مصـر : من خارج الأنبطاح النفطي ..

                                       

                        حسن حاتم المذكور

عشرين مليون متظاهر , وحدوا مصر بكل اطيافها ومكوناتها في احضان الوطنية المصرية, توقف الزمن الأغبر للأنتكاسات والخراب الشامل, واندملت اورام النفط قيحاً واهتزت كياناتها , مصر البداية ,

اعادت للربيع العربي هويته , يقضة وتغيير واصلاح وتقدم , ما اجمل ان ينافس جيش مصر شبابها على حب الوطن والناس , انتصر شعب مصر لشعوب المنطقة , ومن اجل استعادة ربيعها افتداها بدماءه العزيزة ووضعها امام واجب التفاعل معه , ابتهاجاً في 30 / 07 / 2013 يوماً للتحرر والديمقراطية على عموم المنطقة , انه درس مصري بأمتياز , على شعوب المنطقة استيعابه وتطبيقه على واقعها .

بعد ان تجاوزت اغلب شعوب المنطقة مرحلة الفكر القومي الشمولي, لم تكن مرحلة التطرف الطائفي والأرهاصات التدميرية للتكفيريين والسلفيين عائقاً من الأستحالة يقيد الأرادات الشعبية عن دفع ضريبتها ثم تجاوزها , شباب مصر , القدوة والدرس والمثال , حطم جليد اليائس والأحباط والأنكماش , وايقظ العقل العربي وفتح ابواباً للوعي والأرادة , حراكاً شعبياً مدركاً رسالة تحرره من سجن الأنبطاح والتخلف النفطي .

بين ساحة التحرير القاهرية وساحة التحرير البغدادية شريان حضاري , النهضة المصرية الباسلة, ستستجيب لها البيئة العراقية المخضبة بأوجاع الشهداء والأرامل والأيتام والمعوقين والمشردين , ارث ثقيل تركته عقود الموت البعثي , استورثه واكمل رسالته متطرفي الأيديولوجيات الطائفية ومقدسي جهل الأنسان وتغبئته .

ملايين العراقيين يعيشون خوفاً ورعباً وطاعة حد العبودية فرضت عليهم تاريخياً ازاء المظاهر والألقاب ومبتكرات اعراف وموروثات وقوانيين اجتماعية عشائرية شديدة الفسوة, فصلت المواطن العراقي عن امنه واستقراره والمشروع من متطلبات حياته وجماليات روحه ونالت حتى من ادميته وتركته كتلة جهالة وانغلاق واوجاع على سرير نهاياته المؤجلة .

بين ساحة تحرير القاهرة وساحة تحرير بغداد ابار نفط, فهناك مصر تنهظ على قمة ارثها الحضاري الثقافي الذي ظل بعيداً عن رضاعة الدولارات النفطية , وطنيتها عصية على طوفان الجهالة والتخلف , وهنا العراق توارثت تدمير هويته و وطنيته ومشروعه الحداثي حيتان التطرف الطائفي القومي , مغيب ممزق مكبوساً في مشاجب سكراب الجاهلية وكأنه مقطوعاً عن ارثه الحضاري .

في مصر جيش وطني , يحب مصر وشعب مصر مخلصاً لحاضر ومستقبل مصر , يتصدى لبلطجية الظلام اذا ما اساءوا لعلاقات التسامح والمحبة وصدق الأندماج بين اطياف ومكونات الشعب المصري , وفي العراق كيانات مليشياتية متعددة الواجهات  ( سوات ) تجري في شرايينها القسوة التدميرية الموروثة عن الحرس الجمهوري وفدائيي صدام , تترصد الجماهير العراقية اذا ما حاولت الدفاع عن بقايا امنها والمتواضع من مكاسبها وفرحها بالمتوفر من هامش الحريات الديمقراطية لتسحق رأسها بالهراوات والبساطين واخامص البنادق حتى الموت من دون ان تتحرك في شوارب الفخامات والسعادت والسماحات شعرة خجل , فكان الحادث المروع مع مدرب فريق نادي كربلاء الشهيد محمد عباس  , ما هو الا مناورات استباقية بالدماء الحية استعداداً لأدوار مستقبلية قد تكون اكثر بشاعة مما ارتكبته ( سوات ) النظام البعثي .

الخوف والجهل والتخلف والأنكماش الذي استورثناه عن النظام الشمولي البعثي , لم يستورثه شعب مصر عن نظام حسني مبارك , كما ان ورثة نظام مبارك كانوا مجرد لصوص اخوانجية سرقوا وارتدوا عباءة ثورة شباب مصر , لكن روحها سكنت ساحة التحرير حتى استعادت جسدها بكامل ربيع طلعته , لا كما هو الحال في العراق , فالورثة تم تعيينهم بشروط توظيفهم بعد تصنيعهم داخل اروقة السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ومباركة اقليمية , وهنا يكون البون شاسعاً بين الهنا والهناك .

ساحة التحرير القاهرية , احتضنت يوم 30 / 07 / 2013 الملايين من بنات وابناء مصر , احرار واصحاب مشروع وطني حداثي , وكان حاضر ومستقبل مصر قاسمهم المشترك, بعكسه ساحة التحرير البغدادية, قد تلوث وجهها بأوحال وقذارات هجين الردة الشباطية في 25 / 02 / 2011 , فكانت مسرحاً لقردة بقايا المغامرين والأنقلابيين والتكفيريين والأنتهازيين والنفعيين , اقفلوا الطريق بوجه المبادرات الوطنية للحركة الجماهيرية العراقية .

الآن يمكننا الحديث عن ربيع عربي مصري , بدأً يوم 30 / 07 / 2013 , يطرح اجوبة صريحة عن اسئلة مستقبل شعوب المنطقة في حتمية الخروج من مرحلة المد الأسلاموي الطائفي التكفيري , مصر نظيفة من اوحال الأنبطاح النفطي وعبودية المستورد من ديمقراطيات الفرهود الكوني , ثورة تحرر وطني ستتمدد عابرة حدودها لتدق ابواب ساحات التحرر في عواصم المنطقة , توقض الضمائر المخدرة وتعيد العقول المغيبة وتنعش الأرادات المنهكة في بيئة ربيعية لحاضر ومستقبل الشعوب .

تحية لشعب مصر وارادة ودور مصر وصبر ودماء مصر , وهي تعيد فتح الطريق ربيعاً زاهراً لشعوب المنطقة التي طالت مراحل موتها السريري , تدفعها بأتجاه ساحات تحريرها حيث عبورها اوجاع مرحلة طائفييها وعنصرييها .

واخيراً : مثلما استطاع الفكر القومي الشمولي ولعقود دامية, ان يضع حق الأنسان في التحرر والديمقراطية والمساواة والعدالة في مواجهة مضمون الأمة في الوحدة والحرية والأشتراكية ( رسالة خالدة ) وتحرير فلسطين والأراضي المحتلة, استطاع الفكر الأسلاموي الطائفي التكفيري, ان يضع تلك الحقوق المشروعة وطنياً وانسانياً في مواجهة ارادة اللـه الممثلة بوكلاءه من رموز ومراجع شرعنت دنيوياً تدمير الأهم من ادمية الأنسان , لكن وفي كلا الحالتين , يبدوا ان جبروت الحقائق العلمية واتساع الأكتشافات وسرعة التواصل الأجتماعي لنقل المعلومة وحل الأشكالات التاريخية , كل هذا وكثير غيره , عززت حتمية حراك المتغيرات وأهلت الأنسان لأعادة تقييم تجاربه وكتابة تاريخه واكتشاف ماهيته وقيمته ودور عقله في ترتيب اوراق حاضره ورسم خارطة مستقبله عبر التحرير الناجز لذاته من ماض تخلف عن حاضره واعاق تقدمه  .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

759 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع