صفحات مطوية من حياة صالح جبـر/ ١٩٠٠ -١٩٥٧

      

   صفحات مطوية من حياة صالح جبـر/ ١٩٠٠ -١٩٥٧

    

      

          

ولد صالح جبر عام 1900 في مدينة الناصرية جنوب بغداد وتوفي في 6حزيران 1957، كانت حياته مليئة بالاحداث الجسام، والتي ارتبطت معظمها باسمه . فقد شغل مناصب هامة في الدولة العراقية من متصرف – محافظ - ثم وزيرا وعضوا في مجلس النواب والاعيان ثم رئيسا للوزراء.

      

اعرب الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق، عن رغبته في ان يكافىء صالح جبر على الخدمات التي اسداها جبر للوصي اثناء هربه من بغداد والتجائه الى البصرة، في اوائل نيسان 1941 عقب حركة رشيد عالي الكيلاني ، وذلك بان يسند اليه منصب رئيس الديوان الملكي الذي شغر بسفر عبد القادر الكيلاني الى ايران. فلما عرضت هذه الرغبة على مجلس الوزراء، قال وزير المالية ابراهيم كمال ان منصب رئيس الديوان الملكي لا يختلف عن اي منصب اخر، وانه غير مستعد للتعاون مع وزارة يكون فيها صالح جبر احد اعضائها، فاختير عباس مهدي رئيسا للديوان. ابراهيم كمال هذا حينما استدعاه الامير عبد الاله وطلب منه تشكيل حكومة جديدة فاتح صالح جبر للدخول في وزارته المرتقبة. والغريب ان صالح جبر وافق على الاشتراك في وزارة ابراهيم كمال مع ان صالح جبر كان قد استقال من وزارة نوري السعيد الرابعة احتجاجا على عدم معاقبة ابراهيم كمال في قضية اغتيال رستم حيدر،

    

وذلك حسب ما يقوله طه الهاشمي في مذكراته . واتضح لابراهيم كمال ان التكليف الوزاري لا يعدو كونه اضغاث احلام. ثم اعرب الوصي بعد ايام عن رغبته في ان يعين صالح جبر مديرا عاما للجمارك والمكوس ، فلم يقر وزير المالية هذه الرغبة ايضا على الرغم من اعترافه بكفاءة صالح جبر ونزاهته .

         

وفي وزارة نوري السعيد السابعة في 8/10/1942 اصبح صالح جبر وزيرا للمالية، على اساس انه من الضروري وجود شخصية قوية في وزارة المالية،
حينما استقالت حكومة نوري السعيد يوم 11اذار/مارس 1947، عهد الوصي عبد الاله الى صالح جبر تشكيل وزارة جديدة
وقد اختار صالح جبر زملاءه من الوزراء السابقين كان الدكتور ضياء جعفر ضمن الوزارة لاول مرة وجاءت التشكيلة على الشكل التالي:
1- صالح جبر رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية بالوكالة
2- يوسف غنيمة وزيرا للمالية
3- فاضل الجمالي وزيرا للخارجية
4- جمال بابان وزيرا للعدلية ووكيلا لوزارة الاقتصاد
5- عبد الاله حافظ وزيرا للتموين
6- ضياء جعفر وزيرا للمواصلات والاشغال
7- جميل عبد الوهاب وزيرا للشؤون الاجتماعية
8- شاكر الوادي وزيرا للدفاع
9- توفيق وهبي وزيرا للمعارف

وفي مجلس الوزراء قدم صالح جبر يوم 10/نيسان/1947 منهاج وزارته بعد ان القى كلمة في الجلسة.
وقد واجهت حكومة صالح جبر ثلاث مشكلات حادة وخطيرة داخليا وعربيا ودوليا.
المشكلة الاولى : الازمة الاقتصادية

من المصادفات الغريبة ،ان يشهد العراق خلال سنتي 1946 و1947 حالة الانحباس المطري فشحت المياه، مما اثر تاثيرا كبيرا على انتاج العراق من محصولي الحنطة والشعير، فالقت بظلالها واثارها على برنامج حكومة صالح جبر، التي كانت تخطط لرفع مستوى المواطن اقتصاديا، فشحت في السوق المحلية مادة الدقيق، وارتفع سعر رغيف الخبز والصمون،. كما ان سنتي 1946و1947 كانت اسوأ سنة يشهدها العراق في تاريخه الحديث، فقد قلّت المياه وانتشر الجراد، ومنيت المزروعات باضرار كبيرة ومنوعة، . ، فشهدت المخابز والافران في بغداد زحاما شديدا، حيث اخذ المواطنون يقفون طوابير طويلة من اجل الحصول على رغيف الخبز .

المشكلة الثانية – القضية الفلسطينية

كانت القضية الفلسطينية من اكثر الهموم التي كانت تشغل بال صالح جبر، بعد الهموم العراقية باعتبارها قضية العرب الاولى، وكان ضد قرار تقسيمها، وضد هجرة اليهود اليها . ففي ايام وزارة صالح جبر، كانت القضية الفلسطينية في طريقها الى مقصلة الاعدام، فبذلت وزارته اقصى الجهود لتوحيد صفوف العرب، والمطالبة بحقهم في هذا الجزء من وطنهم، والاحتجاج على تدخل الامريكان في هذه القضية، وتنظيم الاضرابات والاحتجاجات، على هذه المظالم..
ففي 16 اذار 1946 وصلت الى بغداد بعثة بريطانية – امريكية مشتركة، لتقصي الحقائق عن القضية الفلسطينية برئاسة السرجون (سنكلتن) وعضوية (بكتن) صاحب جريدة بوستن هيرالد الامريكية والمستر (تسنكهامبور) العضو المحافظ في البرلمان البريطاني والوزير السابق في وزارة تشرشل، يرافقهم سكرتير اللجنة الموظف في الخارجية البريطانية والدكتور( هنس) الطبيب المرافق للجنة . واجرت اتصالات ومحادثات مع العديد من الشخصيات العراقية السياسية والدينية والثقافية، امثال حمدي الباجه جي وارشد العمري ومولود مخلص وسلمان الشيخ علي وعبد الكريم الازري وكامل الجادرجي ومحمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي كبة والشيخ قاسم القيسي والحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفة اليهودية في العراق .
وقد اتسمت محادثات هؤلاء مع اللجنة بالقوة والصراحة والاخلاص والاتزان، مما جعل اعضاء اللجنة يعربون عن ارتياحهم التام لما لاقوه في العراق .
كما قابلت اللجنة الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق انذاك، ثم غادرت اللجنة العراق يوم 18 /3 متوجهة الى العاصمة السعودية الرياض، ومنها عادت وقدمت تقريرها الى الجهات البريطانية والامريكية، الذي تضمن كثيرا من المغالطات وتشويه الحقائق وتزوير الافادات التي ادلى بها اصحابها، فقد اوصى تقرير اللجنة بالسماح لمئة الف يهودي بدخول فلسطين فورا، مما جعل الباب مفتوحا امام هجرات متتالية لم تتوقف حتى الان . كما تضمن التقرير توصية برفع القيود عن بيع املاك العرب الى اليهود، اضافة الى توصيات اخرى . مما دفع وزارة الخارجية العراقية، ان تصدر بلاغا في 19/3 وصفت فيه ما جاء في التقرير بانه لايقره ضمير ولا تستسيغها الا شريعة الغاب.

             

وفي 6 ايار، عقد مجلس النواب العراقي جلسة برئاسة توفيق السويدي ، استعرض خلالها توصيات اللجنة والمظالم التي تنتاب العرب من جراء تنفيذ هذه التوصيات، كما دانت الاحزاب السياسية القائمة في العراق توصيات اللجنة، ودعت الى اضراب شامل يوم 10 ايار، تعبيرا عن سخط العراقيين حكومة وشعبا على التصرف الانكلو – امريكي .
كما احتج االبلاط الملكي على ما جاء في توصيات اللجنة المذكورة، وكذلك الحكومة العراقية التي قدمت مذكرة احتجاج الى السفارة البريطانية في بغداد، احتجت فيها احتجاجا شديدا على ما جاء في توصيات لجنة التحقيق، ووصفته بانه مضر ومنتقص من حقوق عرب فلسطين الطبيعية في بلادهم، واكدت الحكومة العراقية في مذكرتها، مدى التاثير الصهيوني في سياسة الولايات المتحدة حول قضية فلسطين، وجاء في مذكرة الاحتجاج ان اللجنة في توصياتها، التي تقول ان اهالي فلسطين الشرعيين يرحبون بعدد جديد من اليهود، بانه تغاض مطلق عن وجهة نظر العرب، وحقوقهم الطبيعية في بلادهم .
وقالت ان توصية اللجنة بادخال مئة الف يهودي ما هو الا اعتداء صريح على حقوق العرب، وتحد لكل المبادىء الانسانية والتعهدات الدولية، التي قطعت لهم، كما انه يشكل خطرا ليس على عرب فلسطين وحدهم، بل على بلاد الشرق الاوسط ،الذي سيؤدي الى اراقة الدماء، وتعكير الامن والاستقرار في هذا الجزء من العالم .
وافادت المذكرة، ان الحكومة العراقية تعتبر الحكومة البريطانية، بوصفها منتدبة وحدها مسؤولة شرعيا وادبيا عما يحدث، وسيحدث في فلسطين والبلاد العربية الاخرى . ومن جانبها دعت الحكومة العراقية، الجامعة العربية الى ايفاد ممثليها الى لندن وفق شروط منها، ان لا تقبل ان تتفاوض مع اليهود، ولا تعترف باي حق للهيئة الصهيونية العالمية في فلسطين،
كما اعتبرت حكومة صالح جبر، الحكومة الامريكية متطفلة على الموضوع ومتجنية على العرب وفلسطين . وقالت ( ... ولذلك فليس في وسع الحكومة العراقية ان توافق على اعتبار الحكومة الامريكية طرفا ثالثا في الموضوع) .
كما استنكرت حكومة جبر، الاقتراح القائل بتعويض عرب فلسطين بملايين الدولارات، بعد قبول الاقتراح بتقسيم بلادهم . كذلك استنكرت تقديم القروض للدول العربية، اسكاتا لهم . واكدت حكومة جبر قائلة ( اذ ليس هناك من يسكت عن المطالبة بحق العرب الصريح).

    

  شيوخ العشائر تقيم حفل تكريم لصالح جبر واعضاء حزبه حزب الامة

وحينما ارتأى رؤوساء القبائل العراقية، ان يعقدوا مؤتمرا خاصا بهم، في احدى المدن العراقية لمعالجة قضية فلسطين، بعد تشجيع صالح جبر لهذه الفكرة، بل ربما هو الذي اوعز بها كما قيل في حينه، وبذل في سبيلها الشيء الكثير، حيث سمح بعقد المؤتمر في ساحة حامية الحلة العسكرية وحضره هو بنفسه في 22/10/1947 والقى كلمة قال فيها ( انه بوسع القبائل العراقية ان تجنّد نصف مليون من رجالها للقتال في فلسطين ).
وقد تم تبليغ قرارات المؤتمر هذا، الى سكرتارية هيئة الامم المتحدة ،ومجلس الامن الدولي، والامانة العامة لجامعة الدول العربية، والحكومات البريطانية والامريكية والسوفييتية والفرنسية والحكومات العربية .
وحينما عقدت هيئة الامم المتحدة دورتها الثانية في 29/11/1947 ،كانت قضية فلسطين من جملة القضايا المدرجة في جدول اعمال هذه الدورة، بعد ان انجزت لجنة تقصي الحقائق الانكلو – امريكية اعمالها، وقدمت تقريرها النهائي، فاذا به يوصي بتقسيم فلسطين الى منطقتين عربية ويهودية، واذا بممثل الولايات المتحدة في هيئة الامم، يؤيد مشروع التقسيم، تاييدا صريحا ويبذل مسعاه لحمل الاخرين على ذلك .
وضمن اهتمامات صالح جبر بالقضية الفلسطينية، فقد شارك جلسات جامعة الدول العربية التي عقدت في بلودان بسوريا في حزيران 1946 تقرر خلالها، ان تقوم الحكومات العربية وشعوبها بجمع التبرعات والاعانات اللازمة للدفاع عن فلسطين، ولانقاذ ابنائها المعوزين .
كما قررت اجتماعات بلودان، دعوة بريطانيا للدخول في مفاوضات مع العرب لانهاء الوضع الراهن في فلسطين، وبالفعل فقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك ودعت جامعة الدول العربية للتفاوض معها في لندن .

      

          صوفر هي مدينة لبنانية تقع في قضاء عاليه 

كما شارك صالح جبر في جلسات جامعة الدول العربية في صوفر بلبنان في منتصف ايلول/سبتمبر 1947 كما دعا جبر رؤساء بعض الحكومات العربية، للاتفاق على عقد اجتماع ا في صوفر بلبنان يوم 16 ايلول/سبتمبر 1947 .
1- وتقرر في اجتماع صوفر، ان تدفع دول الجامعة العربية مليون جنيه لمساعدة فلسطين بنسبة حصة كل دولة في الجامعة .

                               


صالح جبر وانقلاب بكر صدقي

شغل صالح جبر وزيرا للعدلية في حكومة حكمة سليمان التي جاء بها انقلاب بكر صدقي بعد ان كان جبر يشغل منصب متصرف – محافظ – كربلاء .
ونقلا عن المؤرخ عبد الرزاق الحسني يقول :

ان صالح جبر اخبره ،انه تلقى اشارة من بغداد بعد ظهر يوم الخميس 29/10 /1936 وهو يوم انقلاب بكر صدقي، تنبىء عن رغبة حكمة سليمان بالدخول في الوزارة التي هو سائر الى تأليفها، فاعتذر عن ذلك فلم يقبل له عذرا فاصر على الاعتذار، فلم يكن من حكمة الا ان القى السماعة من يده وكلفه بالتوجه الى بغداد فورا .
ويضيف جبر نقلا عن الحسني الذي التقاه يوم 25 مايس /ايار 1939 في ديوانه قائلا ( لما وصلت الى بغداد من كربلاء عصر يوم الخميس 29/10/1936 ..

       

وفهمت كل ما جرى قمت بزيارة المرحوم ياسين الهاشمي في داره، وعرضت عليه فكرة اشتراكي في الوزارة الجديدة، فاشار علي بضرورة قبول التكليف. فلما ابديت ما لدي من اعذار تحول دون ذلك ،اجابني لابد من اشتراكك معهم وستساعدنا مساعدة نذكرها لك ، فانك ستخفف من غلوائهم وتحول دون فتكهم بنا فان القوم مصممون على التعرض لحياتنا .
استقالة صالح جبر
كانت جماعة من التقدميين، تعرف بجماعة الاهالي قد الّفت جمعية سرية في بغداد قبل انقلاب بكر صدقي..

                   

وانضم اليها رجال بارزون امثال محمد جعفر ابو التمن وحكمة سليمان ، كما انضم اليها قبل الحركة الفريق بكر صدقي .

ولما قامت حركة بكر صدقي وانخرط لفيف من الاهالي في سلك حكومته ، ولكن سرعان ما ظهر لهم ان الفريق بكر كان ضد كل حركة تقدمية . فقد وقعت بعض الحوادث السيئة في عهد الانقلاب ، مما دعا الجادرجي الذي شغل وزارة الاقتصاد والمواصلات ومحمد جعفر ابو التمن وزير المالية، اللذان قررا الاستقالة وايدهما زميلهما يوسف عز الدين الناصري وزير المعارف ، ثم رأوا من المناسب ان يعرضوا الامر على صالح جبر وزير العدلية وطلبوا منه ما استقر عليه رأيهم، فوافقهم وكتب الاستقالة ووقعها الوزراء الاربعة وقدموها مشتركا في 26/5/1937 وذلك بعد ان استمر تدخل بكر صدقي في امور الدولة صغيرها وكبيرها .

    


صالح جبر وعبد القادر السنوي

عبد القادر السنوي شخصية قانونية لامعة، تقلد مناصب القضاء عدة سنوات، وكان مظهرا من مظاهر العدل في احكامه . عرضت عليه قضية تقاعدية لمحمود جودت ، احد الضباط الاكراد، ويبدو ان السنوي كان قد وجه الى محمود جودت اثناء المرافعة اسئلة لم تعجب محمود فلما كان اليوم التالي 26/مايس /ايار 1937 اطلق محمود جودت النار على السنوي فارداه قتيلا . وقد القي القبض على المتهم محمود وقدم الى المحكمة، التي اصدرت بعد ثلاثة ايام حكما بالاعدام شنقا حتى الموت . واراد صالح جبر بوصفه وزيرا للعدلية، ان ينفذ هذا الحكم حسب الاصول، ولكن نفوذ بكر صدقي الطاغي حال دون ذلك، وادعى بان القاتل مصاب بالجنون . مما اضطر صالح جبر الى تقديم استقالته مصرا على تنفيذ حكم الاعدام . الا انه حينما قتل بكر صدقي يوم 11آب 1937 وجاءت وزارة جميل المدفعي، قدم القاتل الى المحكمة من جديد فاصدرت قرارها في 21 ايلول/سبتمبر باعدامه شنقا ونفذ صباح يوم 20تشرين الثاني/نوفمبر 1937.


المشكلة الثالثة والخطيرة- معاهدة بورتسموث

كان العمل على تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية الموقعة في 30 حزيران 1930 ضمن تفكير صالح جبر، ولما تقلّد الوزارة كانت مسألة التعديل ضمن المنهاج الوزاري، الذي قدمته حكومة صالح جبر، وذلك على اساس ضمان المصالح المتبادلة بين الند والند، وعلى ضوء مبادىء ونصوص ميثاق هيئة الامم المتحدة ،وتعزيزا للصداقة التقليدية القائمة بين العراق وبريطانيا، كما جاء في المنهاج الوزاري . وجرت اتصالات بينه وبين الحكومة البريطانية، أدت الى موافقتها على اجراء محادثات لتعديلها، على الرغم من انها لاتستوفي أجلها الا في عام 1955.
وبالفعل فقد شرعت حكومة صالح جبر في المفاوضات ، وتألف وفدان احدهما عراقي مؤلفا من رئيس الوزراء صالح جبر ووزير الدفاع شاكر الوادي ورئيس اركان الجيش صالح صائب الجبوري . اما الوفد الاخر البريطاني فقد تألف من مارشال الجو( السربريان بيكر والبركادير كرتس )ونائب مارشال الجو (كراي والمستر بسك والميجر جنرال رنتن وميجر برتوك) ، الذين وصلوا الى بغداد واجروا مفاوضات استمرت للفترة من 8 – 17 ايار 1947 خاطب صالح جبر الوفد البريطاني خلال المفاوضات قائلا (منذ عام 1936 اخذ الانطباع يزداد في نفوس افراد الجيش ، بل يزداد في الحقيقة بين جميع طبقات الشعب، وهو ان بريطانيا العظمى كانت تتعمد ابقاء الجيش العراقي ضعيفا، فكان هذا احد الاسباب الكبرى لمعاداة بريطانيا والانقلاب الذي حدث في عام 1941، وان كان هذا خطأ، ولكن هذا الانطباع لايزال مستمرا حتى صار خطرا على الدوام على الصداقة بين البلدين، ولا يمكن ازالته الا اذا تقدمت بريطانيا العظمى لمساعدة هذا البلد لا بالاقوال بل بالافعال . وقال انه رئيس الوزراء وبوصفه وزيرا للداخلية يستطيع كبح جماح اعداء بريطانيا ولكن ذلك يكون مجرد تدبير وقتي .
هذا وقد توقفت المفاوضات وتأجلت الى اجل غير مسمى ، دون الاعلان عن التوصل الى اي نتائج تذكر . لكن حينما قرر الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله السفر الى لندن في منتصف تموز/يوليو 1947، اقترح عليه رئيس الوزراء صالح جبر، ان يفاتح وزير الخارجية البريطانية المستر بيفن، بضرورة استئناف المفاوضات التي توقفت في بغداد، واقترح ايضا ان تكون المفاوضات اثناء عطلة مجلس الامة العراقي ، ليتمكن صالح جبر بصفته رئيسا للوزراء من عرضها على مجلس الامة عند افتتاحه . وبالفعل ابدى الامير عبد الاله اهتماما بالموضوع وفاتح بيفن بذلك، وبعث الى صالح جبر بكتاب اطلعه فيه على ما تم خلال لقائه مع الوزير البريطاني جاء فيه( واجهت المستر بيفن وزير الخارجية البريطانية، مواجهة قصيرة وتباحثنا بصورة مبدئية عن المعاهدة، وقد ابدى رغبة في ان يجري البحث خلال وجودي في لندن )
واضاف الامير عبد الاله ( لقد لاحظت في هذا الاجتماع ، وجود رغبة لحل القضية واجراء المفاوضات قبل موعد اجتماع مجلس الامة العراقي، وان بيفن قال بالحرف الواحد نحن مستعدون لعقد اتفاقية اي معاهدة شريفة طويلة الامد . الا انه رغب ان يطلع منذ الان على مطاليبنا بصورة تمهيدية . واقترح ان تأتي الى لندن خلال الاسبوع الاول من تشرين الاول وتبدأ باذن الله بالمفاوضات مع بيفن خلال الاسبوع الثاني او الثالث من الشهر المذكور )
وفي 4 تشرين الاول /اكتوبر 1947 سافر صالح جبر الى لبنان لحضور اجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية هناك . وفي بيروت استلم صالح جبر برقية من الامير عبد الاله قال فيها انه اثناء المذاكرة مع بيفن ومعاون وزير الخارجية للشرق الاوسط حول تعديل المعاهدة والغاء القواعد الجوية البريطانية في العراق، ظهر ان لديهم مقترحات بهذا الخصوص ، فقد طلب بيفن التريث في اخباركم بمقترحاته حتى يتم تأييدها من رؤوساء اركان القوات المحاربة ومجلس الوزراء البريطاني .
كما تلقى جبر برقية ثانية من الامير عبد الاله، ذكر فيها انه قابل بيفن واكد له عدم الغاء القواعد نهائيا، وابقاء مطاري الحبانية والشعيبة تحت سيطرتهم، كما اكد بيفن اشتراك العراقيين والبريطانيين في استعمال واشغال المطارين في وقت واحد، وقال بيفن اننا لا نرغب في البقاء في المطارين للسيطرة عليكم، ولكن نرغب بالبقاء للدفاع عنكم وعن انفسنا في وقت واحد .
وقد رد صالح جبر على برقية الامير عبد الاله قائلا(تعلمون ان المباحثات التي اجريناها مع البعثة العسكرية البريطانية في شهر مايس / ايارالماضي، كانت تدور حول ضرورة تخلي الحكومة البريطانية عن مطاري الحبانية والشعيبة، وضرورة تسليمها الى السلطات العسكرية العراقية، على ان تقوم هذه السلطات بصيانتها وجعلها صالحة للاستعمال في جميع الاوقات . ولهذا ارى ما بيّنه المستر بيفن لسموكم، من ضرورة الاحتفاظ بالمطارين وادارتهما ادارة مشتركة، امر لايمكن الموافقة عليه، والاسباب التي ذكرها بيفن لاتبرر ذلك مطلقا، ولهذا لايسعنا الدخول في مفاوضات على هذه الاسس ،لان هذا ليس في مصلحتنا في شيء، بل يلحق بنا اضرارا بليغة )
واضاف جبر في رده على برقية الامير عبد الاله ( اقول اذا كانت بريطانيا تريد ان نتجاهل كل هذا وتضعنا في وضع حرج جدا تضر به عزتنا وكرامتنا في الداخل والخارج، فهذا ليس من الوفاء من شيء ولا يمكن ان نرضاه لانفسنا ).

        

في هذه الاثناء كان فاضل الجمالي وزير الخارجية في حكومة جبر قد وصل الى العاصمة البريطانية لندن قادما من نيويورك، بعد ان حضر اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة حول القضية الفلسطينية ،واجتمع فور وصوله لندن بالمستر رايت مساعد وزير الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الاوسط ،وبحث معه موضوع تعديل المعاهدة، وتسلم من رايت نسخة من مسودة تعديل المعاهدة كانت الحكومة البريطانية قد اعدتها .
وقد ابرق الجمالي الى صالح جبر اطلعه على ما تم البحث حوله مع رايت قائلا( ان بريطانيا لاتطلب حقا في المطارات، بل تريد ان تقدم الحكومة العراقية تسهيلات خدمة للدفاع المشترك، وان مايكل رايت اكد ان وجود قوات بريطانية في المطارات، وقت السلم امر متوقف ازاء الخطر الحاضر، ولا يمكنهم ان يبوحوا بذلك نصا، والمسودة لاتزال تحت الدرس والتنقيح وتحوي ثماني مواد الجديد فيها هي المادة الخامسة ونصها – ان القاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة، هي جزء مكمل من المملكة وسيادتها، وحكومة صاحب الجلالة البريطانية ، توافق على ترك الحقوق المنحصرة بها وحدها لحد الان، والتي تتمتع بها قوات صاحب الجلالة البريطانية في هذه المطارات ويتفق على استعمال القواعد للمنفعة المشتركة بين الفريقين ).
واضاف الجمالي ( وللمعاهدة ملحق يتكون من ثماني مواد، والفقرة التي يرجون ان تسوي الخلاف بين وجهتي النظر العراقية والبريطانية هي الفقرة – د – من المادة الاولى من الملحق ونصها : الى ان يحين وقت يتفق فيه الطرفان المتعاقدان على احالة الامن في الشرق الاوسط لاتستدعي ذلك ، فان جلالة ملك العراق يمنح دخولا حرا في القاعدتين الجويتين للطائرات والوحدات المحاربة للقوات الجوية البريطانية . اما موضوع اجراء تعديل في استعمال الظروف التي تسود اذ ذاك، والتي يعينها مجلس الدفاع المشترك، الذي سينشأ وفق منطوق هذا الملحق فالمجلس يقدم توصياته للطرفين المتعاقدين الساميين ) وقال الجمالي في برقيته الــى صالح جبر ( ان ما علمته من المستر بيفن والمستر مايكل رايت، انهم مستعدون لتعديل الصيغ، باي شكل يضمن المصلحة المشتركة، ولذلك استطيع القول ان الجماعة مستعدون للمفاوضات الان ) .

        

صالح جبر بين رفيق عارف وتوفيق السويدي وفاضل الجمالي وآخرين

وبالفعل فقد وافق صالح جبر على دعوة وزير خارجية بريطانيا بيفن بالسفر الى لندن لينجز فيها ما توقف حله في بغداد، واصطحب معه وفدا يضم كل من وزير الدفاع شاكر الوادي وفاضل الجمالي الموجود في لندن ونوري السعيد وتوفيق السويدي ، اللذين اعرب الامير عبد الاله عن رغبته في ان ينضما الى الوفد بصفة مستشارين. وقبل ان يغادر الوفد بغداد عقد اجتماع في قصر الرحاب يوم 28/12/1947 بحضور الامير عبد الاله، كما حضره عشرون شخصية سياسية عراقية، كان بينهم:

           

 صالح جبر ونوري السعيد وتوفيق السويدي وجميل المدفعي وحكمة سليمان وحمدي الباجه جي وارشد العمري والسيد محمد الصدر والشيخ محمد رضا الشبيبي وصادق البصام ومصطفى العمري وعمر نظمي وداوود الحيدري وعبد العزيز القصاب ونجيب الراوي ونصرة الفارسي ومولود مخلص وبهاء الدين نوري ومحمد حسن كبة . تحدث الجميع حول المعاهدة وما يجب ان تكون عليه مستقبلا ، فيما رفض الشبيبي والفارسي التعليق وقالا انهما لايستطيعان ابداء الرأي ما لم يطلعا على الاسس المراد ادخالها او تعديلها، ما دام رئيس الوزراء لايرغب في الكشف عن هذه الاسس .

         

كما عقد اجتماع اخر في قصر الرحاب ، برئاسة الامير عبد الاله ، حضره كل من صالح جبر ونوري السعيد وتوفيق السويدي واحمد مختار بابان ، واعرب الامير عبد الاله خلاله، عن رغبته في تثبيت اسس التعديل بحضوره، واتفق الجميع على ان يشمل التعديل الامور التالية :
1- مقدمة المعاهدة – رفع خطط المواصلات منها .
2- رفع قيد المشاورات في الامور السياسية الخارجية والاكتفاء بالنص – على ان لاينتهج احد الفريقين المتعاقدين سياسة معادية للفريق الاخر .
3- تسلم العراق للقاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة عند ابرام معاهدة الصلح بين الدول التي اشتركت في الحرب العظمى .
4- عدم السماح في ابقاء قوات مسلحة بريطانية في العراق في زمن السلم .
5- الغاء حصر استخدام الاخصائيين في الحكومة العراقية بالبريطانيين .
6- الغاء الاتفاقيات الخاصة بالسكك الحديدية والميناء وتسلم العراق لهذين المرفقين الهامين .
7- ضرورة تسليح الجيش العراقي للقوة الجوية العراقية بعين الاسلحة التي تسلح بها الوحدات البريطانية وفي عين الوقت الذي يجري فيه تسليحها .
8- رفع القيود الموجودة فيما يتعلق بالتمثيل السياسي في المعاهدة الحاضرة .

موقف الاحزاب السياسية
ما كادت الاحزاب السياسية في العراق انذاك، تسمع باجتماع الساسة في قصر الرحاب، حتى استفزها الامر، وقررت الاحتجاج على ذلك، وقدم كل حزب سياسي بيانا خاصا به، يعلن مهاجمته للمعاهدة وللتعديل ،دون ان يطلع عليها،
في لندن حيث كان فاضل الجمالي ادلى بتصريح لوكالة الانباء العربية قال فيه ( ان المعاهدة البريطانية العراقية التي وقعت عام 1930 قوبلت بكثير من النقد في العراق، وكان اكثر الانتقادات التي وجهت اليها، راجعا بالطبع الى السياسة الحزبية في البلاد، ولا تمت الى الحق بنصيب،
ومع ان صالح جبر كان قد كذّب هذا التصريح، وقال انه لا يجوز اسناده الى وزير خارجية العراق، فانه كان الفتيل الذي الهب شعور العراقيين، ودفعهم الى تحدي السلطة القائمة فقد تناقلته الصحف والاحزاب، وعلقت عليه تعليقات اثارت حماس طلاب المعاهد العالية، والهبت مشاعرهم، وحملتهم على القيام بمظاهرات صاخبة، اضطرت الشرطة الى التدخل مما اسفر عن وقوع اصابات بين الطرفين . كل هذه الاحداث جرت، وصالح جبر كان ما يزال في بغداد، الذي اضطر بعد الاطلاع على رأي وزير المعارف ، الى تعطيل الدراسة في كلية الحقوق
الا ان هذه المظاهرات لم تحل دون سفر رئيس الوزراء صالح جبر الى لندن مساء يوم 5 كانون الثاني /يناير 1948 بعد ان تراس الاجتماع المذكور لمجلس الوزراء والذي تقرر فيه تعطيل الدراسة. كما صدرت الاوامر بتوقيف عدد من المتظاهرين، وغلق الاقسام الداخلية ومطاعمها في وجوه الطلاب الخارجين، فاطمأن صالح جبر الى هذا الاجراء، وسافر والوفد المرافق له الى الحبانية ليستقلوا من هناك الطائرة الى لندن .
وفي اليوم التالي شنت الصحف العراقية الحزبية خاصة ، حملاتها على حكومة صالح جبر ومشروعاته، في الوقت الذي اعلنت الكليات والمدارس العليا اضرابها عن الدوام، تضامنا مع كلية الحقوق واحتجاجا على غلق هذه الكلية .
وفي صباح يوم 15/1/1948 سافر الوفد العراقي الى بورتسموث وقام بالتوقيع على المعاهدة في بهو بلدية المدينة ، ثم تبادل الخطب وسميت المعاهدة باسم معاهدة بورتسموث . وقد لاحظ صالح جبر، ان المعاهدة مطبوعة وعليها اسم كل من رئيس الوزراء صالح جبر ووزير الخارجية البريطانية ارنست بيفن، فلفت نظر وزير الخارجية البريطانية الى وجوب جعل المعاهدة موقعة من قبل اعضاء الوفدين كافة ، فوافق بيفن وامر باعادة طبعها، على هذا الاساس
وكان صالح جبر، قد بعث بمسودة المعاهدة قبل توقيعها باللغة الانكليزية الى وكيل رئيس الوزراء ووزير العدل جمال بابان ، يطلب فيها ان لاتنشر في الصحف الا بعد ترجمتها الى العربية، واعادتها للاطلاع على صيغة الترجمة، الا ان بابان نشر المعاهدة يوم 16 قبل ترجمتها،
لاسيما وان الصحف البريطانية كانت قد نشرتها، مما ادى ذلك الى بداية التحرك الجماهيري ،بعد ان توالت احتجاجات الاحزاب العراقية المعارضة، فاصدرت بيانات تندد بالمعاهدة، مما كان لها الاثر الكبير في الهاب حماس العراقيين وغضبهم، فقرر الطلاب اعلان الاضراب عن الدراسة مجددا والقيام بمظاهرات، ايدتها وزارة الداخلية، حيث تركت الطلاب وشأنهم، حيث توجهوا الى مجلس الامة، واحتشدوا هناك، يرددون هتافات، يطالبون فيها بسقوط الحكومة القائمة، اسفر عن وقع اشتباكات بينهم وبين رجال الشرطة، نتج عنه سقوط عدد من الجرحى والقتلى، الذين نقلوا الى معهد الطب العدلي والمستشفى التعليمي بالقرب من كلية الطب، مما اثار طلابها هناك الذين اعلنوا الاضراب عن الدراسة ايضا .
في هذا الوقت، كانت الامور شبه طبيعية ،الا ان المفاجأة غير المتوقعة، جاءت حينما داهمت قوات الشرطة كلية الطب، وفتحت النار على الطلبة المتظاهرين، اسفرت عن سقوط احد الطلاب صريعا برصاص الشرطة، فيما نقل البعض الاخر من الجرحى الى المستشفى، مما خلق هوة سحيقة بين الحكومة والشعب يصعب تلافيها فيما بعد .
وبعد ان تأزمت الامور، دعا الامير عبد الاله الى اجتماع في البلاط الملكي، حضره قرابة خمسة وعشرين سياسيا، كان في مقدمتهم السيد محمد الصدر وجميل المدفعي وحكمة سليمان وحمدي الباجه جي وارشد العمري ونصرة الفارسي وجعفر حمندي ومحمد رضا الشبيبي وعبد العزيز القصاب وصادق البصام وعبد المهدي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وعلي ممتاز الدفتري ونقيب المحامين نجيب الراوي، اضافة الى هيئة الوزارة ورئيس الوزراء بالوكالة جمال بابان، وقد دافع البعض عن الاتفاقية، وشجبوا الاضرابات والمظاهرات، واسندوها الى الحزب الشيوعي، فيما وصف البعض الاخر هذه المظاهرات بانها وطنية وقومية . ثم صدر بيان في ختام الاجتماع، جاء فيه ان المجتمعين، وقد استعرضوا المعاهدة العراقية البريطانية، واكدوا ضرورة رفضها، وقالوا انها لاتحقق اماني البلاد ، وليست اداة صالحة لتوطيد دعائم الصداقة بين البلدين، وان صاحب السمو الملكي الوصي وولي العهد، يعد الشعب بانه سوف لاتبرم اية معاهدة لاتضمن حقوق البلاد وامانيها الوطنية .
وقد قوبل هذا البيان بسرور بالغ لامن قبل الاهلين فحسب بل من مختلف الاوساط الشعبية والاحزاب السياسية، كما تبع ذلك اطلاق سراح المعتقلين ، وكذلك السماح للصحف التي تعطلت بالصدور من جديد .
وفي اليوم التالي لاجتماع البلاط ، ادلى صالح جبر رئيس الوزراء، بتصريح من لندن اعرب فيه عن امله بان البرلمان العراقي والشعب ، سيجدان في المعاهدة ما يحقق الاماني القومية تحقيقا كاملا، وقال ان بعض العناصر الهدامة من الشيوعيين والنازيين ،استغلت فرصة غيابه، واحدثت القلاقل في البلاد، وانه سيعود فورا الى العراق ، وسيسحق رؤوس هذه العناصر الفوضوية حتما .
الا ان هذا التصريح الذي ادلى به صالح جبر، اثار الراي العام في العراق، وعادت المظاهرات من جديد، وتصاعدت يوم 26 كانون الثاني 1948 وهو اليوم الذي عاد به صالح جبر من لندن، حيث هبطت طائرته في مطار الحبانية، ومن هناك وصل الى بغداد، بحماية قوية اتجه فورا الى قصر الرحاب، والتقى الامير عبد الاله ، ليستطلع منه ما استجد من امور وجرى نقاش حضره نوري السعيد، واثناء المناقشة اعرب صالح جبر عن استعداده لتقديم الاستقالة، الا ان الامير عبد الاله طلب منه التريث، وعندها ابدى جبر استعداده لاعادة النظام الى نصابه وهيبة الحكومة الى سابق منزلتها وعهدها، اذا سمح له بحرية التصرف خلال 24 ساعة فايده بعض الحاضرين كنوري السعيد وخالفه اخرون .
غير ان المواطنين وقادة الاحزاب لم يهتموا بذلك بل عقدوا اجتماعا في دار جعفر حمندي، حضره محمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وحسين جميل وداخل الشعلان وعلي ممتاز الدفتري ونصرة الفارسي واخرون واتفقوا على وجوب الاستمرار في التظاهرات التي تصاعدت وبلغت اوجها يوم 27 كانون الثاني حين تحولت العاصمة الى اشبه بساحة حرب، بعد ان احتلت قوات الشرطة مداخل الطرق وانطلقت سياراتها المصفحة تجوب الميادين الرئيسة، ونصبت الرشاشات فوق البنايات الشامخة والمساجد وخاصة منارة ( جامع حنان ) في جانب الكرخ ومنارة ( جامع الاصفية ) في الرصافة، واخذت تحصد المتظاهرين فوق جسر المأمون – الذي اطلق عليه فيما بعد - جسر الشهداء – سقط خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لم تنفع معها محاولات رئيس الوزراء صالح جبر وبياناته التي كانت تدعو المواطنين الى الهدوء والسكينة، مما اضطرت وزارة الداخلية الى الاستعانة بقوات الجيش للسيطرة على الاوضاع فيما قدم العديد من النواب استقالاتهم، اضافة الى استقالة ثلاثة وزراء هم وزير العدلية جمال بابان ووزير المالية يوسف رزق غنيمة ووزير الشؤون الاجتماعية جميل عبد الوهاب . مما اضطر الامير عبد الاله الى ان يكلف السيد محمد الصدر لتشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة صالح جبر، بعد ان اتصل به رئيس ديوان التشريفات الملكية احمد مختار بابان وابلغه بان عدد الوزراء اصبح دون النصاب القانوني وطلب منه تقديم استقالته ، فقدمها صالح جبر على الفور
وقد قوبل بيان الامير عبد الاله بالغبطة والسرور من قبل المواطنين حيث انقلبت المآتم الى افراح، وشيعت بغداد في اليوم التالي شهداءها ، فيما غادر صالح جبر بغداد الى مضارب اصهاره آل الجريان في الهاشمية بلواء الحلة ومن ثم غادر العراق الى الاردن ومنها الى لندن.
وشرعت حكومة السيد الصدر ،الذي كان يؤكد على تغلب الحكمة على العاطفة في التحقيق في الحوادث المؤسفة التي وقعت في عهد حكومة صالح جبر، واعتبرت اللجنة ان اجراء وزير الداخلية خارجا عن الصلاحيات القانونية وان تدخل وزارة الداخلية في امر المظاهرات على الوجه الذي وقع اعتبرته اللجنة مخالفا لاحكام القانون ، مما يدل على ان غرضها من هذا التدخل سياسيا، الا وهو الدفاع عن معاهدة بورتسموث وقمع اي حركة ترمي الى الاحتجاج عليها او معارضتها .
واوصت اللجنة بتعويض ذوي القتلى والجرحى بصورة عامة وفق اسس عادلة . واوصت باستصدار تشريع بذلك .

معاهدة بوتسموث والقضية الفلسطينية

عن هذا الموضوع يتحدث عبد الرزاق الحسني قائلا : سألنا الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية في حكومة صالح جبر عن هذه الاشاعات فقال : ان الحكومة البريطانية كانت على استعداد لتجهيز سلاح يكفي لخمسين الف مقاتل عربي في فلسطين ،وأن المستر ارنست بيفن معروف بتعاطفه مع العرب حيال القضية الفلسطينية وتم ادراج ما يلي :.
1- تزويد الشرطة العراقية بما يكفي لتزويد خمسين الف شرطيا بالاسلحة الاوتوماتيكية، وكان القصد من ذلك تسليح المجاهدين الفلسطينيين بهذه الاسلحة، لتمكينهم من المساهمة في تحرير فلسطين .

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

677 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع