وأُسدل ستار الحب!

                                       

                             زينب حفني

كل إنسان يحلم بتذوّق طعم الحب. لا يُوجد من يُقاوم هذه النسمة الجميلة التي تُنعش الأفئدة إلا من هو مخالف للطبيعة البشرية.

الكل يتنفس من خلال أحبابه المحيطين به. الحب مزيج ساحر يُقدّم لكل الناس أكسير الحياة، به يُقاوم صاحبه تقلبات الأيام، ويُواجه غدر الليالي. مؤخراً توفي زوجان أميركيان بإحدى دور رعاية المسنين في ولاية أوهايو، بعد زواج دام 66 عاماً. الغرابة في الخبر تكمن في أن الزوج البالغ من العمر 91 عاماً توفي، ولحقته الزوجة بفارق 11 ساعة فقط، وتمَّ دفنهما معاً. وقد تعارف الزوجان على بعضهما خلال الحرب العالمية الثانية، وتبادلا رسائل الحب عبر الخدمة البريدية، بعصر لم يكن فيه إنترنت ولا "فيسبوك" ولا "تويتر"، ونجح في أن يصمد حبهما لأكثر من ستة عقود، أنجبا خلالها ستة أبناء، لينتهي بهما المطاف في دار المسنين بغرفة مشتركة ضمتهما حتّى الرمق الأخير.

بالتأكيد كل من قرأ تفاصيل الخبر، أخرج زفرة حارة من أعماقه وتساءل بحسرة.. أين يُوجد هذا النوع من الحب؟! هل أنقرض وأصبح في خبر كان كما يرى الكثيرون؟! ما السبب في انحسار سمة الوفاء واختفاء صفة التفاني بين الرجل والمرأة؟! لماذا غدت نبرة المصالح هي أساس العلاقة بينهما؟! هذه التعليقات اسمعها للأسف من المحيطين بي، وأحزن حين أسمعها تتردد على شفاه الفتيات، بنبرات يُغلفها الأسى، وهنَّ ما زلن في مقتبل العمر، ينتظرن قدوم رفيق الدرب.

كنتُ قد اجتمعتُ ورفيقاتي لمشاهدة فيلم (غاتسبي العظيم) المأخوذ عن رواية للكاتب الأميركي (فرنسيس سكات فيتزجيرالد)، وهي تُعتبر من كلاسيكيات الأدب الأميركي. الفيلم حقق نجاحاً جماهيريّاً ساحقاً، لأن قصته تحكي عن عاشق بعشرينيات القرن الماضي، يبقى متعلقاً بحبيبته ويفعل المستحيل لكي يحتفظ بها، لكن الحب الذي ظل مشتعلاً في قلبه دفع ثمنه غاليا، كون المرأة التي أحبها لم تأخذ حبّه على محمل الجد. جمال الفيلم ينبع من دور العاشق الولهان، والذي أدّاه بمهارة الممثل العبقري (ليوناردو دي كابريو)، وجعلني أنا وصديقاتي نُردد عند نهاية الفيلم وفي نفس واحد.. هل من الممكن أن يُوجد حب بهذا السمو بين الرجال، في زمن مزدحم بكافة المغريات؟!

كثير من الروائيين والقصصين كتبوا عن الحب. هناك من وضعه في صورة شيطان، لقدرته على تخدير النفوس القوية، وتليين القلوب القاسية. وهناك من صوّره على هيئة ملاك طاهر يُضفي البهجة على القلوب التي يطرق بابها. وهناك من جسّده في شكل قوى خارقة، قادرة على زلزلة الأرض، وتحريك الزوابع بغمزة من عينيها!

أعلم بأن كثير من النقّاد يتهمونني بأنني أنحاز للمرأة في رواياتي، وأنني أصوّر المرأة دائماً على أنها ضحية غدر الرجل، وأن الرجل يستغل عاطفتها ليأخذ غايته منها! أنا أمزج الواقع بالخيال، وأؤمن بأن المرأة على بالرغم من وجود بعضهن خارج القاعدة! إلا أن النسبة الأكبر منهن تتلقى الطعنات في ظهرها، لأن الحب يظل محور حياتهن، وصمام الأمان بالنسبة لهن، وهو ما جعلني أحرص في رواياتي على إظهار الحب من كافة الزوايا، كي يلمس القارئ بوجدانه مزاياه وعيوبه!

لا أنكر بأن الحب قدر لذيذ للمرأة والرجل على حد سواء، وأنه يُضفي البهجة على دنيا صاحبه، ويكون نقمة عليه إن جعله بائساً حزيناً، لكن الحب الحقيقي المجرّد أصبح عملة نفيسة من الصعب إيجادها في طرفة عين! لذا كل إنسان يحلم أن يموت بين ذراعي من يحب، وإنْ كان في قرارة نفسه يتساءل: هل تجاوزت حدود طموحاتي بهذه الأمنية المستحيلة؟!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع