حركات إنفصال كردستان عبر التأريخ القسم الثاني

    

     حركات إنفصال كردستان عبر التأريخ/القسم الثاني

   

   

حركات إنفصال كردستان في العهد الملكي

2. حركات بارزان الثانية سنة 1945
تنويه ، إستلت هذه المعلومات من كتاب (صفحات من تأريخ العراق المعاصر 1914- 1958) مذكرات الفريق الأول الركن صالح صائب الجبوري المبينة صورته أدناه وهو برتبة فريق أول ركن سنة 1949

             

الذي شارك في الحرب العالمية الأولى ضمن الجيش العثماني في مختلف جبهات القتال وخاصة جبهة القفقاس ضد الجيش الروسي وهو أحد الضابط الذين لهم الشرف بتأسيس الجيش العراقي الباسل سنة 1921 وشغل عدة مناصب قيادية وأخرها منصب رئيس أركان الجيش العراقي الباسل للفترة من (25 كانون الأول 1944 لغاية تموز 1951) والشخص الذي قام بتحقيق هذه المذكرات غني عن التعريف وهو اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس أطال الله في عمره ومَنً عليهِ بالصحة والعافية.
تنويه
1. الموضوع طويل وقد يشعر القارئ الكريم بالملل لكن لا يمكن تجزئته لأهميته ولكي يلم القارئ الكريم بالأحداث وحسب تأريخ وقوعها.
2. سبق هذا التمرد أحداث مشابه بين سنة 1932 وسنة 1944 من قبل نفس الزمرة ضد مخافر الشرطة والدوائر المدنية في المنطقة لكن بحجم أقل ولم تعير لها الدولة أهمية في حينها.
3. سيرئ القارئ الكريم إرتباط جهة التمرد بجهات أجنبية تقدم لها الدعم وحاولت هذه الجهات إلحاق الضرر بالجيش العراقي بالرغم من كونها ترتبط مع الدولة بمعاهدة أمنية .
4. سياق عمل الدول ضد جهة التمرد كان يتصف بالصبر والتأني والعطف والتوجيه لكن بدون جدوى.
5. رئيس أركان الجيش الذي يعتبرقائد الجيش كان يتصف بالمهنية العسكرية العالية والحرص الشديد على أرض الوطن وعلى أرواح المواطنين ومن ضمنهم منتسبي الجيش وكان يشخص الخلل الذي سيحدث قبل وقوعه من خلال تدخل الجهات الأجنبية في شؤون العراق.

      

الموقف العام
منذ إستسلام الملا مصطفى البارزاني في 7/1/1944 وجهت الحكومة جهودها لتوطيد الأمن في منطقة بارزان ، فأصدرت في 21 نيسان 1945 عفواً عاماً عن البارزانيين وأعادت شيوخهم المبعدين إلى أماكنهم وسلمت كميات كبيرة من المواد الغذائية والأقمشة إلى الملا مصطفى لتوزيعها على عشيرته التي كان يدعي إنها مهملة وبائسة ، ومع كل ذلك لم يَفِ الملا مصطفى بالتعهدات التي قطعها على نفسه ، وأخذ يتدخل في كل صغيرة وكبيرة لزيادة نفوذه وإضعاف الحكومة ، كما إنه أخذ يتجول بإستمرار مع عدد من أعوانه المسلحين في أقضية الزيبار ودهوك والعمادية وراوندوز لغرض الإتفاق مع رؤساء العشائر فيها وفرض سيطرته عليها وقد هدد بعضهم بالقتل إن لم ينضموا إليه ، ودبر قتل بعضهم فعلاً ، وهاجم و أعوانه في 15/7/1945 أسعد أغا ، وهو قائد من راوندوز فجرحوا أربعة من أتباعه ، لم يقف الملا مصطفى عند ذلك الحد ، بل أخذ أتباعه يهاجمون دوريات الشرطة أيضاً ، وفي 26/7/1945 ترك قرية بارزان مع 40 مسلحاً بحجة الذهاب إلى قرية (بيده) لفض النزاع القائم بين أولاد (حاج ملو) والشيخ (نوري البريفكاني) ، فطلب إليه متصرف الموصل عدم التدخل في هذه القضية ، ولكنه لم يعبأ بذلك فترك قرية (نبا) في يوم 30 /7/945 بصحبة محمود أغا الزيباري مع 140 مسلحاً ، وأخذ ينتقل من قرية إلى أخرى حتى أصبح معه حوالي 300 مسلح ، وزعهم على القرى التالية : خرابيه ، بران ، كاني سينج ، جمانكي . بعد ذلك إنتقل إلى منطقة ( رابتكي ) وطلب أن تنسحب قوات الشرطة من قريتي (بيده) و (بريفكا) ، وفي اليوم نفسه هاجم بعض أتباعه قرية (شيفي) ونهبوها، فنزح منها أهلها ، ودخل أسعد خوشوي وبعض البارزانيين مخفر(بارزان)
فاستولوا عليه وخربوه كما دخل (اولوبيك) مع عدد من المسلحين (مخفر مركه سور)
خدعةً ، وما أن إتضح ذلك ، حتى إصطدموا بشرطة المخفر، فقُتل اولوبيك وبعض أتباعه ، كما قُتل المفوض( مأمور المخفر) وبعض شرطة المخفر، الذي سقط بيد العصاة وفي نفس اليوم هاجم العصاة سراى بِلَه (الزيبار) وحاصروه ، وهكذا إختل الأمن في منطقة بارزان فأنذر متصرف أربيل ، الملا مصطفى بالكف عن التجوال ، فتجاهل ماحدث ووعد بالعودة إلى بارزان .
ردود فعل الحكومة
في 1 آب 1945 عقد إجتماع طارئ في ديوان مجلس الوزراء حضره كل من :
وكيل رئيس الوزراء - صالح جبر
وزير الداخلية - مصطفى العمري
وزير الدفاع - إسماعيل نامق
رئيس أركان الجيش - اللواء الركن صالح صائب الجبوري
وإطلعوا على التقارير والبرقيات الواردة حول الموقف في منطقة بارزان وبحثوا موضوع القيام بالحركات لإنهاء الوضع القلق هناك .
وقد تم إستدعاء رئيس البعثة البريطانية الجنرال (رنتن) مفتش الجيش من قبل وزير الدفاع ، إلا أن الجنرال المشار إليه أبدى عدم موافقته على القيام بالحركات هناك ، متعذراً بأسباب واهية لا تثبت للمناقشة . ومن تلك الأسباب:
1. إن قطعات الفرقة الثانية بحاجة إلى تدريب لايقل عن ستة أسابيع وأن يتم تحشد الفرقة الثانية بعد الإنتهاء من التدريب خلال المدة من 15 أيلول إلى تشرين الاول 1945 و كما يلي :
آ. جحفل اللواء الرابع في منطقة مركه سور.
ب. جحفل اللواء الخامس في منطقة جالكي.
ج. جحفل اللواء الثالث في منطقة كاني لنجه على أن يتحرك الأخير من منطقة رايات ماراً من رست وجايات.
د. كما أكد على ضرورة إنجاز تصليح الطرق ونواقص قوات الحدود:
أولاً. ضرورة إنشاء طريق من العمادية إلى بله.
ثانياً. تصليح طريق خليفان إلى بله.
ثالثاً. إكمال نواقص قوات الحدود.
إن هذه المقترحات تسبب تأخير الحركات إلى حلول فصل الشتاء ، أي أنّ الجيش سيضطر إلى القتال في ظروف وأحوال جوية غير ملائمة . هذا بالإضافة إلى إقتراحه بتوزيع الجحافل في مناطق خطرة وغير ملائمة مطلقاً للشروع منها بالحركات .
وبناءاً على طلب وزير الدفاع فقد قدم اللواء ( رنتن) تقريره بهذا الخصوص ، وأعطى نسخة من التقرير إلى رئيس أركان الجيش ، و السفارة البريطانية في بغداد ، والمعاون العسكري إلى قائد قوات (ايران – العراق).
ردود فعل قيادة الجيش
إجتماع مجلس الدفاع :
وعلى أثر تقرير اللواء ( رنتن ) تقرر إجتماع مجلس الدفاع مضافاً إليه قائد الفرقة الثانية وآمري جحافل ألويتها. فتم الأجتماع في 4 آب 1945 ، حيث تم مناقشة الموضوع وتقرر إجراء الحركات بأسرع ما يمكن بعد إكمال النواقص.
نص قرار مجلس الدفاع :
1- وجوب القيام بالحركات العسكرية .
إن عطف الحكومة على البارزانيين وتساهلها معهم وغضها النظرعما إقترفوه من الجرائم والآثام لم يثمر الثمرة المرجوة منه ، بل بالعكس أدى إلى إستهتار الملا مصطفى وأتباعه وزيادة إعتدائهم على المسالمين من سكان القرى وتجرؤهم على موظفي الحكومة ، الأمر الذي برهن برهاناً قاطعاً على أن الوسيلة الوحيدة لإفهام هؤلاء وجعلهم يشعرون بقوة الحكومة ومنعهم من العبث والإخلال بالأمن هي ضربهم وإخضاعهم بالقوة ، إذ بدون ذلك لا يمكن أن تستعيد الحكومة سطوتها وتبسط سيطرتها على تلك المنطقة.
2- وجوب الإسراع بالحركات العسكرية :
من الواجب الشروع بالحركات العسكرية بأسرع مايمكن للأسباب التالية:
أ‌- إن التردد وعدم القيام بحركات حاسمة منذ هروب الملا مصطفى وشروعه بالعبث والفساد ، هو الذي أدى إلى هذا الإستهتار وجعله أن يصل إلى هذه الحالة التي أصبح فيها أقوى بكثير مما كان عليه في السابق ، وإن كل يوم يمر سيكون في صالحه ويزيد من قوته ويعظم من نفوذه وسيطرته .
ب . إن تأخير القيام بالحركات ، سيؤدي بدون شك إلى تغيير موقف القبائل المترددة ويجعلها تنحاز إلى جانبه ، كما حدث فعلاً منذ شروعه بالحركات سنة 1943 حتى الآن.
3- المحاذير في تأخر الحركة إلى شهر تشرين الاول
يبدأ موسم الأمطار في منطقة بارزان في أواخر تشرين الأول ويزداد هطولها وتكثر الأوحال في شهر تشرين الثاني فتأجيل الشروع بالحركات إلى شهر تشرين الأول سوف لايمكن الوحدات من إنهاء عملها قبل حلول موسم الشتاء ، وسيجعلها عرضة لويلات البرد القارص والأمطار الغزيرة والثلوج ، ولهذه الأسباب يحبذ المجلس الشروع بالحركات في أوائل شهر أيلول فيما إذا لبّت الحكومة جميع مطاليب الجيش ومكنّته من إكمال نواقصه.
رئيس أركان الجيش يقدم مذكرة إلى وزير الدفاع
نظراً إلى تطور أعمال وحركات الملا مصطفى وأعوانه قدم رئيس أركان الجيش المذكرة المرقمة ح . ب/1 والمؤرخة في 5/8/1945 التالية
سري للغاية
الرقم ح . ب /1 التاريخ 5/8/1945
إلى / معالي الوزير
الموضوع / مذكرة حول إستقرار الموقف الحالي في الشمال بالنظر إلى تطور وضع الملا مصطفى وأتباعه.
بالنظر إلى الأخبار الأخيرة المتيسرة عن حركة الملا مصطفى ومحمود آغا الزيباري مع عدد من الرجال المسلحين نحو منطقة قرى أتروش، وقيام آولو بك بضرب نطاق من رجاله حول مركه سور، وإجبار مدير الناحية على توزيع الأقمشة ، وبالنظر إلى تصرفات مامند مسيح في قرية (شيتنه) وقتل العديد من سكانها ، والحوادث السابقة المتوالية في المنطقة الشمالية ، أرفع هذه المذكرة مستعرضاً فيها الموقف مجملاً، وأُبدى ملحوظاتي وإنطباعاتي عن هذه الحركة والوضع في تلك المناطق بصورة عامة :
1. الملا مصطفى ومنطقة نفوذه :
أ. منذ سنة 1943 حتى أعلان العفو العام عنه وعن جميع البارزانيين كان نفوذ الملا مصطفى في توسع مستمر وقد وطد علاقاته مع الرؤساء البارزانيين في المناطق المجاورة له وأصبح نفوذه الآن شاملاً منطقتي الزيبار وبرادوست ، وإن القبائل والرؤساء في أقضية عقرة والعمادية ورواندوز تميل إلى موالاته ومعاونته عند الحاجة للرجال والمؤن . وكان لوضعه هذا وتزايد سطوته ونفوذه علاقة وثيقة بالقضية الكردية داخل العراق وخارجه ، وإن معظم أكراد العراق من رؤساء وغيرهم ينظرون اليه نظرة الزعيم لقضيتهم إن كل حركة أو عمل يقوم به الملا مصطفى الآن أو في المستقبل يفسره الأكراد بأنه لصالحهم وفائدتهم وله علاقة بقضيتهم.
ب. إن العفو العام عنه وعن إخوته والبارزانيين عامة وإرجاعهم إلى منطقتهم ومصاهرته مع الزيباريين وتحالفه مع كثير من الرؤساء ، والدعايات المستمرة والمتزايدة التي يبثها دعاة القضية الكردية ، كلها من الأمور التي أدت إلى إعلاء منزلته في نظر كثير من الرؤساء والقبائل، وقسم من الطبقة المثقفة من الأكراد ، وإن هذا الأمر الواقع في تزايد مستمر.
ج. بعد ذكر ماتقدم ، ليس من الصواب إعتبار وضع الملا مصطفى الآن وحركاته مجرد شقاوة وعصيان لأطماع شخصية ، أو نتيجة لتفكير محدود ، وإن ما نشاهده له صلة وثيقة بالقضية الكردية وأصبح هو، ومايقوم به من أعمال ، رمزاً لعدم رضائهم بوضعهم الراهن ، وواسطة لتحقيق غايات سياسية ، ومآرب بعيدة المدى، تهدد الوحدة العراقية ونقاط إرتكازها ، وعليه يمكننا الحكم بكل قناعة وحزم ، بأنه ينال عطف هذه الطبقة ومساعدتها المادية والمعنوية في كل وقت ومكان ، وإنه ليس من الصواب تجاهل علاقاته مع الناحية الأجنبية ، ولابد أنه الآن بتماس مستمر مع هذه الناحية ، ويأمل أن يحصل منها على المعونة المادية والمعنوية أيضا.
2. طوبوغرافية المنطقة :
أ‌. إن المنطقة موضوعة البحث تشتمل على أراضٍ جبلية شديدة الوعورة ، وفيها من طرق المواصلات الصالحة للتنقلات العسكرية الآلية مايلي :
أولاً- طريق رواندوز – مازنه – مركه سور – جامه.
ثانياً- طريق خليفان– خلان– ريزان– بله .
يحتاج الطريقان ( في اولاً وثانياً) لإصلاح كثير
ثالثاً- طريق موصل – عقرة.
رابعاً- طريق موصل – عين سفني.
خامساً- طريق دهوك – سواره توكه – عمادية.
أما الطرق الأخرى فهي عبارة عن نياسم لا تصلح إلا للقوات الراجلة وحيوانات الحمل ، ولا يمكن سلوكها في موسم الشتاء عند هطول الأمطار وتساقط الثلوج .
ب‌. إن ماجاء في (أ) أعلاه لايمنع قطعات الجيش الجبلية المدربة من القيام بالحركات في هذه المنطقة في أي وقت كان خلال هذه السنة، عدا موسم الشتاء ، إذ أن عوامل الطقس وصعوبة المواصلات تؤثر على القطعات العسكرية وتحدد من مجال عملها أكثر مما تؤثر في حركات العصابات وسكان المنطقة.
3. قوات الملا مصطفى وتسليحها:
أ‌. لا يملك الملا مصطفى ومواليه من الرؤساء قوات نظامية في الوقت الحاضر، فإنه إذا ما أراد القيام بأية حركة فأنه لاشك سيستخدم رجال القبائل المسلحين بالبنادق والرشاشات ، من الجنود المسرحين من الجيش ، والملتجئين إليه خلال حركات 1943 وبعدها ، ومن الضباط والمراتب الأخرين من الجيش والشرطة المحتمل التحاقهم به عند بدء الحركات وفي أثنائها ، وهناك إحتمال كبير بأنه سيحصل على مساعدات كثيرة من أسلحة ومواد طبية وأرزاق وإرشادات عسكرية من الناحية الاجنبية التي تطرقنا اليها آنفاً.
ب‌. لقد غنم الملا مصطفى في حركات سنة 1943 من قطعات الشرطة ومخافرها مايقدر بـ (600) بندقية ، وجميع السلاح الذي وزع على الشرطة غير النظامية من البرادوستيين والزيباريين ، والذي لم يعاد منه إلى الحكومة في شهرمايس مايستحق ذكره ، ولقد تسرب إلى هذه المنطقة عدد كبير من السلاح والعتاد من داخل إيران ، من بنادق ورشاشات ومسدسات وغيرها ، وهذا السلاح من النوع الجيد الصالح للخدمة.
ج . يتضح من هذا، أن لدى الملا مصطفى وأعوانه كمية كبيرة من السلاح لا يمكن تقديرها بأقل من ( 4000 ) أربعة آلاف بندقية وعدد من الرشاشات ، كذلك لديهم كميات كبيرة من العتاد، وإنه يحصل على مايحتاج عند الحاجه.
د. في وسع الملا مصطفى جمع جموع كبيرة تبلغ الـ ( 1000 ) مسلح عند الحاجة ، في مكان واحد وزمن واحد ولحركة معينة ، إلا أنه لايتمكن من الإحتفاظ بهذا العدد لمدة طويلة نظراً لصعوبة إعاشتهم ، يستدل من هذا إنه في وسع الملا مصطفى أن يقوم بحركات بمقياس واسع أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى.
ه. من المحتمل جداً قيام الملا مصطفى وأعوانه بحركات تحرشية بقوات الحكومة في الوقت الذي يناسبه ، وذلك بعد أن تتم إستعداداته ومحالفاته.
4. الإستنتاج :
أ. إن كل عمل يقوم به أي رئيس عشيرة أو آغا من الموالين إلى الملا مصطفى ، يكون دوماً بموافقته أو بعلم منه ، ولايمكن لأحد التصرف من تلقاء نفسه ، لذا فإن تصرفات (اولوبك) وأعمال (مامند مسيح) الأخيرة لابد وإنها إما بأيعاز من الملا مصطفى أو بعلم منه.
ب. يحتمل أن تؤدي الحركة الحالية القائم بها الملا مصطفى وأتباعه مع محمود آغا الزيباري في منطقة اتروش ، إلى تصادم بينه وبين قوات الشرطة هناك ، وعندئذ من الضروري جداً القضاء عليه بالقوات المسلحة مهما كان القصد من حركته ، وأن هذه هي خير فرصة لإعطاء الحد والنهاية لهذه الحالة المضطربة .
إن جحفل اللواء الخامس الموجود في معسكر سواره توكه ، مهيأ للعمل ومعاونة قوات الشرطة عند الحاجة.
ج. حال حدوث التصادم بينه وبين قوات الشرطة ، من المحتم إخلاء جميع المخافر النائية الكائنة في منطقة العصيان وسحب أفرادها.
د. في حالة القرار على القيام بالحركات ضد الملا مصطفى وأتباعه، يجب إكمال نواقص الجيش بسرعة ، والقيام بالحركة الفعلية المقتضاة ، ولا يجوز القيام بمثل هذه الحركة في موسم الشتاء ، لما في ذلك من محاذير كبيرة .
ه. في حال تطور الموقف وقيام سكان منطقة أخرى من المناطق الشمالية بحركة مماثلة لحركة الملا مصطفى بقصد معاونته وإرباك موقف الحكومة ، أو عند تدخل ناحية أجنبية في الحركات وحصول الملا مصطفى على المساعدات المعنوية والمادية ، عندئذ لابد وأن يتعقد الموقف إلى درجة يتطلب معها إتخاذ قرارات ومسائل أخرى.
و. بعد إعطاء القرار الحاسم على إجراء الحركات وتعيين موعد المباشرة بها ، سينظر في أمر وضع الخطة في حينه ، إلا إنني أرى أنه من المفيد إتخاذ بعض التدابير التمهيدية التالية :
أولا. توقيف المساعدات المالية ومواد الحبوب المجانية والأقمشة المرسلة إلى منطقة بارزان.
ثانياً. محاصرة المنطقة بقوات من الشرطة تحيط بها من كل جانب لمنع صلاته مع الخارج .
ثالثاً. الضرب على أيدي الأشخاص وعلى الموظفين منهم الذين يشتغلون كدعاة وواسطة تجسس إلى الملا مصطفى وأعوانه .
صالح صائب الجبوري
أمير اللواء الركن
رئيس أركان الجيش
قرار مجلس الوزراء بإحتلال منطقة الزيبار
في 8 آب 1945 إتخذ مجلس الوزراء قراره بإحتلال منطقة الزيبار عسكرياً بعد إستعراضه للموقف وإطلاعه على جميع المخابرات الواردة إلى وزراة الداخلية وغيرها من الجهات الرسمية ، بما في ذلك تقارير متصرف أربيل ومتصرف الموصل وقائم مقام دهوك وغيرهم .
أجتماعات ومداولات :
في يوم 9 آب 1945 عقد إجتماع في وزارة الدفاع ، حضره وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس البعثة البريطانية ، تكلم وزير الدفاع مبيناً ضرورة الإسراع بالقيام بالحركات ، إلا أن رئيس البعثة البريطانية الجنرال رنتن ، بقي مصراً على عناده ، ومما قاله ، بأنني إذ لم يؤخذ بآرائي في تأجيل هذه الحركات فسوف أترك العمل لديكم ، كما إن أعضاء البعثة البريطانية هم الآخرون ينسحبون من الوحدات ولايعملون لديكم وفي الساعة العاشرة
، إنتقلنا نحن الثلاثة ، إلى ديوان مجلس الوزراء، وقابلنا رئيس الوزراء بالوكالة السيد صالح جبر، وقد إنضم إلينا المستر (ديجبرن) مستشار وزارة الداخلية ، حيث بين السيد صالح جبر ضرورة إعادة الأمن إلى المنطقة والضرب على أيدي الأشقياء والمخربين ، كما بين مستشار وزير الداخلية بعضاً من أعمال تخريب الأشقياء وجرائمهم. وهنا أوضح رئيس البعثة البريطانية موقفه صريحاً ، ذلك الموقف الغريب، فقال إن كل ماذكر لايهمني ولا يغير من رأيي ، وإذا شرعتم بالحركات فسأترك وأعضاء البعثة البريطانية العمل لديكم ، وإن شئتم أقدم هذا الأعترف كتابةً ، فأجابه وكيل رئيس الوزراء صالح جبر، لقد فهمت كلامك ولا حاجة إلى تقديمه مكتوباً.
وبعد إنصراف رئيس البعثة البريطانية ، إجتمعنا في مكتب وزير الداخلية ومما قال صالح جبر (نحن لا نلتفت إلى توصيات الجنرال رنتن التي لا توافق مصلحة البلاد) نحن لنا خبراؤنا العسكريون ونأخذ بأرائهم ، ولا حاجة لنا بآراء الآخرين ، ولابد من تنفيذ مقررات مجلس الوزراء الذي وافق على إجراء الحركات العسكرية.
لقد طلب المسؤولون مني أن أطمئنهم على نجاح الحركة العسكرية وذلك لكثرة ماثبط به العزائم رئيس البعثة البريطانية الجنرال رنتن ، فأجبتهم " لا الهر هتلر الذي كان يعتقد بتفوقه على خصومه وبنجاحه في الحرب أمن الغلبة إلى المانيا ، ولا الحكومات الغربية وعدت وأكدت لشعوبها الغلبة عند إعلان الحرب ومباشرة القتال ، وإذا كان بإمكانكم معالجة الموقف بالطرق السلمية فسلوكه أجدى وأنفع ، وإذا تعذر عليكم ذلك فلا مناص من القيام بحركات عسكرية فالجيش يقوم بالواجب الملقى على عاتقه بمؤازرة الحكومة والمؤيدين من أبناء البلد والتوفيق من الله"
وقد أكدت على إطاعة القرار القطعي من قبل الحكومة وعدم التردد والتوقف بعده.
تخويل رئيس أركان الجيش بتنفيذ مقررات مجلس الوزراء
جاء في كتاب وزير الدفاع السري للغاية والمستعجل جداً المؤرخ في 9 آب 1945 تخويل ( ر أ ج ) القيام بإجراء الترتيبات اللازمة لتنفيذ مقررات مجلس الوزراء المتضمن القيام بالحركات العسكرية في منطقة الزيبار، فكان لابدل ( ر أ ج ) من تحشيد جحافل الألوية الموزعة توزيعاً غريباً وخطيراً بموجب إقتراحات رئيس البعثة البريطانية الجنرال رنتن ،
لقد كانت جحافل ألوية الفرقة الثانية موزعة في مساحة واسعة ، وبينها مسافات طويلة يتعذر معها التعاون فيما بينها ، كان جحفل اللواء الثالث في (حاجي عمران) وفوج منه في (راوندوز) ، وجحفل اللواء الرابع في (بنجوين) وفوج منه في (السليمانية) ، وجحفل اللواء الخامس في (سواره توكه) وفوج منه في (عقره).
مجمل خطة التحشد
قرر ( ر أ ج ) أن يكون إجراء الحركات على قاطعين مهمين وهما :
قاطع ( راوندوز) و قاطع (عقره) ، يضاف إلى ذلك قاطع ثالث تقوم به قوات الشرطة هو قاطع (العمادية) ، وعلى هذا الأساس صدرت الأوامر بتأليف القوات وواجباتها كما يلي :
قائد الحركات قائد الفرقة الثانية اللواء مصطفى راغب.
قوة راوندوز آمرها : الزعيم الركن إسماعيل صفوت.
تتألف من : جحفل اللواء الثالث.
جحفل اللواء الرابع.
واجبها : التقدم نحو مركه سور وإشغالها في المرحلة
الأولى.
قوة عقرة آمرها : الزعيم ياسين حسن.
تتألف من : جحفل اللواء الخامس.
جحفل اللواء الأول.
واجبها : مسك مقر عقره والتقدم بإتجاه دينارته وسلسلة سربيرس
للتضييق على العصاة وحصر منطقة التمرد في المرحلة الأول
قوة العمادية آمرها : مدير الشرطة مزاحم ماهر.
تتألف من : الفوج الثالث ، والفوج الرابع من الشرطة.
واجبها: التقدم من العمادية بإتجاه ( سواره توكه) وتطهير
المنطقة
قوة بافستيان آمرها: العقيد طاهر محمد الزبيدي.
تتألف من: اللواء الخامس عشر.
واجبها : حماية مضيق كلي علي بك ومنطقتي بافستيان
وخليفان ، وتكون بمثابة قاعدة وقوة ساندة إلى قوة راوندوز.
الأحتياط العام القوة الآلية تحت قيادة قائد الحركات.
خط المواصلات على عاتق كتيبة المدرعات الثانية.

   

 موقف المتمردين وتسليحهم :

قدرت قوات المتمردين في المحلات الموزعة فيها كما يلي :
حوالي 500 مسلح في منطقة (سيده كان) و(سربردى).
حوالي 500 مسلح في منطقة (مركه سور).
حوالي 150 مسلحاً في منطقة (جسر خالان).
حوالي 500 مسلح في منطقة مابين (دينارته) و(سرعقره).
حوالي 100 مسلح في منطقة (سورى).
كما توجد جماعات أخرى متفرقة تهاجم وتحاصر بعض المخافر في المنطقة.
وفي يوم الجمعة الموافق 10 آب 1945 ، أصدر ( ر أ ج ) الكتب والبرقيات المتعلقة بالحركات ، منها ماوجهه إلى قائد الفرقة الثانية يتضمن قرار الحكومة بإجراء الحركات العسكرية ، ومنها ماطلب فيه سحب دورة الضباط الأقدمين التي كانت في حاجي عمران ، ومنها مايخص الحركة وإجراء التحشدات وفق الخطة التي مر ذكرها ، إلى جانب أوامر ووصايا كثيرة تقتضيها طبيعة العمل العسكري وسرعة التنفيذ.
قيام العصاة باعمال إجرامية
في يوم 11 آب 1945 وصلت أخبار وتقارير بقيام العصاة بعدة أعمال إجرامية ، منها إحتلال مخفر بارزان وسراي (مركه سور) ومحاصرة مخفري بيره كبره و(بله).
وعليه أصدر( ر أ ج ) الأوامر التالية برقياً:
1- الغاء دورة الضباط الأقدمين في رايات وإلتحاق ضباطها بوحداتهم وتشكيلاتهم فوراً.
2- إنتقال فوج راوندوز من ثكنته إلى بافستيان للمحافظة على مضيق كلي علي بك.
3- حركة جحفل اللواء الثالث من حاجي عمران إلى بافستيان.
4- حركة حجفل اللواء الرابع من معسكره في بنجوين إلى بافستيان بالسيارات وتعقبه قافلة حيواناته.
5- حركة جحفل اللواء الخامس من سواره توكه إلى عقرة.
6- حركة اللواء الأول من المسيب إلى الموصل بالقطار ومنها إلى عقرة.
7- حركة اللواء الخامس عشر من الديوانية إلى كركوك بالقطار.
8- إلحاق بعض الطائرات من القوة الجوية بمقر قيادة الحركات.
9- حركة كتية المدرعات من كركوك إلى أربيل.
10- وضع الفوج الآلي بالإنذار متهيئاً للحركة.

   

إقتراحات الجنرال ( رنتن ) ولم يؤخذ بها :
إستمر الجنرال رنتن على العمل ولم يتركه كما هدد بذلك ، وقد إقترح عدة إقتراحات لم نأخذ بها لعدم صلاحيتها ، وللمحاذير التي كما نرى إنها ستنجم عنها ، ومن بين هذه الإقتراحات ما يلي :
1- أن تسير قافلة حيوانات نقلية جحفل اللواء الرابع من بنجوين إلى السليمانية ، ومنها خارج الطريق العام إلى دوكان وخليفان.
ولم ناخذ بهذا الإقتراح لأن خطر مواجهة العصاة لهذه القافلة في الأراضي الوعرة وخارج الطريق العام بين دوكان وخليفان خطر محقق ، وسوف تتعرض القافلة إلى هجوم العصاة حتماً.
2- أن يكون تحشد جحافل الوية الفرقة الثانية كما يلي:
جحفل اللواء الرابع في منطقة مركه سور.
جحفل اللواء الخامس في منطقة جالكي.
جحفل اللواء الثالث في منطقة كاني لنج.
على أن يتحرك جحفل اللواء الثالث من رايات ماراً بـ (رست) و(حايات) .
ولم نأخذ بهذا الإقتراح لأن حشد القوات في منطقة بعيدة من القاعدة الأمينه، وفي وسط منطقة العصاة ، يعرضها جميعها إلى أخطار جسيمة ، خاصة اللواء الثالث ، المقترح حركته في منطقة شديدة الوعورة وبعيدة ومعزولة.
3- إستمرار دورة الضباط الأقدمين في حاجي عمران وهذا إقتراح غريب يخفي في طياته التلكوء ومحاولة تأجيل الحركات بمختلف الأعذار وإن كانت واهية ، إلا أنني رفضت الأقتراح فالتحق الضباط الأخرون بوحداتهم فوراً .
تدخل الملحق العسكري الأمريكي
طلب الملحق العسكري الأمريكي (الكولونيل كونفرس) مقابلتي ، فحضر ومعه مساعده (الكابتن روزفلت) ، وكان ذلك صباح يوم 11 آب-1945 ، وهو أول يوم بدأ فيه المتمردون أعمالهم الإجرامية ، وقبل أن تصدر الأوامر إلى القطعات بالتحشد ، ووجه لي أسئلة أُجملها هنا ، ليستنبط القارئ الكريم مدى تغلغل هؤلاء وتقصيهم الأمور.
كانت الأسئلة كما يلي:
- هل الحركة مهمة وهل هي أعظم من الحركات السابقة ؟
- ما هو مقدار أسلحتهم التي يقال إنها 100 بندقية؟
- كذلك يقال إن الجيش متهيئ للأمر وإنه باشر بالتحشد وإن وحداته متفرقة ومتباعدة.
- ويقال كذلك إن (عزت عزيز) الذي كان ضابط ركن في الجيش العراقي ، قد سرق الخطط والتحق بالعصاة ، كما أن (مير حاج)، و(مصطفى خوشناو) ، اللذين كانا في صاوجيلاق ، قد التحقا بالعصاة أيضاً.
- ويقال أن عند العصاة مفرقعات .
ثم أردف يقول ، إن أصدقاءنا الإنكليز، أفهموا الأكراد بصراحة أنهم لايوافقون على حركتهم هذه ، وهم الآن يخالفون الحكومة العراقية والإنكليز معا ، ولابد من وجود من يساعدهم فمن هو الذي يساعدهم؟
أجبت عن أسئلة الكولونيل المذكور بما ينبغي من الأجوبة ، أما سؤاله الأخير هذا فقد تجاهلته لأنني أدركت ما ينطوي عليه من تعريض ببعض الدول ، ثم أبتسم وقال إن المساعدة ليست من إيران بل أبعد من ذلك.
سفر ( ر أ ج ) إلى كركوك وأربيل والموصل :
بعد أن أصدر( ر أ ج ) أوامر التحشد ، أراد الوقوف بنفسه على مجريات الأمور، فسافر يوم 12 آب 1945 إلى كركوك حيث التقى بقائد الحركات وضباط ركنه ، وناقشهم في عدد من القضايا ، كان من بينها ضرورة حركة اللواء الخامس عشر ( الذي وصل مقره وفوج منه إلى كركوك من الديوانية ) إلى (كلي علي بك) لكي يمسك المضيق ، الذي توقع أن العصاة سيحتلونه ، فشدد على آمره (العقيد طاهر الزبيدي)، بالسرعة في الحركة وإتمام إحتلال مدخل المضيق ، وإتخاذ كل ما يلزم من مراباة ورصد وغيرهما لحماية الجسور الموجودة داخل المضيق ، وتم ذلك فعلاً.
ثم سافر إلى أربيل يوم 14 آب 1945 ، ومعه قائد الحركات اللواء مصطفى راغب ، وبعد الإطلاع على الموقف فيها ، تحرك إلى الموصل . وحين واجهه متصرفها ، علم إنهم قلقون من العمادية لضعف حمايتها، فأمر بأرسال أحد أفواج الشرطة اليها ، وإرسال فوج ثاني إلى (بيده)، وسرية منه في (آتروش)، ويبقى الفوج الثالث إحتياط في (سواره توكه).
وبعد أن تم تنفيذ جميع أوامر التحشد ، عاد ( ر أ ج ) إلى بغداد يوم 18 آب 1945 حيث قدم تقريراً مفصلا بذلك.
نص تقرير ( ر أ ج ) المرفوع إلى وزير الدفاع
رئاسة أركان الجيش الرقم ح ب/1/59
دائرة الأركان العامة التاريخ 18/8/1945
سري للغاية
معالي وزير الدفاع
الموضوع – تقرير
1. أرفع لمعاليكم تقريراً عن الأعمال التي قمت بها خلال جولتي في الشمال في المدة بين 13/8/1945 و 15/8/1945 مبيناً فيه ما شاهدته من حالة القطعات وموقف تنقلاتها وفعاليات الشيخ أحمد البارزاني وأخيه الملا مصطفى وأتباعهم ، وملحوظاتي وإنطباعاتي عن الحالة الراهنة :
لقد إجتمعت بقائد الفرقة الثانية ( قائد الحركات ) ورئيس أركانه في مقره في كركوك ، فأوضحت لهم الموقف ، وبعد أن إطلعت على خطتهم في الموضوع ، ناقشتهما في خطة التحشد ، وأصدرت الأوامر اللازمة .
أ. إستصحبت معي قائد الحركات ، ومعاون رئيس أركان الجيش إلى أربيل والموصل يوم 14/8/1945، فواجهت متصرف لواء أربيل ومدير شرطته ، ومتصرف لواء الموصل ومدير شرطته، حيث إطلعت منهم على الموقف الأخير لفعالية الشيخ أحمد البارزاني ، وأخيه الملا مصطفى وأتباعهم ، وبعد أن إطلعت أيضا على موقف حاميات الشرطة ومخافرها ، أصدرت الأوامر اللازمة بإعادة توزيع أفواج الشرطة السيارة حسب متطلبات الموقف وضرورة تقوية منطقة العمادية .
1. الموقف و وضع القطعات العسكرية في المنطقة :
أ. بتاريخ 11/8/1945 إستخبرنا بموقف الحركات العدائية من قبل الشيخ أحمد البارزاني وأخيه الملا مصطفى وأتباعهما، وتجاوزهما على مخافر الشرطة بقوة السلاح في مخافر بارزان وبله ومركه سور يوم 9/8/945 ، وكانت قطعات الجيش موزعة في معسكرات التدريب بعيدة عن المنطقة التي وقع فيها الإضطراب ، وكانت المواقع الحيوية والمهمة في منطقة العصيان وجوارها خالية من القطعات العسكرية ، لذا فإن وضع تشكيلات ووحدات الجيش كان صعباً من حيث إمكان إيصالها إلى هذه المناطق . هذا وإن الفرصة كانت سانحة للعصاة للتوغل وإحتلال مناطق أوسع ومواقع مهمة أكثر مما جرى فعلا ، وإنهم لو قاموا بذلك لأمكنهم عرقلة الحركات المقبلة وإجراء التخريبات التي تشل الحركة والتنقل من قبل القطعات العسكرية ، مثلا توغلهم وإحتلالهم العمادية، أو منطقة عقرة ، أو قيامهم بالتخريب في كلي علي بك ، وقطع الطريق على جحفل اللواء الثالث بين رايات وراوندوز.
ب. بالنظر للتدابير التي إتخذت، تمكنا من إيصال بعض وحدات الجيش إلى بعض النقاط المهمة جداً ، وزال بذلك هذا الخطر نوعا ما بتاريخ 11/8/1945 ، عند وصول فوج من جحفل اللواء الثالث إلى بافستيان وحراسته مضيق كلي علي بك ، والجسور الموجودة فيه ، وبوصول اللواء الخامس عشر (ناقص فوج) إلى خليفان بتاريخ 13/8/1945 وحراسته مدخل كلي علي بك الجنوبي ، وسده طريق (خليفان – ريزان ) بوجه العصاة الذين كانوا متجمعين في منطقة خالان . ولقد إستمر التحشد بصورة عاجلة ، الأمر الذي مكننا من مسك المواقع المهمة بقوات كافية مساء يوم 15/8/ 1945 ، وكان وضع القطعات آنذاك كما يلي :
أولا. جحفل اللواء الثالث في بافستيان ، وسيبقى في هذا المعكسر حتى المباشرة بتنفيذ الخطة.
ثانيا. اللواء الخامس عشر في منطقة خليفان وسيبقى في معسكره هذا حتى صدور أمر آخر إليه.
ثالثا. جحفل اللواء الخامس في سواره توكه متهيئاً للحركة إلى منطقة تحشده في عقرة صباح يوم 16/8/1945 .
رابعا. اللواء الاول ( ناقص فوج ) في عقرة .
خامسا. الفوج الاول لجحفل اللواء الخامس في سر عقرة .
سادسا. الفوج الثاني من اللواء الأول في السليمانية وإستلم هذا الموقع من الفوج الأول جحفل اللواء الرابع .
سابعا. الفوج الأول من جحفل اللواء الرابع في أربيل في طريقه إلى بافستيان .
ثامنا. كتيبة المدرعات للفرقة الثانية وبطرية ضد الجو الخفيفة في أربيل تمهيداً لقيامها بواجب حماية القوافل على طريق أربيل – بافستيان ، وجسر مندان – عقرة .
تاسعا. كتيبة الصحراء الخامسة في كركوك .
عاشراً. كتيبة خيالة من الشرطة في جسر مندان بصورة مؤقتة.
حادي عشر. فوج شرطة في العمادية وفوج آخر في سواره توكه، وفوج ( ناقص سرية ) في بيدا وسرية شرطة في آتروش .
أما حيوانات هذه الوحدات فانها سائرة على الطريق ، وعلى هذا الأساس سيتم تحشيد الرجال من القطعات في المناطق المقررة في الخطة بتاريخ 20/8/1945، وسيتم تحشيد جميع القوات اللازمة للحركات بتاريخ 26/8/1945، إذا لم يطرأ شئ أو عامل يستوجب التبديل ، فإستنادا إلى ذلك ولضرورة المباشرة بالحركات الفعلية عاجلا سيكون في إمكاننا المباشرة في تنفيذ الخطة في أوائل الشهر القادم وذلك بعد إكمال التكديس اللازم.
1- معلومات عن وضع العصاة وأعمالهم عند المخافر :
أ. بالنظر إلى الإجراءات المتخذة بما يتعلق بحشد القوات العسكرية بهذه السرعة وقيام القوة الجوية الملكية بإلاستطلاع والقصف ، فان وضع الملا مصطفى قد تطور، وأصبحت لهجته في مخاطبة القائم مقامين ومدراء النواحي تختلف عما كانت عليه سابقا، وإنه ينفصل عن مسؤولية الاعمال الإجرامية في مركه سور وريزان والزيبار وشيتنه ، وحاول ظاهراً القاءها على غيره ، إلا إنه في الواقع عالم بكل مايجري في المنطقة وبإيعاز منه .
ب. إن أهم عمل قاموا به هو إستيلائهم على مخفر شرطة مركه سور الذي له أهمية تعبوية في تسهيل حركة التقدم . وبهذه المناسبة ، أحب أن أنوه بأن هناك إحتمال غير بعيد بإستسلام مخفر بله للعصاة ، نظراً لعلاقات مفوض المخفر مع العصاة ، ووجود أخيه متجولا مع الملا مصطفى وأعوانه ، وأنه قد ينتظر الفرصة الملائمة لمثل هذا العمل .
ج. يستدل من الأنباء الواردة ، أن العصاة لديهم القوات الكافية في المناطق المهمة للدفاع عنها ، ولديهم قوة إحتياطية متنقلة لتعزيز هذه القوات ونجدتها حسب مقتضيات الحالة ، وعدا ذلك فإنهم يستندون على مساعدات أخرى ، يكشف عن نوعها وعن مقياسها في المستقبل القريب عند بدء الحركات.
2- شعور الأهلين إتجاه الأعمال التمردية :
إن شعور الأهلين وإنطباعاتهم عن أعمال البارزانيين والموالين لهم وعن وضع الحكومة تتلخص بأن قيام الشيخ أحمد البارزاني والملا مصطفى وأتباعهم بهذه الحركة الأخيرة ناتج عن رفق الحكومة بهم ومساعدتها لهم أكثر من اللازم ، مما جعلهم أن يعتبروا هذا الرفق والرحمة ناتج عن ضعف الحكومة ، ويضربون لذلك مثلاً بأعطاء الحكومة ( 1500 ) دينار لبناء قصر إلى الشيخ أحمد، وإرسالها لهم الحنطة والشعير والأقمشة مجاناً، التي بلغت أجور نقلها إثنى عشر الف دينار، وتخصيصها رواتب لهم ولاتباعهم ، لذا فان الأهليين ينتظرون قيام الحكومة بإجراءات صارمة لوضع حد إلى
هذا الوضع والتصرف المشين ، ولأستعادة سلطة الحكومة ونفوذها في هذه المنطقة ، ولكي يأمن كل فرد على حياته و ممتلكاته .
3- شعور منتسبي الجيش إتجاه الوضع :
أ. إن جميع منتسبي الجيش مستاؤون من أعمال البارزانيين وتصرفاتهم ، بإستثناء بعض الضباط والمراتب الآخرين من الأكراد ، الذين لهم صلة بالمشتغلين بالقضية الكردية ، الذين يشك بهم قائد الحركات ، وبعض الموظفين الإداريين الذين لابد من إبعادهم عن منطقة الحركات وما جاورها إلى محلات بعيدة آخرى قبل البدء بالحركات .
ب. لقد وجدت منتسبي القطعات القائمة بالتحشد بروحية عالية ، وإنهم يعملون بصدر رحب ، حتى إن أكثر الماذونيين أخذوا يلتحقون إلى وحداتهم لمجرد سماعهم بحركة وحداتهم إلى منطقة الحركات ، وأنهم جميعا، عدا النفر القليل ، متألمون من تكرر تمرد هؤلاء الناس رغم العفو العام الصادر بحقهم ، لإعتقادهم بأن بقائهم في معسكرات التدريب في الشتاء الماضي كان سبب الإضطراب السائد في هذه المنطقة وعدم إنقياد هذه الفئة المتمردة إلى القوانين .
4- إنطباعاتي الشخصية :
أ‌- إنني لأجد مناسبات وتحالفاً بين الشيخ أحمد البارزاني وأخيه الملا مصطفى مع رؤساء العشائر الكردية في المنطقة ، وهم على إتصال دائم مع بعضهم ومع الرؤساء الذين هم خارج المنطقة ،و حتى الذين يتظاهرون بالولاء إلى الحكومة .
إن جميع رؤساء العشائر والمتنفذين في أقضية العمادية والزيبار ورواندوز، مهما كانت موالاتهم للحكومة وتظاهرهم لها بحسن النية والإطاعة للأوامر، فإنهم يشك في أمرهم ، وهم في إنتظار قيام القطعات العسكرية بالحركات والوقوف على نتائج الحركة الأولى لإعطاء قرارهم النهائي بالموالاة أو عدمها .
ب‌- بالرغم من التحشدات الواسعة النطاق التي تجري حول منطقة الإضطراب ، فان الأشقياء لم يبد منهم أي إرتباك أو محاولات تؤول إلى تقديم الطاعة أو شبه ذلك ، الأمر الذي يستنتج منه على إن لهم بعض التدابير مع مناطق أخرى لإحداث الشغب أو ما شابهه حينما يكون الجيش منشغلا بالحركات التأديبية ضدهم فيتسع حينئذ الخرق . وإن تكاثر العصاة في منطقة سيده كان ومحاصرة مخفر الشرطة هناك ، يوحي بتوغلهم شرقاً نحو الحدود ولربما إختلطت هذه مع الحركة القائمة في كردستان الإيرانية .
ج . إن معاداة القائمين بالحركة مع الحكومة العراقية وعدم التفاتهم إلى التوصيات ونصائح الجهة البريطانية بخصوص المحافظة على السكينة والعمل كمواطنين منقادين لأوامر الحكومة ، آمر يجعلني أميل إلى الإعتقاد بإنهم يستندون إلى معونة من ناحية أجنبية ، ويتأملون بأن تلعب دورها في هذه القضية ، وإن الشيخ أحمد البارزاني وأخيه الملا مصطفى والرؤساء الأخرين وأتباعهم لابد وإن يكونوا باإصال مستمر وبصورة سرية جداً مع هذه الناحية الأجنبية . فلخطورة هذا الأمر لابد لنا من السعي للوقوف على هذه اليد أو هذه الناحية الأجنبية، ومدى العلاقة الموجودة بين الطرفين ، ونوع المساعدات التي سيحصل عليها العصاة داخل العراق وخارجه.
د. إن القطعات التي وضعت الأن بإمرة قائد الحركات والتي ستصبح بإمرته خلال الحركات ، تكفي لأنزال الضربة القاضية بالقائمين بالعصيان المسلح في بارزان ، مالم يطرأ تبدل على الموقف يستوجب إتخاذ قرارات وتدابير أخرى .
صالح صائب الجبوري
رئيس أركان الجيش

بدء الحركات وسير العمليات
إعلان الأحكام العرفية
بناء على ماعرضة وزيرا الداخلية والدفاع ، وما قرره مجلس الوزراء ، صدرت الإرادة الملكية بتاريخ 19 آب 1945 بإعلان الأحكام العرفية في قضاء الزيبار والمناطق المجاورة له التي يعلن قائد القوات العسكرية المرابطة فيها إنها تابعة للحركات العسكرية .
حركة ( ر أ ج ) إلى الشمال ثانية :
رأى ( رأ ج ) أن من الأوفق أن يكون بالقرب من مقر قيادة الحركات ، فتحرك يوم 26 آب-1945 إلى كركوك ، وتداول صباحا مع قائد الحركات حول الموقف ، ثم تحرك مساء يوم 27 منه إلى أربيل وأسس معسكراً فيها.
وفي 28 منه تحرك إلى خليفان وبافستيان وتباحث مع قائد الحركات وآمر قوة راوندوز حول الموقف. وفي مساء اليوم نفسه ، إستلم برقية وزير الدفاع حيث طلب عودته إلى بغداد
وفي 29 آب 1945 ذهب إلى عقره ، وتباحث مع آمر قوة عقره ، ثم سافر منها إلى الموصل ثم بالقطار إلى بغداد.
إجتماع في ديوان رئيس الوزراء :
في 30 آب 1945 إجتمع في ديوان رئيس الوزراء كل من ( صالح جبر وكيل رئيس الوزراء)و ( ر أ ج ) ، ووزير الدفاع ( إسماعيل نامق) ، ثم إنضم إليهم وزير الداخلية ( مصطفى العمري)، وتداولو حول الموقف ، فبين لهم ( ر أ ج ) الوضع وما إطلع عليه في جولته.
وفي مساء اليوم المذكور حضر ( ر أ ج ) حفل عشاء أقيم على شرف الجنرال (سميث) القائد العام للقوات البريطانية في إيران والعراق ، بمناسبة نقله إلى منصب في الهند، فسأله آنذاك سكرتير السفارة البريطانية ( بيرون) عن الحركات ، وأظهر عدم رضاهم عن التمرد في الشمال ، وقد علم ( رأ ج ) أن الجنرال رنتن ينوي السفر إلى الشمال ، فخشى أن يختلق مبررات لتأخير الحركات.
وبعد خروج المدعوين ، إجتمع رئيس الوزراء ب ( ر أ ج ) وبوزير الدفاع ، وحضر مدير الخارجية العام الدكتور فاضل الجمالي ، فقرأ كتاباً موجهاً من الملا مصطفى إلى السفارة البريطانية بواسطة الكولونيل ( ميد) في الموصل ، وملخصه
(عدم رغبة الأكراد في البقاء مع العرب ورغبتهم في الإرتباط ببريطانيا) ، وإنهم سينتقمون من العرب إلى آخره.
وفي 31 آب 1945 سافر وزير الدفاع و الجنرال (رنتن) إلى الشمال.

بدأ الحركات العسكرية والقضاء على التمرد :
في 1 أيلول1945 أخبر قائد الحركات ( ر أ ج ) إكتمال جميع التنقلات والتحشدات والإجراءات اللازمة للشروع بالحركات ، وعليه قرر ( ر أ ج ) أن يكون يوم (ص) أي يوم الشروع بالحركات هو يوم ( 3 أيلول) ، فارسل برقيات جفرية إلى قائد الحركات.
وفي يوم 3 أيلول وصل ( ر أ ج ) إلى الموصل وتحرك منها إلى أربيل ، فصادف وزير الداخلية مصطفى العمري في الطريق ، حيث أخبره بإنضمام (محمود آغا الزيباري) وجماعته إلى العصاة نظراً لمصاهرته للملا مصطفى.
وصل أربيل ظهراً، ووصلها بعده وزير الدفاع اسماعيل نامق، ورئيس البعثة البريطانية الجنرال رنتن، عائدين من بافستيان. ولما علما بصدور أوامر الشروع بالحركات، ألح رنتن على التأجيل حتى ولو ليوم واحد، فخشيت من هذا الطلب، لأني أعلم أن أي تأجيل في تنفيذ الخطة يفقدها عنصر المباغتة ويستفيد منه المتمردون بواسطة أصدقائهم العاملين في المنطقة، ولما يئسوا من موافقتي، باغتوا قائد الحركات الذي وصل الينا وسمع آخر الحديث
، فلم يعلم عن معارضتي بالتأجيل، بسؤاله ما اذا كان يوافق على التأجيل ليوم واحد فلم ير لزوما للمعارضة ، عنئذ وجهت كلامي إلى وزير الدفاع اسماعيل نامق قائلاً، إن التأجيل سيسبب كارثة للجيش ، لأن الجنرال رنتن سيطلع الممثل البريطاني في الموصل على الحركة، ومن هنا سيتسرب الخبر إلى المتمردين ليتخذوا تدابيرهم. وقلت له أنت وحدك تتحمل مسؤولية ماسيقع .
وتركتهم وعدت إلى بغداد، فوصلتها صباح يوم 3 أيلول 1945، وقابلت الأمير زيد نائب الوصي وشرحت له الوضع بالتفصيل.
بعد وصولي وزارة الدفاع ، إتصل بي الشريف حسين بن ناصر من البلاط الملكي، وأخبرني برغبة الأمير زيد بمقابلة السيد صالح جبر، وكيل رئيس الوزراء ووزير المالية.
وحين كنت في مكتب السيد صالح جبر، كلمه تلفونيا من الموصل وزير الدفاع، وطلب منه بوصفه نائب رئيس الوزراء ، سحب ميجر (كرين) ضابط الإستخبارات البريطاني في الشمال لعطفه على المتمردين.
وفي 4 أيلول وبعد تأجيل الحركة يوماً واحداً ، وذهاب رنتن إلى الموصل ، بدأت الحركات. تقدم جحفل اللواء الخامس من سرعقره نحو دينارته ، فوجد اللواء العصاة على علم بحركته، وهم متهيئون لمقابلته. وبعد منتصف الليل ، وصلت برقية هذا اللواء تحمل أنباء قتاله مع العصاة وخسائره الكبيرة في النفوس والعتاد ، فكان الذي وقع هو ماكنت أخشاه ، إلا أن جحفل اللواء الخامس وصل إلى دينارته بصعوبة بالغة ، سببها معرفة المتمردين بحركته.
وفي 6 أيلول وردت أخبار بتجمع العصاة بين سرعقره ودينارته ، وقطعهم طريق مواصلات جحفل اللواء الخامس ، إلا أن قوة اللواء كانت كافية لحمايته .
وفي 7 أيلول وهو يوم الجمعة ، أول يوم من عيد الفطر المبارك، وردتني برقية آمر قوة راوندوز يرجو فيها مقابلتي في بافستيان، كما وردتني برقية وزير الدفاع في أربيل وهي :
من وزير الدفاع
إلى رئيس أركان الجيش
أرى ضرورة مجيئكم إلى أربيل اليوم. أرجو سرعة حركتكم وإنباءنا ..
ونظراً لتردي الموقف العسكري ، سافرت بنفس اليوم ، بعد أن حصلت على وعد قاطع بسحب وزير الدفاع والجنرال رنتن من ساحة الحركات .
وفي 8 أيلول وصلت أربيل وعاد وزير الدفاع إلى بغداد ، وأصدرت أمراً بنقل مقر اللواء الخامس عشر وأحد أفواجه من بافستيان إلى عقره.
وزارني مساءً وزير الداخلية الذي جاء من مصيف صلاح الدين .
وفي 9 أيلول ذهبت ووزير الداخلية إلى عقره ، حيث قابلنا عدداً كبيراً من الأكراد الموالين للحكومة ، والذين أبدوا رغبتهم في العمل مع الجيش ضد المتمردين ، فقررنا تأليف شرطة غير نظامية تناط قيادتها بقائم مقام دهوك.

إرسال قافلة تموين إلى جحفل اللواء الخامس في دينارته:
كان تموين جحفل اللواء الخامس غير مرضٍ ، حيث يكثر تواجد العصاة على طرق مواصلاته ، وقد قطع خط تموينه ، فقررت إرسال قافلة تموين إلى الجحفل المذكور.
وفي يوم 10 تحركت القافلة صباحاً ، وهي مؤلفة من 68 بغلا ، تحمل كل مايحتاجه الجحفل من أعتده وأرزاق ، معقبة طريق (بجيل- أمادان –دينارته) حيث وصلت إلى مقر الجحفل في اليوم التالي.
قررت ضرب المتمردين إبتداء من يوم 11 أيلول ، ولكن وصلتني طلبات قائد الشرطة غير النظامية ، يرجو فيها أن تتأجل الحركة إلى يوم 13 أيلول الجاري، وذلك بسبب مراجعة عدد من الزيباريين المتمردين عارضين إستسلامهم ، كما أنه ينتظر إستسلام محمود آغا الزيباري. ونظراً لرغبته في حقن الدماء ، فقد وافقت على هذا التأجيل.
وفي يوم 11 و 12 أيلول أرسلت مدفعين عيار(3,75) عقدة لتكون مع لواء الشرطة في (سوري) ، ومدفعي صحراء عيار 18 رطلاً إلى (العمادية) لتبقى مع قوات الشرطة.
إن تأليف قوات الشرطة غير النظامية إنما كانت لتعمل في مواقع بعيدة عن مجال القطعات العسكرية ، إلا إنني لا أميل إلى إشتراك قوات غير نظامية مع الجيش تجنباً لما قد يحدث من إرتباك وإضطراب.
وفي يوم 13 أيلول ، وهو اليوم الذي قررت الشروع فيه بالحركات، رأيت أن الشرطة غير النظامية لم تعمل بما هو مرسوم لها، بإستثناء عبدالله الشرفاني وجماعته.
وفي 14 أيلول 1945 شرعنا بالحركات الفعلية بموجب الخطة التالية ، وكنت أشرف على تنفيذها في سرعقره .

خطة الحركات
1. يترك جحفل اللواء الخامس حامية لحراسة معسكره في دينارته ، وتتحرك أفواجه منفتحة باتجاه سلسلة سرعقره .
2. يقوم اللواء الأول بالتقدم منفتحاً من سرعقره باتجاه دينارته .
3. تقوم قوة الشرطة النظامية بسد الجهة الشرقية من المنطقة .
4. تقوم قوة الشرطة غير النظامية بسد الجهة الغربية من المنطقة .
إن تنفيذ الخطة في وقت واحد يحصر العصاة في صندوق مغلق .
وقد نفذت القوات النظامية جميعها واجباتها في هذه الخطة ، إلا أن الشرطة غير النظامية لم تقوم بواجبها كما ينبغي ، مما أدى إلى هروب العصاة من الثغرات التي كانت بينهم وبين القوات النظامية من جحفل اللواء الخامس ، وهكذا تم تطهير منطقة جحفل اللواء الخامس بين سلسلة سرعقره ودينارته ، وتم تأمين مواصلات الجحفل المذكور
وفي يومي 16 و 17 أيلول زار( ر أ ج ) قوات راوندوز في بافستيان ومازنة، ثم عاد إلى بغداد فوصلها صباح يوم 18 أيلول
لقد كانت الجهات الرسمية والوطنية في بغداد مسرورة جداً من أنباء الحركات العسكرية الأخيرة ، إلا أن رئيس البعثة الجنرال رنتن قد بدأ يحرك عملاءه ويبث الدعايات المحبطة ويثبط الهمم
وفي 20 أيلول وصل الوصي على العرش الآمير عبد الإله عائداً من أوروبا.
وفي 22 أيلول طُلِب حضور ( رأ ج ) إلى البلاط الملكي ، فذهب وإجتمع بالوصي ، وبين له سير حوادث العصيان المسلح في الشمال وتدابير الحكومة والجيش تجاهه.
وفي 23 أيلول طُلِبَ حضور ( ر أ ج ) إلى البلاط فذهب وإجتمع لدى الوصي على العرش وكان الإجتماع من الساده :
رئيس الوزراء السيد حمدي الباجه جي.
وزير المالية السيد صالح جبر.
وزير الداخلية السيد مصطفى العمري.
وزير الدفاع السيد إسماعيل نامق.
رئيس أركان الجيش أمير اللواء الركن صالح صائب الجبوري.
رئيس البعثة البريطانية الجنرال رنتن.
وبعد أن إستمع الحاضرون إلى الإيضاحات عن الوضع في شمال العراق ، دار البحث عن الحركات والخطة المقبلة ، فبين ( ر أ ج ) ضرورة الشروع بها قبل حلول الشتاء ، حيث إن تأخيرها سيكون لمصلحة المتمردين من عدة وجوه ، وأما الجنرال رنتن فقد عارض ، كما هو متوقع منه ، هذا الرأي وأصر على أن يبقى الجيش في معسكراته طوال فصل الشتاء ، وقال إن جبال (سربيرس) ستكون مقبرة الجيش العراقي. وذكر مالديه من معلومات عما لاقته القوات البريطانية من مقاومة عنيدة، وما أعطته من خسائر بعد الحرب العالمية الأولى
ولكن ( ر أ ج ) فنّد هذا الرأي ، وبين ضرورة الإسراع بالحركة وحذّر من التأجيل ، فشعر ( رأ ج ) إن أغلب الحاضرين يميلون إلى رأيه ، ولكنهم لايجهرون بآرائهم بعد أن إستمعوا إلى تحذيرات رنتن.
وبعد أخذ ورد ، تقرر، كحل وسط ، أن تذهب هيئة مؤلفة من وزير الدفاع والداخلية ورئيس أركان الجيش والجنرال رنتن ، إلى الشمال لدراسة الوضع هناك ، وإتخاذ قرار بالنسبة لموعد إجراء الحركات العسكرية لم يشعر ( ر أ ج ) ب الإرتياح لهذا الإقتراح ، وكان من المفروض أن تسافر هذه الهيئة في نفس اليوم ، أو اليوم الثاني ، إلا أن الهيئة لم تسافر حتى مساء يوم 28 أيلول مما جعل ( ر أ ج ) أن يفكر في مسؤوليته في حفظ أمن البلاد ، والدفاع عن وجهة نظره ، وإثبات صحتها
وفي 24 أيلول كلم ( ر أ ج ) هاتفيا وزير الداخلية وأخبره بالتدهور الذي أصاب معنويات الموالين من الأكراد ، بما فيهم الشرطة غير النظامية ، نتيجة للإشاعات والدعايات الكاذبة ، وبناء على هذه المعلومات من وزير الداخلية ، والتأخير الذي حصل في سفر الهيئة إلى الشمال ، أصدر ( رأ ج ) أوامر جفرية إلى قائد الحركات ، وبضمنها القوة الجوية في الموصل ، بأن الحركات ستشرع صباح يوم 29 أيلول وسيكون هو معهم في الوقت نفسه.
وفي 29 أيلول وصل ( ر أ ج ) والهيئة إلى الموصل، فذهب إلى مقر القوة الجوية مباشرة ، وإتصل منها بمقر قيادة الحركات في أربيل ، حيث ترك بقية الهيئة في الموصل ، وإسرع إلى عقره ، وإتصل منها بمقر جحفل اللواء الخامس في دينارته ، ففهم بأن تقدم القطعات يجري وفق الخطة.
فقد تم إحتلال القمم الشرقية لمضيق بيرس في حوالي الساعة 1600 ، وتم إحتلال قممه الغربية بأجمعها في حوالي الساعة 1730. وبذلك تم تطهير سلسلة جبل بيرس من العصاة ، وسقط الحصن الذي كانوا يخيفون به الحكومة والجيش وبخسارة لاتذكر.
لا شك بأن سلسلة جبل بيرس منيعة ووعرة ، ولكن إحتلال الجيش لها بتلك السرعة كانت مفاجأة كبيرة.
قرر ( ر أ ج ) زيارة جحفل اللواء الخامس في صباح اليوم الثاني، وإتخذت الترتيبات اللازمة لها ، إلا إنه غير رأيه ، وسافر إلى قوة راوندوز في 30 منه ، وذلك لورود برقية من قائد قوة راوندوز وكانت لمعلوماتها أهمية عنده.
وفي 1 تشرين أول 1945 وصل معاون مدير الشرطة ، (فاضل علي) إلى معسكر بافستيان ، وبين لنا بعض الأخبار والمعلومات ومما قاله ، بحضور وزير الداخلية ووزير الدفاع ، إن المتمردين كانوا مقررين ضرب ألوية الجيش كل على إنفراد في مناطق تدريبها المتباعدة في بنجوين ورايات وسواره توكه.
وهنا يحسن بأن نذّكر برأي الجنرال رنتن حول بقاء ألوية الجيش في هذه الأماكن مما سبق أن ذكرناه في الصفحة الماضية .
وفي 2 تشرين أول 1945 تحرك جحفل اللواء الخامس إلى ضفة الزاب ، مقابل بلدة (بله) ، كما تحرك جحفل اللواء الرابع من قوة راوندوز من قرية مازنه إلى خالان وتحرك ( ر أ ج ) إلى خليفان وشاهد الأضرار التي حصلت في جسر خالان الواقع على الطريق المؤدي إلى بله ، وكان هناك من الحاضرين الشيخ رقيب ، أحد رؤساء عشيرة السورجية ، ومن الموالين للحكومة ، وعند مشاهدته الجنرال رنتن ، تساءل عن وجوده هناك وقال " والله هذا جاء للتجسس "
وفي 3 تشرين أول 1945 عبر جحفل اللواء الخامس نهر الزاب .
وقد وردت أخبار حول عبور عدد من المسلحين الحدود الإيرانية إلى العراق للالتحاق بالمتمردين ومؤازرتهم ، كما بين معاون الشرطة بأن بعض رؤساء المتمردين بدأوا يتصلون لطلب عفو الحكومة.
وقد وصلتنا معلومات عن قاضي صاوجيلاق وعدد من رؤســــــــــــــاء (كومه له) الأكراد الإيرانيين ، وذهابهم إلى باكو قبل ثلاثة اسابيع لمقابلة السلطات الروسية وعودتهم قبل أسبوع .
وفي 4 تشرين أول 1945 وصلت قوة من قوة عقره إلى قرية ريزان وأحتلتها، وقد نقلنا معسكرنا إلى بيرس هذا اليوم.
وفي 5 تشرين أول 1945 إحتلت قوة عقره ، قرية بارزان بدون مقاومة ، كما تقدم جحفل اللواء الثالث مع قوة راوندوز إلى ليلوك فأحتلها.
وفي 6 تشرين أول 1945 وردتنا معلومات من مصادر عديدة تفيد بأن الشيخ أحمد البارزاني وجماعته عبرت الحدود الإيرانية إلى إيران عصر هذا اليوم ، وكذلك إنسحب الملا مصطفى وأعوانه الذين بقوا كمؤخرة، ودخلوا إيران.
وفي 7 تشرين أول 1945 شاهد الطيارون إنسحاب فلول العصاة نحود الحدود الإيرانية ، وقد أرسل في هذا اليوم فوج شرطة من بافستيان إلى سيده كان.
وفي 8 تشرين أول 1945 وصلت طلائع قوة راوندوز إلى مركه سور.
وفي 11 تشرين أول 1945 تحرك ( ر أ ج ) من كركوك إلى بغداد ، بعد إنتهاء الحركات.
وبمناسبة إنتهاء الحركات العسكرية في منطقة بارزان بفوز الجيش على العصاة ، أصدر ( ر أ ج ) البيان التالي إلى جميع قطعات الجيش برقياً.
" لقد إنتهت الحركات العسكرية في منطقة بارزان بفوز الجيش الباهر على العصاة المتمردين، وبخيبة أمل الكائدين للجيش والبلاد. أهنئ منتسبي قواتكم الذين ساهموا في هذا الإنتصار، وأرجو تبليغ شكري لهم جميعاً، آملاً أن يكون منتسبوا الجيش دوما عند حسن ظن سيدنا القائد الأعلى، ورجال البلد المخلصين. أسأل المولى عز وجل أن يمطر شآبيب الرحمة على أرواح الشهداء الذين ضحوا بحياتهم وكتبوا الصفحة الخالدة بدمائهم البريئة في ميدان الواجب والشرف. فليعش الجيش المخلص الأمين لبلاده العزيزة ولجلالة ملكه المفدى ولسمو وصيه المعظم " .
وصف حركات برزان 1945 من حيث الشدة والإتساع:
وبعد أن إستعرضنا في هذا الفصل حركات الجيش العراقي في شمال العراق عام 1945 ، أرى أن من الجدير بالذكر الإشارة إلى وصف هذه الحركات من حيث حجمها ، وإتساعها ، والجهات ذات الصلة بها، فأقول :
إن حركات عام 1945 هذه كانت واسعة شملت معظم المنطقة الشمالية من العراق ، كما إنها كانت ذات صلة بأكثر من جهة أجنبية واحدة ، وإن حكومتين كرديتين ، هما حكومة (القاضي محمد) في صاوجيلاق، وحكومة (جعفر بيشوارة) في تبريز، تمدان هذه الحركة بالسلاح والرجال ، علاوة على أن المتمردين إستطاعوا إجبار أكثرية السكان في المنطقة على مؤازرتهم. ومما يذكر في هذا الصدد ، أن العصاة إستحلفوا السكان غير المتمردين بالقرآن الكريم ، وبطلاق زوجاتهم ، على الإشتراك معهم في مقاتلة قوات الحكومة . وحين إنتهت الحركات بالقضاء على التمرد بتلك السرعة المفاجأة ، وجد بعضهم أنه لم يف بيمينه ، إذا لم يطلق طلقة واحدة ضد الجيش ، فكان لابد لهم من إستفتاء علماء الدين ، وهذا مانُـقِل لنا فيما بعد ، حيث أفتى علماء الدين لهؤلاء بإطلاق عدة عيارات نارية ليلا بإتجاه مخفر الشرطة ، ولو في الهواء ليسقط عنهم الوزر، ولتحل لهم زوجاتهم ، وهكذا فعلوا ذلك.

      


الشيخ محمود الحفيد ، الشيخ الكوردي المشهور ، يستقبل الوصي عند باب السرادق الذي أقامه في مضيق طاسلوجة على الطريق بين كركوك والسليمانية ويبدو رئيس أركان الجيش صالح صائب الجبوري في مدخل السرادق، كما يظهر السياسي العراقي المعروف توفيق وهبي مرتديا السدارة العراقية.
      

الوصي عبد الإله ومرافقوه عند معبر ريزان الذي انشأته الهندسة العسكرية على نهر الزاب الكبير 1945م ويظهر في الصورة الطوف المائي (العبّارة) المنشاء على الزوارق العسكرية القابلة للطي والنقل من مكان لآخر.

        

           الأمير عبد الإله مع جواد أغا السورجي 

             

         صورة تبين بدء جولة الوصي في منطقة بارزان

بتاريخ 3/11/ 1945 ويشاهد في الصورة كل من مصطفي العمري(1) وزير الداخلية والفريق الركن صالح صائب الجبوري رئيس أركان الجيش والسياسي العراقي المعروف توفيق وهبي(2)

         

رؤساء عشائر كورد في منطقة برادوست حضروا معسكر بافستيان لاستقبال الوصي في 5/11/1945 ويبدو بالصورة الشيخ رشيد لولان والشيخ محمود والشيخ خليفة صمد وغيرهم كما يبدو بالصورة مدير الحركات العسكرية وأحد آمري الافواج التي شاركت بالعمليات العسكرية.

للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:

https://algardenia.com/terathwatareck/32445-2017-10-25-15-56-58.html

ملاحظة:الصور من البوم السيد حسين مكي خماس

        

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

541 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع