عبد الكريم قاسم.....رؤية تاريخية
د.عدنان محمد قاسم
انتهت الحرب العالمية في اواخر 1918م، وخضع العراق للاحتلال البريطاني المباشر بعد ان كان واقعا تحت سيطرة الدولة العثمانية التي خسرت الحرب....
وقد عانى العراق خلال الفترة العثمانية الويلات والكوارث واصبح الشعب فيه تحت مصير الطاعون والفيضانات المتكررة وفي العهود التي تلت بعد زوال الحكم العثماني، ابتداء بالاحتلال البريطاني المباشر دخل العراق في مراحل عديدة من التطورات السياسية في ظل الانتداب البريطاني وبعده لم يحرز العراق ذلك التقدم المطلوب لكي يكمل سيادته ومسيرته بصورة صحيحة.
واستمر الحال في الثلاثينيات والاربعينيات حيث قيام الحرب العالمية الثانية ولم تتطور العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبقي البلد يعاني من تفشي الامراض والجهل حتى قيام ثورة 14 تموز 1958م بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ورفاقه في السلاح.
ان انهيار النظام الملكي قبل قيام الثورة يدل على ان عوامل اضمحلاله قد وصلت الى درجة عالية من الشدة والخطورة، بحيث لم يصمد امام الضربات الموجعة التي وجهت اليه صبيحة يوم 14 تموز 1958م، والعوامل التي ادت الى اضمحلاله كثيرة ومتنوعة منها داخلية ومنها خارجية، ومهما كانت اهمية هذه العوامل بعضها بالنسبة للبعض الاخر واختلاف التقييمات لها من قبل الباحثين فان حصيلة تفاعلها بكليتها هي التي ادت الى سقوط النظام الملكي على ايدي قوات الثورة التي خطط لها عبد الكريم قاسم قبل قيامها بسنوات عديدة... ومن هنا وجهت اختياري لهذا الموضوع وذلك لبيان دور عبد الكريم قاسم وكيفية استيعابه لطبيعة الاوضاع السياسية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل اندلاع الثورة ومن ثم دوره في نقل موقع العراق الى دنيا العلاقات الدولية الجديدة كل ذلك باسلوب موضوعي وعلمي دقيق.
اما مشكلات هذا الموضوع فيكمن في تشعب الاراء حول شخصية عبد الكريم قاسم الذي وسمه بعض الكتاب بافضل المصطلحات والعبارات الدالة على حسن استيعابه لطبيعة الظروف التي مرت على العراق، وكيفية الحلول الناجحة لها، وبين من وسموه باللغز المحير وكونه مترددا بين الثبات او التحول مع الظروف الانية للبلد.
وان عهد عبد الكريم ليس بالبعيد كل البعد كالعهد العثماني وما قبله حتى ينجر المؤلفون والباحثون والكتاب الى هذا المزيج وعدم التشابه في اتخاذ القرارات ووضع النقاط على الحروف حول هذه الشخصية التي تستحق الدراسة والتحليل.
وقد تم تقديم الموضوع بخلاصة تحليلية ذكرت فيها العلاقات البارزة في حكم عبد الكريم قاسم التي اتسمت بانجاز الكثير من المشاريع الداخلية مع ذكر المآخذ عليه ايضا والحقيقة ان مجيء عبد الكريم قاسم كان نتيجة تفاعل الظروف التي احاطت بالبلد والظروف الشخصية التي مرت على تكوين عبد الكريم قاسم ومؤهلاته ومعاناته وذكائه.
وهذه الدراسة هي خلاصة الاراء والافكار والملاحظات التي وردت في المصادر والكتب المطبوعة في عهد عبد الكريم قاسم وبعده، وقد التزمت خط الحياد والمنهجية العلمية الهادفة. وهدفي من ذلك خدمة الحقيقة لا غيرها.
اسمه ونسبه: عبد الكريم بن قاسم بن محمد بن بكر الزبيدي، وقبيلة زبيد اصلها من اليمن وقد انتشرت في العراق والبلاد العربية والاسلامية الاخرى عقب حروب الفتوحات والتحرير.
ولد عبد الكريم قاسم في مدينة بغداد محلة المهدية جانب الرصافة في 21/ تشرين الثاني من عام 1914م وكان والده قاسم بن محمد البكر الزبيدي من قبيلة زبيد القحطانية، اما والدته فهي كيفية حسن اليعقوبي من قبيلة تميم، وهو اصغر اخوته وهم:
حامد وعبد اللطيف وله شقيقتان....
نشأ عبد الكريم قاسم في بيئة خشنة وعاش حياته بحركة ونشاط وعمل وانكباب على الدراسة، وكان يبلغ السابعة من عمره، عندما انتقل والده الذي كان يشتغل عاملا في النجارة مع سائر افراد اسرته، وبسبب سوء احواله المالية في بغداد انتقل الى الصويرة حيث اخوه علي محمد البكر الزبيدي الضابط السابق في الجيش العثماني يملك مزرعة واخذ يزاول الزراعة معه، ودخل عبد الكريم قاسم مدرسة الصويرة الابتدائية عام 1921م، واستمر فيها حتى الصف الرابع الابتدائي عندما عاد والده عام 1926، الى بغداد وسكن في محلة قنبر علي، وواصل عبد الكريم قاسم دراسته في مدرسة الرصافة الابتدائية للبنين وتخرج فيها عام 1927م ثم دخل المدرسة الثانوية المركزية فالم به مرض في السنة الرابعة اثناء الامتحان النهائي مما اضطره الى الدخول للمستشفى وفاتت عليه فرصة الامتحان المذكور، ولما شفي من مرضه امتحن مع المكملين ونجح في جميع الدروس بتفوق ثم حاز شهادة الدراسة الاعدادية الفرع الادبي يذكره ذلك عبد الكريم جده في كتابه ثورة الزعيم المنقذة مطبعة البرها، بغداد 1959ص5 وكذلك محمد عبد الكريم الصفار في كتابه عبد الكريم قاسم البطل الثائر، ص27 ويذكر طالب مشتاق رحمه الله عن الفريق عبد الكريم قاسم:
يوم كان طالبا (انه تلميذ قديم من تلامذتي في المدرسة الثانوية المركزية في بغداد عام 1927م، انه تلميذ هادئ يبتعد عن مخالطة زملائه ويقضي فترة الراحة في زاوية منعزلة، مظهره يعلن عن فقر الحال، وفقدان المال، مكتئب النفس، عابس الوجه، ضعيف البنية، مشروم الشفه العليا من جهتها اليسرى وهذه العاهة على ما يبدو سببت له شعوراً بالنقص جعلته منقبضا على نفسه يتجنب الاجتماع برفاقه وبالناس اجمع يذكره كذلك طالب مشتاق في كتابه اوراق ايامي 1900-1958 ج1، دار الطليعة- بيروت (بلا) ص568.
وبعد حصوله على شهادة الدراسة الاعدادية عين في وزارة التربية بصفة معلم في احدى المدارس الابتدائية في قضاء الشامية لواء الديوانية جنوب العراق، قضى في التدريس سنة واحدة اي من 1931-1932م، ثم قدم الى الكلية العسكرية وذلك عام 1932م، عندما اعلن عن حاجة الجيش العراقي الى ضباط جدد.
وتخرج فيها بصفة ضابط برتبة ملازم ثان وذلك في 15/4/1934م، وكان عبد الكريم قاسم خلال فترة دراسته في الكلية العسكرية دائم الانطواء على نفسه كما كان قليل الاصدقاء..
الملازم عبدالكريم قاسم
وينفرد الزعيم محمد الدرة من دون الكتاب والمؤلفين بقوله فيه يوم كان تلميذا في الكلية العسكرية (ان عبد الكريم قاسم كان يلقب من قبل زملائه حين كان تلميذا في الكلية العسكرية وحين كان ضابطا صغيرا في الجيش باسم (كريم ابو جنية) ويبدو ان هذا الكلام لا صحة له.. وفي 24 كانون الثاني 1940م دخل كلية الاركان وتخرج فيها بتاريخ (كانون الاول 1941 بدرجة ممتاز، ثم دخل دورة الحروب الجبلية للضباط الاقدمين الاولى، كما اشترك بامتحان اللغة الانكليزية وحاز على الجائزة المخصصة للناجحين في الامتحان، في 4 تشرين الاول/ 1950م لغاية كانون الاول من ذات السنة اشترك بدورة الضباط الاقدمين في انكلترا حيث ذكرتها وزارة الارشاد في دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960م ص317.
وقد تدرج الزعيم في الرتب العسكرية الى ان وصل الى رتبة زعيم ركن بتاريخ 2 مايس 1955وترفع الى رتبة لواء ركن في 6 كانون الثاني 1963م كما ترفع الى رتبة فريق ركن.
وقد كتب عنه قائد الفرقة الثالثة: انه(ضابط ممتاز بالامانة والحرص على اداء واجبه وادراك التبعات الملقاة على عاتقه).
المقدم الركن/ عبدالكريم قاسم في فلسطين
كما اشترك في حرب الفرات الاولى من 11مايس الى 29 تموز عام 1935م، وكان انذاك ضمن الفوج الثالث، كما اشترك ضمن القيادة العربية لحركات مايس عام 1941م التحررية كما اشترك في حرب فلسطين من 5 مايس /1948م، الى 11 حزيران 1949م.
وفي التقارير التي وردت عنه خلال هذه الحركات والحروب اجمعت على انه ضابط ركن خلوق جدا، وكريم النفس، شهم مخلص لامره ودقيق في اعماله، وثقافته العامة جيدة جدا، وسيكون في المستقبل من ضباط الجيش القديرين .
وفي ذلك دلالة كافية على كفاءته وشهادة واضحة لاخلاقه العسكرية المنضبطة وتصرفاته في اتخاذ القرارات الصائبة وهو مما يفند رأي الاستاذ محمود الدرة بقوله بانه كان يمسى كريم ابو جنية يوم كانا معا طلابا في الكلية العسكرية، اذ ان التقارير الشخصية هي الحكم القاطع في صحة او عدم صحة مثل هذه الروايات..
858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع