كلام في كلام!

                                          

                               زينب حفني

ونحن صغار لم تكن عقولنا الصغيرة تتسع لفهم العالم وتقلباته وما يجري فيه من أهوال ومصائب! كانت ضحكاتنا البريئة ترنُّ في أرجاء المكان عندما نحصل على لعبة أو ثوب جديد.

كانت حدودنا تنتهي عند أبواب منازلنا واللعب مع أقراننا بحديقته الضيقة والاندساس في أحضان أمهاتنا ونحن في سرائرنا ليقصصنَّ علينا حكايات ما قبل النوم. عقولنا الصغيرة كانت محصورة في الدنيا النقيّة التي نسجناها في خيالاتنا.

ظلّت معاني السعادة مرتبطة في أذهاننا بنوم هانئ ولقمة لذيذة وحياة أسريّة دافئة. وعندما كبرنا واتسعت مداركنا وفهمنا ما يجري من حولنا، وعرفنا معنى الخوف ولسعنا الواقع بلدغاته، لم يعد مفهوم السعادة محصوراً في تلك الأمنيات البسيطة! اتسعت الدائرة وأصبح كل امرئ منّا ينظر للسعادة من منظوره الخاص.

العالم قرر الاحتفال بالسعادة بتحديد العشرين من مارس كل عام ليكون يوماً عالميّاً لها، وقد اعتمدته الأمم المتحدة لأهمية السعادة في حياة البشر. وضعتُ علامة اندهاش كبرى أمام هذا القرار الذي رأيت أنّه يستخفُّ بنا! احتفلنا بمناسبات كثيرة تمَّ تحديد يوم عالمي لها، لكن أن يرسم كل فرد منّا معالم السعادة على وجهه بمجرد حلول يوم السعادة فهذا تصرّف أبله وكلام هراء! فالسعادة ليست قراراً نُعلّقه على صدورنا ونرسم ابتسامة مزيفة على وجوهنا مع قدوم يومها! موضوع السعادة أكبر بكثير من هذا المفهوم الضيق!

لكن حقيقة ما جعلني أتحدّث عن السعادة، مضمون الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الدورة السادسة والستين للجمعية العامة حين قال: «للسعادة مدلولات مختلفة باختلاف الناس، ونتفق جميعاً بأنها تعني العمل لإنهاء الصراع والفقر وغيرهما من الظروف المزرية التي تُكابدها أعداد هائلة من بني البشر!».

بالتأكيد السعادة عند الفقير تختلف في معانيها عند الغني. الفقير محروم من كل مباهج الحياة، لا يملك القدرة على شراء أو امتلاك أبسط الأشياء. الغني أعتاد أن يجلب البهجة والسرور لنفسه بما يملك من مال وجاه! لذا لا أعرف لماذا لم يتحدّث الأمين العام عن العدالة الاجتماعيّة المفقودة في أغلبية بلدان العالم وعلى الأخص دول العالم الثالث التي يئن أهلها ممن يعيشون تحت خط الفقر! لماذا لم يقل بأن الطريق الأمثل لإرسائها، يكون بمحاربة الفساد السياسي والمالي الذي زاد الفقير فقراً والغني غنى!

في أوطاننا العربية مع قيام ثورات «الربيع العربي»، والتي قلبت الموازين في العديد منها، اختلفت ماهية السعادة عن الماضي، وغدا المفهوم الحالي لدى الناس هو تحقيق الأمان والاستقرار وتوفير وظائف ثابتة تدر دخلاً لأرباب الأسر، ما يعني في نهاية الأمر توفير العيش الكريم لكافة شعوبنا.

السعادة كلمة رنانة الوقع، تغنّى بها شعراؤنا في كافة العصور لكن السعادة الحقيقيّة من وجهة نظري، حين أغلق بابي، وأعلم بأن العدالة تعيش ملكة متوّجة في مؤسساتنا وبين مسؤولينا! السعادة الحقيقيّة حين أغطُّ في النوم وأنا مدركة بأن هناك حرية تتنفس في أوطاننا لا تجد من يُلاحقها ليُكبلها بالأغلال! السعادة الحقيقيّة حين أجد أن المساواة هي الشعار السائد، وأن الناس سواسية أمام القانون كما تقول كافة الشرائع السماويّة. السعادة الحقيقيّة حين لا يتملّق رجل الدين لمسؤول كبير ظالم ويقف بجانب الضعيف، لإيمانه أنّه على حق ومن دون أن يُغريه منصب رفيع في الدولة!

يوم يؤمن كل منا بأن السعادة تعني احترام الإنسانيّة بكافة صورها، لحظتها لن نحتاج لتخصيص يوم محدد لها. سنجدها تتنفّس بيننا دون أن تُداري وجهها خجلاً من قلّة حيلتها وبكاءها على انعدام الضمائر!

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1433 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع