كرامة طيار عراقي أصيل ......

   

              

                            بقلم/ طلال حسن رجب عريم

السلام عليكم اليوم سأروي لكم قصة حقيقية تبين مدى اعتزاز الإنسان العراقي بكرامته وعزة نفسه وكيف كان يتصرف الساسة العراقيون في فترة العهد الملكي وحكمتهم في معالجة المشاكل..

        

في فترة الأربعينيات كان والدي المرحوم حسن رجب عريم آمر الرف الأول- السرب السابع ((طائرات الفيوري)) وكان مقره في قاعدة الشعيبة الجوية.. وكان مع منتسبي السرب ضباط ومراتب انگليز يعملون كمعلمين وفنيين وخبراء للطائرات المذكورة لقلة خبرة العراقيين في هذه الطائرات في تلك الفترة كونها كانت طائرات حديثة العهد في القوة الجوية العراقية.


                   طائرة قديمة .. من ارشيف المجلة

وكان من ضمن المذكورين مقدم طيار اسمه (كندي) كان يعمل كمعلم طيران أقدم في السرب.
ومثلما يعلم حضراتكم فإن الأجانب لديهم كلمة دارجة و يكررونها باستمرار فيما بينهم وهي كلمة shut up وتعني اسكت أو اخرس ونحن العراقيون نسميها بالعامية - انچب – أجلكم الله.
وكان الضابط الانگليزي المذكور أعلاه يردد هذه الكلمة باستمرار مما حدا بوالدي أن ينبهه لعدة مرات بعدم تلفظها أمام الضباط والجنود العراقيين لأنهم لا يقبلوها إطلاقاً ويعتبرونها إهانة كبيرة لهم...

   

                                                      صورة من الأرشيف

في أحد الأيام كان المقدم كندي يقوم بقيادة تشكيل طائرات فيوري مكون من (أربــع طائرات) ضمن طلعة تدريبية وكان والدي رقم -2- في التشكيل.... أثناء طيران التشكيل في منطقة التدريب أراد والدي أن يتقرب من طائرة قائد التشكيل ضمن المنهج المعد للطلعة التدريبية مسبقا فطلب الإذن من قائد التشكيل لتنفيذ ذلك .. فما كان منه إلا أن أجابه بكلمة shut up لكونه كان يراقب الطيار رقم -4- في التشكيل ويوجهه...
استشاط والدي غضباً لهذه الكلمة النابية وانفك من التشكيل وقفل راجعاً إلى القاعدة... عند عودة الطائرات كان والدي ينتظر كندي في خط الطيران وعند نزوله من الطائرة قام الوالد بخلع فردة حذاء الطيران وضرب كندي بها مما تسبب له بكدمة على وجهه وقال له :

ألم أقل لك أن لا تطلق هذه الكلمة بتاتاً على عراقي؟...

وتركه ومشى...
كان آمر السرب السابع في حينها المغفور له نديم صديق وكان من أهالي الموصل وكان يتكلم اللهجة الموصلية المعروفة...

وبنفس الليلة استلم رسالة من قيادة القوة الجوية تطلب إرسال الرئيس الأول الطيار حسن رجب عريم مذنباً أمام قائد القوة الجوية اللواء الركن الطيار سامي فتاح باشا - رحمه الله - لغرض مثوله أمام السيد رئيس الوزراء المرحوم نوري باشا السعيد حيث أن الملحق العسكري البريطاني قام بتقديم شكوى رسمية إلى دولة رئيس الوزراء باعتداء ضابط عراقي على ضابط انگليزي...
بعد أن استلم نديم صديق الرسالة استدعى والدي وقال له بنص العبارة:

(ول مصخم اش كن عملت.. نوري باشا رايدك مذنب روح تلقى وعدك)..

في صبيحة اليوم التالي حضر الوالد في مقر مجلس الوزراء بصحبة قائد القوة الجوية الذي قدمه مذنباً أمام دولة الرئيس وعند مثولهما أمامه,, طلب دولة الرئيس من قائد القوة الجوية أن يترك الضابط المذنب وحده أمامه...
سأل نوري السعيد والدي :

(رئيس أول حسن شنو الموضوع؟؟؟؟)..

فشرح والدي له القصة كما حدثت فيا سادتي الأكارم ماذا تتوقعون إجابة نوري السعيد؟؟؟؟؟؟؟؟
قال له حرفياً :

(لو لم تفعل ما فعلت لما اعتبرتك عراقياً!!).....

ركزوا سادتي الأكارم على جواب هذا الرجل الذي لطالما اعتبره العراقيون عميلاً للانگليز وخائن...

وثم أكمل محدثا والدي سأقوم بتوبيخك صورياً أمام الضابط الانگليزي لاعتدائك عليه بالضرب لكي ننهي المشكلة فلا تهتم لما سأقوله لك...

  

                        صورة من الأرشيف

وأرسل بطلب المقدم كندي الذي كان موجوداً في المجلس أيضاً مع الملحق العسكري البريطاني ...عند دخوله على دولة رئيس الوزراء طلب منه أن يحدثه عما جرى فماذا تتوقعون كانت الإجابة؟؟؟؟؟
قال المقدم كندي لنوري السعيد بأن الذنب ليس ذنب الرئيس الأول الطيار حسن عريم بل هو ذنبي انا لكوني أسمعته كلمة نابية لا يفترض بي أن أقولها أمامه على الرغم من انه نبهني ولعدة مرات بعدم تلفظها أمام العراقيين لأنهم لا يقبلوها إطلاقا ولو كنت محله لرددت بنفس الرد الذي رد به عليه ....!! لاحظوا كم هي جميلة المصداقية وكم هو عظيم أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه..

            

بعد استماع دولة الرئيس لكلام كندي طلب منهما التراضي ونسيان الموضوع وعفا الله عما سلف وفعلا تراضيا ولغرض تلطيف الأجواء دعاهما نوري السعيد إلى تناول وجبة الغداء في منزله الخاص الكائن في كرادة مريم وفعلاً حضرا هناك وكان الغداء عبارة عن أكلة كباب عراقية...

                   

                                                 طيار من تلك الفترة

تنبهوا سادتي الأعزاء إلى حكمة وكياسة تصرف دولة الرئيس وكيف أنهى المشكلة بسلاسة وبأسلوب دبلوماسي
وتنبهوا أيضاً إلى كرامة الإنسان العراقي وعزة نفسه وعدم قبوله الإهانة من إنسان انكليزي في زمن يحتل الانكليز بلده ... يا الله أين نحن من هؤلاء الرجال وأين نحن من هؤلاء العراقيين ومتى نعرف كيف نسير الأمور مثلما كانوا يفعلون...
رحمهم الله أجمعين وجعل مستقرهم الجنة وعسى الله أن ينتج العراق مثل هذه النوعية الفذة في المستقبل

   
وأشكركم جزيل الشكر لحسن انتباهكم والله من وراء القصد
ملاحظة:المجريات المذكورة أعلاه استقيتها من والدي رحمه الله شخصياً

        

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

479 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع