براءة من داعش

                    

                          إبراهيم الزبيدي

من يستطيع أن يقول إن داعش حركة محترمة وآدمية ليمكن أن تلحق، بأي شكل وأية ذريعة، بثوار عشائر الأنبار الذين لا يختلف اثنان على عدالة الكثير من حقوقهم  الوطنية والإنسانية التي هضمتها حكومة فاسدة عمياء البصر والبصيرة؟

تعلمت في شهرين قضيتهما في عمان أن في المناطق السنية طائفيين متطرفين إلى أبعد حدود التطرف لا يقلون خطرا ودموية وقلة ضمير وجاهلية عن قيس الخزعلي الذي يتزعم جماعة عصائب أهل الحق وواثق البطاط الذي يقود جيش المختار.
فالذي يجعل من حثالات داعش وبهائمها السائبة (ثوارَ عشائر) وأبطالَ حراك ومعتصمين شرفاء مجندٌ نفسه في داعش والقاعدة، ومارقٌ وخارجٌ على القانون والعُرف والدين، وينبغي أن يؤخذ مخفورا، وعلى الفور، إلى أقرب مركز شرطة أومستشفى مجانين.
المشكلة أن في الفلوجة والرمادي ثوارا حقيقييين وأصحابَ مباديء وشرفاء يدافعون عن كرامة أهلهم بحق، ويسعون إلى انتزاع حقوق مهضومة عادلة ومشروعة، ولكن الغلبة هناك لمسلحين تكفيريين مخربين يتسترون بالحراك والمعتصمين، ويتاجرون بمظلومية السنة، تماما كما تاجر غيرهم بمظلومية الشيعة، ذات يوم.
والعلة الأكبر أن هؤلاء وأؤلئك ملثمون لا تبين منهم سوى العيون، فكيف يمكن لأحد أن يعرف من منهم المجرم القاتل المتخلف الداعشي، ومن منهم  الثائر العشائري الشهم الأصيل؟.
إن جميع الدلائل والقرائن، وكل وكلات الأنباء العربية والعالمية، حتى تلك المتعاطفة مع الأنبار ومصائب أهلها، تقول إن داعش والقاعدة تحكمان الفلوجة والرمادي، إلا بضع فضائيات، بخبث أو عصبية قبلية أو جاهلية، تسمي صبيان داعش والقاعدة ثوارا مناضلين، وتبث لهم الأناشيد القومية الحربيةالمدوية، لتحريضهم على القتل والسطو وخراب البيوت (الله أكبر ... فوق كيد المعتدي).
فمهما قيل ويقال عن جيش الحكومة الحالي المتهم بالطائفية والشللية  فالواجبان الوطني والأخلاقي يفرضان على كل مواطن عراقي شريف أن يدعم ويناصر ويؤيد أي جهد، من أيٍ كان، وكيفما كان، يضمن تطهير الفلوجة والرمادي من هذه الوساخات، وتحرير أهلها من عبث القاعدة وداعش والمسلحين المجهولين الذين انتعشوا في الفوضى والفراغ الأمني فامتهنوا السطو والسرقة والفرهود، باسم الحراك وبثياب المعتصمين.
إن أية قوة تخلص الأنبار من هذه الزعانف، حتى لو كانت قوات المالكي نفسها، لن تكون أقسى على أهل الفلوجة والرمادي من داعش وصبيانها المجانين.
أما الحراك الشعبي السلمي فهو حق مشروع لا يختلف اثنان على دعمه والشد من أزره في وقفته الشجاعة بوجه الفرز الطائفي والتهميش والظلم والافتراء الذي لا تجيد حكومة نوري المالكي سواه من سنوات.
ولو بقي الحراك سلميا نقيا مبرءا من الشللية والحزبية والانتهازية كما بدأ، ولو ظل بعيدا عن هيمنة سماسرة السياسة والبضائع المهربة والمقاولات، لكان أسرع إلى إحراج المالكي وإجباره على الاستجابة لكثير من مطالبه العادلة، ولكان، فوق كل ذلك، أقدر على اكتساب تعاطف ملايين المواطنين العراقيين، شيعة وسنة، من المكتوين، كأهالي الأنبار، بظلم المالكي وفساد حزبه المقيت.
ولولا إقامتي القصيرة في عمان مؤخرا لما تعرفت، عن كثب، على ذئاب مفترسة معدودة على أصابع اليد متمرسة بالقنص وصيد البر والبحر، لا ذمة ولا ضمير، تخلط الأخضر باليابس، والحلال بالحرام، والشيطان بالرحمن، تغرر بشباب الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل، من أجل كسبٍ حرامٍ عابر وتافه لا يجعل من أرنبٍ أسدا، ولا من غراب هزارا، مهما فعل، وعلى أي كرسي جلس.
هذه الزمرة من تجار الحروب الطائفية المفتعلة تقامر بأرواح شباب الفلوجة والرمادي، وتدفع بهم  إلى موتٍ مجاني محقق في مناطحةٍ غير عقلانية وغير منطقية وغير مقبولة مع جيش عرمرم وراءه دولة ضخمة بحجم العراق وأمواله ومؤسساته وعلاقاته المتشابكة مع دول مهمة عربية وأجنية تمده بالسلاح والخبرة والدعم السياسي والإعلامي  والمخابراتي، مهما قيل عن طائفيتها وظلمها وفسادها.
من كثيرين من أهالي الأنبار وشيوخها، وعراقيين آخرين محترمين، عرفت تواريخ هؤلاء المهربين الذين حولوا مصائب الوطن التي صنعها الاحتلال إلى فوائد أخرجتهم من أزقة الأنبار ومقاهيها المختنقة بدخان (الأراغيل) الصدئة ليصبحوا فجأة قادة وزعماء. وحولتهم من مهنة تهريب السكائر الممنوعة والعصاة والأسلحة والمواشي إلى مهنة تلصيق القوائم الانتخابية وتمويلها، وتصنيع النواب والوزراء، ليقتسموا  العوائد والفوائد والموائد من خيرات الدولة العراقية (الفلتانة)، بعد ذلك.
ولولا إقامتي القصيرة تلك لما تعرفت على حقيقة الأوضاع السياسية والعشائرية والنفسية في المناطق الغربية العراقية وأسرارها ودواخلها ومكوناتها، وبالأخص على حروب كسر العظم الدائرة في الخفاء على زعامة الطائفة السنية في الحكومة والبرلمان، بين كبار سماسرة السياسة والانتخابات، ليس لخدمة الطائفة وإنصاف أهلها واستعادة حقوقهم المهضومة، كما يروجون ويثرثرون،  بل من أجل لي ذراع نوري المالكي، وإجباره على قبولهم شركاء له في المحاصصة التي لم يعد يؤمن بها ولا يحترم الداعين إلى احترامها.
وقد اثبتت الوقائع في السنوات العشر الماضية أنهم معارضون أشداءُ للمالكي في العلن، لكنهم وراء الأبواب المغلقة لاهثون يتسابقون على كسب عفوه ورضاه.
تراهم من الخارج وطنيين أصحابَ مباديء وكرم وخلق وشهامة، لكنهم من الداخل صغار منافقون انتهازيون أنانيون متهالكون على الوجاهة، خالون من أي انتماء لأي وطن أو رجولة أو آدمية، متخذون من دماء الأنباريين والـ (صلاح الدينيين) بضاعة يبيعونها لمن يسهل خداعه من أثرياء الخليج المتوهمين بأن هؤلاء االصغار المفضوحين لدى عشائرهم، والمبغوضين من قريبهم قبل بعيدهم، قادرون فعلا على طرد إيران من العراق والمنطقة وإسقاط المالكي وحماية ظهر الخليج.
والأنكى من كل ذاك أن كل واحد من هؤلاء الصغار أصابه غرور العظمة، فصار يتخيل نفسه جمال عبد الناصر وصدام حسين ومعمر القذلفي ونوري المالكي. فأنت ترى طلعته غير البهية على فضائيته وجريدته كل صباح وكل مساء، في كل نشرة أخبار أو موجز أو أقوال صحافة، وبين أغنية وأغنية، يبتسم مرة، يكشر مرة، يصافح هذا، يودع ذاك، وأحيانا أخرى يوزع هدايا هنا، وشهادات تخرج هناك، والخدم والحشم وأفرادالحماية والسماسرة (اللقامة) يصفقون ويهتفون بحياته وحياة ولي عهده الأمين.
وآخر ما تعلمته في شهرين في عمان أن الكثرة الكاثرة من أهالي الأنبار ومحافظات المناطق الغربية الأخرى مسالمون متشوقون بحماس ليوم الخلاص وعودة الأمن والأمان والعيش الآدمي الكريم.
يبغضون الإرهاب والإرهابيين، من أية ملة كان وكانوا، ومن أية طائفة ودين.
والأهم الأعم أنهم جميعا، وقطعيا، يرفضون تشويه سمعة  ثوار العشائر بجعلهم مجندين لداعش، وهم براءٌ منها ومن كل المتاجرين بأفعالها الخائبة ممن يستثمرون وجودها في الفلوجة والرمادي ليكنزوا الذهب والفضة والقصور الآمنة الباذخة في دبي وعمان وأربيل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع