حبوب 'النشوة' تقتل الشباب العراقي بلا حساب

                

                        لا للمخدرات.. نعم للحياة

الضياع عنوان كتبته الفوضى على الشباب العراقي بالبنط العريض، فانغمسوا في المخدرات بأنواعها الكيميائية والنباتية هربا من حالة نفسية متردية، فرضها واقع اقتصادي واجتماعي متردّ، فأصبحوا مدمنين يبحثون عن الاسترخاء والمتعة المزيفة، وهم يعلمون أن نهاية طريقهم الموت أو السجن إن لم يسارعوا إلى مراكز العلاج من السموم.

العرب/بغداد - فتحت سنة 2003 أبواب المخدرات على مصراعيها إثر انهيار الدولة وانتشار الفوضى والعصابات التي انطلقت تنشر سموم المخدرات بأصنافها الكيميائية والنباتية في صفوف الشباب من مختلف الشرائح، وتسبب انتشار هذه الآفة في هدم عماد المجتمع وتدمير مستقبل البلاد التي أنهكتها الحروب وفي تفاقم البطالة والفقر وعدم الاستقرار.

الصدفة دفعت بالبعض إلى إدمان حبوب الهلوسة التي تنوعت وانتشرت في المدن العراقية.

يقول الشاب عامر ابن التاسعة عشرة، “بدأت الحكاية عندما أعطاني أحد أصدقائي حبة من مادة الأرتين، وضعتها تحت لساني كما أشار عليّ بذلك، وبعد أن ذابت وأعطت مفعولها غمرتني سعادة وإحساس لم أشعر بهما من قبل، ومنذ ذلك الحين أصبحت أستهلك هذه الأقراص وأبحث عنها، فعندما لا أستهلكها ينتابني قلق وصداع، وأشعر بحالة عدائية تجاه الآخرين.. لم أستطع الاستغناء عنها، لأنها تنسيني همومي ومشكلاتي العائلية التي أعيشها مع أب وأم لا يعرفان إلا الخصام والمشاجرة والنكد”.

ومازال أحمد يتذكر أول ليلة تناول فيها حبوب الهلوسة في جلسة مع أصدقائه، فغاب عن الوعي ولم يصحُ إلا في اليوم التالي مع ألم في الرأس وغثيان ودوار.

لم تبق في ذاكرته من تلك التجربة إلا حالة من الراحة لا مثيل لها كما يقول، “شعرت حينها أني أحلق في السماء وكأن لي جناحي طائر عملاق، وعدت بعد يومين إلى المجلس نفسه، لكنني تعاطيت شيئا آخر يسمى الكوزة أو الأركيلة مع معسل مخلوط بمواد مخدرة كانت لها متعة ذات طابع مختلف، وبعد الانتهاء منها تناولت حبات متنوعة، ولم أشعر إلا كأنني في يوم جديد بإحساس جديد”.

هكذا بدأت رحلة الإدمان المبكرة لأحمد التي وصلت خلال ستة أشهر إلى تعاطي أنواع أكثر خطورة، منها الحشيش والأفيون، وهو اليوم لا يعرف حدّا لهذه المخدرات التي لم تبق له من الصحة ولا المال شيئا.
مدمن: تعاطي الأدوية المسكنة أثر بصورة سلبية على حالتي الصحية، عندما ساءت صحتي قررت الذهاب إلى مركز لعلاج المدمنين، من أجل الإقلاع عن هذه السلوك القاتل

المعاهد والجامعات

دخلت المخدرات أماكن عدة من بينها الجامعات والمعاهد والمدارس، وإذا كان عامر وأحمد دخلا عالم الإدمان من خلال مجاراة الأصدقاء، فإن قمر الشابة التي لم تتجاوز هي أيضا العشرين من العمر بدأت حكايتها مع هدية قدمها لها أحد أصدقائها حين أحست بصداع في رأسها من كثرة الضغوط الدراسية في الجامعة.

تقول قمر: “حين أحسست بصداع في فترة الامتحانات وأثناء مراجعة دروسي، قدّم لي صديق قرصا ورديا، وأصرّ على أن يقول إن هذه هدية لي، وحين تناولتها شعرت باسترخاء ورغبة في النوم، ومنذ ذلك الحين أصبحت أطلبها من صديقي الذي أصبح بدوره يطلب مقابل ما يسلمه لي، خاصة وأنني أصبحت أستهلك حبات عديدة في اليوم”.

وتصف قمر تأثير الحبوب المخدرة بأنها حبوب نشوة تمنح الإنسان شعورا بالسعادة، وتذكر أسماء شعبية لحبوب الهلوسة مثل: الوردية وأبوالصليب والسمائي والدموي وأبوالطرة والخاكي وأبوالحاجب.

وتقول قمر، إنها لا تجد في إدمانها على الحبوب حرجا، فهي ليست مخدرات بل هي نوع من الدواء الذي يشعرك بأحاسيس جميلة، مؤكدة على أنها لن تصل بها الحالة إلى استهلاك المخدرات القوية، لكن الأطباء يؤكدون أن الحبوب المسكنة في غالبها تُفقد القدرة على التركيز.

فاتن كانت فتاة جامعية قدمت من إحدى المدن الداخلية لمواصلة دراستها في بغداد أين تعرفت على شاب استغل حبها له، فجرّها إلى إدمان الحبوب المخدرة لتتطور إلى الحشيش، وعاشرها معاشرة الأزواج أشهرا عديدة ثم تركها لتبدأ رحلة البحث عمّا ينسيها مصيبتها فقررت عدم العودة إلى أهلها خوفا من افتضاح أمرها، ولم تعد تستطيع مواصلة دراستها لأنها أصبحت مفضوحة بين الطلبة.

وصف أحد ضحايا الحبوب المسكنة، يعمل في صيدلية ببغداد، حالته مع بداية الإدمان على المسكنات موضحا، “أصيب كتفي يوما ما بسبب أعمال منزلية، وشعرت بألم شديد آنذاك، مما اضطرّني إلى السهر لساعات طويلة. وانتهى بي المطاف إلى أخذ حقنة من مادة مسكنة للآلام؛ ترامال”.

وقال محمد سعيد (32عاما) “بدأت أتعاطى تلك الحقنة كلما شعرت بالألم، حتى تحوّل الأمر بعد مدة من علاج إلى إدمان”، مشيرا إلى أن “مجال عملي قد سهل عليّ تعاطي العقاقير المسكنة”.

ولفت سعيد إلى أن “الإدمان على تعاطي الأدوية المسكنة قد أثر بصورة سلبية على حالتي الصحية، وعندما ساءت صحتي قررت الذهاب إلى مركز لعلاج المدمنين، من أجل الإقلاع عن هذه الظاهرة”.
الجهود الأمنية لا تكفي للقضاء على الظاهرة

منذ سنتين اعتاد رضا على تناول المسكنات بسبب صداع دائم في الرأس كان يعاني منه، لكن تناوله المستمر لهذه المسكنات أغراه بتناول حبوب طبية أخرى مثل الترامادول التي يحصل عليها من الصيدليات والباعة المتجولين، حتى أصبح مدمنا لا يمكنه التخلص منها، ولم يكتف رضا بذلك بل أصبح تاجرا وسيطا لتصريف حبوب النشوة أو الهلوسة بين المستهلكين.

وبحسب رضا، فإن تجارة الحبوب المخدرة توازي اليوم تجارة المخدرات بل وتتفوق عليها، لا سيما وأنها سهلة التداول ولا تسبب أيّ مشكلة مثلما المخدرات، كما يمكن للشخص تناولها في أي مكان لأنها لا تثير الشكوك.

ويقول الأخصائيون، إن المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها بعض الأشخاص، تجعل منهم فريسة سهلة للإدمان، ومع تزايد المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في العراق زادت حالات الإدمان بين الشباب.

وتعدّ منطقة الميدان وسط بغداد المركز الأول لترويج المخدرات بين الشباب في العاصمة، كما يؤكد أمنيون، إن موجة ترويج المخدرات أخذت تتفاقم منذ سنين إلى درجة أن صارت محاصرتها صعبة، خصوصا وأن الأسعار التي تباع بها رخيصة إذ تجعل من هذه السموم في متناول الأطفال والمراهقين.

ومع انحسار الرقابة الأسرية على الأطفال والشباب، وغياب الرقابة الحكومية عن الشوارع والأسواق، فإن المهمة أصبحت صعبة جدا، لأن الفساد الإداري وغياب الأمن ومعضلات أخرى منحت الفرصة إلى تجار المخدرات والمروجين لاستغلالها.

ويضيف هؤلاء، أن منابع تهريب المخدرات مفتوحة ويبلغ معدل الداخل منها إلى العراق سنويا قرابة 3 أطنان للاستهلاك المحلي، نصفها من حبوب الهلوسة بأنواعها.

ويقول الباحث الاجتماعي موسى علوان، إن المقاهي الشعبية والساحات العامة تشهد ظاهرة بيع وترويج المخدرات، حيث تسهل عملية التعرف على المتعاطين والمدمنين.

ويشرح علوان، وجدت أن عددا كبيرا من الشباب يلجأون إلى طحن أنواع مختلفة من الحبوب المخدرة ومزجها في مشروب البيرة وشربها، وبذلك يحصلون على مخدر من نوع جديد.

قطاع الصحة متهم

كشف قضاة متخصصون عن تزايد خطير في ملفات المخدرات، فسلسلة تداول الحبوب المخدرة تبدأ بالمتعاطي وتنتهي إلى مافيات أو صيدليات أو أطباء أو مصابين بأمراض نفسية أحيانا.
وصفة قد تصرف لأكثر من مرة من صيدليات مختلفة

وقال القاضي مرتضى الغريباوي إن “بعض الممرضين الحاصلين على رخصة بممارسة المهنة يتخذون من عملهم وسيلة للمتاجرة بالأدوية ولا سيما تلك الممنوعة من التداول ولا يحق للصيدليات بيعها دون وصفة”.

ويضيف أن “بعض الأشخاص يعانون من أمراض نفسية مزمنة، فعند مراجعتهم الأطباء يكتبون لهم لائحة أدوية تكفي لأشهر، إلا أن بعضهم يقوم ببيعها لأن معظمها تدخل في خانة الأدوية المخدرة، فالكثير من المرضى يعتاشون على مرضهم”.

ويقول القاضي تركي هادي “ما يحدث أحيانا هو أن وصفة المصابين بالأمراض النفسية قد تصرف لأكثر من مرة من صيدليات مختلفة”.

وأضاف أن “هذه الآلية تؤدي إلى انتشار هذه الأدوية في الشارع من خلال إعادة بيعها من قبل حاملي هذه الوصفات”.

وفيما اقترح “تغيير هذه الآلية من خلال الاحتفاظ بالوصفة لدى الصيدلي”، طالب وزارة الصحة بـ”رقابة أكبر على الصيدليات التي تشغل أفرادا غير متخصصين بالمهنة”.

وأكد قاضي التحقيق حسين الحداوي أن “تعليمات وزارة الصحة عند صرف هذه الأدوية توجب احتفاظ الصيدليات بسجل يتم تدوين ما تم صرفه مع الاحتفاظ بنسخة من الوصفة مع التأشير عليها”، لكنه يتساءل عن مدى تطبيق هذه الآلية من قبل الصيدليات.

وكشف الحداوي أن “الواقع افرز الكثير من المخالفات فبعض الأطباء النفسانيين من ضعاف النفوس لا يتورعون عن كتابة الأدوية لأشخاص سليمين من أجل سعر وصفة، حتى أن أحد المروجين اعترف بأنه لا يعاني مرضا”.

وأفاد بأن هناك “طرقا عديدة لجلب هذه الأدوية فمنها ما يأتي عن طريق إيران بواسطة مافيات في البصرة أو بغداد، أو تنتشر من خلال بعض الصيدليات”.

ويقول قاضي التحقيق المتخصص بدعاوى المخدرات علي حسن كامل، إن “عدد قضايا المخدرات في عموم البلاد يشهد تزايدا من قبل جميع الجهات ذات العلاقة”.

واستطرد قائلا، “إنها مادة صناعية وليست زراعية يتم إعدادها قبل دخولها إلى العراق”، وفيما تحدث عن أن “التحقيقات القضائية توصلت إلى تجار يحاولون حاليا نقل التجربة إلى الداخل من خلال اطلاعهم على كيفية تكوين الكريستال”، كشف عن “معلومات مؤكدة تفيد بوجود معامل قيد الإنشاء ستخصص لهذا الغرض”.

ويعد الكريستال من أخطر الأنواع التي يتم تهريبها وتعاطيها، وهو الاسم المحلي لعقار الميثامفيتامين، إذ كان يجري تهريبه بكميات هائلة. أما في الوقت الحاضر فقد بات يصنّع محلياً بعد دخول الأدوات والمواد التي تدخل في صناعته.

وبحسب الأجهزة الأمنية المكلفة بالمخدرات، فإن استهلاك الكريستال يتضاعف عاما بعد عام، وربما يوما بعد آخر، بسبب العوامل الاقتصادية وآثارها النفسية على الشباب العاطل عن العمل بشكل خاص، وقلة الوعي في الأوساط الفقيرة التي يتم تسويق المخدرات فيها إضافة إلى انتشارها بين طلبة الجامعات والمعاهد وحتى المدارس.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع