منارات في تاريخ شرطة العراق: مدراء الشرطة العامون / لواء الشرطة عبدالمحسن خليل

      

منارات في تاريخ شرطة العراق: مدراء الشرطة العامون
     لواء الشرطة عبدالمحسن خليل

  

        

   

     

في مسيرة الشرطة العراقية بين التاسيس في 9 كانون الثاني 1922 وبين احتلال بغداد في 9 نيسان 2003، محطات تاريخية تؤطرها اما الاحداث او الشخصيات، فيقال الشرطة في العهد الملكي والشرطة في العهد الجمهوري، على سبيل المثال، واما الشخصيات فهي شخصيات قادة الشرطة الذين تعاقبوا على كرسي مدير الشرطة العام بدءا بالعقيد نوري السعيد الذي لم يدم جلوسه على هذا الكرسي بضعة اشهر. ثم اعقبه عدد من القادة الذين تركوا بصماتهم على مسيرة الجهاز، بينهم عدد كبير من خريجي الكلية الحربية بالاستانة ثم بعدهم جاء دور ضباط الشرطة خريجي كلية الشرطة العراقية ابتداء باللواء وجيه يونس الذي شغل المنصب في 21/4/1954 لغاية 4/9/1956 ثم عاد المنصب يتناوب عليه ضباط من الجيش ومن الشرطة.
وسنتناول في هذه السلسلة التعرض لسيرة ابرز مدراء الشرطة في العراق حسبما تتيسر لدينا المادة الكافية والوثائق عن فترة تسنمهم منصب مدير الشرطة العام ونختار اليوم السيد اللواء عبدالمحسن خليل محمد الطائي الذي شغل المنصب بين تاريخ 2 ايلول 1984 لغاية 18 تشرين ثان 1991 (اي سبع سنوات وشهرين) وهي اطول مدة يقضيها مدير شرطة عام بالمنصب بعد كل من العقيد الحاج محمد سليم الذي امضى في العشرينات مدة ثمان سنوات، واللواء عبدالخالق عبدالعزيز الذي امضى سبع سنوات وثمانية اشهر.
قراءة في السيرة الذاتية للواء عبدالمحسن خليل محمد
ولد اللواء عبدالمحسن خليل الطائي بمدينة الموصل عام 1936 واكمل دراسته الاولية والثانوية فيها ثم انتقل الى بغداد للالتحاق بكلية الشرطة (كانت تسمى مدارس الشرطة انذاك) وتخرج منها ضابطا عام 1959 برتبة (معاون مدير شرطة).
عمل فترة طويلة ضابطا في كلية الشرطة وتخرج على يديه عدد كبير من الضباط والمفوضين، وقد تعرفنا عليه عن كثب خلال فترة اشتغاله في الكلية اواسط الستينيات، اذ كان من الضباط البارزين اصحاب الشخصية المؤثرة فأحبه زملائه وطلابه لما تميز به من شخصية لامعة ومحببة، وما يمتلكه من كاريزما قيادية، وثقافة واسعة، وحب مساعدة الاخرين.
وانتقل بعدها من الكلية الى مديرية الامن العامة ليشغل عدة مناصب بارزة فيها منها مدير امن بغداد، كما شغل منصب مدير امن منطقة الحكم الذاتي من اواسط السبعينات حتى عام 1984 حين تم اختياره ليكون مديرا عاما للشرطة العامة. وقد اكسبته فترة عمله مديرا لادارة امن الحكم الذاتي خبرة واسعة بالقضية الكردية وخبرة في العشائر الكردية، والحركة الكردية،  وكان مولعاً بدراسة التاريخ الكوردي حتى انه كان يتابع كل ما ينشر من كتب تخص القضية الكردية والحركة الكردية والزعماء الكورد داخل وخارج العراق، وكان يوصي اي صديق له يسافر خارج العراق ليجلب له اخر ما صدر من كتب تخص القضية الكردية بحيث صار خبيرا موسوعيا متميزا فيها.
التحق بمنصب مدير الشرطة العام في 2 ايلول 1984 خلفا للواء عبدالخالق عبدالعزيز، وكليهما من المدراء العامين الذين تجاوزوا مدة السبع سنوات في الموقع، وفي شهر نيسان 1991 شغل منصب الوكيل لوزارة الداخلية اضافة لمنصب مدير الشرطة العام حتى يوم 18/11/1991 حيث انتقل الى دائرة المحاربين في ديوان الرئاسة.

                
1. خريج أكاديمية الشرطة الدولية في واشنطن
2.خريج المعهد العالي لضباط الشرطة في القاهرة
3.شارك في اكثر من عشرين موءتمر للشرطة في خارج العراق.
4.كان رئيساً لمؤتمر قادة الشرطة العرب التاسع والمؤتمر الاول لقادة الشرطة والامن العرب في ظل مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس.
5.كان اول مدير شرطة عام يفتح باب التقاعد للمنتسبين الذين وصلوا الى سن التقاعد وللحالات الانسانية كذلك ومن خلال اللقاء الاسبوعي معهم.

     

في احدى مؤتمرات وزراء الداخلية العرب في تونس سمير الشيخلي وزير الداخلية يتوسط كلا من اللواء عبدالمحسن خليل مدير الشرطة العام والمرحوم الدكتور اكرم نشات ابراهيم الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب يوم كان العراق حاضرا بقوة في العمل العربي المشترك


بعض سماته وصفاته:
خلال فترة عمله في قيادة الشرطة العراقية على مدى سبع سنوات اتصف بالصدق والهدوء والادارة الناجحة والقيادة الفاعلة حيث كان اداريا ناجحا يحسم الامور بنظرة واقعية ويتمتع بعلاقات واسعة على الصعيدين الرسمي والشعبي، فنال محبة واحترام واعتزاز جميع من اشتغلوا بامرته لانه لم يكن يبخل بالنصيحة والمشورة غايته النهوض بالاداء نحو الافضل وجعل جهاز الشرطة في خدمة الشعب.
وبنفس الوقت كان سيفا بتاراً على الفساد والانحراف السلوكي، لا يتهاون مع اي محاولة للفساد او الاستغلال، بحيث بات كثيرون يصفون فترته بالفترة الذهبية في تاريخ الشرطة العامة. على الرغم من معاناة الشرطة اواسط الثمانينات من نقص الموجود نتيجة سحب نصف الموجود البشري للشرطة العامة الى القوات المسلحة في اوج اشتداد معارك الحرب العراقية الايرانية 1980 – 1988، فنزل موجود الشرطة العراقية من 72 الف عنصر الى 36 الف، وتوقفت حركة التطوع في الشرطة لصدور قرار بعدم زيادة ملاك الشرطة.
فترة حاسمة:
شهدت فترته احداث جسام، منها تصاعد القتال مع ايران، وقصف المدن العراقية وبخاصة بغداد بالصواريخ بعيدة المدى وما سببته من ضحايا مدنية بريئة، كما شهدت فترته احداث العدوان الثلاثيني (كانون ثاني وشباط 1991) والغارات العدوانية على المنشئات والاحياء السكنية وقصف ملجا العامرية، وسقوط آلاف الضحايا، وما تتطلبه الحالة الامنية من استنفار للقوة، ومعاونة للجهات المعنية بالانقاذ والاسعاف. وبذات الوقت الحفاظ على حالة الامن والنظام ومنع الجرائم وملاحقة مرتكبيها.
قائد ميداني:
كما شهدت فترته وقوع عدد من الجرائم المهمة التي استنفرت قوة الشرطة لملاحقتها، وكان يتابع الاجراءات الشرطية ميدانيا لذلك كان قليل التواجد في مكتبه، متنقلا بين مراكز ومديريات الشرطة والمكافحة في بغداد وسائر محافظات العراق من دهوك حتى البصرة بلا كلل ولا ملل.
كما انه كان حريصا على تخصيص يوم في الاسبوع لمقابلة المواطنين والمنتسبين ممن لديهم شكاوى يريدون ايصالها اليه وكان يامر بحسم اي قضية وفق القانون ووفقا لصلاحياته، ودون ان يتدخل في الشان القضائي اذ كانت علاقته بالقضاة طيبة ووثيقة.
لجنة دور الجمهور:
في عهده نشطت لجان دور الجمهور المركزية ببغداد والفرعية في المحافظات، والتي تضم ممثلين عن مختلف الجهات ذات الصلة بالامن والقانون ومكافحة الجريمة، وكانت تجتمع شهريا برئاسته واحيانا بحضور وزير الداخلية لمناقشة الامور ذات الصلة بمكافحة الجريمة وتعزيز دور المواطن فيها.
 كما نشطت خلال فترته اعمال لجنة التحليل الشهري للجرائم التي تضم خبراء واساتذة اكاديميين من القانون وعلم النفس والاجتماع واختصاصات اخرى تناقش حركة الجريمة وابرز الجرائم التي وقعت وتتناولها بالتحليل واقتراح المعالجات اللازمة.
خلال فترة قيادته للشرطة العامة  تم إلقاء القبض على عصابة بالجرم المشهود لمحاولتها السطو على احد البنوك في بغداد وكان المكلف بالعملية اللواء سوريان توفيق. كما شهدت فترته نشاطا دؤوبا في مكافحة الجريمة وملاحقة مرتكبيها والقبض على العصابات التي اقلقت الراي العام من خلال المتابعة الميدانية وتشكيل فرق العمل والتواجد الميداني حيثما يقتضي الامر داخل بغداد وخارجها.

  المبنى الجديد لمديرية الشرطة العامة
في عهده تم اكتمال انجاز مشروع مبنى (مديرية الشرطة العامة) والذي بوشر به عام 1982 في زمن سلفه اللواء عبدالخالق عبدالعزيز يحفظه الله، واكتمل البناء اواخر عام 1986 وانتقلت الشرطة العامة من مبناها القديم (بمنطقة القشلة) وهو مبنى يعود للعهد العثماني كما سبق ان شغل اوائل تاسيس الدولة العراقية الحديثة من قبل مجلس الوزراء العراقي.  ولكن تم اشغال جزء من البناية من قبل وزارة الداخلية التي لم تكن تمتلك مبنى خاص بها، وكذلك مديرية شرطة محافظة بغداد. وتوسعت وزارة الداخلية عند دمجها مع وزارة الحكم المحلي اواخر 1991، فيما بعد لتشغل المبنى بكامله وفي عام 1992 قررت الوزارة ان تنتقل الشرطة العامة الى مبنى وزارة المالية (الرهون) القديم القريب من تمثال الرصافي.

 
مبنى مديرية الشرطة العامة الذي تحول الى مبنى لوزارة الداخلية
مميزات قيادية:
اللواء عبد المحسن أو (أبو علاء)، كما إشتهر بين أحبابه وأصدقاءه وعموم زملائه في مسلك الشرطة، كانت له مميزاته القيادية والسلوكية، لعل أهمها دماثة أخلاقه وإنسانيته وتوفير الاجواء المريحة لابنائه العاملين بكل الاختصاصات والمواقع، وتواضعه المعروف رغم خلفيته العسكرية المنضبطة، التي كان يعتز بها واقترن إسمه بسنوات انجازات الشرطة في الثمانينات ورغم الظروف الاستثنائية والواجبات الملقاة على منتسبي قوى الامن الداخلي آنذاك بشكل عام، الا انه وللأمانة تحمّل المسؤولية بمنتهى الحرص، رغم تلك الظروف.

الاهتمام بالرياضة ورعاية الرياضيين:
تحدث عنه الكابتن الدكتور عبدالقادر زينل الخبير الرياضي الشرطوي الشهير حيث قال: (الحقيقة أن لهذا الرجل بصمة خالدة في تاريخ الرياضة الشرطوية في العراق، بعد أن تقلد المنصب الأعلى في قيادة شرطة العراق لفترة ليست بالقصيرة (ثمان سنوات تقريبا)، إلا أن إسمه إقترن بسنوات الإنجاز الرياضي لفرق نادي الشرطة ومديرية ألعاب الشرطة اللذين كانا يَحظيان منه بدعم ورعاية خاصتين. وفي عهده تم تشييد (ملعب الشرطة) لأول مرة في تاريخ الشرطة والرياضة الشرطية، بل وفي تاريخ العراق الرياضي ومنشئاته الرياضية، فلبناء ملعب الشرطة قصة خاصة فهذا الملعب تم تشييده بالجهود الشخصية الذاتية دون أن يكلف ميزانية الدولة شيئا يذكر؟؟.. فلأول مرة يصبح لنادي الشرطة ملعب كروي خاص به، وأشهد بأني لقيت من السيد مدير الشرطة العام اللواء عبدالمحسن خليل كل الإسناد والتشجيع..

ماقاله ضباط الشرطة عنه:
قال عنه اللواء طارق متعب:
(( شهدت الشرطه في وقته الاستقرار وحققت انسيابية عالية في الاوامر، والتعليمات كانت واضحة، وبابه كان مفتوحاً للجميع، وكان صاحب قرار يحترم كبار السن، يرى كثيرون ان فترته هي الفترة الذهبية لمديرية الشرطة العامة فقد كان بحق اخا وموجها وساعيا للخير ،،، خبرته الواسعة ودماثة خلقه ولدت لجهاز شرطة حالة من الاستقرار ومضاعفة الجهد لتحقيق العديد من الإنجازات الي شهدتها تلك الفترة في اغلب الأجهزة والمديريات المختلفة. كان قائداً بمعنى الكلمة بكل صفات القياده.. فهو رجل متدرج في مهنيته وتسلسل اقديته، وخبراته المتراكمة، صادق في وعوده. هادئ بقراراته. جرئ رغم كل معاناته يحب ابناء الشرطه وله قابليه حفظ اسماء من يعمل معه. انساني في التعامل. لم يفرق يوما بين رجاله، فالكل يحبه ويحترمه. وهو يحب الكل. اربعون عاما تربطني به، عملا واخوة ولا زلت.  عملت بامرته في خمسة محافظات كمدير للشرطة، وكنت معاونه للاداره في الشرطة العامه، وهذا ما جعلني اكتب عنه. بل ان لي معه من الذكريات حلوها ومرها ما يستحق ان يكون كتابا عن هذا الرجل. ابو علاء))..
وأضاف اللواء طارق متعب:
((لو كنت مسؤولا لوضعت نصبا لتخليد ثلاثة من قادة الشرطة العراقية: هم المرحوم اللواء طه الشيخلي،  واللواء عبد الخالق عبدالعزيز، واللواء عبدالمحسن خليل)).

وكتب أحد ضباطه عنه معلقا بالآتي:
((بارك الله باللواء عبد المحسن خليل محمد والنعم من اخلاقه الرفيعه كان قائدا بحكم موقعه ومهنته الذي ابلى بلاءاً حسنا وبتميز وكنا في حينها نشعر ونلمس انه الاستاذ والمعلم والمربي، انه صاحب الكلمه اللينه التي احبها الله، كنا لانخشاه لانه يخشى الله، كان انسان عادلا بمعنى الكلمه، رحوما عطوفا يحب معيته ويحترمهم صغارا وكباراً، ونحن نحبه لله تعالى، قدم للشرطه الكثير ودافع عن حقوق معيته في كل محفل ومناسبه، لا يتردد عن العفو عن المخطيء واعطاهم فرصا لاجل اصلاح انفسهم ولاجل ان لا تقطع ارزاقهم و عوائلهم.


 

اللواء عبدالمحسن خليل يتفقد منديرية شرطة محافظة السليمانية 1989
   

ويتفقد مديرية شرطة محافظة القادسية

  
 صورة اخرى من زيارته التفقدية لمديرية شرطة محافظة القادسية

  
 زيارته الى مديرية العاب الشرطة وبجانبه مديرها الدكتور عبدالقادر زينل

  
 يحضر مؤتمرا لمديرية اليات الشرطة والى يمينه مدير الاليات العقيد رياض محمد يحيى المصرف وعلى يمينه مدير العلاقات العامة العقيد اسد سعد العيساوي

  
 مدير الشرطة العام يكرم رياضيي مديرية العاب الشرطة 1989
   

                   تكريم لاعبي الشرطة

  

يشارك في مناقشة علمية لاحدى اطاريح الضباط خريجي معهد ضباط الشرطة وبجواره اللواء عبدالخالق عبدالعزيز والعقيد مازن قاسم محمد

  

بصحبة وزير الداخلية سعدون شاكر في ملعب الشعب الدولي في رعاية احدى المهرجانات الرياضية الشرطوية اواسط الثمانينات

  

خلال زيارة الى مديرية تحقيق الادلة الجنائية حيث كان يتابع بدقة عمل هذه الدائرة الفنية ويسعى لتطويرها ومدها بالاجهزة الفنية الحديثة التي تعين الخبراء في عملهم

             

زيارة تفقدية الى عمادة كلية الشرطة حيث استقبله الضباط للتحية

  
 زيارة الى عمادة كلية الشرطة والى جوارة اللواء سوريان توفيق عميد كلية الشرطة واللواء حسن هادي مدير الميرة

    
 زيارة لمديرية شرطة محافظة التاميم وبجواره العقيد طارق متعب مدير شرطة المحافظة

  

يتفقد مديرية شرطة مكافحة الاجرام وبجواره مديرها المرحوم طارق عبد لفته في عام 1984
   

          يتفقد مديرية شرطة محافظة القادسية

واخيرا:
نتمنى أن نكون قد أوفينا شيئا من حق هذا الرجل الذي أدار الشرطة العراقية في فترة حرجة وصعبة، وحقق انجازات باهرة، ومازالت ذكراه الطيبة في قلوب وعقول وخواطر جميع من اشتغل معه، حفظه الله تعالى ووفقه.والى اللقاء مع سيرة اخرى لاحد قادة الشرطة العراقية

     
 مع السيد وزير الشباب الاستاذ كريم الملا في الثمانينات

           

في مؤتمر صحفي يلتقي فيه مع رجال الاعلام ولجواره مدير العلاقات المقدم جاسم الداهري

   
 في مؤتمر بالمقر العام وظهر لجواره العقيد لقمان حامد الرواس

    
  زيارة لاحدى مديريات الشرطة والى جواره العقيد حضيري بديوي

  
يتراس وفد العراق الى احد مؤتمرات الشرطة والامن العرب في تونس
   
المرحوم سعدون شاكر محمود يتراس وفد العراق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب وظهر معه اللواء عبدالمحسن خليل مدير الشرطة العام وباقي اعضاء الوفد.

   

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

684 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع