارع الجسر يحتضن الطبقتين، وجانبيه يحتويان على عدّة أماكن ترفيهية يلتجئ إليها الناس، منها أماكن فاخرة كـ (أزكيدينيا الذي إفتتح مؤخرا، ونادي الفروسية، ومقهى علي بابا، مول الواحة، سكوزي، وكورنيشها الذي يحتوي على مطاعم ومدن ألعاب". يُضيف.
فيما يخص العوائل التي لا تملك القدرة المالية لدفع أجور المقاهي والنوادي؛ فشارع جسر الجادرية المطل على نهر جلة متاح لهم، بالإضافة إلى جزيرة الأعراس السياحية التي هي بمتناول الجميع على حد سواء، وكذا الأمر مع الشباب غير ميسوري الحال؛ فهم يجلبون معهم المكسّرات والأراكيل الخاصّة بهم، وحتى قناني الويسكي، فيحتسونها في الهواء الطلق فوق الجسر وأدناه. محمد يُشير.

عُشّاق في ليلة إختفاء القمر
يقول حمزة سامر (شاب في الربع الأخير من عشرينيّاته)، إن "المنطقة برمّتها باذخة الجمال، بجسرها وبكل ما يحيط الجسر من جهتيه، الناس أمست أكثر سعادة وحرّية، وللمنطقة تأثير في ذلك؛ فمتوفّراتها هي من تُضفي عليهم تلك الراحة".
"تبدأ الحركة في الجادرية منذ بكارة الليل وتنتهي قبل أن يفُضَّ غشاوته بقليل". وجزيرة الأعراس دليل ومثال واضحين لجملتهِ التي سبق ذكرها يقول.
"في الجزيرة تجد عوائل تلعب كرة القدم، وأُخرى تجلب معها الدراجات الهوائية في صناديق سياراتهم، ويأخذون بالتسابق والتلاحق، ناهيك عن ثالثة تقوم بالشواء. وتجد الشباب يلعبون (المحيبس)، ويُكرّزون المكسّرات، ويرقصون ويمرحون على أصوات الموسيقى والأغاني الحديثة في جو يعلوه الفرح والمرح. وتجد العُشاق يمشون بين الأشجار ويتجاذبون أطراف أحاديثهم الرومانسية الخاصة". يسرد سامر لـ (المدى).
أكثر موقف يعلق في ذاكرته، هو في ليلة خسوف القمر، فبينما وصل القمر إلى ذروة إختفاءه، وفي الوقت الذي هو ومن بمَعِيَّتِهِ منهمكون بالتصوير، لمح على الطرف الآخر من الجسر عاشِقَان (يتبادلان القُبَل) في جو بانورامي يصفه بالمُذهل، يستطرد أن تلك الليلة التي مر عليها ما يزيد الشَهرَين، ما زالت الأجمل والأكثر إستحواذاً على عقله من بين كل الليالي والأُمسيات.
"غير الجزيرة، تحفل حدائق السلطان، وقاعة أغصان الزيتون، ومطعم بيّارة الشام، بالحفلات والمناسبات والأغاني، وبالتالي تجد تلك الأماكن مكتظة بالبشر من كل الأجناس والأعمار، ولا تنقضي تلك الحفلات والسهرات إلاّ بين خيوط الليل الأحيرة وحبال الفجر الاولى من اليوم الجديد". يُشير سامر.

ليسوا انعزاليين
"إن روتين العمل اليومي منذ الصباح وإلى ما بعد الضهيرة، ومشاغل الحياة اليومية، تحتم على النفس أخذ قسط من الراحة والإستجمام قليلا"، تبين سلمى القيسي، أكادبمبة وأخصائية نفسية. "وبما أن الطقس أكثر اعتدالا وجمالا في المساء، فإنه من الطبيعي أن يخرج الناس لإلتقاط الأنفاس في الليل"، القيسي تمضي بالقول في حديث لـ (المدى). موضحة، أن "طبيعة الجادرية، وشوارعها المنفتحة، ونهر دجلة الذي يحيط بها من جهات ثلاث، ونسيم الهواء المنبعث منه، تشرح النفسية، وتضفي طاقة ايجابية، مما يفسر كثرة الإقبال عليها من سواها".
كأن حال لسانها يقول (اسهروا.. تصحَوا"، فهي ترى ما يحصل حالة صحية جدا، وبوادر أكثر من ايجابية، "العراقيون ليسوا انعزاليون، إنهم يحبون الحياة والمرح، وأيامنا كلها أفراخ لو أردناها كذلك، ولكنها الظروف والحروب على لمتداد تاريخ العراق هي التي تمنع ذلك، وما إن خفت وزالت حتى بانت البهجة على محياهم"، تقول القيسي.
مما يجدر له بالذكر، أن واشنطن بوست قد ذكرت في تقرير لها منذ مدة وجيزة، أنه لم يمر ببغداد يوما على مدى 40 عاما مضت منذ هيمنة النظام السابق على العراق ودخوله في سلسلة حروب أن شعرت بغداد بحرية ومرح كما تشهده العاصمة الآن، معرجة في تقريرها الى أن منطقة الجادرية أمست أحدى أكثر مناطق الترفيه في بغداد، وخصوصا في ليالي الصيف التي تتجاوز فيها درجات الحرارة الخمسين درجة مئوية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

474 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع