أغاني ..الـ ( بس بس ميو )!

                                          

الفارق كبير بين ( وين البارحة سهرانة يا بنت الكلب ) و ( سبحانه الجمعنا بغير ميعاد) !

انتشرت في حياتنا ومن حولنا في السنوات الأخيرة مجموعة من الأغاني التي اطلق عليها تسمية ( الهابطة) ! .. كلماتها مبتذلة، وألحانها ركيكة في كثير من الأحيان .. وربما ساعد على انتشار هذا العبث .. انحدار الذوق العام .. واختفاء الشعور بالجمال .. وأخطر ما في الأمر أن تتعود الحواس على كل ما هو رديء .. فيموت الوجدان .. !!  ان الأغنية العراقية تعيش الآن في فوضي فنية ، بسبب تعرضها لهجمات شرسة ابطالها مجموعة من انصاف الموهوبين اتجه اغلبهم للموسيقى والغناء بحثا عن الشهرة والمال. وهذه الشخصيات الدخيلة ينقصها المعرفة العلمية والذهنية ، والفنية الواعية ، والحس المرهف .. ونتيجة لذلك تدهورت وهبطت الأغنية كلاما ولحنا وأداء !!
تساءل الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد متابعته في سنوات حياته الأخيرة لما يقدم من ألحان وأغاني: " كيف يقوم ملحن اليوم بعمل 150 لحنا في السنة .. كيف ؟ هذا انتاج غير صحي !!.. وكيف يستطيع هذا الملحن أن يندمج في أربع أغان مختلفة يوميا ؟ ومن بين هذه الأغاني ما يتم تلحينها في الاستوديو. أين هذا مما كانت تفعله أم كلثوم مثلا مع ملحنيها .. أغنية واحدة في السنة .. ومتفقة مع ملحن آخر لأغنية أخرى للعام القادم . حتى تتيح للملحن فرصة عام بأكمله في تلحين أغنية واحدة طويلة .. ويكمل عبد الوهاب حديثه متسائلا : " وبمتابعتي انتاج الأغاني لاحظت اغفال القائمين بالأغنية عمل البروفات الكافية حتى تخرج الأغنية على أعلى مستوى؟؟ العمل اليوم أصبح كله يحسب بالمال .. البروفة بحسابها ، والتسجيل بحسابه .. أصبحت الاغنية تخضع للعرض والطلب تبعا لقيم السوق من بيع واحتكار . وملحن اليوم يعتمد على الأجهزة الاليكترونية ، يأخذ الكلام ثم يلحنه ويسجله أولا على جهاز كاسيت صغير ليناوله للمطرب .. ثم يسجله على النكبة العلمية اللى اسمها "تراكات" .. فاليوم ليس من الضروري أن تجتمع الفرقة الموسيقية مع المغني .. كل ما فيها ثلاث أو أربعة عازفين على آلات " الكمان " يعزفون ويسجلون معا .. ثم يعاد اللحن مرة ثانية بنفس الآلات فيصبح على شريط التسجيل صوت ثماني كمانجات ، ومرة ثالثة ورابعة وهكذا .. حتى يصبح الصوت .. صوت أوركسترا كبير . ثم يأتي دور الايقاع الذي يقوم بالعزف مع مجموعته الايقاعية ، واخيرا يقوم مهندس الصوت بعمل " ميكساج " .. وعليه لا يوجد أي انسجام بين العازفين والمطرب .."
يعتبر البعض أن اللحن هو أساس نجاح الأغنية، فاذا كان جميلا نجحت الأغنية . ويميل فريق آخر الى اعتبار الصوت الغنائي في المرتبة الأولى . ويؤكد فريق ثالث أهمية النص والكلمة . ولكل رأيه ومبرراته ..!! ويؤيد الموسيقار رياض السنباطى أهمية الكلمة في الأغنية في حديث قديم حيث يقول :أن الشعر والكلمة لهما أهمية كبيرة عند العرب قديما وحديثا . فالمستمع العربي يفتش دائما عن الكلمة في الأغنية .. ويجعل لها الأهمية الأولى في الاستماع . فالقصائد قديما كانت المنبع الذي يغرف منه الملحنون كلام أغانيهم. والشعر القديم بطبيعة وزنه العمودي يساعد على ايجاد الايقاع الموسيقي المناسب الذي يساعد الملحن في خلق الجو التعبيري لها .ولا بد من وجود انسجام بين ناظم الكلمة والملحن ومثال ذلك التعاون الكبير الذي كان بين الموسيقار محمد عبد الوهاب وأمير الشعراء أحمد شوقي. وعليه خرجت أغانيهما قمة في التعبير . حتى بعد أن تطرق أحمد شوقي في كتابته للشعر المتخصص للتلحين مثال : في الليل لما خلي ـ بلبل حيران ـ وغيرهما كان التفاهم بينهما واضحا.
 نعود للاغاني الهابطة ، فقد استفحلت بسبب اهمالنا التراث القديم بدعوى التطور . والثورة على القوالب الفنية لمجرد الثورة ، لا يمكنها أبدا أن تخلق فنا جديدا . فأغانينا وموسيقانا لن تتطور الا اذا عدنا من جديد الى التراث القديم كما فعل الأوربيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. حين أضافوا الى تراثهم روح العصر الى جانب ابتداعهم للجديد . ومن غرائب الطبيعة : أن أغلب الملحنين اليوم لا يجيدون تدوين النوتة الموسيقية . بالرغم من وجود معاهد موسيقية ومعلمي موسيقى فى كل مكان في العالم . وبعد انتشارأجهزة التسجيل أصبح الملحن يعتمد على الكاسيت لحفظ ألحانه من الضياع .
لهذا نجد ، أن العديد من الشباب الذين يعتقدون بأنهم ( مطربين) قد أطلقوا الأغاني ( شيش بيش) من حناجرهم واجزم بأن ثلاثة ارباعهم لا يفرقون بين ( مقام الصبا .. والفجل)!  ..  
سبق لي شخصيا أن شغلت منصب مسؤول رقابة الكلمات في اذاعة بغداد ، وعشت سنوات طويلة مع الفنانين والموسيقيين ، ومرت علي انماط وأشكال من ( مدعي الفن ) الذين كانوا يشكوني لمسؤولي المباشر في الاذاعة ، بسبب عدم موافقتي على العديد من كلمات الأغاني السخيفة ! لكن تلك التي كنت اعتبرها ( سخيفة ) لا تشكل شيئا إلى جانب ما موجود الآن على الساحة الغنائية العراقية ففي تلك الأيام كانت هناك كلمات لأغاني تقول :
(آني بشاربك خلصني منهم.....يردوني غصب آخذ ابنهم) اعقبتها اغاني مثل: تجي نتزوج بالسر ...اهلي واهلك خي يولون تجي ناخذ بيت بعيد....ونخلف نغل زغيرون ..أو : الا اكسر خشمها العالي ..... الا اخليها تبوس انعالي ..أو :  ملعون ابن ملعون.....احترك عمك  ..وكل اهلك الظلام..... والنوبة امك ، ومطربة تغني :وين البارحة سهرانة يابنت الكلب...او : ارد ابجي على جويسم ابو الغيرة ..شرَّاب العرك...... وبطالة البيرة
حتى وصلنا إلى أغاني :  بس بس ميو ..! والعگربة .. ومن يغني ( اذا أشعل وأطفيلك ضوه الباب .. يعني آني وحدي وأهلي غياب ) تفحصوا ماذا يقصد هذا الإبن الـ ....! ورحم الله من غنى :

انا الربيت ولغيري يصيرون ، وسلم عليه بطرف عينه وحاجبة ، وسمر سمر يا سمر منج يغار الكمر ، ويا أمي يا ام الوفه ، وسبحانه الجمعنا بغير ميعاد ..

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

859 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع