أم الحقائق في حادث مصرع وزيرالدفاع الفريق الأول الركن عدنان خيرالله

             

أم الحقائق في حادث مصرع وزير الدفاع الفريق الأول الركن عدنان خير الله طلفاح

  

                 

                       بقلم لواء الشرطة الحقوقي
                        محي الدين محمد يونس

حسناً يفعل الكاتب والصحفي (شامل عبد القادر) عندما يستبق كتاباته في الشأن التاريخي السياسي ببيتين من شعر شاعرنا الرصافي للدلالة على اختلاف الروايات في الأحداث التاريخية والسياسية والتي يقول:-

فَمَا كُتُبُ التَّارِيخِ فِي كُلِّ مَا روتْ لِقُرَّائِهَا إِلاَّ حَدِيثٌ مُلَفَّقُ
نَظَرْنَا لأَمْرِ الحَاضِرِينَ فرابنا فَكَيْفَ بِأَمْرِ الغَابِرِينَ نُصَدِّقُ

            


              الفريق الأول الركن عدنان خير الله

ونحن عندما نتحدث عن رواية أحداث سقوط طائرة وزير الدفاع الفريق الأول الركن (عدنان خير الله طلفاح) ومقتله بتاريخ 5 أيار 1989 نتوخى الدقة والصدق والحقيقة في توثيق أحداثها وتفاصيل ما حدث في ذلك اليوم حيث أثير الكثير من الأقاويل والاتهامات عن أسباب سقوط الطائرة فمنهم من يعتبره حادثاً مدبراً من قبل الرئيس العراقي (صدام حسين) بالتنسيق مع صهره (حسين كامل) ومنهم من اعتبره حادثاً اعتيادياً يدخل في تصنيف القضاء والقدر, ولقد كتب الكثيرون في هذا الموضوع إلا أن أغلب ما كتب كان يشوبه عدم المصداقية من حيث تفاصيل الحادث وحقيقة أسبابه, وقد كنت غير مقتنعاً بالروايات التي تؤكد أو ترجح أسباب الحادث وتعزيه إلى ارتفاع شعبية المذكور في أوساط الجماهير العراقية وأوساط الجيش العراقي بشكل خاص وحصول الكثير من حالات التنافر والتقاطع بينه وبين الرئيس العراقي الذي دبر الحادث من أجل التخلص منه وحيث أن الحقيقة لا تغطى بغربال كما يقال, فقد اسعفني الحظ في اللقاء باللواء الطيار ... الذي كان يشغل منصب مدير السلامة الجوية في قيادة طيران الجيش باعتباره رئيس اللجنة التحقيقة للتحقيق عن كيفية وقوع الحادث فذكر لي ما يلي:

    

   صورة تجمع الرئيس العراقي وحسين كامل وعدنان خير الله

بتاريخ 5/5/1989 تعرضت طائرة وزير الدفاع التي كان يقودها بنفسه إلى حادث سقوط وهي من نوع Bell-214-ST أمريكية الصنع وقد تم استدعائه من قبل قائد طيران الجيش الفريق الطيار الركن (حسين الزبن) للحضور في القيادة فوراً في نفس يوم الحادث وكان ذلك في تمام الساعة السابعة مساء حيث حضر والتقى قائد طيران الجيش ولاحظ عليه علامات عدم الارتياح والحزن وحالة نفسية متوترة وهو يبكي ولم يكن يعلم بتفاصيل الحادث وأسباب استدعائه إلا انه استنتج بأن هناك حدث جسيم قد وقع وفعلاً بعد السماح له بالجلوس وهو يردد ((عمنا استشهد))

   

      الطائرة من نوع Bell-214-ST الأمريكية

وطلب منه القيام باتخاذ الإجراءات اللازمة لغرض التحقيق في الحادث باعتباره مسؤول سلامة الطيران ومن واجباته التحقيق في حوادث الطيران...

     

     الرئيس العراقي صدام حسين ووزير الدفاع عدنان خير الله

اترك الحديث لـ اللواء الطيار مدير السلامة الجوية ليكمل لنا سرد وقائع الحادث بحكم إطلاعه الواسع والحقيقي على ما جرى عصر يوم 5 مايس 1989 ومقتل وزير الدفاع الفريق الأول الركن (عدنان خير الله طلفاح).... قائلاً:
باشرت مهامي فوراً وطلبت من قائد طيران الجيش إبراق برقيات فورية إلى جهات معينة سأذكرها لغرض مساعدتي في إجراءات التحقيق وكل حسب اختصاصه لإبداء الاستشارة وقد تألف هذا الفريق:
1- مستشارين اثنين من قيادة القوة الجوية من اختصاصي سلامة الطيران
2- مستشار من ديوان وزارة الدفاع
3- مستشار من جهاز المخابرات
4- مستشار من مديرية الاستخبارات العسكرية العامة
5- مستشار من ديوان رئاسة الجمهورية
6- مستشار من وحدة القنابل الغير منغلقة
7- مستشار من الهندسة العسكرية
إضافة إلى طلبي للحضور معي في اللجنة مدير الهندسة الجوية ومدير التجهيز الجوي وآمر سرب الطائرة B والمهندس الأقدم للسرب 214 , وكان معي برفقتي المهندسين العاملين ضمن مديرية سلامة الطيران, طلبت حضور الجميع من خلال رسالتي في الساعة السابعة صباحاً في اليوم التالي في مطار المثنى الجوي في بغداد وطلبنا من قيادة القوة الجوية تهيئة طائرة مواصلات لنقل اللجنة والمستشارين إلى قاعدة فرناس الجوية في الموصل وطلبنا من آمر القاعدة تهيئة طائرتين سمتيتين من نوع Mi-17 لنقل اللجنة والمستشارين إلى مكان الحادث وقد حددنا اليوم التالي بسبب رداءة الأجواء وعدم إمكانية الذهاب في نفس اليوم ليلاً.

    

              الطائرة السمتية من نوع Mi- 17

في صباح اليوم التالي 6 مايس 1989 حضر جميع من طلب حضورهم في مطار المثنى وانطلقنا إلى قاعدة فرناس الجوية في مدينة الموصل وبعد وصولنا إلى هناك تم نقلنا مباشرة بالطائرات السمتية إلى مكان الحادث والذي كان لا يزال الجو فيه مغبراً ومدى الرؤية ضعيف علماً بأن الطيارين كانوا قد سبقونا في طلعة سابقة في الصباح الباكر لاستطلاع موقع سقوط الطائرة مما سهل علينا الانتقال إلى الموقع بسلامة وكانت مشاهدتي للطائرة المنكوبة قبل نزولنا من الجو ساقطة على الأرض وهي منبسطة خالية من العوارض الطبيعية وفيما يلي نص التقرير الصادر عن اللجنة الفنية الخاصة بالحادث:-
1- معلومات أولية:
أ- طاقم الطائرة:
أولا: الطيار الأول: الفريق الأول الركن عدنان خير الله طلفاح
ثانيا: الطيار الثاني: المقدم الطيار سمير عبد الرحمن محمد
ب - الركاب: خمسة اشخاص وهم كما يأتي:-
أولا: الرائد الطيار صائب نعمان مصطفى
ثانيا: الفني الجوي ن.ض براد جاسم محمد صالح
ثالثا: 3 أفراد من حماية السيد الوزير
ج- معلومات عن الطائرة: بعد الرجوع إلى السجلات الفنية صحية الطائرة تبين:-
أولا: نوع الطائرة بيل
ثانيا: الرقم المحلي 5700
ثالثا: رقم الصنع 28145
رابعا: مجموع ساعات الطيران (603) ساعة و(25) دقيقة منذ دخولها في الخدمة
خامسا: عمر المحرك الأول (603) ساعة و(25) دقيقة
سادسا: عمر المحرك الثاني (746) ساعة و(25) دقيقة

      

         وزير الدفاع الفريق الأول الركن عدنان خير الله

د- الحالة الجوية ليوم الحادث:
أولا: الرصدة الجوية الصادرة من قسم الأنواء لقاعدة فرناس الجوية في الساعة 1700من يوم 5 أيار 1989 وكما يلي:
1) الريح السطحي: 240/8عقدة
2) الضغط الجوي: 979 مليار 734ملم
3) الجو: مغبر
4) الغيوم: لا ترى بسبب الغبار
5) مدى الرؤية: 800 متر
6) درجة الحرارة: 36 درجة مئوية
7) الرطوبة النسبية: 25%
ثانيا: التحذير الجوي الصادر من الدائرة نفسهاأعلاه والمنشئ في الساعة 1650 والنافذ من الساعة 1700 محلي إلى الساعة 2000 محلي من اليوم نفسه ((عواصف ترابية وزوابع رعدية شوهدت ومتوقعة الحدوث فوق بعض أقسام المنطقة الشمالية من القطر, الرؤية أقل من 1 كم, كمية الغيوم الرعدية 1-3/8/ 750م))
2- وصف منطقة الحادث:
تقع منطقة الحادث في القسم الجنوبي من قرية (الكَوير) بالقرب من الطريق العام (موصل – كركوك) وكذلك الطريق العام (أربيل- مخمور) جنوب قرية (ملا قره) بمسافة 1 كم والمنطقة عبارة عن أرض مفتوحة مستوية جرداء غير مزروعة يقطنها بعض البدو الرحل من رعاة الأغنام في بيوت شعر ولا تحتوي على أية عوارض طبيعية أو اصطناعية.
3- ملخص الحادث:
أقلعت الطائرة بالساعة (1535) من يوم 5 أيار 1989 من المنطقة الشمالية لمحافظة نينوى إلى بغداد وبحدود الساعة (1730) وحسب أقوال شهود العيان من منطقة الحادث سمع صوت طائرة سمتية أعقبها دوي ارتطام الطائرة بالأرض بالقرب منهم وعلى أثر ذلك توجهت مجموعة من الأشخاص المدنيين (رعاة غنم) إلى منطقة الحادث وتم إخلاء الشهداء والجرحى منها وإخبار المراجع بالحادث.

4- تحليل الحادث:
توجهت اللجنة المشكلة المكلفة بالتقصي إلى مكان الحادث وبعد فحص حطام الطائرة موقعياً والاستماع إلى أقوال شهود العيان الموجودين في المنطقة وسماع شريط التسجيل الخاص بالمكالمات في السيطرة الجوية لقاعدة فرناس وقاطع الدفاع الجوي تبين ما يأتي:-
أ‌- ارتطام الطائرة بالأرض باتجاه (100) درجة وبزاوية انحدار تقدر بحدود (10-15) درجة وبميلان إلى جهة اليسار وعزز ذلك انخلاع العجلة الامامية في منطقة الاصطدام مع وجود آثار ضربات الريشة الرئيسية بالأرض من الجهة اليسرى مما أدى إلى تحطم الطائرة كلياً وانتشار الحطام لمسافة (50) مترا باتجاه الصدمة واستمرار القسم الرئيس من الطائرة بالتنطط وباتجاه (270) درجة.
ب‌- من خلال معاينة وفحص حطام الطائرة لم يلاحظ وجود دلائل لحدوث خلل فني أو حالة اضطرارية فيها أثناء الطيران أو آثار حدوث حريق أو انفجار في الجو أو على الأرض.
ت‌- بعد الاستماع إلى المكالمات الراديوية بين السيطرة الجوية لقاعدة فرناس وطائرة الحادث تبين أن الطائرة كانت متجهة باتجاه (160) درجة ولا تنوي النزول في القاعدة وبين الطيار استمراره بالاتجاه أعلاه.

             

ث‌- بعد إقلاع الطائرة من مكان الواجب بالساعة (1535) باتجاه (160) درجة ومرور (10) عشر دقائق طلب قائد الطائرة تغيير الاتجاه إلى (90) درجة لتجنب العاصفة وبعد مرور (4) أربع دقائق أصبح اتجاه الطائرة (180) درجة وموقعها شمال شرق (الكَوير) بمسافة (15كم) وبين أنه سينزل في منطقة شمال شرق مخمور بسبب سوء الأحوال الجوية وكان الوقت المتوقع للنزول هو الساعة (1600) وبالساعة (1726) أقلعت الطائرة مرة ثانية من منطقة النزول نفسها ( أيد نزول الطائرة ومكوثها بعض شهود العيان في منطقة النزول) واتصل قائد الطائرة بالقاطع لغرض الإخبار بالعودة إلى قاعدة فرناس الجوية وفي هذه الأثناء تم إخبار القاطع من قبل سيطرة فرناس بالحالة الجوية وكانت عواصف ترابية مدى الرؤية أقل من (1 كم) وسرعة الريح (15-20 عقدة) وتشتد وبحدود الساعة (1800) تم الاتصال من قبل الطيار بالقاطع مخبراً بأنه سيتوجه للنزول في منطقة النزول الأولى (شمال شرق مخمور) واستفسر القاطع عن أسباب العودة فبين الطيار بأن الأسباب تعود إلى رداءة الأحوال الجوية وعدم تمكنه من الاستمرار في الطيران إلى منطقة الموصل وتم الإخبار أصولياً بالإجراءات المذكورة أعلاه إلى المسؤولين في مركز عمليات القاطع وبعد مرور دقيقتين تم اتصال القاطع بالطائرة للاستفسار منه ولكنه لم يتسلم أي جواب من الطيار فاعتقد بأن الطائرة هبطت في المنطقة.
وفي الساعة (1910) تم إخبار القاطع هاتفياً من قبل مركز عمليات القاطع بارتطام الطائرة المذكورة بالأرض وتحطمها.

    

صورة من جنازة وزير الدفاع الفريق الأول الركن عدنان خير الله طلفاح

5- الاستنتاجات:
إشارة إلى ما ورد أعلاه يتضح بأن سبب الحادث هو دخول الطائرة بوضعية غير اعتيادية (Un Usual Position) بسبب رداءة الأحوال الجوية وانخفاض مدى الرؤية المصحوبة بعواصف ترابية وكما جاء في تقارير الأنواء الجوية وأقوال شهود العيان مما أفقد طاقمها السيطرة عليها وأدى إلى ارتطام الطائرة بالأرض وبسرعة عالية وزاوية انحدار شديدة مع ميلان إلى جهة اليسار (انتهى التقرير الرسمي).

    

الجامع الذي أمر الرئيس العراقي صدام حسين ببناءه في موقع سقوط الطائرة وسمي بالعدنانية وقد تعرض للتخريب والإهمال واصبح غير صالحا لممارسة المراسيم الدينية فيه

لقد تم إيصال هذا التقرير إلى رئيس الجمهورية وفي نفس يوم صدوره من قبل اللجنة ولاحقاً قامت لجنة سلامة الطيران في قيادة طيران الجيش بإرسال نسخة من هذا التقرير إلى ديوان رئاسة الجمهورية وبعد إطلاع رئيس الجمهورية عليه وما جاء فيه من معلومات حول الحادث ومقترحات لتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً وأعيد لي التقرير باعتباري رئيس اللجنة مع تعليقه وتأييده وبالقلم الأحمر شاكراً الجهود التي بذلت في إعداد التقرير ووافق على جميع ما ورد فيه من حقائق ومقترحات مستقبلية لعدم تكرار مثل هذه الحوادث.

      

      صورة تجمع رفاق الدرب صدام حسين وعدنان خير الله

وبعد انتهاء اللواء الطيار مدير سلامة الطيران ورئيس المجلس التحقيقي من سرد أحداث هذه الواقعة والتي أدت إلى مقتل وزير الدفاع الفريق الأول الركن (عدنان خير الله طلفاح) يوم 5 أيار 1989 شكرناه على هذه المعلومات القيمة والتي عززت من قناعتي الشخصية في كون الحادث كان حادثاً اعتيادياً يدخل ضمن حوادث القضاء والقدر والظروف الجوية في ذلك اليوم حيث العواصف الترابية الشديدة وانخفاض مدى الرؤية بشكل كبير أدى إلى صعوبة تمكن قائد الطائرة وزير الدفاع الفريق الأول الركن (عدنان خير الله طلفاح) من السيطرة على قيادة الطائرة, لاسيما وأنه كان على دراية بالقيادة لكنه لم يكن يمتلك خبرة كبيرة في قيادة الطائرات السمتية في هذه الأجواء وإنني استبعد الباعث الجنائي في سقوط الطائرة بالاستناد إلى قرار اللجنة.

         

الرئيس العراقي صدام حسين مع وزير الدفاع عدنان خيرالله في مصيف سرسنك قبل الحادث بساعات

وحيث لا دلائل مادية أو ظرفية تؤيد ما ذهب إليه البعض في تورط الرئيس العراقي (صدام حسين) في حادث إنهاء حياة رفيق دربه وابن خاله وشقيق زوجته, ومن الجدير بالذكر من أنني كنت في عصر ذلك اليوم متواجداً في دائرتي مديرية شرطة محافظة أربيل وجاءني اتصال من عامل البدالة يخبرني بوجود اتصال من القصر الجمهوري وعندما أجبت كان معي على الخط شخص عرفني بنفسه إني الرائد حاتم من القصر الجمهوري, أخي مفقودة طائرة سمتية في أجواء أربيل وبالضبط في منطقة قضاء مخمور, وطلب مني الإيعاز إلى توابعنا للبحث وتقصي الأخبار عنها وكان ذلك في تمام الساعة (1830) وكان الجو مغبراً ومدى الرؤية ضعيفاً, وبالمناسبة أود إيضاح بأن قضاء مخمور في ذلك الوقت كان تابعاً لمحافظة أربيل وليس محافظة الموصل.

            

تمثال لـ عدنان خيرالله في في ساحة الشهداء في جانب الكرخ – بغداد تم ازالته بعد سقوط النظام

وبعد أن ذكرنا التفاصيل الأساسية لهذا الحادث وكلنا أمل في كوننا قد استطعنا في كشف ملابسات أحداثه وأسبابه الحقيقية بعيداً عن قناعاتنا المستندة على موقفنا ووجهة نظرنا حول أشخاصها... وكما يقول الإمام الشافعي:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

589 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع