الموصل (الحدباء) ما بين التجميد والتهديم

                                                

                       حيدر زكي عبدالكريم

الموصل (الحدباء) ما بين التجميد والتهديم

الموصل مدينة تقع في شمال العراق ، لا تختلف عن مدن بغداد والبصرة وكربلاء واربيل وكلها تجمع ما بين الاصالة والمعاصرة .
تعرضت بعض المدن العراقية الى التخريب المقصود (سياسياً وعسكرياً) وغير المقصود (الخسارة الكبيرة التي تطلبتها تطورات الحياة المعاصرة بإلغاء الاحياء التراثية والتاريخية ) لتفقد هويتها الرئيسية ، ولم تهتم الجهات المعنية بهذه الخصوصية ، ويضْم العراق (435) مدينة حتى احصاء 1997 وحتما ان هذا العدد أزداد خلال العشرين السنة الماضية .
بعد احتلال الموصل على يدّ المجاميع الارهابية وما حصل - فهو معروف للجميع في داخل وخارج العراق . والذي احتل المدينة نتيجة لسبب !!. ولكي لا تقع تحت سيطرة انصار حزب البعث ايضاً.
اصبحت المدينة بعد عودة الامور الى طبيعتها عبارة عن ( انقاض من الخراب) ليشمل البنى التحتية من كهرباء وشبكات الماء وشبكات التصريف الصحي وانعدام الخدمات والاهم من هذا ، سكانها النازحين .. وهي ظاهرة مؤلمة وقاسية ان ينتشر اهلها في مخيمات وهم في داخل وطنهم . وحتى لا تلغى وزارة المُهجرين ؟
ولو تفحصنا اهمية المدينة اقتصاديا نجد ان 50% من اراضي المدينة هي زراعية ترفد العراق بمحصول القمح وكذلك القطن وتنتشر حرفة الرعي في منطقة الجزيرة غرب المدينة ، وتضْم موارد معدنية منها– النفط – وتشمل حقول غرب نهر دجلة ( عينِ زالهَ وبطمةَ والقيارة - الكيارة -). وتتوزع حول المدينة مشاريع صناعية كبير مثل معمليّ سمنتِ (بادوشَ وحمامِ العليلِ) ومتوسطة وحرفية صغيرة يشتهر بها اهالي الموصل ، اما بخصوص (سد الموصل) الذي تم انجازه عام 1986 ويقع على نهر دجلة شمال مدينة الموصل بحوالي 60 كيلو مترا وتبلغ سعة الخزن فيه حوالي 10مليار متر مكعب وأنَّ الغرض منه الوقايةُ من الفيضان وارواء مساحة كبيرة من منطقة الجزيرة . وتوليد الطاقة الكهربائية ." لقد ظهرت اراء مختلفة من المُختصين حول ادامة السد حالياً وتعرضه للخطر المُحتمل – يُترك الجواب لإصحاب الاختصاص" . والموصل مدينةٌ حدودية ومنفذ العراق التجاري وتربطها وسائط نقل برية وسكك حديد الخ .. يرافقها المقومات التاريخية والاثرية (كمدينة الحضرِ) واثار الحضارة الاشورية العظيمة التي تمتد ما بين مُحافظتيّ نينوى ودهوك واجزاء من اربيل ولا ننسى منارة الحدباء التي ظلت شامخة لتسعة قرون وكانت تُعاني الاهمال حتى قبيل احتلالها من قبل التنظيم الارهابي ، وهناك علاقة وطيدة بين سكانها والارض على مختلف مشاربهم او اصولهم واديانهم ، فهم يتسمونّ بالتسامح وهي الصفة العامة للشعب العراقي الذي يعتز بعراقيّتهُ وعراقته بالرغم من محاولات التشكيك والتفكيك التي سعت لها القوى السياسية ما بعد العام 2003 .
وان كان هناك خلاف او اختلاف في احداث التاريخ ، فيبقى حلقة مُظلمة في سلسلة مُشرقة ، وكما يقال ان حدود العراق (هندسية) ومثالية ولها مقوماتها ، فحدود الموصل مع دول الجوار تتميز بالسهل الممتنع ان جاز التعبير وكذلك الموقع الاستراتيجي (كمكان) يمكن الانطلاق منه او الانتهاء به . مثلما حدث عند احتلال العثمانيين (الاتراك) كمُنطلق لهم الى باقي انحاء العراق حينئذ ، وانتهاء الاحتلال البريطاني عنده في نهاية الحرب العالمية الاولى 1914-1918 .
وكل ما نذكره بحق هذه المدينة فهو قليل والتي ضّمت بطياتها المفكرين والعلماء والضباط الوطنيين الشرفاء والسياسيين المُخلصين في التاريخ ...
اليوم ما تُعانيه مدينة الموصل لا يختلف عن ما تعانيه مدن العراق الاخرى من نقص الخدمات والفوضى السياسية (الخلاقة) ان صح التعبير والوباء العالمي مؤخرا (جائحة كورونا) ومع هذا يمكن ملاحظة ما يأتي :
ما تحتاجه الموصل وبقية مدن العراق هو خطة اعمار شاملة كما حدث مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهذا يتطابق مع بقية بعض الدول الشقيقة مثل سوريا وليبيا واليمن والتي عبثت بها اياديّ خارجية (اجنبية) حصرا .
اعادة النازحين من ابناء مدن العراق واجب وطني -( لمن يعرف ماهي الوطنية )- للذين تضررت منازلهم ومصالحهم من العمليات وليس من المعقول او المنطق ان يكون نازح داخل وطنه او ارضه ، وتوفير البيئة المكانية الملائمة على اقل تقدير ولو تدريجيا مع توفر الامكانيات البسيطة . والسؤال هل تمتلك الحكومة العراقية القدرة على ذلك ؟ في ظل ازمة اقتصادية تعاني منها نتيجة فساد الحكومات السابقة وهدر المال العام بأرقام خرافية تُعادل ميزانيات دول بكاملها . وفي ظل ازمة صحية يرافقها تحديات خارجية وداخلية .
فتح ملفات التحقيق بشكل نزيه من قبل القضاء في مصير المشاريع الاستثمارية المتلكئة بنسب انجاز مختلفة على جميع القطاعات ومصير الإنشائيات السابقة او القديمة من العمرانية والانتاجية والزراعية وتوقفها ولماذا لم يستمر عملها والوقوف على الاسباب الحقيقية لا الثانوية ، ومن وجهة نظرنا المتواضعة انها جزء من مشهد في قصة – هي قصة الخراب العام .
يُطالب البعض من اهالي الموصل بحل الاحزاب فيها وهي مطلب شامل للعراقيين الذين انتفضوا في تشرين 2019 ، لكن في اغلب دول العالم يوجد فيها كتل واحزاب سياسية ، فأين المشكلة تكمن ! ، انها تكمُنْ في برامج تلك الاحزاب وخصوصا الاحزاب ذات الولاء الاجنبي او الخارجي ، فهي ترهن نفسها لخدمة مصالح غيرها وفي العراق يمكن مشاهدة ذلك بكل وضوح.
القضية في العراق ليست بالتطبيق او التنفيذ ، هي قضية نظام لا يصلح للحكم ، فخراب مدينة الموصل فوق كومة من الحجارة وتدمير معالمها الاثرية والدينية والسبب والنتيجة معروف للقاصي والداني ، هل نقف مكتوفي الايدي .. الجميع عليه ان يتكاتف لبناء مُدننا التي تسودها الفوضى وهذا هو الواقع ،
لا كهرباء بالمدن الجنوبية خصوصاً والعراق عموماً ، بعبارة ادق ساعات انقطاع طويلة بسبب تهالك وتقادم العُمر الزمني لمحطات الطاقة الكهربائية وزيادة المُستهلكات من الاجهزة الكهربائية المستوردة للقطاع الخاص ، يُرافقها ارهاق المواطن مادياً من تحمله عبئاً اضافياً بما يُعرف (بالمولدات الاهلية) على الرغم من انها ارحم بكثير من التجهيز الحكومي للكهرباء وازمة ماء صالح للشرب في بلد النهرين ومعاشات متأخرة في صرِفها لمُستحقيها ، وقروض وديون في بلد من المفروض هو نفطي ( فقراء بالنفط وفقراء بدونه !) ولقد اثبت الواقع المُعاش لدى المواطن العراقي البسيط ان اسعار النفط سواء كانت للبرميل الخام 90 دولار او 20 دولار لا فائدة منها مع هكذا طبقة حزبية تتصارع على مصالحها ونفوذها . فكيف عندما تدنى سعر النفط واصبح لا يساوي قيمة استخراجه او نقله هذه الاشياء وضعتنا امام اختيارات صعبة ومريرة احلاها علقم ؟؟ .
بالنسبة الى ازمة (جائحة كورونا) في العراق من الموصل شمالاً الى البصرة جنوباً وما خلفته من ضرر اقتصادي للطبقة العاملة البسيطة مما اضطر المواطن الذي يكسب قوته اليومي بعدم الالتزام بالحظر الصحي ، لكن لوكانَّ هناك ادخار حقيقي من الاموال من قبل القائمين بالأمر على ادارة البلاد بالسنوات الماضية لا نقول نقضيّ على الازمة بل على اقل تقدير قد يُخفف من حدتها على هؤلاء الناس .وللكلام شواهد فهل يُعقل ان ازمة الاوكسجين (الغاز الطبي) بالمستشفيات ، يتصارع عليها الافراد عند بوابة هذه المستشفيات بدون ضبط او ربط كما يُقال وبدون عدالة بالتوزيع وحسب الحاجة وهذا ما حدث في احدى المدن الجنوبية العراقية وموّثق بالصورة والصوت قبل عدة ايام .
مسألة مهمة ،هي الادارة الفاشلة لمؤسسات الدولة من اشخاص غير كفؤين ثبت فشلهم (الرجل الغير مناسب في المكان المناسب) سواء منصب امني او تعليمي او خدمي الخ... وتم رفضهم من قبل المُنتفضين خلال الاشهر الماضية وهم شركاء في العملية السياسية وعلى مستوى كبير من المسؤولية وامام انظار الجميع ، فما هو سرَّ التمسك بهم ؟ .
وعلى صعيد المُنتفضين ، اين هي نتائج التحقيقات في اثبات من قتل هؤلاء الشباب ام ينتهي الامر بالتعويض بعنوان ( شهيد وقطعة ارض ومعاش) فقط ...
المُشكلة الاساسية في العراق هي المُحاصصة الطائفية والفساد منذ الاحتلال الامريكي العام 2003 وعندما نقول الفساد ، ما معناه " هل هو اساءة استعمال السلطة العامة فقط ، له كثير من الاوجه ومنها الكسب غير المشروع ، عدم تفعيل قانون من اين لك هذا ، التحريض ، تشويه الحقيقة ، التلاعب والاحتكار، الابتزاز والغش ، التزوير والاختلاس ، الرشوة والسرقة ، مع الروتين والبيروقراطية ". كلها فساد ...
يقول الفيلسوف جان سارتر : " السياسة هي علم ، يمكنك إثبات أنك على حق وأنّ الاخرين على خطأ ". وفي قول اخر " الكلمات هي مسدسات معبأة " .
واخيراً : انطلاقاً من خراب البصرة الى تهديم الموصل من يتحمل المسؤولية ، نسأل الله تعالى اولاً بالخلاص والفرج القريب لنا وللإنسانية جمعاء .

حيدر زكي عبدالكريم
كاتب من العراق
17/7/2020م

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع