لغة السريان الشرقيين، الكلدان والآشوريين الجدد الحاليين

                                                       

                              موفق نيسكو

     

لغة السريان الشرقيين، الكلدان والآشوريين الجدد الحاليين

نكتب هذا المقال نزولاً عند رغبة بعض القُرَّاء الكرام، وأيضاً لكشف تزوير بعض المتكلدنين والمتأشورين من السريان الذين انتحل لهم الغربيون حديثاً اسمين من أسماء حضارات العراق القديم، فسَمَّوهم، كلداناً وآشوريين، لأغراض سياسية عبرية وطائفية، فصدق قسم من هؤلاء أنهم كلدن وآشوريون فعلاً، وبدؤوا بمحولات يائسة وفاشلة لتزوير اسم لغتهم الآرامية أو السريانية، أنها بابلية أو كلدانية أو آشورية، وسيتبعه مقالات أخرى بهذا الشأن، وسندرج وثائق تاريخية قديمة وحديثة دامغة ومهمة.

إن اللغة التي يتكلمها السريان الشرقيون، أي الكلدان والآشوريون الحاليون، هي اللغة السريانية، اللسان السرياني ܠܫܢܐ ܣܘܪܝܝܐ لشنا سوريَيَا، بلهجتها الشرقية (ܡܕܢܚܐ مدنحا، مدنحايا، مدنخا، الشرق، الشرقية) (نيسكو: الصحيح، مدنحا بالحاء، لكن السريان الشرقيين ينطقون حرف الحاء، خاءً، فيقولون مدنخا، علماً أن لهجة تحدث العامة من الكلدان والآشوريين الحاليين في بعض مناطق سوريا وتركيا هي السريانية الغربية، أي لهجة السريان الأرثوذكس، بينما في العراق يتحدث السريان الأرثوذكس باللهجة الشرقية في المنزل أسوةً بالكلدان والآشوريين، لكن في الكنيسة يستعملون اللهجة الغربية).

في اللغة السريانية هناك مذكر ومؤنث، فيقال مثلاً هذا الولد سرياني (ܣܘܪܝܝܐ سوريَيَا)، وهذه البنت سريانية (ܣܘܪܝܝܬܐ سورْيَيَتا، سورْيَيَثا)، بإضافة تاء التأنيث، وأحياناً يستعاض عن حرف الثاء بحرف التاء لأن حرف الثاء باللغة السريانية ليِّن بينما حرف التاء أصيل، فتكتب بالتاء.

إن كلمة (لغة) غير موجودة في اللغة السريانية الفصحى، بل كلمة لسان، فيقال بالسريانية بصيغة المذكر فقط (أنا أتكلم اللسان السرياني ܠܫܢܐ ܣܘܪܝܝܐ لشنا سوريَيَا)، ولا تستعمل بصيغة المؤنث مثل العربية (أتكلم السريانية)، لكن الناس تؤنثها باللهجة العامية المحكية لسهولة النطق بالقول (أتكلم السريانية ܣܘܪܝܝܬܐ سورْيَيَثا أو سورث)، وكلمة سورث معناها اللهجة السريانية العامية، وهي اختصار (سريو إيث، سور بائيث، ومعناها سريانياً أو بحسب السريانية)، وينطبق ذلك على لغات أخرى، فيسَمُّون التركية (توركث) والكوردية (قوردث) والمغولية (مغلث) (ألبير أبونا، دوبون سومر، الآراميون، ص12، وقاموس أوجين منا، ص487، وقاموس روض الكلم، بنيامين حداد، ج1 ص486).

اللغة السريانية هي اللغة الآرامية، وهما اسمان للغة واحدة مثل ما تقول لغة هنكارية أو مجرية، أثيوبية أو حبشية، وجميع الأدب السرياني شرقي وغربي على الإطلاق مكتوب بلهجة مملكة الرها التي أصبحت منذ القرن الثاني الميلادي هي الفصحى، بالضبط كما أصبحت لهجة قريش العربية هي الفصحى، واللغة السريانية شأنها شأن أي لغة في العالم تضم عدة لهجات، وفيها لهجتان رئيستان، شرقية وغربية، أي شرق وغرب نهر الفرات، والغربية هي لهجة السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة، والشرقية هي التي يتكلمها السريان الشرقيون، وبدورها تضم عدة لهجات محلية مثل، فلِّيحي أي لهجة الفلاحين، أو جيلوايا أو بزنايا نسبة إلى قبيلتي جيلويا وباز، أو دشتايا أي لهجة السهل، وأحياناً تنسب إلى اسم المنطقة أو القرية مثل ألقوشنايا أي لهجة ألقوش، تلكبنايا أي لهجة تلكيف..إلخ، وكتب الكاهن القانوني الأنكلكاني آرثر ماكلين سنة 1895م يقول: عدد لهجات السريان الشرقيين تصل إلى اثنتي عشرة لهجة محلية، ولكل قرية أسلوبها الخاص في الحديث يميِّزها عن القرى الأخرى، ويقُسِّم ماكلين اللهجات السريانية إلى أربع مجموعات رئيسة، مجموعة سهل أورميا والموصل، باستثناء ألقوش التي تشكل المجموعة الثانية وتمتد إلى زاخو وبوتان وتشترك معها قرية أشيثا، والثالثة هي مجموعة عشائر التياريين وباز وديز وطال ووالطو، والمجموعة الرابعة هي المجموعة الشمالية لسلامس وقوجانس وكوفار وجيلو.

وهذه اللهجات السريانية لم تكن لها يوماً قواعد أو وسيلة للكتابة، وما أكثر الكتب في العالم عن اللهجات المحلية أو الشعر الشعبي لكل لغة في المناطق المختلفة التي تصل أحياناً إلى لهجة مستقلة لكل قرية أو قبيلة، ويقول المُبشِّر القس بادجر: كل الطقوس القديمة للنساطرة تُكتب باللغة السريانية الكلاسيكية أي الفصحى أو الكتابية المستعملة في الشرق منذ زمن طويل، أمَّا لسان العامة من سكان النساطرة في الجبال والكلدان في السهول، فهي لهجة سريانية تُسَمَّى Fellehi فلِّيحي ومعناها لهجة الفلاحين، أو سورث Soorith (بادجر، النساطرة وطقوسهم أو الرحلة إلى ميزوبوتاميا وكوردستان (1842–1844م)، إنكليزي، 1852م، ج2 ص146 (نيسكو: ملاحظة: عندما ترد كلمة النساطرة معناها، الآشوريين الحاليين، لأن الاسم الآشوري لم يستعمله المؤلفون كثيراً قبل بداية القرن العشرين، بل استعملوا إمَّا النساطرة أو السريان).

في جميع كتب السريان الشرقيين أي الكلدان والآشوريين الجدد على الإطلاق، اسمها، اللغة السريانية أو الآرامية، ولا توجد وثيقة واحدة باسم لغة آشورية أو كلدانية، وللغة السريانية 175 قاموساً، ألَّف أغلبها السريان الشرقيون.

لما كانت أكثرية الشعب المسيحي في مناطق شمال العراق جاهلة بالقراءة والكتابة باللغة السريانية الكتابية التي تُسمَّى كثوبونيا، أي الفصحى، فكان هدف المبشرين والمرسلين الغربيين هو كسب هؤلاء الناس البسطاء كل لطائفته، وتعريفهم بتاريخهم الديني ليكونوا أكثر وعياً بوضعهم التاريخي والروحي، ومن جهة أخرى لتسهيل مهمة المبشرين للتعامل مع هؤلاء الناس، لذلك قام قسم من المبشرين الغربيين بإتقان اللهجات السريانية التي يتكلم بها مسيحيو هذه المناطق، ثم ألّفوا عدة كتب وقواميس في قواعدها ونصوصها، وقبل سنة 1835م جرت بعض المحاولات البسيطة في ألقوش لكتابة اللهجة السريانية المحكية لكنها لم تنجح، وكانت أغلبها كتابات بسيطة باليد لا تتعدى بعض القصائد والقصص الشعبية، ويقول الأب يوسف حبي: لم يخلِّد لنا التاريخ أدباً قديماً للسورث، لأن العقلية لم تكن تتحمل آنذاك تسجيل التراث الشعبي بشتى أصنافه، وكانت اللغة السريانية الكلاسيكية هي الرسمية في التدوين (مجلة المجمع العلمي- الهيئة السريانية، مجلد 16، بغداد 1996م، ص98).

الحقيقة إن الغربيين أساءوا جداً إلى السريان ولغتهم، بالتركيز على اللهجات (إذا أردت أن تُقسِّم شعباً، قَسِّم لغته، وركِّز على اللهجات)، ويقول المؤرخ شفالييه: كان للاختلاف اللغوي في اللهجات تأثير كبير في قيام التجزئة وتكريس التقوقع والتمزّق في كيان النساطرة، بضمن ذلك سكان سهل نينوى، وحتى السورث فهي بلكنات مختلفة، فقد كتب مايك لين سنة 1895م وتحت عنوان: قواعد السورث الأساسية ما يلي: لكل قرية أسلوبها الخاص في الحديث، ومما لا شك فيه أن هذا الواقع أدى إلى ظهور صعوبات كبيرة في التواصل (ميشيل شفالييه، المسيحيون في حكاري وكوردستان الشمالية، ص163. ويرفق خارطة باللهجات المحكية).

أول من اهتم باللهجات هو القس ديفيد تابان ستودارد D. T Stoddard حيث وضع أول كتاب قواعد للهجة المحكية لسريان أورميا النساطرة (أي الذين انتحلوا اسم الآشوريين فيما بعد) احتوى على عشرة آلاف لفظة، وطبع في لندن سنة 1855م بعنوان: (Grammar Modern Syriac Language as spoken in Oroomiah, Persia and in Koordistan of the قواعد اللغة السريانية الحديثة المحكية في أورميا، فارس، وكوردستان)، بعده وضع زميله ألبرت لويس هوليداي كتاب قراءة في السورث، ثم وضع جوزيف كوشران الذي وصل أورميا سنة 1848م كتاباً في قواعد السريانية المحكية، بعدها قام الألمانيان سوسين وإدورد ساخو سنة 1896م وغيرهما بكتابة كتب في قواعد وخواص اللهجات السريانية المحكية في منطقة أورميا عموماً، والكتاب المهم في هذا المجال هو الذي ألّفه آرثر جون ماكلين في سنة1895م واسمه:
Grammar of the dialects of vernacular Syriac as spoken by the Syrians of Kurdistan, north-west Persia and the plain of Mosul.
(قواعد اللهجة العامية السريانية المحكية للسريان في كوردستان وشمال غرب بلاد فارس وسهل الموصل)، وهو أول كتاب عن لهجات السريان الشرقيين المحكية في المناطق المذكورة خاصة في الموصل وسهل نينوى، ثم وضع قاموساً للهجات السريانية المحكية سنة 1901م.

ويجب ملاحظة أنه تلافياً للخلط بين السوريين والسريان باللغة الإنكليزية، يستعمل الغربيون المتخصصون في اللغات والأجناس والقوميات كلمة Syriac بدل Syrian، للدلالة على السريان كشعب، خاصة عندما تأتي كلمة السريان لوحدها غير مقترنة بكلمة أخرى كالسريان الشرقيين أو الأرثوذكس، لذلك استعمل ماكلين كلمة Syriac، لتدل على اللغة السريانية، والملاحظ أنه استعملها لأنها أتت وحدها، علماً أن كلمة Syriac في المعاجم الغربية تدل على السريان كلغة وشعب وقوم أسوةً بكلمة (Arabic ارَابيك أو ارَبيك، العرب) وكلمة Syriac، تدل على اللغة السريانية والسريان كشعب وأُمة (قوم) أسوةً بكلمة Arabic، وتعني عربي وما ينسب للعرب، انظر الكلمتين في قاموس Longman، لندن 1968م، ص1124، والمورد، بيروت 1996م، ص941، وقاموس وبستر الأمريكي 2000م، وسبستيان بروك، اللؤلؤة المخفية في تطور اللغة السريانية، إيطاليا 2001م، ج1 ص38. وغيرها من القواميس.

ثم ألَّف الأب جان الدومنيكي كتاب "قواعد لغة السورث أو العامية الكلدانية حسب اللهجة المحكية في سهل الموصل والمناطق المجاورة:
Grammaire de la langue soureth ou chladéen vulgaire selon le dialecte de la plaine de Mossoul et de pays adjacents.

طُبع الكتاب في الموصل سنة 1912م- مطبعة الدومنيكان، وأُعيد طبعه ثلاث مرات إلى سنة 1950م، وعن طريق عمله كأستاذ لغة سريانية وأرمنية في كلية الكتاب المقدس للآباء الدومنيكان بين (1894–1898م)، تعمَّق بالسريانية وكثرت مقالاته بها في مجلة Liasse الفرنسية التي كانت تصدر آنذاك، ويجب الإشارة إلى أن الأب جان له مخطوط سنة 1911م، 307 صفحة، لم يُنشر، بعنوان "قواعد السورث الشرقية الصحيحة" ذكرته Liasse عدد20، يؤكد فيه أن مفهوم اللهجة الشرقية التي يتكلم بها الكلدان والنساطر هي المكتوبة بالألف باء السريانية، والملاحظ أن جميع المؤلفات في هذا المجال تستعمل كلمة، dialects أو vulgaire، أي اللهجة المحكية أو العامية وليس الفصحى، والمهم في كل الأمر أن المبشرين لم يكن هدفهم يتجاوز ترجمة الكتب المقدسة باللهجة السريانية المحكية تسهيلاً للمؤمنين، وليس لإيجاد كلمة سيتم إخراجها من سياقها لتُستغل وتستعمل لأغراض أخرى كما فعل قسم من الآشوريين والكلدان الحاليين المتعصبين حيث استغلوا كلمة سورث التي تعني اللهجة السريانية المحكية العامية وبدؤوا يستعملون بكثرة عبارة لغة السورث في كتاباتهم بدل عبارة اللغة السريانية محاولين نوعاً ما الابتعاد عن الاسم السرياني، وعندما سُئل كوشران ماذا كانت مساهمة المبشرين الأميركيين الرئيسة للشعب؟، قال بكل بساطة:
We wrote the grammar for their Syriac vernacular and translated the Bible for them, so they could read it in their own language
(نحن كتبنا قواعد لغتهم السريانية العامية وترجمنا لهم الكتاب المقدس حتى يتمكنوا من قراءته بلغتهم الخاصة).

لكثرة الوثائق في التاريخ القديم سندرج الآن واحدة لأشهر بطريرك طيمثاوس الأول +823م ونشرنا سابقاً وسننشر لاحقا وثائق من أرشيفهم حصراً قبل هذا التاريخ وبعده بقرون، وباللغتين السريانية والعربية
حتى بعد أن سمى الغرب هؤلاء السريان كلداناً وآشوريين لم يستطيعوا الخروج عن العلمية والأكاديمية
كانت مدراس السريان الشرقيين (المتأشورين) بعد أن سَمَّاهم الغرب آشوريين حديثاً هو تأسيس مدارس باسم مدرسة آشورية، لكنها تدرس لغة سريانية، أي اسم مدرسة آشورية هو تاريخي مثل مدرسة سومر أو بابل، وتمنح شهادة باللغة السريانية مكتوبة بثلاث لغات عربية، سريانية، إنكليزية، وهذه نسخة من شهادة المدرسة الآشورية في الموصل لسنة 1926م. موشر تحت اسم السريانية بالأحمر.
كان مطلب البطريرك إيشاي سنة 1932م بإقامة دولته الآشورية المزعومة، هو تدريس لغة سريانية وليس آشورية.
قال بطريرك الكلدان عمانوئيل دلي في رسالته إلى مجلس الحكم سنة 2004م: نحن والآشوريون لغتنا هي السرياني.
قال كوركيس صليوا مطران بغداد الآشوري أيضاً (البطريرك حالياً) في رسالة وجَّهها للحاكم الأمريكي وممثل الأمم المتحدة الإبراهيمي، إن لغتنا هي الآرامية، وليس الآشورية، والاسم الآشوري هو جغرافي، وأُفضِّل تسمية كنيستنا، كنيسة المشرق، وليس الآشورية، وهذه هي الوثائق الخمسة:
وشكراً/ موفق نيسكو

      

      

        

       

          

 

 

 

 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع