دبابة مزّقت قلبي

                                           

                              صبري الربيعي

نعم ..لقد مزّقت قلبي , داست على سمو كرامتي, وجعلتني اتمرغ يأسا وألما وحسرة , هذا جسرك ياسنك , يتلاشى شموخه , وينزوي جماله , وتختض أعمدته , ويهرب عابريه , وترتعش أجنحته وتغادر لونها الأخضر , وتتبرأ بدايته من نهايته الصابّة في قلب الرشيد , صاحب الغيمة الراحلة ..

كنت أنا والدبابة الباغية , وعصابتها , صواريخ (كروز) .. و(توماهوك) , و(النيترون) , ومئات الآلف من مرتزقة أزاحتهم الأرض , ليعيثوا دودا فاسدا ومفسدا في جسدي !

كنّا في صراع موقعه القلب والوجدان عندي, في مواجهة آخر ما توصل اليه العقل البشري من تقنية مدمرة  فاقت تصور الأحياء , لتغتال ضحكات أطفالي , وتوئد الأمل في هواجس صبايانا , وتضبب تألق مآقينا , وتؤسر توثبنا نحوحياة نستحقها ..واحسرتاه فقد تعثر الدرب , وماتت الآهات في صدورنا المحبوسة, ولم تعد  لنا من حيلة ..فقد أفقدنا الذهول احساسنا بالحياة !

يارب ..هل تخليت عنّا ؟ هل يستوي عندك , المجلود والجلاد ؟ وهل تصبح (القحبة ) مكان (البتول) ؟ يارب .. ها هو باب جهنم الرزايا يفتح ! أغلقت البيوت ,  وصحا السكارى على عمق (الصدمة ) , ولم يكن هناك وقت لتمشط حبيبتي شعرها , وتوقفت ابنتي عن خطواتها نحو درسها .. والصق الصغار بأم وأب ..وتوقفت ألسنة الحاكين .وفرح لمأساتنا من قصر نظرهم عن رؤية  الغد..لقد توسلوا كل وسبلة لإيجاد ذرائع ارتكاب الجريمة ! معارضون ليس بينهم وبين السفلة الا شعرة ..حلموا بسلطة جاءت لهم وهم يلحسون (بساطيل) مرتزقة , قاتلونا وقتلونا من دون قضية لهم غير عدوان مدان !

ضج دماغي , ونشفت ريقي , واحمرت عيناي, و(سابت ) مفاصلي , وصاحت أذني ا بصفير  وضجيج , وتجاوز ضغط الدم عندي حدوده ..التفت يمينا وشمالا فلا أرى غير حبيبة تواسيني وفيها مثل مابي ! ما الذي يمكن لكهل مثلي أن يفعل وهو على بعد ألاف الأميال ؟ غارق في بحر الشمال ؟ هل يكفيني التأسي , والألم , أم الندم أيضا ؟ ماذا لو كنت في بغداد حبيبة أول العمر وآخره , مرضعتي , وحاضنتي , وملعبي , وموءل صباي , ومغامرات شبابي , زاد طموحي ؟ هل سأضع رأسي على مخدة دافئة , تحت غطاء ناعم , وأذهب في رقدة لاقيام بعدها ؟ أم  أستل (قامةعباس المطشر ) لأمزق نفسي بنصل قاطعة تلهث ؟ هل سيكون لي بعد الآن حق في التماهي أمام أحفادي ؟ سيسألون ..أين كنت عندما جاءوا ؟ كيف سأجيبهم ؟ والكثرة غلبت القلّة ! في غياب حكمة تدير , وعقل بصير , وحضور عصر مرير, حيث لاأنس ولا أنيس, كثرة في أخوة أعداء , وجدب في محبين أصدقاء !

ليل بغداد أمسى نهارا , هو ليس كرنفال سنة جديدة , بل ضياء تعقبه عتمة ..هل تكفيني آهات وحسرات ؟ وهل ترد روحي  شتائم عراقية ؟ وهل اهرع الى الله مرة وثانية وعاشرة ؟ من يفعل ؟ من يعمل ؟ مافائدة السلاح أن بقي بين (نضط) الفراش ؟ من يشحذ سيفه ؟ من يموت ليحيا الآخرون ؟ هل بقيت للحياة قيمة ؟ هل بقي للحب من وقت ؟  غرقت في تلك الأسئلة وما من مجيب !

صمت ايام من دون رمضان , وغشت عيناي غيمة ضباب ,  ولم يعد لجلاسي في مجالستي متعة , أية متعة تحلّ في عالمي وحبيبة عمري أسيرة  ؟

 وماذا بعد ..؟ عندما يقال للمكلومين بفقدان عزيز "لك الصبر والسلوان " ! ترى هل يعزّون في  شهيد ؟ فهو حي عند الله يرزق , وهل يعزّون في عزيز ؟ فهو ذهب ولم يعد! ولكنهم يعزّون في وطن ! وأي وطن ؟ هو العراق !

قلت عزائي ان العراق باق , وهل يروح من اسمه العراق ؟ وتعلقت بأذيال الفضاء المتاح لأقول كلمتي ..فقد تسابق المتسابقون نحو منفعة ومنصب وجاه ..أما أنا فقد شحذت الهمة وأيقظت الفكر , واستحضرت كل ماعلمتني الحياة , لأباشر مهمة لم تنته عند حد ..على سرير المرض كتبت بحرقة من تشوي النار أقدامه , ومن يمس اللظى شغافه ,

وساحت كلماتي الى اهتمامات من يقرأني ويجول في أفكاري واصطففت الى جانب اخوة وأبناء , على قلتهم , فهم مؤثرون ,  وكل قلم منهم بألف , كما توصف ادبيات العرب المعارك بين الحق والباطل , فللحق جند ناصرون وللباطل هزيمة لابد انها محققة !

مابعد الدبابة الممزقة لقلبي , مراحل تبين فيها الرجال المؤمنون بحق هذا الشعب في وحدة  وحياة حرة كريمة مكتفية , من أشباه الرجال المدّعون الفاشلون  العرقيون والطائفيون ؟ الذين قادوا البلاد الى مهاوي الفرقة والتشظي .. نهبوا المال العام , وركبوا ضعف بعض القضاة , وأداروا عنق القانون من اجل حالات ظرفيّة , تحقق لهم السيطرة والنفوذ والغاء الآخر !

أحد عشر عاما , حزينة مرّت على العراق , وهو في مخاض عسير , لاأدري أن كان سيتمخض عن ولادة طبيعية لأمل مرتجى ؟ أم أن الأمر بحاجة الى عملية قيصرية قد تميت ولا تحيّ !

اللآعبون في غالبيتهم طامحون طامعون , ليس بينهم وبين الشعب من وشيجة , متسلقون وجدوا الغنائم دسمة ! فجانبوا الله  واستمرءوا حرامه  , مراهنون على طيبة هذا الشعب , وانسياقه خلف دعاوى محرّفة , تلوي الحقائق لتجعل لبوسها الباطل وليس هناك من صوت عاقل , يحفظ دماء العراقيين,ويجنبهم خسائر لم يعد تحمّلها متاحا ! والله وحده اعلم بما ينتظر العراق من مآسي بانت نذرها !

حفظ الله العراق وأهله وأطاح بكيد الكائدين !

ورود الكلام ..

هي وردة واحدة !
لنحفظ  (الروح العراقية) !

      

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

539 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع