هل أوباما امتداد لمارتن لوثر كنغ؟

                                     

                      د. منار الشوربجي


الاحتفال بالذكرى الخمسين لمسيرة واشنطن المطالبة بالحقوق المتساوية، حملت دلالات مهمة تكشف عن انتكاسة كبرى لحركة الحقوق المدنية. ففي ذلك الاحتفال، لم يلب مسؤول جمهوري واحد الدعوة لإلقاء كلمة في تلك المناسبة، ناهيك عن حضورها.

والأخطر من موقف الجمهوريين كان موقف أوباما الذي استخدم في كلمته لغة باهتة في مجملها، وانطوت على استخدام الخطاب اليميني الذي يُحمل السود المسؤولية عن معاناتهم.

وغياب الجمهوريين مفارقة بالغة الدلالة بالنسبة لحزب مني بهزيمة ساحقة في انتخابات الرئاسة العام الماضي، لأنه استعدى الأقليات، واضطر لتدشين حملة لاجتذاب السود والأقليات الأخرى، أملا في تحسين موقفه الانتخابي. أما موقف أوباما، فيكشف عن هيمنة توجهات اليمين، حتى في وجود رئيس ديمقراطي أسود!

ففي 28 أغسطس 1963، خرج حوالي ربع مليون أميركي، جاءوا من شتى أنحاء البلاد للاشتراك في مسيرة في واشنطن العاصمة، قادها زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ، رفضا للفصل العنصري والتمييز المقنن، وللمطالبة بالحقوق المتساوية.

وقد قطعت حركة الحقوق المدنية شوطا لا بأس به، تمثل في صدور قانوني الحقوق المدنية والحق في التصويت في منتصف الستينات. وصار من الممكن لرموز سوداء أن تتولى مناصب سياسية شتى، من المستوى المحلي وحتى رأس الدولة، حين انتخب أوباما كأول رئيس ذي بشرة سوداء.

لكن كل تلك التحولات لم تكن تعني أبدا أن حركة الحقوق المدنية قد حققت ما كانت تصبو إليه.

فمارتن لوثر كنغ اعتبر ما تحقق مجرد الخطوة الأولى التي تليها بالضرورة خطوات أخرى، من أهمها على سبيل المثال، تحقيق العدل الاجتماعي للأقليات عبر مكافحة الفقر، وإعطاء السود وغيرهم فرصا متساوية في التوظيف والسكن والمعيشة عموما، فضلا عن القضاء على التمييز الذي تمت مأسسته، ولا يزال المجتمع الأميركي بالمناسبة يعاني منه حتى اليوم.

لكن أميركا لم تتقدم، حتى في عهد أوباما، بشأن أي مما أسماه كنغ الخطوات التالية. فبينما يشكل السود حوالي 13% من عدد السكان، فإنهم يمثلون حوالي 30% من الفقراء، وعدد العاطلين بين السود ضعف عددهم بين البيض.

ولا تزال الإمكانات المتاحة للمدارس العامة التي يذهب لها غير القادرين، وخصوصا في مناطق أغلبيتها من الأقليات، أقل بكثير من الإمكانات المتوفرة في المدارس الأخرى، ولا تزال قطاعات واسعة من السود لا تملك رعاية صحية.

 وكل تلك العوامل، فضلا عن عدم عدالة النظام القضائي الجنائي، تؤدي لحلقة مفرغة من معاناة السود، فتساعد على استمرار محنتهم. فالبطالة والفقر وانهيار مستوى التعليم، فضلا عن سوء الرعاية الصحية، كلها مشكلات هيكلية تؤدي لخلق وضع يعجز فيه السود عن المنافسة على قدم المساواة، في مجتمع رأسمالي يقوم على مبدأ الفردية.

لكن النكوص عن حقوق السود وتجاهل الخطوات التالية، صاحبه موقف علني لا يجد غضاضة في مثل ذلك النكوص والتجاهل. وبدلا من الاعتراف بأن تقصيرا حدث طوال العقود الأخيرة، يتبنى اليمين الأميركي موقفا يقوم على إدانة الضحية.

فمشكلات السود، وفق اليمين الأميركي، ليست ناتجة عن ظلم تاريخي وقع عليهم ولم يتم رفعه كله بعد، وإنما هي ناتجة عن ثقافتهم التي تكرس سلوكيات ضارة بهم، مثل تفشي الجريمة، والمخدرات، والتفسخ الأسري في غياب الأب وتحمل الأم وحدها مسؤولية الأطفال، إلى آخر ذلك من مقولات يعتمد عليها اليمين لتبرير اختراعه لحيل جديدة تحرم قطاعات واسعة من السود من التصويت، وللتراجع عن أغلب برامج الستينات التي نشأت لسد الفجوة بين البيض والسود.

ولأن جمهورا معتبرا من البيض يؤمن بتلك الأفكار، فإن المسؤولين المنتخبين من الجمهوريين يؤثرون السلامة، فاعتذروا جميعا عن حضور الاحتفال بذكرى مسيرة واشنطن، لئلا يؤثر ذلك على مقدراتهم لدى جمهورهم من ناخبي اليمينيين.

لكن أخطر ما جرى في ذلك الاحتفال، كان تكرار أوباما لخطاب توجيه اللوم للأمريكيين السود. فهو قال "إن الشكوى المشروعة من وحشية الشرطة، تحولت إلى مبرر للسلوك الإجرامى.. وما كان يوما دعوة للمساواة في الفرص، تحول في أغلب الأحيان إلى مجرد رغبة في الدعم الحكومي.. وكأن الفقر مبرر لعدم رعاية أبنائك، ووحشية الآخرين مبرر لليأس من نفسك"! وأوباما استخدم خطاب اليمين من قبل، إلا أن استخدامه في احتفال بحركة الحقوق المدنية له دلالة أكثر خطورة.

ففي ذكرى يوم من أيام الفخر الملهمة للسود، بدلا من أن يكون خطابه محفزا، كالحديث عن نجاحات السود عبر اختيار نماذج من الماضي والحاضر لرموز سوداء حققت نجاحات رغم كل التحديات، وبدلا من أن يكون خطابه ملهما ومضمدا للجراح الغائرة، اختار الرئيس، الذي هو أول رئيس أسود لأميركا، في تلك الذكرى المهمة أن يهاجم الضحية، ويعتبرها تتحمل على الأقل جزءا من المسؤولية عن "تعثر التقدم" نحو الحقوق المتساوية.

ومن الممكن تفسير موقف أوباما بأنه سعى منذ لحظة توليه ليكون "رئيسا لكل الأميركيين"، لا رئيسا للسود. إلا أن كونه رئيسا لكل الأميركيين، يعني أنه مسؤول بالدرجة الأولى عن الأكثر ضعفا من أبناء شعبه، حتى لو كانوا من السود!

غير أن الدلالة الأهم لما جرى يوم الاحتفال، سواء موقف الجمهوريين أو الرئيس أوباما، هي أنها كشفت عن أن قبضة اليمين لا تزال مهيمنة على المجتمع الأميركي. وهي قبضة شملت الحزبين، حتى حين تولى كارتر وكلينتون اللذان انتميا ليمين الحزب الديمقراطي.

والمفارقة هي أن هيمنة اليمين مسؤولة عن انحسار التقدم صوب حقوق أصحاب البشرة السوداء، حتى في عهد أول رئيس أسود في تاريخ أميركا.. وهو انحسار شمل مجالات عدة، تحتاج لمناقشتها في مقالات مستقبلية بإذن الله.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

778 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع