خلصنا من السلف. فماذا عن الخلف؟

                                         

                            إبراهيم الزبيدي

لأول مرة نشعر بزخة هواء رقيقة، بعد ثماني سنينين عجاف مملة وثقيلة وطويلة، تبشرنا بقرب زوال الغمة، ورحيل مؤسسها ومدبرها ومُسيِّرها الذي جنى بها على نفسه وأسرته وحزبه وطائفته، وعلى شعبه العراقي وشعوب دول الجوار، كذلك.

تعبنا من الكلام الكثير الذي أنفقناه على واحد عابر سبيل قفز، في غفلة، من آخر الصفوف إلى مقعد القيادة الأول في الدولة العظيمة التي كان اسمها العراق، ليختطف وطنا بكامله، بأرضه ومياهه وسمائه وهوائه، بموقعه وثرواته، بشعبه المتنوع المتعلم المتحضر العريق، وطوائفه وقومياته وأحزابه وهيئاته، وبكتابه وشعرائه ومفكريه وفنانيه وخبرائه وعلمائه الكبار الذين انحنى العالم الغربي والشرقي لقامات بعضهم.
والحق يقال، ما كان مت حدث قد حدث لولا سخافة الزمن، ولولا حظنا العاثر الذي جعل جارتنا دولة معممة، ولكنها مسكونة بالعداء والغرور والعنجهية والظلام، متوحشة، متعطشة، تقتل، وتحرق، وتدمر، وتكذب، وتخادع، وباسم الله ورسوله وآل بيته الخيرين.
ماذا نفعل؟. هذه هي سنة السياسة العراقية والعربية، ليس الآن، ولكن من مئات السنين. قوي وضعيف، خير وشر، ماء ونار، وليل ونهار.
حملناه على ظهورنا ثماني سنوات، وها حان وقت الفرج، إذا ما ثبتت المواقف، وصدقت نوايا المتعاقدين على رحيل دولة الكابوس.
لكن الخشية كل الخشية أن يجيء بديله من نفس طينته ونفس غديره، فيخلفه الأسوأ منه والأقل ذمة ووطنية ونزاهة وعقلا وهداية، علي الأديب، مثلا، أو حسن السنيد أو حيدر العبادي أو سامي العسكري أو علي الشلاه أو مريم الريس أو علي الموسوي أو أحمد نوري المالكي أو مشعان.
وليس معلوما ما إذا كان من حسن حظنا أو من سوئه أن المالكي لم يحمل معه في عربة حزب الدعوة واحدا يملأ العين. ولعله كان قاصدا ذلك، إما خوفا من الغدر والغادرين، أو جرعة زائدة من الأنانية والعطش المرضي إلى الوحدانية والجبروت. كل من حوله تماثيلُ مملوءة بقش وغبار، لا قيمة لأيٍ منهم سوى قيمة القبعة الحكومية التي وضعها الرئيس على رأسه. وحين تسقط القبعة، وسوف تسقط عن قريب، يفقد كل شيء، ويعود كما كان، سقطَ متاع، لا يهش ولا ينش.
مهم جدا رحيله السيد الرئيس. ولكن الأهم من رحيله ورحيل شلته غير الحميدة هو همُّ الغربلة اللازمة للواقفين وراء الباب، حالمين بأخذ البيعة وتسلم الصولجان.
تعالوا نتسلى بالبحث عن البديل. وقبل كل شيء لابد أن نسلم بالواقع الثابت الأكيد. فالخلف لن يكون كرديا، شيعيا أو سنيا، ولن يكون عربيا سنيا، ولا تركمانيا ولا مسيحيا ولا صابئيا أبدأ. وبالتأكيد الشديد أيضا لن يكون عراقيا متمدنا ليبراليا ديمقاطيا متنورا شفته ثقافته الإنسانية وروح العصر من بقايا تخلفٍ طائفي، وتعصب قومي، وأمراض متوطنة من أيام العصور الغابرة وثاراتها القبلية الفاجرة.
والخلف، بفضل أمنا أمريكا وكرم سيدتنا الأولى إيران، لن يكون إلا من داخل القفص الشيعي الديني وحده، دون سواه، حصرا ومن كل بد.
إذن فالرئاسة كرة من ذهب خرجت من خزانة حزب الدعوة ودولة القانون لتحط في سلال المزادات والولاءات والوصايات التي تأتي من الخارج.
- عمار الحكيم، خارج المعادلة، فهو زعيم أمة، أكبر كثيرا جدا من كرسي رئيس وزراء. هو صانع رؤساء ووزراء وسفراء.
- مقتدى الصدر، خارج المعادلة أيضا، معتزل وعاضب على الحكومة ورجالها وهمومها المزعجة.
- ابراهيم الجعفري، مرفوض ومبغوض من كل من سار على قدمين في العراق، ولا مكان له في هذه الملحمة، مهما قال ومهما فعل.
- أحمد الجلبي. بسبب تاريخه الطويل الثقيل أصبح عملة معدنية ممسوحة لا تصرف في دكاكين العراق ولا إيران ولا أمريكا ولا مكان. فقاعة وانفجرت بسرعة ولم يبق منها غير زبد على رمال. وحتى حين يظهر على الشاشات ليعرض نفسه معارضا للفساد والاختلاس، فيشتم الحكومة وينعتها بالعبث بالاقتصاد والتلاعب بالمصارف والعقود يشعر العراقي بالغثيان، ويسأل، ترى ماذا يفعل أحمد الجلبي بالاقتصاد وأمِّ الاقتصاد وأبيه، إذا تسلم هو نفسُه الشحمة المدهنة؟
- عادل عبد المهدي. أذكر له صورتين نادرتين. الأولى وهو يضع على كتفيه الوشاح الأخضر، في عاشوراء، ويلطم بيمينه على قلبه، سائرا خلف زعيمه الراحل عبد العزيز الحكيم. والثانية في البصرة، وهو واقف (بتواضع) خلف رئيسه (الجديد) عمار الحكيم، إما لعدم وجود كرسي فارغ إلى جانب الزعيم، أو ربما احتراما للمقامات.
وشيء آخر. فما زالت تلاحقه حكاية مصرف الزوية. فقد علم بالسرقة في الساعة الثانية عشر ليلا، لكنه لم يتصل بالمالكي الا في الثانية صباحا ليبلغه بالسرقة. وبين الثانية عشرة والثانية ساعتان، تمكن فيهما جعفر قائد المجموعة التي سرقت المصرف من ركوب الطريق السريع والوصول إلى بدرة ومنها  إلى أحضان الوطن الأم.    
شاهدوا هذه الصورة:    

http://www.youtube.com/watch?v=02RG9ndN5oE

- بيان جبر أو (باقر صولاغ) مهندس لم يهندس شيئا في حياته. لو لم يصبح وزير داخلية، ولو لم يصبح وزير مالية، ثم رجل أموال ومصارف وعقارات بعد ذلك، لكان له بعض نصيب.
- حسين الشهرستاني  صاحب الشعار الانتخابي "حامي ثروة العراق" الذي يباهي فيه بمواقفه المتشددة مع الكورد على تصدير النفط، أغفل عدم حمايته للنفط الذي ظل يتسرب بغزارة، منذ سنوات، من موانيء الجنوب.
 هذاالرجل غير موثوق لكثرة ما وعد فأخلف، وحدث فكذب، بشأن الكهرباء والأمن والبناء. متآمر لا يشق له غبار. فحين رفضت القوى الكردية والسنة العرب إعادة تعيين إبراهيم الجعفري تفتق ذهن الشهرستاني عن لعبة. فقد استخدم اسم المرجعية الدينية، دون علمها، وأبلغ الامريكان بأن المرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني تؤيد المالكي.    
- ابراهيم بحر العلوم، إبن السيد محمد بحر العلوم صاحب القبلات الحارة على شفتي بول بريمر، وصاحب الاقتراح التاريخي بجعل التاسع من نيسان عيدا وطنيا، والذي عاد فلعنه بعد ذلك.    
في آب 2003 فاجأ محمد بحر العلوم بول بريمر باعتكافه في داره في النجف، ولم يخرج منه الا حين وعده بريمر بتعيين ابنه ابراهيم وزيرا للنفط. ويذكر أعضاء البرلمان تهديدات حسين الشهرستاني ذات يوم بأن لديه أدلة ومستمسكات تدين حزب الفضيلة باستباحة النفط برعاية الوزير إبراهيم بحر العلوم.
- هادي العامري محذوف لعدة أسباب، أولها وجهُه الخشبي الكئيب الطافع بالغضب والكراهية والغرور، وثانيها حجمُ الدم العراقي الذي ما زال يقطر من يديه من أيام حروب وطنه الأم (إيران) مع وطنه الثاني العراق، وآخرها فضيحة ولي عهده غير الأمين مع طائرة الشرق الأوسط اللبنانية التي لم يعاقبه عليها أحد.
- موفق الربيعي خردة وسكراب، لم يعد يحلم برئاسة ولا سياسة، وهو يعلم حدوده جيدا إذا أرد أن يحافظ على عقاراته على شوايء دجلة وشط العرب.
هذا كل ما يتوفر في خابية الائتلاف. حيرة ما بعدها حيرة. وأكثرنا مهارة في تقدير أوزان منافسيه هو نوري المالكي نفسه. فقد أعلن أحد مستشاريه أن معسكر رئيسه يتحدى الائتلافات المنافسة بأن تجد مرشحا منافسا واحدا يستاهل لقب (رئيس).

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع