العلاقات السعودية العراقية.. تقارب حذر بعد شد وجذب دام ربع قرن

               

الرياض -الخليج أونلاين:تأخذ العلاقات السعودية العراقية طابع الشد والجذب بين الفينة والأخرى، حيث تتذبذب بين تأزم وتوتر منذ احتلال الكويت مروراً بسقوط الرئيس صدام حسين، وانتهاء بحكومة المالكي، ثمّ العبادي الذي عينت السعودية خلال فترته سفيراً لها في بغداد بالتزامن مع سيطرة تنظيم "الدولة" على مناطق عراقية شاسعة وتهديده دول المنطقة، قبل أن تسحبه مجدداً.

فمنذ اجتياح العراق للكويت عام 1990 والعلاقات السعودية العراقية متوترة، حيث أغلقت على إثرها الرياض سفارتها في بغداد، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، ولم تستأنفها إلا مؤخراً.

ورغم التغيير الجذري الذي حدث في العراق عام 2003، فإنّ السعودية لم تغير من سياساتها المنفتحة تجاه العراق، لكن علاقات البلدين ازدادت توتراً، خاصة في فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، التي كانت مليئة بالصراع الطائفي في العراق، وباتت السعودية في موضع اتهام حكومته بأنّها تدعم الإرهاب وتغذي الطائفية.

ورغم التوتر الكبير بين الطرفين، فإن السعودية اضطرت إلى تعيين ثامر السبهان سفيراً مقيماً لها في بغداد، بعد مطالبات عراقية متكررة منذ عام 2003، بضرورة وجود سفير مقيم للمملكة، وهو ما وصفه مراقبون سياسيون بأنّه خطوة إيجابية ستعزز علاقات البلدين، وذلك ضمن توحيد الجهود لمحاربة تنظيم "الدولة"، الذي يسعى لاستهداف دول المنطقة من خلال هجماته المتكررة.

فتح السفارة السعودية في بغداد كان له الدور الأبرز في تطور العلاقات الثنائية بين الطرفين، على اعتبار أنّ ما يجمع الجانبين هو معركتهما مع "الإرهاب"، وتحديداً التنظيمات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، إضافة إلى أنّ ملف المعتقلين السعوديين في العراق يشكل أولوية مهمة بالنسبة للرياض؛ للحد من تدفق الشباب السعودي إلى الساحات الساخنة للانخراط في صفوف الجماعات المسلحة.

لكنّ نقطة التحول الحقيقية بدأت بالفعل لدى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى بغداد؛ في محاولة جديدة لتحسين علاقات البلدين، والتي تدخل في إطار رأب الصدع بين طرفين أساسيين في المنطقة، السعودية ذات الأغلبية "السنية"، والعراق الذي تصنف حكومته على أنّها تقع ضمن الوصاية "الإيرانية".

- نقطة تحول بين الطرفين بعد زيارة الجبير

ومن هنا، فإنّ زيارة الجبير للعراق تعدّ الأولى من نوعها منذ أكثر من ربع قرن على إغلاق السفارة السعودية إثر غزو القوات العراقية للكويت عام 1990، وعلى إثر ذلك فإنّ هذه الزيارة المفاجئة تحمل العديد من الدلالات والأبعاد المتعددة، والتي يرجّح كثير من المراقبين والمحللين السياسيين بأنّها فرصة لإعادة العراق إلى الحضن العربي، وإعادة العلاقات من جديد مع الجوار، إضافة إلى بناء تحالف قوي لمواجهة تنظيم "الدولة".

وأياً يكن الأمر فإنّ زيارة الجبير الأخيرة تحمل في طياتها الكثير من الأبعاد والأهداف التي تتماشى مع التغيرات السياسية المتسارعة في المنطقة، خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى سدة الحكم، ومساعيه لتغيير سياسة بلاده في منطقة الشرق الأوسط، فإدارته تختلف إلى حد بعيد عن سياسة الحكومة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما.

- بالتناغم مع زيارة محمد بن سلمان لواشنطن

وجاءت زيارة الجبير الأخيرة إلى العراق، التي اجتمع خلالها مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بعد اختتام ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، زيارته إلى لواشنطن، والتي شهدت توافقاً ورغبة مُلحّة في التعاون بين الجانبين على الأصعدة كافة، خاصة في ملفي "إيران والإرهاب" في المنطقة، وذلك لأجل الوصول إلى عدة تفاهمات لمواجهة كل التحديات التي تواجه الجانبين.

وهو ما يفسره البعض على أنّه ضوء أخضر من واشنطن، لأجل التحرك في خط متواز لإيقاف المساعي الإيرانية بتوسيع نفوذها في المنطقة، ما يعني أنّ إدارة ترامب الحالية عازمة بالفعل على إيقاف التدخلات الإيرانية المتزايدة في الدول العربية وعلى رأسها العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وفي هذا السياق يؤكدّ المحلل السياسي السعودي، عبد الرحمن الزهيان، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنّ "واشنطن كانت واضحة بشأن دور إيران في المنطقة وطموحاتها الإقليمية، منذ بداية تسلم ترامب دفة الإدارة الأمريكية، فهي تريد أن تكون المنطقة مستقرة وهادئة، بعد إدراكها أنّ إيران هي المحرك والمهدد الأساسي لأمنها وسلامتها".

ويشير إلى أنّ "الإدارة الأمريكية الجديدة ترى في طهران مهدداً للسلم والأمن الدولي؛ من خلال سعيها لامتلاك قنبلة نووية، ومن ثم تسعى واشنطن إلى غلق الطريق إلى هذه الاحتمالية".

أما الخبير في الشؤون الإيرانية، نوري حمزة، فيؤكدّ أنّ "هذه الزيارة تأتي للحد من التوتر النابع من تدخل إيران في تكوين السياسات العسكرية الديناميكية لدى المليشيات الشيعية التابعة لإيران، وفي المقابل كذلك، بات الطرف العراقي يتفهم أنّ العمق الاستراتيجي له هو الجغرافيا العربية، وما فيها من دول، مشدداً على أنّ العراقيين بدؤوا يتفهمون تدخلات إيران المستمرة وغير المسؤولة التي ستقود العراق إلى الدمار أكثر من اليوم، وهو ما يجعلهم يقرون بأنّ العودة إلى البيئة العربية هي الخيار الأفضل لهم".

- بُعد آخر للزيارة يتمثل في محاربة "داعش"

بطبيعة الحال، فإنّ الحرب على "الإرهاب"، وتحديداً التصدي لتنظيم "داعش"، يشكل أحد الأبعاد المهمة من وراء زيارة الجبير إلى العراق، حيث يرى الزهيان أنّ "الوقائع الحالية تكشف رغبة دولية في إطفاء بؤر التحارب والقلاقل في العراق وسوريا، وكذلك اليمن ولبنان، ابتداء بالقضاء على داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية"، مستبعداً أن يكون هناك ضغوط سياسة على حكومة العبادي بشأن محاربة "داعش"، ويعدها "رغبة تتقاطع معها جميع الأطراف بلا استثناء، وإنّما نجد جدية وحيوية سياسية أكبر وأنشط من الفترة السابقة".

وعلى أثر ذلك، فإنّ الزهيان يرى أنّ التقارب الجديد بين الرياض وبغداد، "يدخل في إطار محاربة داعش والقضاء عليها تماماً، بمجهود دولي وتحالف واسع، فالعراق يرغب في أن يكون قراره السياسي مستقلاً عن إيران وتأثيرها، وفي العودة إلى محيطه العربي، أي إنّهم اكتشفوا أنّ رابطة الدم هي أقوى من الرابطة الطائفية التي تستغلها إيران لمصلحتها فقط، وعلى حساب العراق والعرب".

أما نوري حمزة، فإنّه يرى أنّ "السعودية قرأت الأحداث في العراق، خاصة قضية تحرير الموصل من تنظيم داعش، ولكن بتأخير وبتأنٍّ وبطء".

ويضيف: "ولهذا حين قررت أن تعيد العلاقة مع بغداد نرى الاستعجال لحد ما في المواقف المعلنة من قبل وزير خارجيتها، حيث أكد بناء علاقات رصينة، وخاصة بين الرياض وبغداد، إضافة إلى أنّ الجبير وعد الحكومة العراقية بإسقاط الديون السابقة عن العراق، وفتح الطريق البري بين العراق والسعودية، وسعيها لاستحداث وفتح خط طيران يربط بين الرياض والعاصمة العراقية بغداد، ومدينة النجف، هذا يعني أنّ السعودية تريد أن تربط أمن الحدود الشمالية وتشاركه مع الجانب العراقي، وتضع العراق تحت مسؤوليات أمنية لتأمين أمنها، خاصة عقب انتشار تنظيم داعش بُعيد هزيمته في الموصل".

- لقطع الطريق على مصر

لكنّ البعض ذهب أيضاً إلى احتمال أكبر من ذلك، في أبعاد زيارة الجبير للعراق، واعتبرها تأتي أيضاً لقطع الطريق على المساعي السياسية الأخيرة للحكومة المصرية للتقارب مع الحكومة الإيرانية، وفتح علاقات سياسة تدخل ضمن إطار المصالح والتوازنات في المنطقة، على اعتبار أنّ مصر تسعى إلى إيجاد دور إقليمي، بعيداً عن التجاذبات السياسية بين طهران والرياض.

فالحكومة السعودية كانت قد انتقدت تصويت النظام المصري في مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الروسي حول الوضع في سوريا، خاصة أنها كانت تعقد الآمال على الجانب المصري بعد الدعم السياسي والمادي له، حيث وصف المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله المُعلمي، تصويت مندوب مصر لمشروع القرار الروسي، بـ"المؤلم".

لكنّ المحلل السعودي عبد الرحمن الزهيان، يؤكدّ أنّ مصر، حتى وإن كانت تسعى بالفعل إلى إيجاد دور إقليمي لها في المنطقة، "لا تملك المقومات السياسية أو الاقتصادية اللازمة للتأثير الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل أوضاعها المتردية في جميع الجوانب، إضافة إلى أنّ إيران لا تريد لحكومة سنية أن تشاركها في الهيمنة على المنطقة، حتى وإن أبدت مصر رغبتها في التقارب معها".

ويرى الزهيان أنّ مصر لن تؤثر في أي موقف تتخذه السعودية، سواء في الوقت الراهن أو المستقبل، "بسب محدودية المقومات السياسية أو الاقتصادية لها، والتي بطبيعة الحال تحتاج إلى تمويل ودعم مادي ضخم، وهذا لن توفره طهران كما تفعل السعودية ودول الخليج دون إملاءات وشروط تضمن الدعم السياسي غير المحدود من قبل القاهرة تجاه السياسات والأجندات الإيرانية في المنطقة".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع