رجال من العراق - نجم السعدون

  

      السجين البريء - نجم السعدون

  

ايها السجين البريء..
السلام عليك..
اخبرني عن احوالك، امازالت قضبان المعتقل التي لم تكسر ؟ ام كسرت صقيعها بإنسانيتك الشاهقة؟
اما زالت الاشواق والالم يلفان جدران زنزانتك؟ ام زينتها بألوان ريشة وفائك العملاقة؟
أخبرني، هل ينظر سجانك الى عينيك؟
هل تآخيت والأصفاد التي لا تترك معصميك؟
اخبرني ايها السجين البريء، ماذا ترى عندما تغمض عينيك؟
هل مازال صباحك صباح ومساؤك مساء؟
هل تخرج وترى الشمس، ام هي تسرق من بين قضبان زنزانتك دفئا؟
سامحني لأني تأخرت عن كتابة ماجرى لك ؟
كنت مثلك بريئاً غدر بيّ الأصدقاء ؟
قصتنا واحدة لاأختلاف بها سوى الزمان لكن المكان ذاته واحداً لاإختلاف فيه؟
انتَ خطفت أثناء تجولك في بغداد ،وأنا مثلك أختطفت في شارع الزيتون ؟
وكلانا يسكن الحبيبة بغداد؟
انتَ رحلت لجوار العزيز الكريم بعد ثمانية عشر عاما مسجوناً ،وأنا بعدك بقيت حبيس الزنزانة وعندما أطلق سراحي ،أضطررت للرحيل ، رحلت الى بلاد الغربة وسأرحل لجوار العزيز الكريم غريباً في الغربة ؟
من خلال ماورد اعلاه وددت أن أوجز للقارىء الكريم حدث كنت شاهداً عليه :
المكان/ العراق- بغداد - سجن ابو غريب
الزمان /1995
حين شاءت الأقدار أن أسجن مظلوما في العام أعلاه ،وجدت يميني ويساري في القاعة التي اودعت فيها الكثير من الاشخاص وهم مايسمونهم السياسين لكون القاعه مختصة بالاحكام الخاصة ،التي هي من مسؤولية محكمة الثوره ،وباشراف جهاز المخابرات في حينه ،ومن خلال تواجدي ،تعرفت على الكثير ، منهم قصته التي تصلح لأن تكون فلماً سينمائيا ،ومعظمهم أبرياء أو لمجرد وشاية ،أو نقل خبراً يمس أجهزة الدولة العراقية ،وأحكامهم ( الاعدام - السجن المؤبد ...الخ) ،خلال اللقاءآت تعرفت على العديد من الشخصيات المحترمة من وزراء وأطباء و مهندسين وقادة عسكريين وأدباء و شعراء و رجال دين ومن هؤلاء شخصية فذة وشجاعة وهو الصحفي والكاتب و الوجه الأجتماعي المعروف نجم السعدون / ابو مصعب ،وقد أمتاز بثقافة خاصة وممزوجة بالجرأة في آن واحد ،كنت اجلس لساعات طويلة معه أستمع إليه رغم بلوغه العقد الثامن ،أعجبت بثقافته وشعره وذكائه ، شخصياً تعلمت منه الكثير،حيث يكتسب الخبرة الطويلة ،ويختزن في ذاكرته الكثير من شخصيات العهد الملكي ومابعدها ،ينتقد وهو حبيس الزنزانه ،لايهاب أحدا ،جريء في طروحاته ،حاولت لمرات عديدة أن أحذره كي لانقع سوية في فخ آخر فتحل علينا سوياً الكارثه ،مرة قال لي وهو يبتسم:
جلال بيك* شبيك ،بعد من أي شيء أخاف ،عمري خلص في هاي الزنزانه قضيت 18 عام لحد الان ،وما ارتكبت ذنب !!!! خليهم يضاعفون العقوبه ماضل عمر يسوه !!!
سألته ذات مرة عن الجريمة التي ارتكبها والتي حكم من جراءها عشرون عاما ؟
أجاب بكل صدق وصراحة كما روها شخصيا:
كان ولدي مصعب يعمل في السعوديه ،ومنذ سنوات طويله ،وكنت أضطر لزيارته كأب يتفقد أبنه وبذات الوقت أستغل وجودي في السعوديه لأداء فريضة العمره ،وأحيانا فريضة الحج ،وذات يوم طلب مني ولدي مصعب أن ارافقه الى مقر عمله حيث يرغب أصدقاءه التعرف عليّ كوني ضيفاً هناك ،ولبيت طلبه (ياليتني لم البي طلبه) ،في ذلك اليوم صادف وجود وفد من وزارة النفط العراقية كانوا بزيارة رسمية للمنشأة ،ومن خلال التعرف على شخوص الوفد ،عرفت ان رئيس الوفد هو من نفس العائلة ،لكن لاعلاقة له بالنفط كونه غير مختص وانه يعمل في جهاز المخابرات !!!؟؟؟ تفاجأ بوجودي في المنشأة النفطية ،لكني لم يطرأ على بالي أي شيء ،وبعد أنتهاء برنامج الزيارة طلب مني رئيس الوفد العراقي ( ضابط المخابرات) أن يلتقيني منفرداً لأمر ذو أهمية ،لبيت الطلب على الفور وعلى الرحب والسعه ،قال رئيس الوفد لي بالنص :
(شوف ابو مصعب ،لاتخبر أبنك أني أعمل في المكان الفلاني ... أن أخبرته ستكون النتائج وخيمة عليك وعلى عائلتك ) !!!!
تعجبت شخصيا لهذا الكلام ،رديت عليه بقسوة ( منو انته حتى تهددني هكذا ... أفعل ماتشاء )
بعدها انصرف الوفد وانتهى كل شيء .
لاحظ ولدي مصعب علامات التوتر والغضب على ملامحي ،وبعد ان عرف ولدي الحقيقة طلب مني البقاء في السعوديه وسيقوم بترتيب الاقامه ،وقال لي مصعب ،ابي سيدبرون لك مشكلة كبيرة ،لم أعر اي اهتمام لكلام ولدي لاني لم افعل شيء مخالف ،وبعد فترة قصيرة لملمت حاجياتي عائدا الى العراق ،ويوما وانا اتجول داخل بغداد ،اختطفتُ واودعت في زنزانة منفردة في المخابرات ،ولم اعرف السبب ،وخلال التحقيق ذكروا لي ماحدث في السعوديه ووجهت لي الاسئلة :
- ماذا تعمل في المنشأة ؟
- لماذا لايعود ولدك الى العراق ويعمل فيه ؟
- ماهي علاقتك بالمخابرات السعوديه ؟
كنت اجيبهم الحقائق باني زائر لولدي ،لاأعرف اي أحد في المخابرات السعوديه ،زرت ولدي عدة مرات ...
واخيرا:
بعد قضاء عدة أشهر كانت عقوبتي جاهزة هي :
(الأعدام شنقاً حتى الموت لكونه يعمل جاسوساً لصالح المخابرات السعوديه)
وبعد حين خفضت العقوبه الى السجن المؤبد !!!!!
وبعد ان صدرت الكثير من قرارات العفو لم يشمل به وظل مسجونا ومات في زنزانته ،وحين تلقينا الخبراً حزنا على ابو مصعب الذي مات بريئاً في زنزانته ،رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ،وإنا لله وإنا اليه راجعون .

وأخيراً:لم ولن أنساكم أطلاقاً ، تأكدوا بأننا سنلتقي ثانية وأكيد سنكون بأحسن حال  وحينها لي كلام كثير أيها المربي و المعلم الكبير... الى اللقاء بأذن الله.
*كان يناديني بيك.
   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

491 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع