بكر صدقي ينقلب...

       


في أواخر عهد وزارة ياسين الهاشمي الثانية، اشتد الصراع بين الوزارة والمعارضة، التي عملت جاهدة لإسقاط الوزارة التي سعت للتمسك بالحكم بكل الوسائل والسبل.

  

وفي تلك الأيام كان بكر صدقي، الذي شغل منصب قائد الفرقة العسكرية الثانية، يتردد باستمرار على دار قطب المعارضة المعروف (حكمت سليمان). وكان الحديث يدور حول استئثار وزارة الهاشمي بالحكم، رغم افتقادها للتأييد الشعبي. وحينذاك اختمرت في فكر بكر صدقي فكرة إسقاط وزارة الهاشمي بالقوة ، عن طريق القيام بانقلاب عسكري.

كان بكر صدقي على علاقة وثيقة بالفريق (عبد اللطيف نوري) قائد الفرقة العسكرية الأولى، وقد عرض عليه بكر صدقي فكرة الانقلاب العسكري لإسقاط وزارة الهاشمي.

  

وقد حبذ الفكرة وتعهد على العمل معه، جنباً الى جنب، وبدأ الاثنان يهيأن لحركتهم، واستطاعا أن يضما إلى صفوفهما قائد القوة الجوية العقيد (محمد علي جواد).

سارت الأمور بتكتم شديد، ما تعذر على الاستخبارات العسكرية كشف الحركة قبل وقوعها. وجاء موعد مناورات الخريف للجيش عام 1936، ووجد بكر صدقي ضالته المنشودة بهذه الفرصة. فقد كانت خطة المناورات تقتضي إجراءها فوق (جبال حمرين)، بين خانقين وبغداد، وكان المفروض أن تكون الفرقة الأولى، بقيادة الفريق عبد اللطيف نوري، في موضع الدفاع عن بغداد، فيما تكون الفرقة الثانية، بقيادة بكر صدقي، في موقع الهجوم.

         

في 29 تموز 1936، سافر رئيس أركان الجيش الفريق ياسين الهاشمي شقيق رئيس الوزراء بمهمة إلى خارج العراق وأناب عنه الفريق عبد اللطيف نوري مما سهل للانقلابيين الأمور كثيرا. جرى الاتفاق على نقل الفرقة الثانية من قرتبة إلى قرغان ليلة 25/26 تشرين الأول،على أن يجري تسلل وحدات الفرقة ليلة 28 / 29 تموز إلى بعقوبة مركز محافظة ديالى المتاخمة لبغداد والتي تبعد عنها حوالي 50 كم. في ليلة الخميس 26 أكتوبر 1936 زحفت قوات الجيش إلى بعقوبة ووصلتها صباح اليوم التالي، حيث قامت بقطع خطوط الاتصال ببغداد واستولت على دوائر البريد والتلفون وعدد من المواقع الأستراتيجية في المدينة، ثم واصلت زحفها نحو بغداد في الساعة السابعة والنصف بقيادة الفريق بكر صدقي، وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح ذلك اليوم ظهرت في سماء بغداد طائرات حربية يقودها العقيد محمد علي جواد وألقت الوف المنشورات التي احتوت على البيان الأول للانقلاب.

                

في الوقت الذي كانت الطائرات تلقي بيان الانقلاب، استقل حكمت سليمان سيارته وتوجه نحو القصر الملكي (قصر الزهور) حاملاً المذكرة التي وقعها الفريقان بكر صدقي وعبد الطيف نوري والتي حددا فيها مهلة أمدها 3 ساعات للملك غازي لإقالة وزارة ياسين باشا الهاشمي حيث سلمها إلى رئيس الديوان الملكي رستم حيدر.

       

حاول وزير الدفاع الفريق الأول جعفر العسكري وقف زحف قوات الانقلابيين نحو بغداد، فاتصل ببكر صدقي وأبلغه أنه آت لمقابلته وأنه يحمل رسالة من الملك غازي.

                 

كانت فرصة بكر صدقي قد حلت للتخلص من جعفر العسكري صهرالرجل القوي ووزير الخارجية آنذاك والمقرب من الإنكليز الفريق الأول نوري السعيد باشا، فرتب الأمر مع الضباط المقربين منه لاغتياله والتخلص منه.

ما أن وصل الفريق الأول جعفر العسكري إلى المنطقة المحددة،حتى جردوه من سلاحه ومرافقيه، بعدها تقدم عدد من الضباط ووجهوا صوبه وابلاً من الرصاص حيث لقى مصرعه في الحال، ولما وصل الخبر إلى نوري السعيد باشا سارع باللجوء إلى السفارة البريطانية التي قامت بدورها بتهريبه إلى الخارج.

أستمرت قوات الأنقلابيون بالزحف نحو بغداد، حيث وصلت أبوابها الساعة الرابعة بعد الظهر، لذلك أضطر الملك غازي من توجيه خطاب التكليف إلى حكمت سليمان في 29 تشرين الأول بتشكيل وزارة جديدة، وعند الساعة الخامسة والنصف كانت القوات قد دخلت شوارع بغداد من دون أن تلقى أية مقاومة. أتم الانقلابيون تشكيل وزارتهم وصدرت الإرادة الملكية بتشكيلها في الساعة السادسة مساءً وجاءت على النحو الآتي:

                 

حكمت سليمان رئيس الوزراء ووزيراً للداخلية.
جعفر أبو التمن للمالية.
صالح جبر للعدلية.
ناجي الأصيل للخارجية.
كامل الجادرجي للاقتصاد والمواصلات.
يوسف إبراهيم للمعارف.

أما بكر صدقي فقد تولى منصب رئيس أركان الجيش بدلاً من الهاشمي الذي أحيل على التقاعد. أما ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد فقد غادرا العراق على الفور بمساعدة السفارة البريطانية خوفاٌ من بطش بكر صدقي. أراد قائد الانقلاب بكر صدقي أن يرسل من يقوم بتصفية نوري السعيد والكيلاني والهاشمي إلا أن حكمت سليمان رفض الفكرة.

              

في الوقت نفسه نظمت العناصر الوطنية المظاهرات المؤيدة للحكومة وكان على رأس تلك المظاهرات محمد صالح القزاز وهو من الشيوعيين المعروفين والشاعر الكبير الجواهري وغيرهم من الوطنيين. تقدمت المظاهرات بمطالب للحكومة تدعو فيها إلى إصدار العفو العام عن المسجونين السياسيين وإطلاق حرية الصحافة وحرية التنظيم الحزبي والنقابي وإزالة آثار الماضي والعمل على رفع مستوى معيشة الشعب وضمان حقوقه وحرياته وتقوية الجيش ليكون حارساً أميناً لاستقلال البلاد، ولم تقتصر المظاهرات على العاصمة فقط، بل امتدت إلى سائر المدن الأخرى.

سيطر بكر صدقي على مقدرات البلاد وكان هو الحاكم الفعلي الأول والأخير، لقد رتب قوائم المرشحين لمجلس النواب ومعظمهم من المؤيدين له، وقد جرت الانتخابات في 20 شباط 1937 وجاءت النتيجة كما خطط لها سلفاً وأصبح يمتلك ظهيراً قانونياً لبقائه سيد الموقف من دون منازع.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

629 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع