لهذه الأسباب عاد إياد محمد إلى العراق بعد ١٠٠ يوم في ألمانيا

  

بعد ١٠٠ يوم بالضبط على مغادرة إياد محمد بلده مخاطرا بحياته عبر المتوسط للوصول الى المانيا قرر ان يحزم حقيبة الظهر التي جاء بها ويعود ادراجه الى العراق.

ايلاف /عبدالأله مجيد:أمضى إياد اقامته في المانيا حيث كان يحلم بأن يبدأ حياة افضل في مركز لايواء اللاجئين وسط غابة من اشجار الصنوبر والزان جنوب المانيا.  ولكنه لم يتحمل الاقامة وسط الغابة وتوجه الى اقرب مكتب للسفر متخصص بالرحلات الجوية الى اقليم كردستان حيث اشترى تذكرة رحلة مباشرة من برلين الى اربيل تمثل نهاية حلمه.  
إياد شاب في السابعة والعشرين ذو عينين حزينتين وصل الى المانيا مثل أي لاجئ آخر بسبب اعمال العنف والقتل في بلده.
 
ويروي إياد قصته مع اللجوء قائلا ان خبرة المئة يوم التي عاشها كانت درجات حرارة تزيد قليلا على الصفر وهطول الثلج في احيان كثيرة مع اشجار عارية.  وعموما رأى ان المانيا بلد لطيف وكان الالمان الذين يلتقيهم في الشارع يبتسمون له.  واعترف بأنه رأى الشعر الأشقر لأول مرة في حياته وخلص الى ان النساء الالمانيات ذوات لياقة بدنية عالية.  ولم يسمع قط بحزب البديل من اجل المانيا المعادي للاجئين.  
 
لم يدخل إياد في دردشة شخصية مع الماني طيلة الأيام المئة التي قضاها في المانيا.  وعندما كان يتحدث مع المان كان ذلك مع ضباط شرطة أو متطوعين لمساعدة اللاجئين أو اطباء وكان الحديث يدور حول اقامته أو مصرف جيبه أو أثر الرصاصة في بطنه.  واراد سائق سيارة اسعاف ان يدردش معه ذات مرة ولكن لم يكن هناك مترجم فاكتفى الرجلان بالابتسام لأحدهما الآخر.
 
منذ1 ايلول/سبتمبر الماضي عاد نحو 2000 عراقي بإرادتهم من المانيا مثل إياد.  ويعتقد العائدون الى العراق انهم يستطيعون ان يعيشوا في بلدهم حياة أفضل من المانيا رغم وقوع مناطق واسعة من العراق تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ورغم الفوضى في مناطق اخرى والفساد وتردي مستوى الخدمات وانقطاع الكهرباء وامكانية التعرض للاعتقال على الشبهة والتعذيب في السجن ودخل يقل سبع مرات عن دخل الفرد في المانيا.
 
وتحدث عراقيون في وكالات السفر في مطار برلين أو المكتب الرئيسي لشركة الخطوط الجوية العراقية في فرانكفورت عن اسباب مختلفة لرغبتهم في العودة.
 
احدهم يقول ان طفله مريض ولا يريده ان يموت في بلاد الغربة بل في العراق.  وآخر يقول ان السوريين دائما لهم الأولوية وانه انتظر نصف سنة الى ان نفد صبره.  وآخر يقول ان والده أُصيب برصاصة في كتفه ويجب ان يعود اليه.  وآخر يقول "في العراق حتى الحمار لا يقدمون له الغذاء الذي يُقدم هنا" للاجئين.  آخر يقول "ان الالمان لا يفعلون ما يكفي لنا".
 
إياد محمد لا يعترض على المطبخ الالماني لأنه اصلا لا يأكل كثيرا بسبب مشاكل في جهازه الهضمي بعد اصابته برصاصة اطلقها احد مقاتلي داعش فاخترقت بطنه ومزقت احشاءه وبعض الأعصاب في بطنه وخرجت من ظهره.  كان اثر دخول الرصاصة وخروجها ظاهرا في بطن إياد وظهره.  
 
قال اياد لمجلة شبيغل الالمانية انه تطوع للقتال مع قوات البشمركة الكردية في صيف 2014 لأنه أراد ان يسهم في وقف تقدم داعش.  وتدرب على السلاح قبل نقله الى احد المواقع:  وخلال هجوم شنه مقاتلو داعش في ليلة ممطرة أُصيب اياد في بطنه.  وزحف في الأوحال على كوعيه ثلاث ساعات وحين استيقظ وجد نفسه في مستشفى.
 
أخبره الأطباء في اربيل انهم لا يستطيعون مساعدته.  فجمعت عائلته ما يكفي من المال لارساله الى اخصائيين في ايران ولكنهم اخبروه انهم لا يستطيعون شيئا.  لذا نقلته عائلته الى الهند حيث أُجريت له عملية جعلت الخدر الذي يشعر به في قدميه اسوأ من السابق.
 
بعد ذلك قال له الأطباء الأكراد انه إذا كان هناك احد يستطيع ان يساعده فهم الأطباء الالمان.  وهكذا قرر الهجرة الى المانيا بعد ان سمع ان المستشارة انغيلا ميركل ترحب بكل من قاتل داعش ورأى كتابات اصدقاء على فايسبوك تقول ان اللاجئ في المانيا يتلقى المال ويحصل على شقة.   
 
عدا اصابة إياد في بطنه كان يحب الحياة في العراق.  كان يلعب الكرة مع اصدقائه.  كان يعيش في بيت اهله حيث كان مرتاحا والغذاء لذيذ ويشرب الشاي في مقاهي اربيل وهي مدينة سكانها نصف مليون توجد فيها حدائق وناد كروي يلعب في الدوري العراقي الممتاز. ولكنه كان يعتقد ان الحياة في المانيا أفضل.  
 
جمع  إياد ما ادخره من العمل سائق سيارة تكسي وما اقترضه اهله من الأصدقاء لدفع 2000 دولار الى المهربين من أجل إيصاله الى المانيا عن طريق تركيا ثم  الى اليونان عبر بحر ايجه.  وعندما تعطل محرك الزورق الذي كان ينقله مع لاجئين آخرين واخذ الزورق يهتز يعنف وسط الأمواج العاتية قال اياد انه ليس متدينا ولكنه قرأ الشهادة قبل ان يموت.  ثم ظهر قارب لخفر السواحل اليوناني انقذهم من الغرق.  وبعد رحلة استمرت 15 يوما وصل إياد محمد الى المانيا حيث اصبح واحدا من 1.1 مليون لاجئ سُجلوا هناك العام الماضي.
 
نُقل إياد الى مركز للاجئين في مدينة هايدلبيرغ التي أحبها.  ثم نُقل الى مركز آخر في غابة قرب بلدة آمشتيتن.  وكان المبنى معزولا حتى انه إذا صرخ المرء وسط الغابة لا يسمعه أحد.  ولقتل الوقت كان اياد ينام كثيرا واحيانا يزور السوبرماركت في اقرب قرية لشراء شيء ما.  وبقي أياد على اتصال مع عائلته واصدقائه في كردستان.  وكان هاتفه الخلوي حياته في العزلة.  
 
راجع اياد طبيبين يفحصان اللاجئين قالا له ان اصابته قديمة ومن الصعب علاجها.  ولم يتمكن من الوصول الى اخصائيين بعلاج هذا النوع من الجروح.  وقال انه كان يأمل بأن يساعده الالمان في ذلك.  ولكن بلا جدوى.  
 
وصرح إياد لمجلة شبيغل قائلا "ان انغيلا ميركل خيبت أملي.  كنت احتاج الى عملية وظننت أني سأجد فرصة عمل.  كنتُ اُريد ان أعمل ولكنني لم استطع الحصول على عمل".  
 
لم يتعلم اياد في مركز اللاجئين إلا القليل من اللغة الالمانية لا يكفي للعمل خاصة وان الشيء الوحيد الذي يعرفه هو ان يعمل سائق سيارة تكسي.  وإزاء انعدام فرص العمل في المانيا قرر أياد العودة الى العراق مع صديق كردي آخر اسمه عثمان أُصيبت زوجته مؤخرا بجلطة وحفر وشماً على أصابع يده اليسرى بالأحرف الأولى لأسماء اطفاله.
 
في يوم العودة حمل إياد حقيبة الظهر التي وضع فيها الأشعة التي تصور اصابته وثلاثة ازواج من الجوارب وثلاث كنزات شتائية وبعض الملابس الداخلية.  وبذلك يعود الى العراق بالمتعلقات نفسها التي وصل بها الى المانيا مع اضافة واحدة هي علبتان من مليّن الأمعاء.  وكان تسعة لاجئين عراقيين آخرين ينتظرون في مكتب السفر لانجاز اوراق العودة ايضا.  
 
سأل اياد احدهم لماذا قرر العودة فأجاب ان الالمان "لم يفعلوا لي أي شيء".  وحين سأله اياد الى أين عائد اجابه الى بغداد.  وقال اياد ان بغداد ليست مدينة آمنة.  فرد عليه العائد الآخر بالقول "ولكن هناك اشخاصا معقولين فيها".  
 
حمل إياد محمد في جيبه وثيقة حصل عليها من السفارة العراقية وقد طُبعت عليها عبارة تقول رحلة في طريق واحد.  
 
استغرقت رحلة إياد الى المانيا 15 يوما محفوفة بالأخطار وكلفته 2000 دولار.  وكلفت رحلة العودة الى العراق 295 يورو واستغرقت خمس ساعات كانت المضيفة التي تبدو كأنها عارضة أزياء تقدم خلالها الدجاج أو لحم الضأن الى المسافرين.  
 
امضى إياد وقت الرحلة كله تقريبا في النظر من النافذة حتى بعد ان غابت الشمس ولم يعد هناك إلا الظلام خارج النافذة.
 
قال إياد انه يتفهم ان المانيا لا تستطيع ان تفعل كل شيء لكل لاجئ يدخلها. وأكد انه لم يذهب من اجل المساعدات المالية والسكن بل بسبب الاصابة في بطنه.  وأعلن إياد لمجلة شبيغل "أنا باسم كردستان كلها أشكر المانيا على ارسالها الينا صواريخ ميلان التي دمرت دبابات داعش.  ولكن إذا قاتلتُ في الحرب لماذا لا تساعدونني عندما أُصاب في هذه الحرب؟".
 
وصلت الطائرة الى اربيل في الساعة العاشرة مساء.  وحين دخل إياد منطقة تفتيش الجوازات قال بهدوء "ان عائلتي كلها تنتظر هناك".   
 
عاد إياد محمد الى اهله. ولكنه لا يبدو سعيدا بل يبدو منهكا ومريضا.  قال انه يريد ان يعود الى العمل سائق سيارة تكسي ويذهب في نزهات مع اصدقائه خارج المدينة حيث تنمو اشجار الرمان.  وسيعود الى حياته التي كان يعيشها قبل ان يغادر الى المانيا ، باستثناء الديون التي تراكمت عليه وعلى عائلته ويتعين تسديها الآن.
 
لم يتمكن إياد من تحقيق حلمه بالشفاء وايجاد فرصة عمل وشقة يسكنها في المانيا لأنه لم يتعلم الالمانية ولأن صبره نفد بعد 100 يوم. وعاد بدافع الحنين الى الوطن والأهل.
 
ذات مساء في اربيل اخرج أياد محمد قطعة نقدية فئة 20 سنتا وقال انه احتفظ بها للذكرى من المانيا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع