هل يعيد ترامب رسم حدود الشرق الأوسط؟

                  

هشام منوّر- الخليج أونلاين:بينما كان الرئيس الأمريكي المثير للجدل، دونالد ترامب، يستقطب مزيداً من الخصوم والسجال حول سلوكه وقراراته داخل الولايات المتحدة، انتاب العديد من الدول "هلع" من امتداد آثار سياسته إلى بقية أصقاع العالم؛ خوفاً من أن تطولها عواقب التغيير الأمريكي.

الرئيس الأمريكي بدأ بإشاعة جو من التشاؤم الدولي بسبب مواقفه من بعض القضايا التي كانت الولايات المتحدة مضطلعة بها على الدوام خلال الإدارات السابقة، فالموقف من الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، والعلاقة مع المكسيك، وسياسته في الشرق الأوسط، ملفات أثارت العديد من التساؤلات حول تبعات هذه السياسة في المستقبل القريب.


- سياسة ترامب الشرق أوسطية

فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ما إن تسلم ترامب مقاليد الحكم حتى طلب من قيادات الجيش الأمريكي إعداد خطة جديدة للقضاء على تنظيم الدولة، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن ترامب ناقش مع كبار مساعديه قراراً جديداً بشأن الحرب على التنظيم، وبينت أن مسودة القرار تتضمن زيادة الاستخدام العسكري ضد التنظيم، من ضمنها الأسلحة الثقيلة، والطائرات، والمدفعية، والمروحيات المقاتلة.

وبحسب نيويورك تايمز، فالخطة التي يجري العمل على إعدادها حالياً يمكن أن تكون جاهزة خلال 30 يوماً، وهي تتحدث عن طرد تنظيم الدولة من الرقة والموصل، حيث يعمل كبار قادة القوات الأمريكية على إعداد الخطة، ومن المقرر أن يوقع ترامب قراراً لتنفيذها.

ويبدو أن الخطة الجديدة التي سيعتمدها ترامب ووزير دفاعه هي زيادة عدد القوات العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، والحصول على تفويض من البيت الأبيض لزيادة صلاحيات القادة الميدانيين في اتخاذ القرارات المناسبة.

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، معن طلاع، اعتبر في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين" أنه رغم "تحكم الثقافة الشخصية لدونالد ترامب في رؤيته لملفات المنطقة، معلياً المصلحة الأمريكية المباشرة، فإن اختبار قدرته على تنفيذ ما يطمح إليه سيكون من خلال مطواعية المؤسسات الأمريكية لتقبلها وتنفيذها، وهذا لا ينفك أيضاً عن الملفات الداخلية".

- ترامب وإيران

اندلاع الصراع مبكراً بين إدارة ترامب وإيران قد يكون من وجهة نظر كثير من المتابعين عاملاً مفسراً لحصول تغيير كبير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ففي حين تقلص النفوذ الأمريكي إبان ولاية أوباما لثماني سنوات في المنطقة، بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وما ترتب عليه من إطلاق يد طهران في ملفات المنطقة، يعتزم الرئيس الجديد العودة بقوة إلى المنطقة، ومواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد.

وفي هذا السياق يمكن قراءة تصريحاته حول استيلاء إيران المتزايد على العراق، ووصفها بالراعي الأكبر للإرهاب في العالم، وأخيراً فرض عقوبات اقتصادية على عشرات الشركات والشخصيات الإيرانية رداً على تجربة الصاروخ الباليستي.

ويؤكد طلاع هنا لـ"الخليج أونلاين" أن ترامب "يبدو أنه متفق مع الرؤية السياسية لمعظم دول المنطقة التي تعبث طهران بأمنها القومي، إلا أن مجابهة إيران ليست بالأمر السهل؛ فخطورة المشروع الإيراني أنه ينصهر في بنى الدول عبر عدة أدوات، أبرزها المليشيات المحلية، وشبكة تحالفات وارتباطات في بنى المؤسسات السيادية، وتمكين تيارات مجتمعية تعتنق المقولات السياسية الإيرانية.

- ترامب واليمن

في اليمن، قرر ترامب مواجهة النفوذ الإيراني عبر التقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي وقيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية هناك، فكان مضمون المكالمتين الهاتفيتين مع كل من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، تدور حول تعزيز الشراكة لمواجهة تنظيم القاعدة، وعرض فكرة إنشاء مناطق آمنة في اليمن، وهو ما أعلنه البيت الأبيض دون دول الخليج التي اكتفت بالحديث عن مناطق آمنة في سوريا وحدها.

- سوريا

في الملف السوري، وعلى الرغم من تصريحات ترامب حول استعداده للتحالف "مع الشيطان"، والقبول ببقاء الأسد في الحكم، مقابل محاربة الإرهاب كما يقول، وما يستتبع ذلك من التقارب مع موسكو لتحقيق هذه الأهداف، فإن رغبة ترامب بتحقيق "نصر" عسكري، والقضاء على تنظيم الدولة من جهة، ومواجهة النفوذ الإيراني في سوريا من جهة أخرى، واستعداده لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، "فواعل" قد تعني التمهيد لتقسيم سوريا، أو على الأقل القبول بإقامة نظام حكم فيدرالي تدير مناطقه الجهات المتصارعة، لإرضاء الحلفاء والخصوم على حد سواء، وتحديداً تركيا وروسيا.

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع، يؤكد في هذا السياق أنه فيما يتعلق بتأييد ترامب لإقامة مناطق آمنة في سوريا، أمر "نابع من إدراكه لإيجاد مخرج لموجات اللاجئين دون تحمل نفقاتها وتبعاتها، سواء الإدارية والأمنية أو المالية"، وهذا ذو آثار إيجابية على الملف الإنساني.

إلا أن الحديث عن تلك المناطق يصطدم بدور الـ PYD المهدد والمعطل لأي استقرار مجتمعي، والذي لا تزال دوائر عسكرية أمريكية تفضله على غيره كشريك بري لمحاربة الإرهاب، سيعزز من عدم امتلاك ترامب وفريقه أي استراتيجية متماسكة وشاملة، بحسب طلاع.

- العراق

العراق، الحليف التقليدي لواشنطن في الشرق الأوسط منذ غزوه عام 2003، يحظى بمزيد من الاهتمام لدى إدارة ترامب لعوامل مختلفة، فالنفط الذي يحتويه العراق والذي وعد ترامب بالاستيلاء عليه لتحصيل عائدات الغزو، وإسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين من جهة، ومواجهة النفوذ الإيراني المتغلغل في البلاد من جهة أخرى، عوامل تدفع ترامب إلى اتخاذ قرارات تدعم هاتين الغايتين، ما قد يبرر لاحقاً زيادة الدعم لحليفه الكردي في أربيل، والقبول باستقلاله عن بغداد لتسهيل مهمة الاستيلاء على النفط، وإضعاف الدولة المركزية في بغداد والنفوذ الإيراني لاحقاً.

- مخاوف إقليمية

المسعى الأمريكي الجديد لإحداث تغييرات "حقيقية" في خرائط الشرق الأوسط، وإعادة رسم حدوده، أثارت مخاوف العديد من دوله.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في مؤتمر صحفي عقده في مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول، قبيل مغادرته إلى تنزانيا قبل أيام، إن بلاده تدعم "شرق أوسط تُحترم سلامة أراضيه"، وتعارض بشدة تجزئته؛ لأن ذلك سيكون إهانة لشعوبه.

وأشار إلى أن ترامب أدلى بتصريحات عديدة، وأن بلاده تتابعها، مضيفاً: "لكن، ماذا سيكون موقف ترامب من الشرق الأوسط الذي يشتعل الآن؟"، وتابع: "حالياً، تصلنا بعض التصريحات المزعجة المتعلقة بالشرق الأوسط، لذا يجب أن نجلس ونقيّم كل ذلك".

أردوغان أكد أنه سيبحث ملف الشرق الأوسط بشكل مفصّل مع نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، خلال أول زيارة له إلى الولايات المتحدة.

وأضاف أن بلاده دولة محورية وهي أعظم قوى المنطقة، محذراً من "اتخاذ دول لا علاقة لها بالمنطقة قرارات تتعلق بالشرق الأوسط".

إعادة رسم الخرائط والعودة إلى أسلوب المواجهة المباشرة، بما يعنيه ذلك من إشاعة مزيد من الفوضى في الشرق الأوسط، توقعات قد تجد طريقها إلى التحقق بسبب سياسات الرئيس الأمريكي ترامب؛ فمحاولة الأخير الوفاء بوعده الانتخابي بجعل "أمريكا أقوى"، والتركيز على مصالحها "أولاً"، قد يولّد مزيداً من الحروب والنزاعات الإقليمية، مع تغيير خريطة التحالفات تارة، والعودة إلى تحالفات قديمة تارة أخرى، كان الرئيس السابق أوباما قد هجرها لاعتبارات استراتيجيته في المنطقة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

804 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع