وجهة نظر أخرى لهاشمي رفسنجاني*

                                   

                  الكاتب الإيراني كاظم علمداري

                         تعريب عادل حبه

نشر في الأيام الأخيرة على شبكات الانترنت نص خطاب هاشمي رفسنجاني الأخير، الذي تم تكذيبه من قبل مرضية أفخمي الناطقة باسم وزارة الخارجية.

فقد أشارت الناطقة إلى أن "تصريحات رئيس "تشخيص مصلحة النظام" قد تم تشويهها وتم تكذيبها من قبل مكتبه". وقد شكك آخرون بصحة هذه التصريحات. ولكن بعد الاعلان عن هذه التصريحات جرى نشر تسجيل صوتي لخطابه يؤكد صحة تصريحات هاشمي رفسنجاني على الرغم من الشكوك التي أثيرت حوله. إن تصريحات هاشمي رفسنجاني ما هي إلا امتداداً لسياسته في السنتين الأخيرتين، وهي سياسة تختلف عن سياسة مسؤولي النظام وبضمنهم المرشد خامنئي. وهي تعبر عن اقتراب رفسنجاني من منتقدي النظام.

لقد أشار رفسنجاني في هذا الخطاب إلى الحرب الأهلية في سوريا وقال:" لقد لحق بالشعب السوري في السنتين الأخيرتين خسارة كبيرة. وفقد أكثر من 100 ألف قتيل وهُجَّر قرابة 8 مليون مواطن سوري. وفاضت السجون بحيث تحولت بعض الملاعب الرياضية إلى سجون. وتعرض الشعب إلى الحملات الكيمياوية من قبل حكومته من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو بانتظار القنابل الأمريكية لتقع على رأسه". لقد أطلق رفسنجاني تصريحاته حول استخدام السلاح الكيمياوي بمهارة وبشكل موزون ومحسوب. فهو على خلاف المعادين لأمريكا، بيّن للرأي العام العالمي أن الجمهورية الاسلامية غير مستعدة أن تعرض أمنها للخطر مقابل الحفاظ على كرسي بشار الأسد. وفي هذا الخطاب لم يجر الخوض في استخدام السلاح الكيمياوي الذي ظن البعض أنه قد استخدم عن طريق الخطأ، أو وضع أسم الحكومة بدلاً عن المعارضة. ففي هذا الخطاب أشير بصراحة وبدون لبس

وبدون خطأ او زلة لفظية. وبعتقادي أن هذا الواقع المر قد أثير عن عمد، فهو جزء من أقوال الشعب الإيراني واحتجاجاتهم التي قمعت من قبل الحكومة. إنه تعبير عن الوضع المزري والأفعال المعادية للبشر لنظام يعد من أقرب حلفاء الجمهورية الاسلامية الإيرانية في العالم. إن الجريمة المعادية للانسانية التي ارتكبها النظام السوري وتناغم الجمهورية الاسلامية معه يشكلان عاملاً أضافياً من عوامل زيادة التوتر الدولي ازاء إيران. ,يريد رفسنجاني في تصريحاته، أولاً، أن يضع نفسه على بعد من هذا المأزق وأن يقف موقف موقف المحتج إلى جانب الشعب الإيراني وشعوب العالم. وثانياً، إن رفسنجاني يدرك الوضع المأزوم لايران ولا يريد أن يربط مصير الجمهورية الاسلامية بمصير نظام الأسد. إنه يدرك بأن على الحكومة الإيراني أن تختار في حل مشاكلها بين نظام الأسد أوبين اقامة علاقات طبيعية بينها وبين الغرب ودول الجوار. إن رفسنجاني سياسي داهية خرج سالماً من كل الأزمات المختلفة التي تعرضت لها الجمهورية الاسلامية.

إن موقف المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية بصدد استخدام السلاح الكيمياوي في سورية لدليل على حيرتهم وقلقهم البالغ من أن تطال الحملة العسكرية الأمريكية ضد سوريا ايران. إن أكثر التصريحات حدة جاءت على لسان سيد مسعود الجزائري معاون شؤون التعبئة والدفاع في هيئة اركان القوات المسلحة في الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي أكد على أن " أمريكا على معرفة بالخطوط الحمراء في الجبهة السورية، إن أي عبور لهذا الخط الأحمر السوري سيؤدي إلى عواقب وخيمة للبيت الأبيض". إن ما أجبر رفسنجاني على التفوه بما يجري في سوريه هو القلق من ردود فعل الغرب على تصريحات بعض المسؤولين الايرانيين من امثال الجزائري. الذي أعلن" أنه على أمريكا أن تقلق من مصير وليدها غير الشرعي في المنطقة".

ولكن مثل هذه المواقف الحادة لم تتكرر، ودخل آبة الله خامنئي على الخط وأكد على أن:"المنطقة أضحت أشبه بمستودع للبارود، ولا بمكن التنبوء بما سيحل بها. وعلى أن لا يتخذ أحد أي موقف دون التحقق من حقيقة الأمور". أما محمد جواد ظريفي وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي سبق وأن حمّل المجاميع الارهابية في سوريا مسؤولية استخدام الاسلحة الكيمياوية، وبعد أن سمع بتصريحات المرشد وتصريحات روحاني فقد امتنع عن تكرار تصريحاته السابقة. فقد أدان روحاني استخدام السلاح الكيمياوي دون أن يوجه الاتهام إلى نظام الأسد أو إلى المعارضين. وأخيراً توجه وفد من مجلس الشورى الاسلامي إلى سوريه والتقي الاسد، ولم يتحدث الوفد بأية كلمة عن التهديدات الأمريكية والاسرائيلية لسوريه. وبعيداً عن ما يتسرب إلى الاعلام، فإن مهمة الوفد كانت افهام المسؤولين السوريين بأن لا يعولوا على تدخل الجمهورية الاسلامية الايرانية في المواجهة مع أمريكا. والسبب هو أن إيران الآن في وضع سياسي هش.

إن دور رفسنجاني كسياسي متمرس كان له أهمية في التراجع الجديد للجمهورية الاسلامية الايرانية. فقد قام رفسنجاني كسياسي بدور مماثل عبر مراحل مختلفة من مراحل الأزمات التي عصفت بالجمهورية الاسلامية الايرانية. وكمثال على ذلك هو دوره في انهاء الحرب بين العراق وايران حيث أبدى حصافة وفراسة متميزة. فقد كان من أبرز

المدافعين عن حرب السنوات الثمانية بين العراق وايران في البداية، حيث كانت ست سنوات منها عبثاً وكلفت ايران موارد مالية ضخمة وضحايا كبيرة. وسعى رفسنجاني إلى انهاء الحرب قبل وفاة الخميني، حيث أدرك رفسنجاني أن آية الله الخميني هو الشخص الوحيد الذي يستطيع الوقوف بوجه الداعين إلى استمرار الحرب. لقد كانت أهداف الخميني من الحرب هو أولاً تثبيت مواقع النظام في الداخل، وثانياً العمل على تصدير الثورة إلى الدول الأخرى. ولهذا عمل على تعبئة المجتمع من أجل استمرار الحرب لفترة تمتد إلى عشرين سنة. ولكن رفسنجاني لم يدرك فقط ضرورة انهاء الحرب، بل كان على يقين بأنه لا يمكن ايقاف الحرب إلا عبر الخميني. فرفسنجاني كان على علم بأن استمرار الحرب يشكل مصدر يدر الأرباح لبعض المجاميع ولا يمكن وقف ذلك إلا بأمر من الخميني الذي أنهى الحرب بكل بساطة. ولذا سارع المنتفعين من استمرار الحرب إلى اتهام رفسنجاني بخيانة الامام بعد وفاته.

إن النموذج الآخر من القدرة السياسية لرفسنجاني قد برزت في اثناء حملة الولايات المتحدة وحلفائها ضد العراق. فمع البدء بالحملة العسكرية ضد العراق بادرت المجاميع المعادية لأمريكا داخل الحكم في ايران إلى المطالبة بأن تقف الجمهورية الاسلامية الايرانية إلى جانب صدام حسين في مواجهة الولايات المتحدة. وكان رفسنجاني على إدراك بالنتائج الخطيرة لهذا الخيار، وعمل على وقف هذه الدعوات. فهذه المجاميع ارادت بدون وعي أن تربط بين مصير صدام حسين وبين مصير الجمهورية الاسلامية الايرانية، تماماً كما يجري الآن حيث تطالب المجاميع المتطرفة أن تربط مصير النظام بمصير الأسد.

أما النموج الثالث من مهارة رفسنجاني السياسية فهي سعيه للخروج من الأزمة التي واجهت البلاد اثر انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2009. فقد وجّه رفسنجاني خطاباً إلى خامنئي قبل أن تجري الانتخابات وتزويرها، يحذره من النتائج الخطيرة للسياسة الارادوية التي يتبعها خامنئي في المجتمع. ففي رسالة وجهها رفسنجاني إلى المرشد أشار فيها إلى أنه يرى النار والدخان يتصاعد من فوهة الأزمة. فلقد أدرك الوضع المتفجر في المجتمع. ولكن خامنئي فهم رسالة رفسنجاني على أنها دعوة لتخليه عن احتكاره للسلطة ولم يبد أي استعداد لسماع مقترحات رفسنجاني الذي كان يحرص على حفظ النظام القائم واستمراريته. إن خامنئي ينظر إلى نظام ولاية الفقيه على أنه نظامه المطلق، وإن الحفاظ على النظام هو الحفاظ على سلطته المطلقة واحتكارها. إن منطلقات رفسنجاني في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2009 قد قدمت رفسنجاني إلى المجتمع كوجه جديد وايجابي بين المعارضين والمنتقدين للنظام. ونتيجة لذلك برز نجمه في انتخابات عام 2013.

وهكذا تقدم رفسنجاني للمشاركة في انتخابات عام 2013 من أجل انقاذ النظام من أزمته بسبب سوء ادارة أحمدي نجاد والمرشد وحرس الثورة، والبحث عن سبل الخروج منها. ولكن خامنئي عاد من جديد ووقف ضد رجوع رفسنجاني إلى سدة الرئاسة رغم ما يتمتع به رفسنجاني من دعم واسع من قبل الشعب خوفاً من نهج رفسنجاني. وهكذا جرى حذف اسمه من قائمة المرشحين لخوض الانتخابات. ولكن حركة ورأي الشعب وجهت ضربة

واضحة للمتشددين والاصوليين مثل احمدي نجاد وسعيد جليلي ونهجهما في السياسة الداخلية والخارجية. وهذا ما دعا بعض مشاوري خامنئي إلى توضيح وخامة الوضع وطالبوه بأن يجري اختيار شخص لرئاسة الجمهورية قادر على حل المشاكل الاقتصادية أو التخفيف منها، وأن يجري خلافاً للسابق العمل على وضع حد للتوتر القائم مع الغرب. وكانت ثمرة هذا التراجع من قبل خامنئي هو انتخاب حسن روحاني.

واليوم تحولت الأزمة السورية إلى معضلة عالمية. إن الجمهورية الاسلامية هي أقرب حلفاء بشار الأسد. ويطالب المتشددون المتعطشون للحرب داخل الحكم في ايران دعم بشار الأسد حتى لو أدى ذلك إلى الصدام مع الولايات المتحدة وحلفائها دون أن يفكروا بعواقب ذلك ومصير النظام الايراني نفسه عند ربطه بمصير نظام الأسد. ولذا أدرك رفسنجاني هذه الحقيقة وعبر عن اختلافه مع هذه السياسة. إن تصريحاته حول الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ما هي إلاّ رسالة إلى الإيرانيين والمجتمع الدولي كي يضع فاصلة بين إيران وبين نظام الأسد.

في الواقع إن عفريت الحرب يمكن أن ينتقل من سماء سوريه ويجول في أجواء الشرق الأوسط خارج الأجواء السورية ليحرق الأخضر واليابس في حرب لا تعود بالنفع على أي أحد. إن الشعب الإيراني كان ضحية للحرب التي فرضت عليه من قبل صدام حسين ولمدة ثماني سنوات، ومازال حتى الآن يعيش حالة من القلق والاضطراب من احتمال هجوم عسكري ضد إيران.

إن الشعب الايراني لا يحصل على أية نتيجة تعود بالنفع عليه في الدفاع عن نظام الأسد الديكتاتوري في سوريه. ويجب على الشعب الإيراني التعبير عن رفضه لمشاركة الحكومة الإيرانية في الحرب الأهلية الدائرة في سوريه وتقديمها الدعم المالي والعسكري بمليارات الدولارات إلى النظام السوري. وتقع على عاتق النخب في المجتمع أن تعلن بوضوح وبصوت عال عن رفضها لتورط إيران في هذه المجزرة الحربية الرهيبة في سوريه. إن الشعب الإيراني قد سئم من الديكتاتورية والقتل الجاري منذ سنتين في سوريه. فقبل أن تدق طبول الحرب في شوارع إيران، علينا أن نقطع جذورها في سوريه، وايصال احتجاجات الشعب الايراني إلى مسامع المسؤولين المتعطشين للحرب في نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشر المقال على موقع "ايران – امروز" في 5/9/2013

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع