طاهر يحيى أزعج البريطانيين والأميركيين وأذله البعثيون

     

طاهر يحيى قائد عراقي قاد العسكر لتنفيذ انقلابين بداية ستينات القرن الماضي، وانتهى إلى السجن بعدما زجه به البعثيون، رغم أنه كان أحد قادة حزبهم، ومارسوا ضده عمليات تعذيب قاسية.

ايلاف/لندن: ألقى سيف الدوري، الباحث والمؤلف العراقي المقيم في لندن، الضوء على تلك المرحلة الحساسة من تاريخ العراق الحديث، من خلال دراسته دور أحد قادتها المعروفين وهو رئيس الوزراء الاسبق طاهر يحي، في كتابه الموسوم (الفريق طاهر يحيى ضحية الصراعات السياسية والعسكرية في العراق)، الذي أهدى نسخة منه إلى "إيلاف".
 
في فلسطين
 
تخرج طاهر يحيى المولود في بلدة تكريت مركز محافظة صلاح الدين حاليًا عام 1916 من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان عام 1935، وكان وطنيًا شديد الحماس في الدفاع عن وطنه وأمته. بدأ حياته العسكرية مرافقًا لأمين العمري، آمر حامية الموصل الذي كانت له اليد الاولى في مقتل بكر صدقي، رئيس اركان الجيش والحاكم العراقي الفعلي انذاك في الموصل.

                                  
 
ثم انضم يحيى إلى اول خلية للضباط الاحرار في فلسطين عام 1948 مع زميليه رفعت الحاج سري وعبد الكريم قاسم وغيرهما، نتيجة الاوضاع المتردية والحال السيئة للجيوش العربية التي حاربت اسرائيل وكرد فعل على وضع هذه الجيوش، حيث جرح طاهر يحيى في (معركة كيشر) اثناء اقتحامه هذا الحصن الذي يعتبر جزءًا من خط ايدن المقام في الحرب العالمية، وكان انذاك برتبة رائد وبمنصب آمر مدرعات في كتيبة مدرعات خالد.
 
وفي 1952 بدأ انتظام الضباط الاحرار كما يقول الفريق يحيى بتشكيل سري بقصد الاعداد للثورة على الحكم الملكي.
 
مناصب عسكرية
 
تنقل يحيى في عدة مناصب عسكرية منها آمر كتيبة مدرعات منصورية الجبل ثم آمر كتيبة دبابات خالد في جلولاء (شرق بغداد) حتى عام 1956 حيث أحيل على التقاعد بتهمة التآمر على النظام اثناء العدوان الثلاثي على مصر، إذ كان من المقرر أن تتحرك كتيبة دبابات خالد وفوج المشاة الذي يقوده عبد الوهاب الشواف اثناء مناورات عسكرية في منصورية الجبل، حيث تم الاتفاق على الزحف على بغداد، إلا أن النظام علم بالخطة وأحاله على محكمة عسكرية خاصة.
 
وبعد ذلك، أبعد طاهر يحيى إلى الباكستان، حيث مكث هناك ستة اشهر عاد بعدها إلى بغداد متقاعدًا حتى قيام ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، وعين مديرًا للشرطة العام. وقد انضم إلى اللجنة العليا للضباط الاحرار المشكلة قبل قيام ثورة 14 تموز وكان ضمن الخمسة عشر ضابطًا في هذه اللجنة كما يشير المؤلف في كتابه الصادر عن دار العرب للطباعة والنشر.

           
 
ثم شارك طاهر يحيى بشكل رئيس في حركة 8 شباط (فبراير) 1963 التي أطاحت الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي قاد الثورة ضد النظام المالكي حيث كان على رأس القوة العسكرية (آمر رتل الرشيد) التي احتلت معسكر الرشيد في بغداد صباح يوم الحركة، وقد شغل عقب نجاح الحركة منصب رئيس أركان الجيش بعد أن قاد بنفسه كتيبة الدبابات الرابعة واتجه إلى معسكر الرشيد يوم الثاني من تموز (يوليو) 1963 لإحباط المحاولة الانقلابية التي قادها بعض العسكريين الشيوعيين داخل معسكر الرشيد بقيادة العسكري الشيوعي حسن سريع.
 
قياديا بعثيًا ثم رئيس وزراء
 
انتخب يحيى عضوًا في القيادة القطرية لحزب البعث اثناء انعقاد المؤتمر القطري في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، بعد مناقشات دارت داخل المؤتمر حيث تقرر اعادة انتخاب قيادة قطرية جديدة من احمد حسن البكر، طاهر يحيى، حازم جواد، عبد الستار عبد اللطيف، طالب شبيب، محمد المهداوي،سامي سلطان، علي عريم، عبد الستار الدوري، كريم شنتاف، طارق عزيز، فائق البزاز، حسن الحاج وداي، صالح مهدي عماش، فؤاد شاكر مصطفى، منذر الونداوي.
 
وبعد اربعة ايام من تشكيل القيادة القطرية الجديدة اصدرت القيادة القومية للحزب بيانا في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 حلت فيه القيادتين القطريتين القديمة والجديدة وتولت القيادة القومية مسؤولية ادارة الحكم في العراق.

       


وحينما اطاح الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف سلطة البعث في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، كان طاهر يحيى حريصًا على حماية المواطنين فاذاع بيانًا من راديو بغداد في اليوم التالي موجهًا إلى القوات المسلحة، اعرب فيه عن تقديره لجهودها للسيطرة على النقاط الحساسة وحماية ارواح المواطنين والاجانب رغم انه كان من المشاركين في الحركة الانقلابية. كما اصدر امرًا منع بموجبه اعتقال المسؤولين في الدولة بعد أن وصلت معلومات عن عناصر حاولت استغلال الحركة لتنصب نفسها خصمًا وحاكمًا في الوقت نفسه، ولتقوم بتصفية حسابات شخصية وبذلك اوقف الفريق يحيى هذه العناصر عند حدها ورفض سيادة الفوضى وانتشارها وأصر على سيادة القانون في البلد.
 
بريطانيا تحتج
 
وفي 20 من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، كلف الرئيس عبد السلام عارف الفريق طاهر يحيى بتشكيل الحكومة الجديدة التي تعتبـر اول حكومـة يرأسها الفريق يحيى. وفي آب (اغسطس) 1967، اصدرت حكومة الفريق يحيى القانون رقم 97 الذي اعاد إلى شركة النفط الوطنية العراقية جميع الاراضي المنتزعة من شركة اي بي سي البريطانية، التي كان التصرف فيها مجمدًا حتى ذلك الوقت بانتظار تسوية بالمفاوضة بموجب هذا القانون الجديد ويصبح كل باطن الارض ملكًا للشركة الوطنية المفوضة.
 
وقدمت الحكومة البريطانية مذكرة احتجاج إلى حكومة الفريق يحيى بسبب صدور قانون رقم 97 الذي يخول شركة النفط الوطنية العراقية حق استثمار النفط في الاراضي التي استعيدت من شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق، والتي تبلغ 99 في المئة من الاراضي العراقية التي كانت تشملها امتيازات الشركات الاجنبية. كما يتيح القانون ايضًا نقل ملكية حقل الرميلة في جنوب العراق حيث يعتبر المراقبون هذا الحقل الذي اكتشف انذاك بانه اكبر الحقول النفطية في العالم إلى شركة النفط الوطنية التي استولت بموجب القانون على جميع الاجهزة والالات الموجودة في حقول نفط الرميلة غير المستثمرة التي تملكها شركة نفط العراق في جنوب البلاد.
 
مرفوضة!
 
رفضت حكومة الفريق يحيى مذكرة الاحتجاج البريطانية باعتبارها تتعارض مع القواعد والاعراف الدولية. كما اوقفت المحادثات التي كانت تجريها مع شركتين اجنبيتين، احداهما فرنسية والاخرى اميركية، لاستثمار موجودات العراق من الكبريت.
وكانت شركة بان اميركان للكبريت التي تضم مجموعة المستثمرين الاميركيين يرأسهم روبرت اندرسون وزير المالية الاسبق قد دخلت في منافسة حادة مع شركة سوسيتي ناسيونال دي بترول الفرنسية للحصول على امتياز باستثمار الكبريت العراقي، الذي كان سيقدم دخلًا مقداره خمسون مليون جنيه استرليني للحكومة العراقية وللشركة التي كانت ستفوز بالامتياز.
 
رفض الفريق يحيى استقبال مورفي نائب وزير الخارجية الاميركي الذي زار العراق طالبا استثمار حقل كبريت المشراق من قبل الشركات الاميركية، قائلًا: "نحن اعطينا كلامًا للبولونيين ونحن نحترم العقود والمواثيق"، ومنذ ذلك الوقت غضب مورفي وبدأت معه انذاك محاولات القيام بتغيير النظام.

                                          
 
إطاحة فتعذيب
 
كانت كتلة او مجموعة المقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية قد بدأت العمل لتغيير النظام قبل سنتين من حركة 17 تموز بوضع مخطط هدفه الوصول إلى الحكم لتنفيذ مبادئ الحركة.
وبعد اصطدام هذه المجموعة بالفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء وتأكد لهم انه قد استطاع استمالة الرئيس عارف وإقناعه بإجراء تنقلات عسكرية هدفها تفتيت شمل الضباط الاعضاء في الحركة التي يتزعمها النايف. في صباح 17 تموز (يوليو) 1968 أعلن راديو بغداد عن انقلاب عسكري قاده النايف وضباط بعثيون اطاح بالرئيس عبد الرحمن عارف وحكومة الفريق طاهر يحيى، وتشكيل مجلس لقيادة الثورة تسلم مقاليد الامور في البلاد.
 
نجح الانقلاب، واعتقل الفريق طاهر يحيى من منزله في منطقة المنصور في بغداد فجر يوم الانقلاب عندما طوقته ثلة من الجنود والمدرعات فاستسلم حرسه الخاص واعتقلت الفريق يحيى من قبل قائد القوة المحاصرة ونقل إلى وزارة الدفاع ثم إلى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد شرق بغداد. لكن البعثيين قاموا بحركة "تصحيحية" للانقلاب في 30 من الشهر نفسه، اي بعد 13 يومًا من الانقلاب، واستلموا الحكم بعد أن اقصوا النايف وجماعته.
 
إذلال في المعتقل
ثم تم نقل طاهر يحيى إلى معتقل قصر النهاية، وهناك كان البعثيون الذين استلموا السلطة يعقدون جلسات للتسلية بالمعتقلين، لم يسلم طاهر يحيى منها، فكان يؤتى به ويربط حول وسطه حزام ليبدو وكأنه راقصة ويطلبون منه الرقص، ثم كلفوه تنظيف المراحيض زيادة في الاهانة والاذلال.
 
تحمل كثيرا وصبر وقضى وقتًا طويلًا في قصر النهاية، وساءت صحته وزادت شكواه من مرض عينيه حتى كاد يفقد بصره. اطلق سراحه فاعتكف بداره لا يبرحها وكانت المراقبة عليها شديدة وعندما تضطره الضرورة للخروج تتبعه سيارة إلى حيث يذهب وتحصى عليه حركاته وسكناته، ولم يزره احد من اصدقائه او معارفه عدا بعض اقربائه. اخذ بصره يضعف حتى توفي في 19 ايار (مايو) 1986، ودفن في تكريت. حضر عزاءه آلاف المواطنين، وبينهم جميع القادة القدماء للاحزاب السياسية.          
 
وعن الانقلاب الذي اطاح الرئيس عارف وحكومة يحيى، كتب الصحافي الفرنسي اريك رولو في صحيفة لوموند الباريسية في 9 و10 تشرين الاول (نوفمبر) 1969 تحليلًا للاوضاع قبل العملية الانقلابية في 17 تموز (يوليو) 1968 جاء فيه: "قامت جماعة من الضباط بالاطاحة بالنظام، ويقال إن دولًا اجنبية راهنت ايضًا على اسقاط الجنرال عارف وإن واشنطن هي التي تغذي فكرة الحركة التي تأخذ شكل انقلاب صاعق، وربما اسفرت سلسلة من الضغوط تمارسها الشركات البترولية والاوساط البرجوازية في العراق عن ذلك".

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

697 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع