جورج بوش الابن رساماً ... الريشة خلفت السياسة

         

الحياة:من كان يتصور أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن قد يصبح، بعد ما انتهت ولايته عام 2009 رساماً ذا شهرة وأن يتصدر كتاب له ضم لوحات له عن الحرب العراقية قائمة الأكثر مبيعاً لدى «نيويورك تايمز» في فئة البحوث والمراجع،ويحتل المرتبة الأولى في خانة الفنون على موقع «أمازون»؟

الآن باتت صورة بوش الابن واقفاً أمام لوحة وبيده ريشة هي الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي في اميركا والعالم، وتكاد هذه الصورة تنسي الجمهور صوره السابقة كرئيس اميركي. لم يحمل بوش الابن قلماً ليكتب مقالات ونصوصاً ويؤلف كتباً كما فعل بعض الرؤساء السابقين في العالم وفي طليعتهم رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (1965-1874) الذي حاز جائزة نوبل للأداب عام 1953 وفاجأ بها العالم اجمع. اختار بوش الابن ان يرسم ونجح فعلاً ونمّت اعماله عن موهبة حقيقية ولو تجلت متأخرة، متجاوزة عتبة الهواية التي غالباً ما تجذب الكثيرين فيظلون مجرد فنانين هواة. وقد يكون كتابه «صور عن الشجاعة» Portraits of Courage الذي يستوحي حرب العراق والذي لقي نجاحاً شعبياً وإعلامياً كبيراً دليلاً واضحاً على إلمام بوش الابن بفن الرسم وتقنياته وأبعاده الشكلية والجمالية.

ظل الرئيس الأميركي يخفي نزعته الفنية هذه سنوات الى ان قرر كشفها عام 2014، فأخرج رسومه ولوحاته الى الضوء وسرعان ما استقبلها هواة الفن التشكيلي ورحبت بها الصحافة. وعلم المواطنون أنّ رئيسهم السابق يمضي ساعات طويلة أمام مسند الرسم، بعدما اقتحم قرصان البريد الإلكتروني العائد لشقيقته دوروثي بوش كوش، ووجد فيه رسمين ذاتيين للرئيس، بدا فيهما يستحم، واقفاً في الصورة الأولى تحت الدش، ومثبّتاً قدميه في المغطس في الصورة الثانية. وكانت هاتان اللوحتان اللتان رسم فيهما بوش الابن نفسه بمثابة اكتشاف على رغم الصدمة التي أحدثتاها. ولكن بعد تلاشي المفاجأة او الذهول الناجم عن مشهدية اللوحتين، تنبّه هواة الفن والصحافيون والنقاد إلى المسار الفنّي الجدّي الذي يسلكه الرئيس الذي كان في واجهة القرارات التي ادت الى نشوب حرب بل حروب العراق. (واللافت ان الرؤية الحربية التي كان قد اعتمدها ألواناً هادئة ظاهرياً، غمّس فيها ريشةً ألفها تدريجاً مع مرور الوقت).

الناقد الفني جيري سالتز في «نيويورك ماغازين»، اعجب بالرسوم ووصفها قائلاً: «إنّها اعمال بسيطة وغير متوقَّعة. نفّذها تنفيذاً جميلاً، وتتّسم بخطوط طبيعيّة وأحاسيس جيّاشة. وهي تكشف وجه شخص يبذل قصارى جهده من دون أن يملك أيّ موهبة فطرية. ولا توجّهه إلاّ الرغبة في الحصول على نتيجة جيّدة. ويكفي النظر إلى شخصيّاته المرسومة على حدة، لنستذكر الهدوء المنبعث من لوحات الحياة الساكنة التي وضعها الرسام شاردان».

أما بوش الابن فيوضح فكرة انتقاله إلى الفن بقوله: «للمرة الأولى خلال 66 سنة من حياتي، حملت ريشة ليست لطلاء الجدران. واخترت أنبوباً أبيض وآخر كُتب عليه Burnt Umber (بنّي مصفرّ محروق). ولم أكن أعرف بعد ما هو هذا اللون تحديداً». وأضاف ممازحًا: «لكنّه ذكّرني بمطبخ أمّي!». وفي وقت لاحق، وضع الرئيس الأميركي الثالث والأربعون نفسه في عهدة معلّم، وفي تبريره للسبب قال: «لأكتشف الأثر الخفي الذي تركه الرسام رامبرانت في داخلي». كي يكتسب اسرار الفن وتقنياته انكبّ على العمل بكثير من الدقة والتركيز، حتّى بات يروقه الرسم، فراح يسترجع كبار الرسّامين الذين ألهموه، ومن بينهم لوسيان فرويد، ووايد تيبود، وجايمي وايث، وراي تيرنر، وفيرفيلد بورتر، وجواكين سورولا.

اليوم، تكتب الصحافة مقالات جيّدة عن كتاب «صور عن الشجاعة»، الذي يجمع صوراً عن ست وستين لوحة من لوحاته التي يناهز عددها مجموعةً المئة، ويرفق كل لوحة في الكتاب بنص هو بمثابة تقديم صاغه بوش بنفسه، وقد عُلّقت النصوص هذه بالتزامن مع صدور الكتاب في أعلى اللوحات ضمن المعرض الذي يقام في مركز جورج بوش الابن، في دالاس. وتُظهر اللوحات رجالاً ونساء من الجيش، عادوا للتو من ميدان المعركة. وتحمل أجسامهم ندوباً تدلّ على آلامهم الجسدية ومعاناتهم النفسية، ويسلّط بوش الضوء عليها من خلال التلاعب بالأضواء والظلال على مستوى عيون الأشخاص ونتوءات وجوههم.

تبدو اللوحات صادقة في أشكالها وخطوطها إلى جانب قوّتها المعبّرة. وقد أراد بوش الرسّام وصف الجنود، كما شرح في مقدّمة كتابه، من اجل «تسليط الضوء على التحدّيات التي يواجهها كثيرون عندما يعودون من الحرب، ويضطرّون إلى الاندماج من جديد في الحياة المدنية». وتعود أرباح الكتاب إلى مركز جورج بوش الابن الرئاسي، وهو جمعيّة أسّسها وأطلقت برنامجاً لتسهيل عودة المحاربين القدامى إلى الحياة المدنية.

أما اللافت فهو أن هذه اللوحات لا تحمل شعوراً بالذنب، بمقدار ما تعبر عن حال من التعاطف. وحتّى في النقد القاسي الذي وجهه فيليب كنيكوت في صحيفة «واشنطن بوست»، ارتأى أنّ «من الواضح أن الرئيس السابق أكثر تواضعاً وفضولاً من الرئيس المتبجّح في الفترة التي حكم فيها البلاد. فاليوم، ليس فضوله الفنّي صادقاً، بل هو راق نسبيّاً».

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1166 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع