حامد حسن الياسري
العين الثالثة ((سرد اجتماعي يتشكل داخل الرؤى والأحداث المتقاطعة في رواية طارق احمد السلطاني)).
احتوت الرواية على ثلاثين فصلاً كلُّ منها منفصلاً عن الآخر ، واتخذ الروائي من هذه الفصول ، موضوعات قصصية مختلفة ومنوعة ... عالجت كثيراً من قضايا التداخل الاجناسي ما وراء النص والتهكم والمجاذبات النصيةوتعدد الاصوات ، وقد اعتمد الكاتب على آليتي الاختزال والتباعد الصوري في العبارات والجمل المعرفية ، وعبرت عن همومه وتناقضاته وممارسة التنوع الاسلوبي والتمرد على النسق النمطي وتجاربه في الواقعية الثرية بالتقصي والمتابعة لمعطيات الرواية وتشكلها داخل الرؤى والمساحات المتداخلة بالاحداث واستعمالاتها الرومانسية التي دائماً ما تشترك في تجسيد التجانس الموضوعي وتعدد الاصوات المتوالية في سرد الحالات المختارة من قبل الروائي وادخالها في فصول الرواية ...
إنّ مَنْ يقرأ رواية (العين الثالثة) للروائي طارق احمد السلطاني يمكن له ان يخرج بملامح وسمات تحدد وتؤطر كيفية البناء الروائي الذي يتشكل من لوحات ومشاهد مسرحية يلفها السرد بلغة الضمير المخاطب الذي يتداخل مع الحوار بجمالية ملموسة ، إلاّ ان شخصيات الروايةتظل متناثرة وغير معروفة الادوار بمسارات متباعدة ومتلاصقة آنياً...
يقودها الروائي ليصور لقطاته الفوتوغرافية المحملة بالرموز والدلالات الموصولة بلمحات من واقعية الحياة المحتدمة بالاشياء والمكونات الضاجة بالناس والخلق البشري ...
فقد اعتمد الروائي على المشاهدات الغنية بالدلالات التي تقترب اسلوبيتهاومناخها من الكتابة القصصية التي تساعد على تفجير لغتها وموهبتها المقصدية ، وإن تخرج بملامح وسمات تحدد وتؤطر بناءها في تشكيل لوحات ومشاهد متتابعة بلغة الضمير المخاطب يتداخل مع الحوار بجمالية فائقة حاملاً الرموز والدلالات في تناول وقفات من واقعية الحياة المتصلة بالاشياء والمكونات الاخرى ، وقد استعمل الروائي تداخلاً جميلاً بين ابطال الرواية ، وما يحيط بها من تطورات واحداث يتصاعد بها البناء الدرامي لنمو الحدث بصورة تناسقية ومتتابعة تصاعدية من خلال ما يمليه الروائي في اضفاء الملامح الاساسية لشخصياته ، كما اعتمد العبارات والجمل القصيرة واللقطات المكتنزة بما تحمله من عبارات مهمة ...
اما الوصف في الرواية فقد اسبغ بصورة متعادلة واستطاع وصف حركة الاحداث والشخصيات الضيقة التي حددها مكان الرواية ، وقد بنى الروائي احداثه بصورة متنامية صعوداً الى التوافق المنشود .
اما طريقة سرد الرواية فظلت مبسطة ومحتفظة بمكنوناتها واستخدم الديالوج المتداخل في صورة السرد العامة لبناء احداثه، مما اعطى للرواية شكلاً ناجحاً ومتداخلاً في رسمحالات الشخصيات النفسية بصورة كاملة وحاسمة ، كما طبعت لغته مسحات رومانسية ومفردات وجملاً وبناءً روائياً شامخاً ، وقد طرحت الرواية في مضامينها قضية اجتماعية وثقافية تهم قطاعاً مهماً من قطاعات المجتمع الاساسية...
وان عموم الرواية متواصلاً وتتسم لغتها ببساطة منقادة الى منح ملامحها انفتاحاً لايصاال موضوعها للقارئ .
وان الروائي اهتم بتصوير الاشياء اكثر من اهتمامه بغيرها واسباغ مشاهد تفصيلية على حياة شخصياته ، وكان مبنى الرواية متماسكاً وناجحاً فنياً ، ولغتها موحية وجمالية ... نوعاً ما وبعيدة عن تعقيدات الصوروالمعاني في استخدام الجمل والعبارات الواضحة والجديدة ، وان حيثيات الرواية حافلة بإيقاع تتابعي متغير تتلائم مع فن التقطيع الذي ربط بين الاداء التنويعي وتوالي الاجيال.
الذي اعتمده الروائي عنصراً من عناصر التلوين الذي رافقه ايقاع التصعيدمع التشويق في عموم الرواية التي حققت ايقاعاً مزدوجاً على صعيد المعرفة والتتابع.
ان فن التقطيع الروائي لا يخلو من ايقاع التجانس وتتابع الاحداث ، وحيث تتداخل هذه العناصر الفنية بإيقاع السرد الذي عكس على الرواية مقدرة حكائية متميزة الى جانب الاضافات التنويعية التي ظلت ضرورة من ضرورات تحديد الطابع الخاص بالرواية ، ومن خلال المزج بين فن التقطيع والتوالي وبين تعاقب الاجيال التي افرزت صوراً خاصة ...
فإن رواية (العين الثالثة) تمثل تتابع اجزاء الصورة التي استنفدت تداعياتها على امتداد مساحة غير محدودة لاسيما عناصر الاسترسالوتتابع اللوحات اللامحدودة الى جانب التقطيع والتلوين في الايقاع الذي كان ضرورياً لبلوغ شكل التنويعات الذي اغنى اداءً فنياً خاصاً على الرواية.
ان الرواية كما يقول الادباء هي نتاج ذهنية حضارية منفتحة وليست تعبيراً عن عقلية منغلقة وعاجزة ، ترى انها مقعدة عن اداء دورها في الحياة ، فتسعى الى التعويض عن هذا الدور في الخيال...
إن بناء الشخصية في الرواية ليس مهماً فحسب ، بل إنه من اصعب المهمات التيتواجه الروائي ، كما يذهب ... ان الروائي في هذا العمل عالج عدداً من قضايا التداخل الاجناسي والتناص وما وراء النص والتهكم والمجاذبات النصية والكولاج وبحث انساق ما بعد الحداثة وتعدد الاصوات .
إن لغة الرواية واسلوبها اعتمدت على آليتي الاختزال والتكثيف والايذاء الجسدي، وعن همومه وتناقضاته وتعرية المرحلة العصيبة وممارسة التنوع الاسلوبي والتجريب والتمرد على النسق النمطي وبتجربة ذات لغة مميزة وواقعية ثرية ومتابعة دقيقة لمعطيات الرواية ، وان سرده يفيض على السرد المكتنز والمخفي في خيال مرتبط بالاحساس في تغطية اكثر واوسع مندلالاتها الرمزية ، فمن نسقه الدرامي لصالح سلطته على اللغة تماسك لغوي عميق مع ما يحتاجه هذا العصب من ادوات تعبيرية وفنية وبنائية ....
ويبقى المستوى التعبيري والادوات اللغوية الاخرى عنصراً من عناصر الصورة الفنية النامية نمواً معبراً... ويتخذ الروائي من ملمح الصورة الظاهر والمؤثر اعتماده وسيلة فنية معبرةومن خلال اللغة الروائية المكثفة المنتقاة بعناية لتوصيل دلالتها اللامعة والمشعة ، وثمة انتقال من مستوى السرد الى مستوى التداعي واللجوء الى تيار الوعي احياناً...
استخدم الروائي كلمة (العين الثالثة) في اكثر من مكان في الصفحات (27 ، 29/ 76 ، 86، 89 ، 105 ، 163 ، 168 ، 175 ، 189 ، 203 ، 205 ، 215 ، 231 ، 234 ، 249) ...
كما ان بطل الرواية (ايوب) استخدم عينه الثالثة وغاصت في اعماق الماضي، وراح يرى فيها ايوب مكانات متفرقة من سفرته الطويلة بين فصول هذه الرواية والتي يرى فيها رد عينه الثالثة على كل النساء والافكار وما يرصد فيها من حوادث مختلفة واحداث كونية وشخصيات مذكورة من داخل الرواية ، وبذلك فقد استطاع استعمال هذه العين الثالثة كمرآة راصدة ومتتبعة في تصوير وتقصي الحقائق والاحداث والبحث عنها في رواية حملت هموم البطل ايوب واصدقائه ومحبيه في تداخل معني بالاحداث المتقاطعة داخل الرؤى والمعاناة في سرد اجتماعي يتشكل ويرسم مكونات الاحداث والتنقلات بين فصل وآخر في ثيمة الرواية الاصلية .
ان رواية (العين الثالثة) تقف في صف الروايات العراقية الجيدة التي حفلت وعالجت اهم المشكلات والأحداث المجتمعية السائدة الآن في المجتمع والتي تطرقت الى الجوانب المهمة في حياتنا الإنسانية ، ولعلي في هذا الموضوع اثمن دور الروائي طارق السلطاني ، واتمنى على الآخرين الالتفات الى هذا الجهد الكبير الذي بذله السلطاني في كتابة هذه الرواية .
اشكر لكم استماعكم والسلام عليكم .
1154 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع