أخلاء الأباتشي ...... قصة حقيقية من واقع عملي على الطائرات ج2

                                          

أخلاء الأباتشي ...... قصة حقيقية من واقع عملي على الطائرات ...(الجزء الثاني)

              

كنا قد ترجلنا من سياراتنا بعد وصولنا لموقع الطائرة وكما ذكرت بالجزء الأول من القصة , واتجهت مباشرةً إلى مكان نزولها, وكانت الخطوة الأولى لي تأمين الطائرة من جميع الأسلحة والقذائف التي فيها, وفق سياق عمل فني معروف لدينا في هكذا حالات ,

تبدأ بفصل البطارية وجميع مصادر القدرة الكهربائية عن الطائرة وفتح جميع الأقفال الخاصة بالأجهزة الكهربائية ومنظومة التسليح لها وأثناء ذلك تبين لنا السبب الحقيقي للهبوط الاضطراري للطائرة  (حيث وجدت اثر أحدى الطلقات النارية في حزمة الأسلاك الكهربائية الخاصة بمنظومة الطيار الآلي, وتحوي هذه الحزمة على سلك  يمرر أشارة تحذيرية للطيار من خلال لوحة الطيارين بالمقصورة بالنزول الفوري للطائرة) ,  وهذا هو التفسير العلمي للهبوط , وعدا هذه الإصابة  كانت الطائرة سليمة 100% وليس بها أي ضرر أخر,  وكانت قيادتهم العسكرية على علم بهذا النزول من خلال اتصالاتهم اللاسلكية التي جرت مع الطيارين قبل تركهم للطائرة,  وهذا ما زاد من إحساسي بان السباق بدا بيني وبين الأمريكان على من يصل إليها أولا , وأنهم سيسارعون بالقدوم لإنقاذها , وخصوصا أن تحليق الطائرات المعادية كان مستمرا فوق موقع الحادث.

      
             الصورة \ نزع  الأسلحة والصواريخ من قبلنا



أتممنا عملية إزالة مصادر القدرة الكهربائية للطائرة  والتأكد من عدم وجود متفجرات داخلها , ووجدنا حقيبة يدوية مليئة بقناني الخمر والماء وبعض أقراص السي دي خاصة بالطيارين, انتقلت برفقة مجموعتي إلى الخطوة الثانية والمهمة وهي إزالة الأسلحة من الطائرة وكانت هذه المهمة ليست باليسيرة لضخامة وقوة حجم السلاح الذي  تحتويه وأذهلنا مارأت أعيننا,  فبإمكان هذه الكمية الضخمة من السلاح  تدمير مبان وسيارات وقتل العيد من البشر , وهي:
1.(8) صواريخ جو – ارض كل واحد منها قادر على تدمير بناية من عدة طوابق.
2. (32) صاروخ قصير المدى له قابلية تدمير وحدة سكنية أو أي عجلة تمشي على إطارات .
3.(500) أطلاقة مدفع عيار 20 ملم كل  أطلاقة منها قادرة على تحويل أي بشر إلى أشلاء بلحظات.
4. إضافة إلى أجهزة تشويش عالية التقنية وأجهزة رؤية عن بعد وأجهزة تنشين وجهاز اتصال بالأقمار الصناعية وغيرها من الأجهزة الحديثة.

كم أزداد غضبي وحقدي على هذا العدو الذي يحمل بإحدى آلياته التي تجاوزت المئات الآلاف منها الجوية والأرضية أسلحة تدمير قرية او مدينة بأكملها من مبان وبشر ...... ( أليس بالأحرى أن نسمي هكذا أسلحة "" بأسلحة الدمار الشامل"" وهي نفس الذريعة التي جاءت بهم لاحتلالنا.

نعود إلى القصة مرة أخرى حيث كانت المشكلة التي تواجهني في هذه العملية هو التحليق المستمر للطيران المعادي فوق الموقع ,حيث كان في تصور العدو أنه بالإمكان إنقاذ الاباتشي من قبضتنا  لمنعنا من الاطلاع على تكنولوجيتهم المتطورة , فكان بحق سباقاً بين قوى الحق والباطل بين العراقيين المدافعين عن وطنهم والاميركان الغزاة وكان أجدر بالمتسلح  بالحق والإيمان أن ينتصر ,هكذا كنت أقول لنفسي بتلك اللحظات الحرجة وهنا كان التدخل الإلهي واضحا فبأقل من ربع ساعة وأثناء نزع الأسلحة من الطائرة بدا الجو بالتغير من صحو مشمس إلى جو مليء بالغيوم ومغبر بدأت فيها الرؤيا بالتدني إلى اقل من 100 متر , وكأنه غطاء يحجب عنا مراقبتهم لنا والتريث من جانبهم باتخاذ خطوة إنقاذهم للطائرة , وأسرعت بانجاز المرحلة الثالثة من العمل وهو تحميل هذه الطائرة على الناقلة والبدء بالتحرك من مكانها الحالي, فبدأنا بربط جسمها الضخم والذي تجاوز وزنه ال 9 أطنان بواسطة أسلاك حديدية مخصصة لها وبطريقة هندسية معروفة لدينا ومن ثم رفعها بواسطة الكرين برغم صعوبة الموقف لكون الأرض زراعية فبالتالي هي رطبة, ولكن تمكنا أخيرا من  وضعها على الناقلة وخلال تلك الفترة كانت آليات أخرى قد بدأت العمل بشق  طريق بديل لمرور هذه الناقلة المحملة بالطائرة وماهي إلا ساعتان من الزمن تمكنا خلالها الوصول إلى الشارع الرئيسي الذي يربطنا ببغداد ( علما انها لاتتجاوز أل الكيلومترات الثلاث) لكن ثقل الحمولة وفتح الطريق  الجديد زاد من زمن الوصول.



كانت الساعة قد أشارت إلى منتصف الليل عندما وصلنا الشارع الرئيسي  للتوجه إلى بغداد وخططنا لاستغلال ظلام الليل للمسير لتفادي رصد العدو وكان الوقت المقدر للمسير بحدود الثلاث ساعات إذا لم يحصل أي طارئ فبدأنا المسير برفقة سيارات الحماية وبعد تحركنا بعدة كيلومترات بدأت تلوح بالأفق بعض المفارقات التي لم تكن بالحسبان ,فأثناء وصولنا بالقرب من معسكر الحصوة للجيش بدأت الطائرات الأمريكية المغيرة بالقصف الجوي العشوائي لهذا المعسكر ما حدا بنا التوقف والاختباء لبعض الوقت حفاظا على أرواح المجموعة وكذلك على الأمانة التي في أعناقنا , ومرت ساعة من القصف الذي دمر إضافة للمعسكر بيوت الناس الأبرياء بالمنطقة بدأنا الرحلة من جديد بهذا الطريق المظلم وكانت المفاجأة الثانية هي عطل رأس الشاحنة التي تقل هذه المروحية على بعد 55كم فقط عن بغداد وكانت الساعة قد اقتربت من نهاية الليل وبزوغ الفجر وكأن القدر يختبر قوة إصرارنا, فكان الإجراء الأولي الاتصال بالقيادة لإرسال شاحنة بديلة ولكن جوابهم هو انتظار الصباح واستخدام الخطة البديلة بإخفائها في أحد المزارع لحين وصول الشاحنة البديلة أو التصرف الشخصي من قبلي ؟ وذلك بتأمين شاحنة من المنطقة المتواجد فيها فأثرت هذا الحل لخطورة الموقف وفعلا تم التحرك على أصحاب الشاحنات المدنية بمساعدة المسئولين المتواجدين معنا والذين هم من أهل هذه المدينة وقام احد الأشخاص من أهالي المنطقة بجلب رأس شاحنته لغرض جر هذا الوحش الأمريكي الكبير وبالفعل تم  ربط المقطورة الحاملة للطائرة برأس الشاحنة والتحرك باتجاه بغداد ووصلنا بعد مرور عدة ساعات أضافية غير محسوبة علما إن المسافة المقدرة لاتتجاوز ثلاث ساعات كما أسلفنا , وبعد وصولنا إلى سيطرة الدورة وهي مدخل بغداد الجنوبي كان في استقبالنا المسئولين العراقيين في حينها مهنئين بسلامة الوصول والبدء بمرحلة جديدة وهي أخفاء الطائرة في المكان المخصص لها ...... حتى لايفوتني أن اذكر موقف صاحب الشاحنة الأهلية الذي ينم عن أحساس عالي بالوطنية والشهامة ( حيث أردت أن ادفع له مبلغ من المال فأبا بإصرار أن يأخذ أي مبلغ لأنه كما قال أني مشارك معكم بمقاومة الأمريكي المحتل مثل ماتعملون أنتم).  
طلب مني المسئول الذي استقبلنا بان أبقى مع مجموعتي الهندسية معهم لإنزال الطائرة بالمخبأ المخصص لها في احد بساتين التاجي الواقعة بشمال بغداد علما نحن دخلنا من ناحية الجنوب فامتثلت للأمر برغم الإجهاد الذي بدا علينا من عدم النوم لأكثر من 24 ساعة ,وبدأنا بالمسير داخل بغداد من جنوبها إلى شمالها متجاوزين الأنفاق وجسور عبور المشاة التي كانت تشكل عائق لمرورنا من خلالها وذلك بسبب ارتفاع الطائرة الذي تجاوز ال 5 أمتار  وهي على الناقلة , مما حذا بنا تجاوزها من خلال مرورنا بأزقة وشوارع جانبية, وبهذا مررنا بمناطق بغداد كافة تقريبا وكان البغداديون فرحين بمشاهدة أعظم سلاح للأمريكان مقيد من قبل العراقيين, ولكني كنت قلقا على هذه الحشود الفرحة من غدر الأمريكان باستهدافهم , لكن العناية الإلهية التي أحاطت بنا طوال أل 24 ساعة التي مضت كانت حاضرة بالساعات الأخيرة لحين وصولنا المنطقة المقرر لها لإخفاء الطائرة.
أخيرا تم أنزال الطائرة في مخبئها الجديد  وسط تواجد كثيف للمسئولين بالدولة وعلى رأسهم وزير التصنيع العسكري الذي شكرا لنا الجهود الاستثنائية المبذولة من قبلنا , وكم كان إحساسي جميل بالنصر بعد مواجهة وتحد لعدو, كل الحسابات والتوقعات تقول انه لايمكن مواجهته ولكن إصرارنا وتحدينا كانت كفيلة بكسر حاجز التوقعات ,وان هذه الحادثة تعتبر انتكاسة للأمريكان وهم يشاهدون بأعينهم أعظم سلاح لهم مهان وأسير بطياريه عند العراقيين وان التكنولوجيا السرية التي لطالما حاولوا كتمانها سابقا أصبحت في متناول أيدينا.
فكانت محاولاتهم باليومين التي تلت وصول الاباتشي لبغداد أن يدمروها من خلال قصفها بطائراتهم بعد أن خسروا المواجهة معنا في إنقاذ سلاحهم المهان ولكي ينهوا سر التكنولوجيا الأمريكية ولو على حساب خسارة آلتهم العسكرية, علما أننا قمنا بكشف بعض هذه الأسرار بعد نزع الأجهزة والمعدات ذات التقنية العالية وأسلحتها القتالية.
في اليوم الثالث لوجود الطائرة بمخبئها ومن خلال أقمارهم الصناعية جاؤوا بطائراتهم وأسلحتهم ليدمروا الاباتشي ...... ولكن بعد ما أصبحت آلة حديدية مكشوفة.
هذه هي قصتي مع الاباتشي الأمريكية خلال حرب العراق مع أمريكا عام 2003 .

                   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

828 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع