حظ أمحيسن ! الحلقة عشرون

                                     

      

حظ أمحيسن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في9/نيسان2003


          

                          الحلقة / عشرون 


أشتاقت زوجة "أمحيسن" لزيارة أهلها في بغداد, وحجز لها ولولدهما على متن طائرة متجه الى بغداد, في بداية العطلة الصيفية للسـنة 1974 -1975 ولما حَلَ الرحيل, ودعها وكان بوده لو يودعه صفو الحياة على أن لايودعها,.. وعاد لداره مثقلاً بالهموم, وراح يسلي نفسه بقراءة الشعر وقال:   
يا حبيبي كل شيئ بقضاء = ما بأيدينا خلقنا تعسـاء

تقوقع "أمحيسن" في صومعته وراح يوبخ نفسه لعدم مرافقة زوجتة في رحلتها للوطن ليتسنى له زيارة قريته , ولكن ما نفع الندم؟, فاطائرة الآن في سماء بغداد,.. وفي الحال فتح المسجل,.. وراح يستمع الى أغنية المطربة المصرية السيدة "ملك محمد" وهي تغني أغنية:  صباح الخير يالوله,على بغداد يالوله",.. فراح يدندن كلماتها مع بكاء صامت!

صباح الخير,.. يا لوله ,.. على بغداد يالوله
بحمدك ساحت الدجلة ,تروّي أرضنا السوده
وتسقي الخوخ والبقله, بروحتها,.. وبالعوده
وتسقي الورد,.. يا لوله وتسقي الورد يالوله
يا عزّو من يبات قانع,.. من الرحمن يتطلّب
يا ذلّو من يبات طامع,.. يبات الليل,.. يتقلّب
على الجنبين,.. يا لوله,.. ولا يرتاح  يا لوله

بعد نهاية الأغنية, لم يشعر" أمحيسن" كم من الوقت مضى, فقد أخذته سُنة من النوم ,فاق بعدها مذعوراً ليجد نفسه وحيداً, وفي بداية العطلة,..

  

اقترح عليه أحد الزملاء بالسفرالى استوكهولم  عاصمة السويد, لقتل الضجر بسبب الوحدة, وأسـتهوته الفكرة وبدأ بتطبيقها فوراً !
وهكذا توجه "أمحيسن" إلى لندن، ومنها عَبَرَ البحر بسفينة لنقل المسافرين (عباره), بين ميناء لندن,.. وأحد الموانئ السويدية, كان معظم ركاب العباره من السويديين العاملين في بريطانيا ,..
 أبحرت السفينة بعد غروب الشمس من ميناء لندن , وبمرورالوقت أنسجم الدكتور"أمحيسن" مع شـلة من الركاب, في جو شبابي متعطش له منذ نهاية دراسته الجامعية في موسكو,..فهاجت الذكرى!,..وسـرح بأحلام اليقظة مع حفلات التعارف الجامعية.
وعلى أية حال, مر الوقت سريعاً,.. وبعدعشرة ساعات وصلت السفينة الى الميناء السويدي وبسهولة تمت أجراءآت فحص تأشيرة الدخول ,ثم أستقل باصاً الى العاصمة (استوكهولم)، وكان في غبطة لم يشعر بها منذ أمـَد بعيد,..وأزداد نشوة برؤية المناظرالطبيعية على جانبي الطريق من الميناء ولغاية العاصمة ،.. وكان يجلس بجانبه شاب سـويدي,.. بادر"أمحيسن" بالحديث معه باللغة الإنكليزية ، وبسبب زلة لسان,نطق "بالروسي", فعلم الشاب أن "أمحيسن" يجيد اللغة الروسية، وراحا يتحدثان بالروسـية بطلاقة , وبينما هما يتحاوران بأمور شـتى, لفت نظر"أمحيسن" إلأضاءة الساطعة في الطريق الرئيسي "الهاي وي" وكأنه شارع داخل مركز المدينة, ولما استفسر "أمحيسن"من زميله  السويدي عن اقتصاد السـويد؟, أجابه:
الدولة السويدية لا تملك سوى صناعة سيارات "الفولفو", و بيع أخشاب الغابات , والسياحة!
 تعجب "أمحيسن" وقال: العراق ثاني اكبر دولة عربية بإنتاج النفط والغاز , وبغداد مقسمة الى جانبين "كرخ" و"رصافة", والكهرباء توزع مناصفة بينهما,..فأستغرب الشاب السويدي لشرح أمحيسن عن التقشف الذي يعيشه الناس، والأمراض الأجتماعية والصحيه التي تفتك أو فتكت بملايين الناس، وتساءل عن السبب أو المسبب، ولم يجد جواباً مقنعا,..فقال بسبب غياب الديمقراطية وتفرد فئة معينة من الناس, ابتلعوا الأخضر واليابس، غير مبالين لكل النتائج التي سببت تأخر البلد حيث نهض العراق واليابان في آن واحد، واليابان لا تملك من الموارد الطبيعية كالتي يملكها العراق، إلا ان السلطة والشعب كونوا أعظم دولة اقتصادية في العالم!
         

  

وبعد أيام من وصوله إلى السويد رغب بزيارة "كوبنهاكن" عاصمة الدانمارك, المشهورة عالمياً بتنوع ملاهيها, وأضافة لذلك فهي لا تبعد عن "استوكهولم" سوى بضعة كيلومترات بالقطار,وما أن وصل حتى توجه نحو أقرب "فندق" في مركز المدينة، وتم كل شيء من دون متاعب تذكر،.. وفي المصعد كلم عامل الفندق الذي رافقه في نقل حقائبه، حول مجالات السهرة الليلية،.. فاعلمه بشكل مفصل لقضاء ليلة كأنها ليلة من ليالي الأنس في فينا!
 اشترى"أمحيسن" تذكرة لأشهر"ملهى" ليلي بقيمة "70 دولار"،.. ولهذا السبب أراد تمديد "تأشيرته" لعدة أيام،..وسأل عن الطريقة، فقيل له عليه مراجعة أقرب مركز للشرطة وأعطوه,وأعطوه العنوان  واتجه فوراً إلى ذلك المكان لأنه لم يتعود البقاء في أي بلد أجنبي من دون "تأشيرة", بسبب ما حصل له قبل سنوات في الحدود البولونية!
وما أن استلم المسئول جواز سفر "أمحيسن" حتى راح يتصل تلفونياً بجهة ما,..وسمع "أمحيسن" كلمات مثل "ليبيا" "عراق" "إسرائيل",.. فاستغرب من نظرات الشرطي,.. وردد مع  نفسه: "جاك الموت يا تارك الصلاة"!
 وبعد لحظات حضر اثنان من الشرطة العسكرية، واستلم احدهم جوازسفر "أمحيسن"وطلب منه مرافقته، فنهض, وسار بجنبه وكأنه مهرب مخدرات, وُطلب منه دخول سيارة البوليس,وما أن  تحركت حتى أطلقت صفارتها الرهيبة, وتوجهوا نحو فندق "أمحيسن",.. وطلبا منه النزول من السيارة وجلب حقائبه من غرفته, ومغادرة كوبنهاكن و العودة  إلى السويد  لأنه من دون التأشيرة الدانماركية !
أستغرب, "أمحيسن", حيث قيل له عند استخراجه (الفيزة),أن السويد والدانمارك وبلجيكا تعتبر دولة واحدة، وفيزة  أحد الأقطار تخوله الدخول إلى  كل تلك الأقطار, فما العمل؟,وكيف يمكن أن يشرح ذلك وهو بين أثنين من الشرطة العسكرية،..واذعن للأمر, ونام تلك الليلة في استوكهولم، وفي صبيحة اليوم التالي قررالعودة إلى مقرعمله في طرابلس, وغيرتذكرة سـفره بحيث وجعلها مفتوحة, عبرالدانمارك - سويسرا - ليبيا, وهكذا,..تم كل شيء بسهولة ، ولما وصل إلى مطار كوبنهاكن، استفسر من المسؤولين في استعلامات المطارعن إمكانية منحه  تأشيرة زيارة " الى كوبنهاكن, فوافقوا,.. ودخل "أمحيسن" كوبنهاكن وسكن في نفس الفندق الذي سـكنه البارحة, وها هو الآن معه "تأشيرة" صالحة لمدة أسبوع!
 اشترى "أمحيسن" تذكرة للسهرة في نفس ذلك "الملهى المشهور",  وقبل الموعد، راح أمحيسن يتجول  بشوارع كوبنهاكن, وبالصدفة التقى وجهاً لوجه مع الشرطيين اللذين قاداه يوم امـس إلى محطة القطار!,..فأوقفاه,.. وفحصا جواز سفره, ولم ينطقا بأية كلمة!,.. وراح ينظر كل منهما للآخر,..واعتذرا لمحيسن وسلماه جوازه!   
ابتسم "أمحيسن" بسخرية لهما ,وفرح في قرارة نفسه ,..وما إن حان موعد الدخول للملهى حتى كان في الطليعة،.. وقد ذهل للوهلة الأولى, لما لاحظَّهُ من أمور خارجة عن كل تصور،.. فعشرات من الغانيات  بأجمل الحلل كأنهن عرائس في ليلة زفافهن ,..وكل شيء ميسر ، رقصُ وشربُ ومأكولات ,..وإذا ما طابت النفس لعلاقة خاصة ، فالأمر يسير وفق اتفاق الطرفين !
لم يستطع أمحيسن تحمل ما يجري داخل قاعة الرقص,..  وراح يتعوذ من الشيطان وأنزوى في أحدى الزوايا وراح يراقب الغواني وسرح في حلم اليقظة, وتذكر جميلته أيام الصبا وكيف أجبره والده لأكمال دراسته المتوسطة في بغداد حتى يبعده عن جميلة,..وتذكر يوم دخوله لسـينما روكسي لمشاهدة فيلم "غرام وأنتقام", بطولة يوسف وهبي وأسمهان وأنور وجدي,وها, فراح يدندن ليسلي نفسه الحزينة ,فتذكر أغنية ليالي الأنس في فينا, وراح يغنها بصمت :

   


ليالي الأنس في فيينا نسيمها من هوا الجنّة,
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى
ما بين رنين الكاس ورنّة الألحان
أدي القوام ميّاس تعاطف الأغصان
تمّ النعيم للروح والعين ما تخلّي قلبك يتهنّى
آدي الحبايب عالجنبين إيهِ اللي فاضل ع الجنّة
متّع شبابك في فيينا دي فيينا روضة من الجنّة
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى
دي ليلة الأنس في فيينا نسيمها من هوا الجنّة
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى
امرح واطرب افرح واشرب ابعث قلبك
يسبح ويطير في الدنيا ديي يلقي له سمير
تهنا بقربه، وتسعد بهواه واتهنّي شبابك والقلب معاه
دي فيينا روضة من الجنة يسعد لياليكي يا فيينا
 نغم في الجوّ له رنّة سمع لها الطير بكى وغنّى

                                


 يتبع في الحلقة / 21

للأطلاع على الحلقة التاسعة عشر..

http://www.algardenia.com/maqalat/9709-2014-03-29-08-31-12.html


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

801 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع