(ثورة) ١٤ تموز ١٩٥٨ ؟

                                                 

                            جابر الخيراللّه


(ثورة) ١٤ تموز ١٩٥٨ ؟

تعرّف الثورة بأنها عملية تحويل الابستمولوجيا* الى ايديولوجيا * .

وبتعبير آخر، هي تطبيق النظم المعرفية المتطورة دائماً على الواقع الذي يجب أن يتطور دائماً طبقاً لتطور هذه النظم.
طبقاً للتعريف أعلاه، ماذا حققت ( ثورة الزعيم الأوحد) من تطبيق النظم المعرفية المتطورة التي كانت تختمر في عقل الزعيم؟

ما أنتجته إنقلاب الزعيم خروج العسكر على شرعية انتخابية دستورية فسحت الطريق الى ( ما كو مؤامره تصير والحبال موجوده ) ومن بعدها الحرس القومي وصولاً لحزب البعث الذي وصفه رفاق فؤاد الركابي جئنا الى السلطة بقطار أمريكي لتبدأ بعدها سلطة القرية التكريتيه لتنتج اكبر دكتاتورية عرفها العراق منذ قيام دولته الوطنية.

كانت الحياة الديمقراطية في العهد الملكي بدأت تضع خطواتها على الطريق، انتخابات وبرلمان وحريات عامة وصحافة حرة، حطمها الزعيم الأوحد ورفاقه بجنازير دباباته وبتركه العنان لمليشات الأحزاب الداعمة له في الانتقام من مدن عريقة كالموصل بعد فشل إنقلاب عبدالوهاب الشواف.

عُرف عن الزعيم الأوحد، كما كان يحلو له سماعها، تأثره بالسلوك الستاليني في الحكم حيث يجب على الحاكم إلا يملك شيئاً إلا أنه جزء من الدولة يصرف على نفسه وعائلته دون التملك الشخصي.
لم يمنع دائرته العائلية من النفاذ إلى مراكز القرار، فقد عين الزعيم الأوحد ابن خالته فاضل المهداوي، رئاسة المحكمة التي أطاحت برفاقة كناظم الطبقچلي ورفعت الحاج سري والتي تعرف على سبيل التندر بمحاكمات المهداوي.
وأسند إلى أخيه الأكبر حامد قاسم، وهو رجل شبه أميّ، والذي يلقب بالبرنس حامد الإشراف على توزيع أراضي إلاصلاح الزراعي للفلاحين والتي جمع منها أموالاً طائلة.
يقول مريدوه إنه نزيه، والنزاهة ضرورة ولكنها ليست المعيار الوحيد لنجاح وبناء الدولة القوّية، إقتصادياً وتنموياً واجتماعياً وعسكرياً، وتعزيز إرادة الفعل الاستراتيجي في الخروج من الصراعات الإقليمية والدولية، كل هذا لم يتحقق منه شئ على الإطلاق إنما حدث العكس!!
أخرج العراق من عمقه العربي بإنسحابه من الجامعة العربية وادخل العراق في قلب الصراعات الدولية بلا حليف يعتمد عليه لمساعدة العراق.

الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، نادى بالعدالة الاجتماعية ولكنه فشل في تحقيقها، لأن تحقيقها يتطلب معطيات اقتصادية وعلاقات انتاج مختلفة، ومن خلال هذه العلاقات يمكن تحقيق هذا الهدف، وهنا تكمن النظرة الاستراتيجية لقادة الثورات، وسيكون نجاح الثورات مرهوناً بالعقل والفكر الاستراتيجي لقادة الثورة، وهذا ما افتقدته (ثورة) الرابع عشر من تموز.

العدالة الاجتماعية الشاملة لاتعني بناء صرائف من الطين في أطراف العاصمة، وإنما فرص عمل جديدة وخط شروع واحد ونظام اجتماعي يضمن كرامة الفرد بتوفير متطلباته الصحية والتعليمية والإقتصادية.
النجاح لايرتبط بالأمنيات إنما بالحقائق الموضوعية وقراءة الواقع المحلي والدولي.
تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب تغيراً تدريجياً في علاقات الانتاج ووسائله.
الاسلام حينما أراد إلغاء الرّق، أخذ بالمنهج التدريجي للإلغاء ولم يُحرّمه على الفور، وإنما كانت الدعوة لإلغائه عبر وسائل لا قسرية، لكون العبيد كانوا يمثلون قوة العمل الرئيسية في الاقتصاد، لذا كان ينبغي اتخاذ قرارات مدروسة تهئ لعلاقات إنتاجية جديدة وبوسائل جديدة.
هذه الخطوات كان قد ابتدأها المرحوم نوري السعيد حينما شرع بتفكيك سيطرة وهيمنة الإقطاع على الاراضي الزراعية عبر قانون الارث الذي لم يأخذ بإراء الفقهاء، المرأة ترث وبالتساوي تماماً مع الرجل في الاراضي الزراعية، وبالتالي قانون الارث هو من يفكك الملكيات الكبيرة للإقطاعيين بين ابناء وأصهار يتصرفون بحصص زوجاتهم من بنات الشيوخ.
اضافة لقوانين الاستثمار في الاراضي الأميرية منها القانون رقم ٢٣ لسنة ١٩٤٥ وقانون رقم ٤٢ لسنة ١٩٥٢، ولكن الحماسة الثورية دمرت الانتقال التدريجي.
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية تكون أبطأ وأصعب من التغيرات السياسية.
لايمكن تحقيق هذا الهدف دون توفر الإمكانيات الموضوعية للنجاح، كانت غالبية الشعب العراقي من سكان الارياف، وبالتالي كانت الزراعة هي النشاط الاقتصادي الأوسع والمورد الأهم للناتج المحلي في العراق.
الزعيم لم يوفر بديلاً للدور الإقتصادي الذي كان يقوم به ملاكو الأراضي عبر تمويل عمليات الأنتاج.
لم تكن هناك مصارف ( بنوك) كفؤة قادرة على القيام بتمويل مشاريع الري وإستصلاح الاراضي.
اضافة لنقطة اخرى يجب الإشارة اليها ان تفتيت الملكيات الكبيرة الى وحدات إنتاجية صغيرة ( ٣٠ دونم للفلاح ) افقدت الانتاج الزراعي الوفورات التي تحققها وحدات الانتاج الكبيرة، هذا الرأي ينقل عن المرحوم الاستاذ عبد الرزاق زبير ( ابو سعد ) وهو من الكادر المتقدم للحزب الشيوعي و من مشرعي قانون الإصلاح الزراعي .

التخريب بلا وعي .....
هناك نقطة اخرى، كانت مشاريع مجلس الإعمار في العهد الملكي، الذي قضت عليه ثورة الرابع عشر من تموز، ذات عمق استراتيجي ومستقبلي لدولة سيكون النفط محركاً لصناعتها وانتاجها الزراعي لذا كان معمل البتروكيماويات في البصرة سيكون مدخلاً لصناعة تعتمد على النفوط الثقيلة والتي هي خاصية للنفط العراقي ومعامل الصلب والحديد ومشاريع الري والسدود ومنها سدة الكوت التي اعادت الحياة الى نهر الغراف الذي كان يجف صيفاً.
غاب وعي التخطيط الاستراتيجي وأصبحت الشرعية الثورية هي صاحبة القرار ، وهنا ابتدأ خروج العراق من دوره كدولة ذات اثر كبير في تقرير سياسات الشرق الأوسط وآسيا باعتباره دولة المقر لحلف بغداد الى دولة هامشية في الاستراتيجية الدولية.

الأمور بخواتيمها.....
نجاح الثورة من عدمه، تقرره مفرزاتها، محصلة الثورة، كان العراق مصدراً للحبوب في العهد الملكي وبعد الثورة تراجع الانتاج .
وعلى المستوى السياسي بدأ عصر الانقلابات، ٨ شباط ١٩٦٣، ١٧ تموز ١٩٦٨، فكان ضحية ما جنت يداه، بعد تدميره للحياة السياسية في العراق والتي تمثلت بالاحزاب الوطنية، وصولا الى الحكم الدكتاتوري لصدام والمقابر الجماعية والحصار الاقتصادي الظالم.
خلاصة القول: الدول العظيمة بُناتها رجال الفكر لا الساسة ولا العسكر ولا رجال الكهنوت .......

جابر الخيراللّه
* الأبستمولوجيا: الافكار والنظم المعرفية.
* ايديولوجيا : أُطر تنظيمية عملية.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

537 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع